ارتبطت في أذهان الناس بأكبر اقتتال قبلي تشهده البشرية في التاريخ القريب ذهب ضحيته نحو مليون إنسان، وهي دولة فقيرة لا تمتلك ثروات معدنية، ولا منفذًا على البحر، إلا أنها تحولت من الإبادة الجماعية إلى واحدة من أجمل دول القارة السمراء ومن أكثرها تطورًا وجذبًا للسياح.
الموقع والجغرافيا
تقع رواندا في منطقة البحيرات العظمى شرق وسط إفريقيا، وتحدها من الغرب جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن الشمال أوغندا، وتنزانيا من الشرق، وبوروندي من الجنوب، وتمتد لبضع درجات جنوب خط الاستواء وهي بلد غير ساحلي كما ذكرنا، عاصمتها “كيغالي” التي تقع بالقرب من مركز رواندا، وهي مركز لتجُّمع المياه بين نهر الكونغو وحوض نهر النيل وأحواض الصرف الرئيسية التي تمتد من الشمال إلى الجنوب عبر رواندا، فنحو 80% من مساحتها تجري فيها روافد النيل الأبيض ونهر الكونغو ونهر روسيزي وبحيرة تنجانيقا.
تهيمن الجبال على وسط وغرب رواندا، وهي جزء من مرتفعات “ألبرت” التي توجد في شرق إفريقيا وتمتد من الشمال إلى الجنوب على طول الحدود الغربية لرواندا، وتضم أعلى القمم الجبلية المتمثلة في سلسلة بركان فيرونغا في شمال غرب البلاد، حيث تشمل جبل كاريسيمبي الذي يعد أعلى نقطة في رواندا، إذ يبلغ ارتفاعه 4507 مترًا، وفي سط البلد تكثر التلال، في حين تتكون المنطقة الحدودية الشرقية من السافانا والسهول والمستنقعات .
حققت السياحة وحدها نحو 43% من الدخل الإجمالي للبلاد
وعلى الرغم من أن رواندا تقع إلى الجنوب قليلًا من خط الاستواء، فإنها تمتاز بمناخٍ معتدل مائل للبرودة قليلًا، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى تنوع التضاريس وارتفاع الجبال والهضاب، وتتراوح درجات الحرارة بين 17 إلى 28 درجة مئوية، بفعل ارتفاع البلاد عن سطح البحر، فيما يتراوح معدل الأمطار السنوي بين 750 و1500 ملم.
السكان
يقدر عدد سكان رواندا بنحو 12 مليون نسمة، 58% منهم شباب، وتشكل قومية “الهوتو” نحو 84% فيما تبلغ نسبة “التوتسي” نحو 15%، و1% عرقيات أخرى، وبالنسبة للديانة فإن 56% من السكان هم مسيحيون كاثوليك، و39.4% بروتستانت، و4.5% طوائف مسيحية أخرى و1.8% مسلمون، فضلاً عن ديانات أخرى.
اللغة الرئيسية في البلاد هي الكينيا رواندية التي يتحدث بها معظم الروانديين وكانت اللغات الأوروبية الكبرى مثل الفرنسية والإنجليزية.
أجمل عاصمة إفريقية
نجحت رواندا في تغيير الصورة الذهنية والانطباع السالب الذي تشكّل عنها بعد الإبادة الجماعية “1994”، وها هي تمتلك اليوم أجمل مدينة إفريقية “العاصمة كيغالي”، وحققت السياحة وحدها نحو 43% من الدخل الإجمالي للبلاد، كما سعت الحكومة الرواندية الحاليّة إلى تسويق العاصمة والمدن الأخرى كوجهاتٍ آمنة عن طريق تطبيق القوانين الصارمة المُلزمة للمواطنين، وكان لحرص وترحيب الحكومة الرواندية باستضافة القمة الإفريقية رقم 27 التي انعقدت في يوليو/تمّوز 2016، رسالة مهمةً أرادوا إيصالها للعالم بأن رواندا تحتل مكانة متقدمة على خريطة العالم في القارة السمراء، ورئيسها الحاليّ كاجامي يسير بخطى سريعة نحو تحقيق الرقي والرفاهية لهذا البلد الصاعد بقوة.
كيغالي والنظافة
حكاية شوارع كيغالي مع النظافة التي جعلت منها أنظف عاصمة في إفريقيا على الإطلاق، بدأت منذ سنوات بمبادرة وطنية اشترك فيها جميع المواطنين الذين شرعوا في عمليات جماعية وتطوعية لتنظيف أحيائهم وأزقتهم، مما جعل المدينة تدخل مرحلة جديدة من الحضارة أصبحت معها تضاهي كبريات الحواضر في أوروبا، حتى إن الأمم المتحدة اختارتها سنة 2015 كأجمل مدينة في إفريقيا.
كيغالي العاصمة الرواندية تمتاز بنظافة شوارعها، وتحتوي على عدد من مراكز التسوق الرائعة والأسواق الشعبية والمحلات التجارية، بالإضافة إلى المقاهي العصرية اللامعة والمطاعم التي تقدم مختلف أنواع الأطعمة اللذيذة
العاصمة كيغالي التي يسكنها نحو مليون مواطن تقريبًا، تعد أكبر مدن رواندا، ومن أفضل المدن الإفريقية على مستويات النظافة والأمن والمحافظة على نظام المدينة النموذجية، وتضاهي شوارع وسط مدينة كيغالي، بنظافتها وحسن صيانتها، معظم شوارع العواصم الأوروبية، ولذلك فإن الأجنبي المتجول في أحياء كيغالي سيقف أيضًا على الدرجة العالية من الجمالية التي تمت بها عمليات رصف الشوارع والأزقة، وحرص مسؤولي البلدية على رصفها وفق معايير دولية.
السياحة في رواندا
يعتمد اقتصاد رواندا بدرجة كبيرة على السياحة، فهي تحقق ما نسبته 43% من الدخل القومي، بالإضافة إلى كونها المصدر الرئيس للنقد الأجنبي في البلاد، وعلى الرغم من إرث الإبادة الجماعية، ينظر إلى رواندا دوليًا بصفتها وجهة آمنة، وقد سجل إقبال الزوار عليها بنحو 3 مليون زائر خلال عام 2014 حسب إحصاءات الجهات الرسمية، وتشتهر رواندا بالتضاريس الجميلة، حيث المرتفعات والمناظر الطبيعية الخلابة والتلال البديعة ووفرة الحياة البرية، إذ إنها من البلدان التي تتميز بوجود الغوريلا الجبلية والتي يمكن زيارتها بأمان، حيث توجد الغوريلا في الحديقة الوطنية للبراكين وتجذب آلاف الزوار سنويا، وهم على استعداد لدفع رسوم عالية (750 دولارًا) للحصول على تصاريح الزيارة.
جولة في العاصمة
كيغالي العاصمة الرواندية تمتاز بنظافة شوارعها كما ذكرنا، وتحتوي على عدد من مراكز التسوق الرائعة والأسواق الشعبية والمحلات التجارية، بالإضافة إلى المقاهي العصرية اللامعة والمطاعم التي تقدم مختلف أنواع الأطعمة اللذيذة، لذا يعد القيام بجولة فيها من الأشياء الممتعة التي ستمكنك من التعرف على السكان المحليين للمدينة والتقاليد اليومية لديهم.
شاطئ بحيرة كيفو
تعتبر البحيرة واحدة من البحيرات العظمى الموجودة في إفريقيا، فهي سادس أكبر بحيرة في إفريقيا وتمتد على مساحة 90 كيلومترًا على طول الحدود مع جمهورية الكونغو، يوجد بالقرب منها مجموعة من التلال المغطاة باللون الأخضر الجميل ومن أجمل المدن المطلة على البحيرة كارونغي التي يمكنك منها أخذ القوارب إلى جزيرة نابليون ورؤية خفافيش الفاكهة الموجودة هناك، والجزيرة يوجد عليها كذلك، عدد من الشواطئ الرائعة التي تحتوي على عدد مختلف من الرياضات المائية الممتعة.
رواندا من الدول التي عانت من آثار العنف على مدى سنوات طويلة، حيث تعرَّضت البلاد إلى العديد من الإبادات الجماعية المروعة والتي اتسعت على نطاق واسع في العام 1994، وفي أقل من 100 يوم قُتل ما يقارب مليون شخص
متنزه nyungwe forest
يعد من المتنزهات القومية الرائعة حيث يحتوي على أروع مناظر الطبيعة الموجودة على الإطلاق، ويقع في الركن الجنوبى الغربي من رواندا، وهو موطن العديد من الغابات الاستوائية المطيرة، ويتميز بتنوع بيولجي هائل فتجد فيه شجرة السرخس العملاقة وبساتين الفاكهة بالإضافة إلى عدد كبيرة من الطيور الملونة وستجد الفراشات تحيط بك في كل مكان، ويوجد في الحديقة جسر معدني معلق على ارتفاع 50 مترًا فوق الغابة يعطي لك وجهات بانورامية على الحديقة بأكملها لذا يعد المكان ذا شعبية واسعة في رواندا.
رحلات السفاري الممتعة
رواندا وجهة ممتازة لرحلات السفاري الرائعة، فتحتوي على العديد من المتنزهات الرائعة التي تدار من المنظمات الإفريقية، وتقع هذه المتنزهات على مساحات شاسعة، لذا تضم تنوع بيولجي رائع، فتجد فيها العديد من الحيوانات البرية الرائعة كالظباء والأسود والفهود ووحيد القرن فضلًا عن الفيلة والزرافات، وغيرها من الحيوانات المتنوعة.
بحيرة ومتنزه أكاجيرا
يعد من أشهر وأجمل المتنزهات الموجودة في رواندا، ويحتوي على عدد من البحيرات والمستنقعات مع مناظر رائعة من المرتفعات التي يغطي قممها اللون الأخضر الجميل، لذا تجده مزدحمًا على الدوام حيث يزوره المئات يوميًا.
متحف كيغالي
رواندا من الدول التي عانت من آثار العنف على مدى سنوات طويلة، حيث تعرَّضت البلاد إلى العديد من الإبادات الجماعية المروعة والتي اتسعت على نطاق واسع في عام 1994، وفي أقل من 100 يوم قُتل ما يقارب مليون شخص، بالإضافة إلى تعرض المئات من النساء إلى الاغتصاب، ولقد صمد الشعب واستطاع أن يتجاوز هذه المحنة، لهذا، تعد زيارة متحف كيغالي فرصة رائعة لفهم تاريخ البلد والمجازر المروعة التي حدثت فيها، كما يحتوي المتحف على حديقة مزينة بالورود ترمز إلى الوحدة والمصالحة.
رواندا اليوم، مثالٌ واضحٌ على ما يمكن أن يقوم به رجل واحد إن تحلى برؤية القائد والنظرة الثاقبة، فرغم الخلفية العسكرية لبول كاغامي، والإرث الصعب الذي وجده أمامه، وموقع رواندا الحبيسة والمحاطة بدولٍ فاشلة من كل حَدَب وصوب، فإنه أدرك أن الإنسان هو إكسير النجاح
رواندا ومكافحة الفساد
بذلت جمهورية رواندا مجهودًا جبارًا في مكافحة الفساد وفرض الأمن والاستقرار، خاصة مع تولي الرئيس الحاليّ “بول كاغامى” مقاليد الحكم في البلاد منذ عام 2000، فقد حثّ الأخير الجهات التشريعية على إصدار قوانين صارمة أصدرت بموجبها المحاكم عقوبات قاسية في حق ناهبي المال العام وصلت إلى الإعدام مثلما حدث في العام 2015، كما قرر الرجل خصم 20% من رواتب الوزراء وكبار المسؤولين لصالح الخزينة العامة، تلك الإجراءات أوجدت موارد مالية ضخمة كانت تهدر سنويًا فاستفادت منها الحكومة في تطوير البنية التحتية وتجميل العاصمة والمدن الكبرى حتى تغيرت ووصلت إلى المستوى الذي نتحدث عنه.
إعفاء كل الجنسيات من تأشيرة الدخول!
يوم الجمعة 17 من نوفمبر/ تشرين الثاني الحاليّ، أعلنت وكالة الأنباء الرواندية الرسمية قرارًا جريئًا غير مسبوق، أُتيح بموجبه لمواطني جميع دول العالم الدخول إلى البلاد دون تأشيرة مسبقة بدءًا من مطلع يناير/كانون الثاني 2018، وبررت الوكالة القرار بأنه يأتي ضمن سياسة الدولة الرامية إلى رفع عدد السياح وتنشيط القطاع السياحي، وأشارت إلى أن الأجانب المقيمين برواندا، سيتمكنون من دخول البلاد عبر إبراز إقاماتهم فقط، أما غير المقيمين فمطالبون بإبراز جوازات سفرهم وحدها، بينما سيدخلها مزدوجو الجنسية عبر البطاقات الشخصية.
رواندا اليوم مثالٌ واضحٌ على ما يمكن أن يقوم به رجل واحد إن تحلى برؤية القائد والنظرة الثاقبة، فرغم الخلفية العسكرية لبول كاغامي، والإرث الصعب الذي وجده أمامه، وموقع رواندا الحبيسة والمحاطة بدولٍ فاشلة من كل حَدَب وصوب، فإنه أدرك أن الإنسان هو إكسير النجاح، لذلك لم يتردد في اتخاذ قرارات صعبة محفوفة بالمخاطر بدأ بنفسه في تخفيض راتبه ثم راهن على تفهم الشعب وثقته وهو ما تحقق فعليًا في وقتٍ قياسي.
أخيرًا، تجربة رواندا في التحول من الإبادة الجماعية التي أودت بحياة مليون شخص إلى بلد سياحي منفتح على العالم لهي تجربة جديرة بالدراسة، بالنظر إلى قِصر الفترة التي استغرقها هذا التحول، فبلداننا تمتلك مقومات طبيعية لا تقل روعةً ولا جمالًا عن رواندا ولكن المشكلة تكمن في وجود الإرادة والعزيمة، فضلًا عن كيفية التطبيق.