ترجمة حفصة جودة
على مدى خمس سنوات تمكنت إيناس جبران وزوجها – جزار من بيت لحم – من توفير المال اللازم لشراء شقة جديدة مكونة من 3 غرف نوم في القدس الشرقية، كانت سعيدة لتوفير مكان أكثر أمانًا لأطفالهم الأربع بدلاً من مخيم اللاجئين الذي ترتفع فيه نسبة الجريمة حيث كانوا يعيشون.
لكن قبل شهرين، طلب الجيش الإسرائيلي منهم المغادرة، فالإدارة المدنية بالقدس تخطط لهدم هذا البرج السكني و3 آخرين لإفساح المجال من أجل رصف طريق جديد يقولون إنه سيحد من زحمة المرور، وفي يوم الأربعاء شوهد الكثير من الجنود يحتشدون بالقرب من المكان، مما يشير إلى احتمالية إجراء الإخلاء القسري في أي لحظة.
تشعر جبران – 33 عامًا وتجلس في غرفة شبه فارغة وسط صناديق من الورق المقوى – بالقلق الشديد، فأسرتها سوف تخسر جميع مدخراتها وليس هناك مكان ليذهبوا إليه، تقول إيناس: “عقلي يكاد ينفجر”، يعد تدمير الأبنية غير المصرح بها في القدس الشرقية صراعًا روتينيًا بين إدارة المدينة والمنطقة التي يعتبر أغلب سكانها من العرب، لكن حي كفر عقب حيث تعيش جبران يُعد مختلفًا لغرابته الجغرافية.
رغم أن السكان يدفعون ضرائب للمدينة فإن المدينة لا تقدم لهم أي خدمات
يقع هذا الحي على أرض محايدة، فهي تتبع الإدارة المحلية لمدينة القدس لكنها تقع خارج الجدار الخرساني الذي بنته “إسرائيل” عام 2002 الذي يفصل المدينة عن باقي الضفة الغربية، هذا الاستثناء حول الحي إلى مدينة مزدهرة متوحشة ازداد فيها عدد السكان من بضعة آلاف عند بناء الجدار إلى 50 ألف وحتى 65 ألف نسمة اليوم.
ورغم أن السكان يدفعون ضرائب للمدينة فإن المدينة لا تقدم لهم أي خدمات، مما يجعل الإيجارات في تلك المنطقة أرخص من بقية القدس، كما أن الوضع القانوني الغريب للمنطقة يجعلها من الأماكن النادرة التي يستطيع فيها الأشخاص المتزوجون زواجًا مختلطًا – أحد الطرفين يحمل إقامة قانونية في القدس والآخر لا – الإقامة دون المخاطرة بإقامتهم المقدسية.
ولأن المدينة عرضة للتجاهل فلا يصدر لها تراخيص بناء وهناك تجاهل لانتهاكات القانون وحتى الآن لم يتعرض أي بيت للهدم لكن الأرض قد يتم انتزاعها قريبًا، بُنيت المئات من الوحدات السكنية بعضها على أراضٍ مشتراة وبعضها على قطع خالية تمكن أحدهم من وضع يده عليها ولا يجرؤ أي أحد على المطالبة بها، انتشرت الأبراج السكنية بسرعة خيالية ولا يفصل بين الأبراج وبعضها سوى عدة أقدام.
قام أيمن – 45 عامًا – وزوجته بالادخار لمدة 20 عامًا لشراء شقتهم، والآن تخطط الحكومة لهدمها
يقول داني سيدمان محامي ومؤسس “القدس الأرضية” وهي جماعة مناصرة تتتبع التطورات المثيرة في المنطقة: “ما نراه هنا هو فراغ إداري كامل، إننا لا نستطيع حتى إن نحصي عد السكان”.
قبل عامين قام منير الصغير – رئيس لجنة سكان كفر عقب وجماعة “آير أميم” المناصير للقدس – بمقاضاة مدينة القدس لتوفير جمع أفضل للقمامة وتحسين الطرق مثل الأرصفة ومحطات الحافلات وجسور المشاة للأطفال من أجل المدارس ومصارف العواصف، يقول الصغير: “نحن لم نتحدث حتى عن افتتاح طرق جديدة”.
تطلب الأمر 3 شهادات ضد المدينة حتى ترد إدارة عمدة المدينة نير بركات على الأمر قائلة: “سوف تبني المدينة طرق جديدة”، بالنسبة لبركات فالنمو الفوضوي لكفر عقب حوله إلى مكان قبيح وفوضوي وأطلق عليه مكان “مريع” للسكان، ويرى أن بناء طرق جديدة سوف يحسن من نوعية الحياة بالنسبة لعمال كفر عقب بدلاً من العمل على الطرق الموجودة، فتجديد الطرق الموجودة لن يحل المشكلة فقد يحسن فقط من نوعية الطرق لكنه لن يضيف إليها قدرات جديدة.
لا ينكر بركات أن المدينة أهملت كفر عقب كثيرًا، لكن ذلك خشية وقوع اعتداءات على العمال من الجانب الآخر من الجدار، فسيارات الإطفاء والإسعاف وحتى مراكز الشرطة غير موجودة في المدينة على الإطلاق، لكن بحسب بركات فهو يلوم الضغط الدولي على “إسرائيل” والذي يقول بأنه قيد من سلطة الجيش والشرطة مما يجعل المدينة مكان غير آمن لقيام العامل بواجباته.
قد يؤدي هدم الأبراج والمسجد إلى موجة جديدة من العنف
قد يكون الطريق المقترح ممرًا واحدًا ذا اتجاه واحد للحافلات وسيارات الإسعاف وغيرهم من المركبات العامة لتجنب التشابك مع قلندية وهي نقطة تفتيش مزدحمة وعنيفة للغاية حيث تتوقف حركة المرور لساعات، ومن خلال الإسراع في بناء هذا الطريق الجديد حتى الممر المخصص عند المعبر، فهذه الحافلات سوف تشجع أصحاب السيارات لترك سياراتهم وركوب الحافلة مما يسهل حركة المرور على الطريق الرئيسي.
قال النقاد العرب والإسرائيليين على حد سواء إن العمدة الذي ستنتهي ولايته العام المقبل ينصاع للجانب الإسرائيلي ويقدم خدماته للمكتب الوطني بإساءة معاملة العرب، لكن بركان رد قائلاً: “هذا الكلام لا معنى له، إنه فخر لنا أن نتغاضى عن الانتقادات والقيام بالشيء الصحيح”، أما بالنسبة للسكان الذي أصبحوا بلا مأوى فقد قالم عنهم بركات: “يجب عليهم مقاضاة الأشخاص الذين باعوهم تلك الشقق”.
كانت الأبراج السكنية الأربع المقرر هدمها مشروعًا لعائلة شحادة التي انتقلت إلى كندا قبل أن تعود إلى كفر عقب، هذه الأبراج المكونة من 14 طابقًا من الخرسان غير مكتملين ينقصهم بعض الحوائط والأرضيات، لكن سكان الطوابق العليا يطلون على مشهد واضح ومثير لمطار قلندية الذي أغُلق عام 2001 عقب هجوم المسلحين عليه بالحجارة وإشعال النيران في برج التحكم.
يقول قصيّ شحادة أحد أبناء البناة: “لقد بنينا الأبراج بطريقة صحيحة وآمنة” رغم اعترافهم بانعدام الرقابة، قدّمت عائلة شحاد دعاوى لوقف عملية الهدم لكنها قوبلت جميعًا بالرفض، فالبناء قبل كل شيء ليس مصرحًا به، لذا حاولوا مع البلدية مرة أخرى من أجل تخفيض عدد الطوابق بدلاً من هدم البناء بأكمله، لكن البلدية قالت إن المسافة بين المباني والجدار – وهي كافية لأربع سيارات – يجب أن تكفي طريقًا فرديًا لمرور الحافلة.
العمال في أحد مباني كفر عقب يواصلون العمل رغم تهديد الحكومة بهدمها
حاول أصحاب الأبراج مع مشتريي المنازل – الذين طالبوا باستعادة ودائعهم – بالاستمرار في الدفع وفرش منازلهم، من الناحية النظرية، من الصعب البدء في عملية الهدم في المباني المأهولة بالسكان، كما أنهم قاموا ببناء مسجد جديد في أحد هذه الأبراج على أمل أن تتوقف “إسرائيل” عن عملية الهدم بسبب الحساسية السياسية لهدم المنزل، لكن كل ذلك كان دون جدوى، والآن رغم أن الجنود الإسرائيليين يستعدون للهدم، فإن المقاولين مستمرون في إكمال المباني غير المنتهية وتركيب الأثاث والأجهزة المنزلية.
يقول إبراهيم عويضة بكل ألم في أثناء تركيب أقفال ألمونيوم لشقته التي اشتراها سائق شاحنة من أجل أسرته المكونة من 10 أفراد: “لا أرغب في القيام بذلك، فلا أريد من الرجل إضاعة أمواله كلها في تلك الشقة”.
حاول الصغير الاجتماع مع بركات دون جدوى، وقال إنه يخشى أن يؤدي هدم الأبراج والمسجد إلى موجة جديدة من العنف، وفي الوقت نفسه دعا مشرعون من الجناح اليميني الإسرائيلي إلى إعادة رسم حدود القدس لإزالة المناطق العربية مثل كفر عقب وإضافة المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في الضفة الغربية، لكن بركات عارض الفكرة قائلاً إن المدينة لا ينبغي أن تنفض يديها عند مواجهة مشكلة عويصة بل يجب عليها إصلاحها.
لم يكن في هذا الكلام أي عزاء لجبران التي تحاول أن تتصور خطوتها التالية، فقد دفعت هي وزوجها 115 ألف دولار من أجل شقتهم في الطابق الثالث، تقول جبران – وهي تجلس على كرسي مهلهل في غرفة المعيشة بينما يلعب ابنها أحمد ذو الـ3 سنوات بالدراجة حولها -: “لا أدرى إلى أين أذهب وماذا أفعل، لا أستطيع العيش في الضفة الغربية سوف يدمر ذلك حياتي ولا يمكنني العودة إلى مخيم اللاجئين ولن نتمكن من تحمل تكلفة الحياة في القدس، إذا جاء الجنود إلى هدم البيت فإلى أين أذهب”؟
المصدر: نيويورك تايمز