ترجمة وتحرير: نون بوست
يعد أدب الرحلات من أهم مصادر المعلومات التكميلية إلى جانب الوثائق الأرشيفية والمصادر التاريخية الرسمية حول الحياة الاجتماعية في العهد العثماني.
تنعكس أفكار الرحّالة الغربيين إلى الدولة العثمانية منذ القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر، سواء كانت لأغراض دبلوماسية أو تجارية أو دعوية أو سياحية، في كتبهم عن الرحلات فضلًا عن رسائلهم ويوميّاتهم. وفي القرن السادس عشر بشكل خاص، برزت هذه المصادر لما تزخر به من ثراءٍ بالتأثيرات الشرقية.
كان للدين، كما هو الحال في العديد من الشعوب، دور محوري في المجتمع العثماني أيضًا. ومن بين المناسبات الدينية تحظى الأعياد بمكانة بارزة في الحياة الاجتماعية. وبناءً على الوصف الذي يعتمد على الملاحظة المباشرة، تتضمن كتب الرحلات معلومات حول احتفالات عيد الفطر التي كانت تُقام في العاصمة إسطنبول.
حسب بعض الرحّالة، يُطلق على الأعياد تسميات “الكبير” و “الصغير”، إذ يشير العيد الكبير إلى “عيد الفطر”.
في القرن السادس عشر، أشار هانز ديزنشفام في “يوميات رحلته إلى إسطنبول وآسيا الصغرى” إلى أن الإعلان عن مواعيد الاحتفال بالأعياد كان بأمر من السلطان عن طريق رسول يُذيع الخبر.
سنة 1554، أعلن خيّال في جالاتا أن بداية عيد الفطر ستكون يوم 27 آب/ أغسطس، وأن الاحتفال سيكون في 29 آب/ أغسطس. يُعتبر العيد مناسبة دينية يتحضّر لها الجميع. ويكون اليوم الذي يسبق العيد (عيد الفطر) يومًا تحضيريًا حيث يقوم الناس بشراء كل ما يحتاجونه، وفي صباح اليوم الأول من العيد يُطلقون المدافع الكبيرة.
وصف جيرار دو نيرفال، في كتابه “رحلة إلى الشرق” تأثير المدافع في إسطنبول سنة 1843 كالتالي: “يطغى صدى قذائف المدافع التي أطلِقت من كل الحصون والسفن عند شروق الشمس على أذان المؤذنين الذين يمجّدون الله من أعلى آلاف المآذن (…) إسطنبول مليئة بالناس الذين قد يصل عددهم إلى مليون شخص من أوسكودار وبيرا والذين يملؤون المثلث الضخم الذي ينتهي عند رأس القلعة”.
في القرن السادس عشر، شاهد أوجيير غيسيلان دي بوسبيك صلاة عيد الفطر من جبل يُطل على “أوتاغ هومايون” (الخيمة العظمى).
في “رسائل تركيا”، وصف أوجيير غيسيلان دي بوسبيك مشهد صلاة عيد الفطر في معسكر بأماسيا حضرها السلطان سليمان القانوني. قال بوسبيك إنه شهِد الصلاة بدفع رشوة. وفي وصفه للمشهد، ذكر: “كان الناس يستمعون للإمام بصمت عميق. وكان لكل رتبة مكانها المخصص. كانوا يقفون في صفوف منفصلة أشبه بجدران على الأرض المسطحة. بدوا ثابتين كما لو أنهم مغروسون في الأرض. لم يكن هناك أحد يسعل أو ينظف حلقه. وعندما يكبّر الإمام كانوا ينحنون بتقدير عميق، وعندما يكبّر ثانيةً كانوا يسجدون بخشوع تام كأنهم يقبّلون الأرض. يظهر الأتراك محبة واحتراما لطقوسهم الدينية”.
أشار جيرار دو نيرفال، الذي شاهد السلطان عبد المجيد وهو يؤدي صلاة العيد، إلى أن السلطان يظهر أمام الناس بملابس بسيطة بينما كان جواده مزينًا بتطريزات من الذهب والألماس بشكل يبهر عيون المشاهدين.
في القرن السادس عشر، أشار ستيفان جيرلاخ، إلى أن أجواء المرح والتسلية تسود في عيد الفطر.
في “يوميات تركيا”، وصف عيد الفطر عند الأتراك بأنه أكثر أيام الاحتفال سعادةً. يلبس الجميع أفضل ملابسهم ويتجولون بها لمدة ثلاثة أيام متواصلة. يتم تركيب أربعة أعمدة عالية في كل الميادين والشوارع الواسعة وتزيينها بأغصان الغار والزيتون وأغصان أخرى خضراء. ويتم تغطية هذه الأعمدة بخيمة جميلة، ويتم تعليق البرتقال والرمان والكعكات والسمبوسة وغيرها من الأطعمة. يدفع شخصان الأرجوحة التي يركبها شخص واحد يُحاول في كل مرةٍ الإمساك بشيء من الفواكه أو الكعكات المعلقة.
في الأثناء، تُقرع الطبول وتُعزف المزامير بينما يتنقل البائعون ويقدمون العطور في زجاجات صغيرة ويطلبون المال من المارة بالرش عليهم. يتم دفع عملة معدنية مقابل كل دفعة على الأرجوحة. وهكذا، يمكن للشخص الذي يعمل في مكان الاحتفال بعيد الفطر كسب الكثير من المال. يجلس البعض على عجلة كبيرة تشبه عجلة الطاحونة ويقوم الآخرون بتدويرها، حيث يصعدون وينزلون ويستمتعون بالركوب. تنظّم خلال هذه الأيام الثلاثة من عيد الفطر مجموعة متنوعة من الفعاليات المرحة والمسليّة وتمتلئ الشوارع بالناس”.
قال ستيفان جيرلاخ إن “الأتراك يرسلون إلى بعضهم البعض طبقًا مليئًا بالحلوى. وقد أرسل ملازمنا هدية من هذا القبيل لسيدنا”. وأشار إلى أنه في الأعياد، يتم تحديد من سيقدم هدايا لمن وفقًا للتقاليد الشعبية.
“أفراح العيد” موضوع مشترك بين الرحّالة.
أشار سالومون شفايغر في كتابه “رحلة إلى مدينة السلاطين” إلى أن الشخصيات البارزة في السلطنة ينظّمون أيضًا احتفالات عيد الفطر في منازلهم. ويُذكر أن السلطان نفسه كان يقضي وقتًا في ممارسة ألعاب غريبة. وأكد هانز ديزنشفام مشاركة القصر في احتفالات العيد بقوله: “في أيام الأعياد الكبيرة، يُعد السلطان ولائم في الساحات ويذبح رؤوس الماشية. ثم يتم تحرير الحيوانات البريّة من ذئاب وأرانب وثعالب وكلاب وطيور في الساحة ليتنافس الناس على الإمساك بها، وتضج الساحة بأصوات المرح”.
على الرغم من أن هذه الممارسات والعادات قد تختلف مع مرور الوقت وتغيّر المكان، إلا أن جوهرها لا يتغيّر. فالعادات الدينية تظل مقاومة للتغيير بغض النظر عن سرعته أو شكله. ومع تحولات الحداثة، قد تحدث اختلافات في الطقوس، ولكن جذور عيد الفطر تظل حيّة ومستمرة.
المصدر: أيدينلك