تتداول وسائل الإعلام المتابعة، بين الفينة والأخرى، أنباءً عن ارتكاب قوات الإدارة الذاتية في شمال سوريا انتهاكات بحق المواطنين القابعين تحت سلطتها، وكان آخر هذه الأنباء إجراء قوات الإدارة حملة اعتقالات واسعة طالت أكثر من 100 شاب، في إطار مسعاها للقضاء على إضراب “الكرامة” الذي جاء في سياق إعلان المواطنين رفضهم للتجنيد الإجباري الذي تقوم به قوات الإدارة.
وفي ضوء ذلك، ما الذي تورده منظمات حقوق الإنسان في هذا الصدد؟ وهل هناك شهادات حية لمواطنين في ذلك الإطار؟ وما ردود الإدارة على ذلك؟
في تقريرٍ صدر عنها مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2015، تحت عنوان “لا مكان نذهب إليه”، ذكرت منظمة العفو الدولية أن الإدارة الذاتية التي تتبع لحزب الاتحاد الديمقراطي “ب ي د”، أحرقت قرى عربية وتركمانية شمالي سوريا، وأجبرت سكانها على المغادرة تحت التهديد بالقتل، واعتمد فريق المنظمة في إعداد التقرير على صور ملتقطة من الأقمار الاصطناعية وشهادات سكان محليين وشهود عيان، وتُصنف هذه الإجراءات في إطار “الإبادة الجماعية” و”التطهير العرقي”.
وضمن تقرير عام 2015/2016، أشارت ذات المنظمة إلى أن قوات الإدارة الذاتية سيطرت على مدينتي عفرين وكوباني “عين العرب” وعلى عدد من القرى المحيطة بهما، وقد رحلت مجموعات سكانية قسرًا من 10 قرى وبلدات، بما فيها مدينة الحسينية في فبراير/شباط 2016، كما منعت الأهالي النازحين من العودة إلى ديارهم في بلدة سلوك التابعة لمحافظة الرقة في يوليو/تموز 2016.
وأعقب ذلك، بحسب التقرير، قيامها بعمليات اعتقال تعسفية وعقد محاكمات جائرة لمن اشتبه بأنهم من مؤيدي الجماعات المسلحة الأخرى، عوضًا عن استغلالها بعض الأطفال كجنود في ساحات المعارك.
فشلت سلطات الحزب في معالجة حوادث القتل والاختفاء بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش الذي بين أيضًا أن قواتها لم تفِ بالتزامها القاضي بتسريح الأطفال المجندين، والتوقف عن استخدام الفتيان والفتيات دون سن 18 عامًا في القتال
وفي تقريرها لسنة 2016/ 2017، أوضحت العفو الدولية أن قوات الإدارة الذاتية سيطرت خلال عام 2016، على معظم المناطق الشمالية الحدودية، وارتكبت بعد ذلك عدة تجاوزات بحق المدنيين، أبرزها هدم منازل عشرات المدنيين العرب في تل تمر، التابع لمحافظة الحسكة، متهمةً أصحابها بأنهم من مناصري “داعش” طبقًا لتقرير المنظمة الذي اعتمد أيضًا على تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.
وبحسب التقرير المذكور، فإن قوات الأمن الكردية “أسايش” ووحدات حماية الشعب جندت خلال عام 2016، 12 طفلًا في صفوفها قسرًا، فضلًا عن استهدافها بالقنص 23 مدنيًا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من مدينة حلب ما بين شباط/فبراير وأبريل/نيسان 2016.
وفي ذات السياق، نشرت هيومن رايتس ووتش، تقريرها عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا خلال عام 2015، مبينةً أن حزب الاتحاد الديمقراطي والأحزاب المتحالفة معه، أنشأ إدارة انتقالية في يناير/كانون الثاني/ 2014، في المناطق الشمالية الثلاثة: عفرين وعين العرب والجزيرة، معلنًا منطقة حكم ذاتي كردية، ورغم تشكيله مجالس شبيهة بالوزارات وتقديمه دستورًا جديدًا، إلا أنه ارتكب انتهاكات وتجاوزات عدة تجسد أبرزها في الاعتقالات التعسفية وتجنيد الأطفال وفرض التجنيد الإجباري وطرد المواطنين العرب السُنة قسرًا وحرق منازلهم أو مؤسساتهم التجارية أو محاصيلهم.
وقد فشلت سلطات الحزب في معالجة حوادث القتل والاختفاء بحسب التقرير الذي بين أيضًا أن قواتها لم تفِ بالتزامها القاضي بتسريح الأطفال المجندين والتوقف عن استخدام الفتيان والفتيات دون سن 18 عامًا في القتال.
تحت عنوان “الاعتداء الأصفر”، تحدثت الشبكة عن أبرز الانتهاكات التي شهدتها محافظة الرقة ما بين 6 من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 ويونيو /حزيران2017، مشيرةً إلى أن 146 مدنيًا، بينهم 31 طفلًا و31 سيدة، قضوا نتيجة هجمات قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، و117 مدنيًا اُعتقلوا على يد قسد خارج الإطار القانوني
وطبقًا للتقرير، فإن سلطات الحزب أرسلت في حزيران/يونيو 2015، رسالة إلكترونية إلى هيومن رايتس ووتش تقول فيها إنها تواجه “تحديات كبيرة” في وقف استخدامها للجنود الأطفال بسبب النزاع المسلح، إلا أنها سرحت 27 فتى و16 فتاة، غير أن المنظمة تؤكد أن المخاوف بشأن إنشاء وحدات “غير مقاتلة” في هذه القوات للأطفال في سن 16 و17 ما زالت قائمة.
وفي الإطار ذاته، أوضحت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ـ شبكة سورية محلية ـ لنون بوست، أن تقريرها المعنوّن باسم “أبرز انتهاكات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوات الإدارة الذاتية الكردية”، والمنشور في 18 يناير/كانون الثاني 2016، يحوي انتهاكات قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي خلال 2015، 407 مدنيين، بينهم 51 طفلًا و43 امرأة، و16 شخصًا تحت التعذيب، وبحسب ما تورده الشبكة في تقريرها، فإنها وثقت ارتكاب قوات الإدارة الذاتية 3 مجازر بصبغة “عرقية” في قرى وبلدات عربية، راح ضحيتها 91 مدنيًا بينهم 17 طفلاً و3 سيدات.
وتحت عنوان “الاعتداء الأصفر”، تحدثت الشبكة عن أبرز الانتهاكات التي شهدتها محافظة الرقة بين 6 من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 ويونيو/حزيران 2017، مشيرةً إلى أن 146 مدنيًا، بينهم 31 طفلًا و31 سيدة، قضوا نتيجة هجمات قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وأن 117 مدنيًا اُعتقلوا على يد قسد خارج الإطار القانوني.
وقال المواطن محمد خالد الكاطع، من مدينة رأس العين محافظة الحسكة، إن قوات الإدارة الذاتية رحلته وعائلته المكونة من 25 فردًا قسرًا من مدينتهم التي تتعرض لسياسة “تكريد عنصرية” على حد وصفه.
وفي موازاة ذلك، قال علي بكاري إن حزب الاتحاد الديمقراطي “ب ي د” تستأثر الإدارة المدنية والعسكرية لنفسها، وتكافح المسيرات والمظاهرات السلمية، ولعل مهاجمتها للمتظاهرين في مدينة عامودا، في 27 من يونيو/حزيران 2013، بالرصاص الحي وقتل 6 من المتظاهرين وجرح العشرات ومنع المشافي من استقبال الجرحى والانهيال بالضرب على الدكتور أحمد داري رئيس مشفى داري لاستقبال الجرحى، خير مثال على “انتهاكاته غير الإنسانية”، متممًا أنها تمارس الاعتقالات الكيفية للمعارضين الأكراد، وتمنع الأحزاب سياسية أخرى ممارسة نشاطها السياسية، وقد منع عقد مؤتمر المجلس الوطني الكردي الرابع “المعارض”، والذي كان مُقررًا عقده في 7 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ، وذلك عبر تفريق المؤتمرين عنوة وبقوة كبيرة من القوات الأمنية “الآسايش”.
أشار محمود شيخ نوح عضو مكتب العلاقات لتيار المستقبل الكردي في سوريا، إلى أن قوات ال “ب ي د” تمارس عدة “انتهاكات” بحق المواطنين الخاضعين لإدارتها، سواء كانوا عربًا أم كردًا
وأردف بكاري مبينًا أن المساعدات الإنسانية يُمنع توزيعها من دون التنسيق مع ال”ب ي د”، لافتًا الانتباه إلى أنه كان رئيس مكتب المساعدات الإنسانية في المجلس الوطني الكردي، وقد استقبل مرة مساعدات إنسانية من مؤسسة البارزاني الخيرية، بكمية 56 طنًا، وتم توزيعها، غير أنه عندما حاولنا جلب المزيد منعت سلطات الإدارة الذاتية ذلك، مبينةً لنا أنه لا يجوز استقبال أو توزيع أي مساعدات باسم حزب آخر، بل يجب تسليمها إلى الإدارة الذاتية لتوزيعها.
وفي الوقت الذي يؤكد بكاري عضو المكتب السياسي في حزب المساواة الديمقراطي الكردي وعضو المجلس الوطني الكردي، أن القوات الأمنية لا تمارس تجاوزات بحق “الأخوة العرب والتركمان” المقيمين في مناطق السيطرة الكردية، يوضح أن المجلس الوطني الكردي هو الكيان السياسي الجامع للأحزاب الكردية المعارضة لهيمنة الـ”ب ي د” على زمام الأمور، لكنه لا يملك وسائل فاعلة تحد من انتهاكات ال “ب ي د”، مشددًا على أن القوة العسكرية المشابهة لقوته هي العنصر الوحيد القادر على الحد من هذه “الانتهاكات”، وهذه القوة غير موجودة في الوضع الحاليّ.
إن المجلس الوطني يملك قوة عسكرية متدربة تدريبًا جيدًا في إقليم كردستان العراق، يبلغ تعدادها 10 آلاف مقاتل، وبانتظار قرار المجلس لعبور الحدود، بحسب بكاري الذي أضاف أن الرئيس مسعود بارزاني كان رافض وبشدة لتدخلهم، مخافة نشوب اقتتال أخوي عانى منه هو شخصيًا في إقليم كردستان العراق على مدار التاريخ، فضلًا عن ضرورة موافقة الولايات المتحدة على دخولهم، وإلى الآن لم تجد الولايات المتحدة حاجة لدخولهم.
من جهته، أشار محمود شيخ نوح، عضو مكتب العلاقات لتيار المستقبل الكوردي في سوريا، إلى أن قوات ال “ب ي د” تمارس عدة “انتهاكات” بحق المواطنين الخاضعين لإدارتها، سواء أكانوا عربًا أم كردًا، ذاكرًا أن التهجير القسري وفرض الأتاوات والتجنيد الإجباري وخطف الراشدين والقاصرين ومحاربة العمل السياسي المنفصل عن أيديولوجيتهم.
قال سيهانوك ديبو، مستشار سياسي لدى “ب ي د”، إن التقارير المذكورة تحمل كمًا هائلاً من التضليل الإعلامي وتعمل على تهويل لأمور لم تحدث، متابعًا أن قسد تتعرض لموجة من ادعاءات لا أساس لها من الصحة في كل مرة تقوم بتحرير منطقة تسيطر عليها داعش
وتعليقًا على ذلك، أفاد منذر آقبيق الناطق الرسمي لتيار الغد السوري ـ تيار يحارب عبر قواته “قوات النخبة” إلى جانب قسد ـ بأن تيار الغد يُدين أي انتهاكات لحقوق الإنسان من أي طرف في الصراع في سوريا، بينما أشار، عضو المجلس السياسي للتيار عبد السلام نجيب، إلى أن تيار الغد منذ البداية أدرك خطورة مشروع ال “ب ي د”.
ولكن بمعطيات الواقع ودعم الولايات المتحدة اللامحدود له وضعف إمكانيات قوى الثورة، وجد التيار ضرورة انتهاج سياسة تستوعبهم وتجذبهم للمشروع الوطني قدر الإمكان، متابعًا أن التيار أجرى مع الإدارة الذاتية اتفاق ينص على عدم التصادم والاقتتال، والتوحد لمحارب “داعش”، شريطة أن يُرفع علم الثورة دون رايات أخرى، لكنهم نكثوا الاتفاق، إذ عند دخول قوات النخبة التابعة للتيار حي الصناعة والمشلب في الرقة، قبل قوات الـ”ب ي د”، حظيت بقبول شعبي من العشائر العربية، مما أثار غضب الـ”ب ي د”، وبدأ بمضايقة قوات النخبة.
إن تحالف التيار مع الـ”ب ي د” كان اضطراريًا وبضرورة الأمر الواقع، غير أن التيار بدأ يتأكد أن مشروعهم انفصالي، يقول نجيب مبينًا أن قوات النخبة اضطرت للانسحاب من مدينة الرقة، تحاشيًا لتصعيد الموقف، كاشفًا النقاب عن مسعى التيار لرعاية مؤتمر لعشائر المناطق العربية، لتوحيد كلمتهم أمام المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، لإقناعها بأن مطالب الشعب السوري، كردًا وعربًا، تتمثل في الحرية والعدالة وتعددية الحكم، وليس الانفصال والاستبداد.
وردًا على هذه التقارير والشهادات، قال سيهانوك ديبو مستشار سياسي لدى “ب ي د”، إن التقارير المذكورة تحمل كمًا هائلاً من التضليل الإعلامي وتعمل على تهويل لأمور لم تحدث، متابعًا أن قسد تتعرض لموجة من ادعاءات لا أساس لها من الصحة في كل مرة تقوم بتحرير منطقة تسيطر عليها “داعش”.
ورأى ديبو أن المتتبع لمصدر هذه التقارير أو مطلقي الاتهامات يرى أنهم على علاقة بتركيا أو الجماعات المسلحة المرتبطة بها، مؤكدًا على أن المناطق المُحررة على يد قسد مفتوحة وبالإمكان استخلاص النتائج بسهولة من وكالات الصحافة والإعلام العالمية والإقليمية التي لم توصد قسد، إطلاقًا، الباب أمامهم.
وفي هذا الصدد، تساءلت القيادية في حركة المجتمعي الديمقراطي إلهام أحمد، لماذا يحق لتركيا تجنيد المهجرين السوريين لديها، وتحرضهم على مواجهة أهلهم، ولا يحق لقوات الإدارة الذاتية أن تفرض التجنيد الإجباري المحصن بقواعد مرنة وتسهيلات جمّة؟ ألا يجب على المواطن السوري الذي يعيش على أرضه أن يدافع عن نفسه وعن مناطق إيواء النازحين؟
من جهته، نفى مسؤول المكتب الإعلامي لقسد مصطفى بالي، هذه الاتهامات جملة وتفصيلًا لأنها “مسيسة”، مبينًا أن قسد قوات مشهود لها عالميًا بقدرتها على دحر الإرهاب، وأن قسد هي القوة الوحيدة التي استطاعت جمع السوريين بشتى طوائفهم وإثنياتهم في خندق واحد ضد الإرهاب.
وعن النزعة الانفصالية، أفاد بالي أن قسد، بتوحيدها للسوريين، أكدت نيتها على إبقاء سوريا موحدة، وليس العكس، مستدركًا أن الاتهامات والشهادات المذكورة تصدر عن جهات “مُفلسة” في الداخل السوري، وتقيم في إسطنبول، وتُعبر عن مشروع إرهابي بغطاء إسلامي على حد تعبيره.