الكل يخطأ، ولكن في علم الإدارة يكون الخطأ حدثًا قد يُكلفك مالك كله، بل وقد يُكلفك سمعتك، أو قد يُحرجك أمام الموظفين، وقد يسبب لك إزعاجًا دائمًا من التبعات المتسلسلة للخسارات المالية المتتالية، نعم، يُخطئ رواد الأعمال كثيرًا، إلا أن هناك من يتخطى الخطأ ويحاول أن يتجنب تبعاته بأقل خسائر ممكنة، وهناك من يُخطأ في اتخاذ قرار كان من شأنه أن يجعله رائدًا من رواد الأعمال في أيامنا الحالية.
كما يوجد في عالم إدارة الأعمال صيادي الرؤوس “Head Hunters” الذي يكون شغلهم الشاغل هو اصطياد أفضل الرؤساء التنفيذيين للشركات وأفضل العاملين في المستويات العليا من اتخاذ القرارات، يوجد أيضًا صيادي الفرص، وهم من يسميهم علم الإدارة الحديث برواد الأعمال، حيث تكون تلك السمة الأساسية لكل رائد أعمال ناجح، وهي قدرته على اغتنام الفرص، بل قدرته على رؤية الفرص الحقيقية من بين كل الفرص المزيفة أو الفرص الضعيفة التي لن تُفيده على المدى الطويل.
نحن نرى يوميًا من اغتنم الفرص وصار رائدًا للأعمال بحق، نسمع عنهم وعن الطرق التي يتبعونها لكي يحافظوا على نجاحهم هذا، ولكننا لا نسمع أبدًا عمن ارتكب الخطأ وصار خارج ركب التطور التكنولوجي السريع، لقد كان من بين هؤلاء شركات نعرفها ونتعامل معها حتى يومنا هذا، شركات ارتكبت أخطاء كلفتها أرباحًا هائلة كانت مُقدرة لها، إليك أشهر خمسة أخطاء في عالم إدارة الأعمال.
1- اختراع كوداك لأول كاميرا رقمية
حينما نتحدث عن عالم الكاميرات الرقمية (Digital Camera) ربما يخطر على بالك على الفور بعض العلامات التجارية مثل سوني، نيكون، أو كانون، ربما لن تتذكر أول شركة اخترعت الكاميرا الرقمية من بينهم، من حولت صناعة التصوير بشكل جذري، إلا أننا لو سألناك عن رأيك عن تخمينك عن الشركة الأولى تلك إما أن سوني أو كوداك، ستكون إجابتك على الأغلب هي سوني، ذلك لأن الكثيرون لا يعرفون أصلًا ما إن كانت كوداك قد اخترعت كاميرا رقمية أم لا.
لم تستطع كوداك مواكبة التغيير، ولم تغتنم الفرصة جيدًا لتقديم الكاميرا الرقمية للسوق، فكانت النتيجة إغفال الناس لمن صنع أول كاميرا رقمية في التاريخ
لقد قامت كوداك، الشركة التي كانت في يوم من الأيام رائدة صناعة التصوير والكاميرات في أغلب أنحاء العالم، بتغيير صناعتها جذريًا، وبداية التأقلم مع التحول الرقمي، لتصنع أول كاميرا رقمية في التاريخ وذلك في عام 1977، وعلى الرغم من أن كوداك حاولت دخول سوق الكاميرا الرقمية الجديد إلا أنها قدمت اختراعها للعامة متأخرة قليلًا وذلك لأنها حاولت الدمج بين صناعة الكاميرا التقليدية والكاميرا الرقمية.
لم تستطع كوداك مواكبة التغيير، ولم تغتنم الفرصة جيدًا لتقديم الكاميرا الرقمية للسوق، فكانت النتيجة إغفال الناس لمن صنع أول كاميرا رقمية في التاريخ، ليذكروا من جاء في المرتبة الثانية، وهي شركة سوني، التي استطاعت اغتنام الفرصة بشكل صحيح، لتبدأ كوداك بالانحدار شيئًا فشيئًا حتى انتهى مشوار القيادة بالنسبة إليها لتختفي من السوق تدريجيًا.
2- جوجل الذي نعرفه حاليًا للبيع
في عام 1999، حينما كانت شركة جوجل شركة ناشئة في وادي السيليكون، قرر المبرمج الأمريكي “لاري بايج” مؤسس جوجل بالشراكة مع الرئيس التنفيذي الحالي للشركة “سيرجاي برين” بيع جوجل لثان أكثر محركات البحث استخدامًا في ذلك الوقت “Excite” بمبلغ يُقدر بأقل من مليون دولار أمريكي، إلا أن الشركة الأخيرة رفضت العرض.
انتهى الحال بشركة “Excite” أن تصبح جزءًا من منصة “Ask” والتي لديها نسبة 2٪ من حصة السوق الخاص بمحركات البحث، بينما تمتلك جوجل حصة قدرها 60٪
على الرغم من أن الشركة رفضت عرض جوجل في أوائل أيامه وليس جوجل الذي نعرفه الآن إلا أن الخطأ يقع على مسؤولية اتخاذ الإدارة القرار الخطأ، ذلك لأن شركة “Excite” لم ترى احتمالية جوجل الكبيرة جدًا في الصعود السريع للقمة، ليحتل المكانة الأولى بين كل محركات البحث، والتزمت الشركة بالمنافسة مع محرك البحث ياهو الذي كان المنافس الأقوى لها في ذلك الوقت.
انتهى الحال بشركة “Excite” أن تصبح جزءًا من منصة .Ask” والتي لديها نسبة 2٪ من حصة السوق الخاص بمحركات البحث، بينما تمتلك جوجل حصة قدرها 60٪ من حصة سوق محركات البحث في الولايات المتحدة الأمريكية، وحصة أكبر من ذلك بكثير عالميًا، كما تُقدر قيمة شركة جوجل الآن بـ 173 مرة ضعف المبلغ الذي رفضت شركة “Excite” شرائها من أجله.
3- نيتفليكس و رفض عرض الفرصة الذهبية
طلب شركة “نيتفليكس” في بداياتها أن تقوم بشراء “Blockbuster” وجعلها جزءًا منها في شكل شراكة
ربما لن تلاحظ ذلك كثيرًا هذه الأيام، إلا أن شركات بيع الأفلام والفيديو كانت جزءًا أساسيًا من عطلة الناس قبل بضعة سنوات من الآن لشراء فيلم السهرة، كانت من بينهم شركة (Blockbuster) الأمريكية، التي كانت بمثابة “نيتفليكس” الآن في التسعينات، إلا أن الإدارة اتخذت قرارًا كان من شأنه أن يجعلها أكثر الشركات الناجحة في مجال التسلية في عرض و إنتاج محتويات الأفلام والمسلسلات.
طلب شركة “نيتفليكس” في بداية مشوارها أن تقوم بشراء “Blockbuster” وجعلها جزءًا منها في شكل شراكة، وعرضت على الشركة تحويل العمل من التقليدي إلى الرقمي، وعرض المسلسلات والأفلام من خلال منصة كما يفعل “نيتفليكس” الآن، يقول المدير التنفيذي السابق لشركة “نيتفليكس” “باري ماكارثي” بأن المدير التنفيذي لشركة “Blockbuster” ضحك على العرض وأخرجهم من المكتب وهو يضحك، ربما لم يكن يعلم أن في المستقبل القريب جدًا لن يكون هناك منافسًا للشركة التي أصبحت تنافس هوليوود نفسها في إنتاج المسلسلات والأفلام.
4- ناسا تخسر 125 مليون دولار بسبب خطأ رياضيات
لقد خسرت شركة الفضاء الأمريكية ناسا مدار (Orbiter) أطلقته قُدرت قيمته بـ 125 مليون دولار، والسبب خطأ رياضي بسيط يستطيع طلاب المدارس تصليحه، حيث ضاع مدار “لوكهييد”،” الذي صممه واحد من أذكى عقول ناسا “مارتين لوكهييد” ، بعدما استخدم مهندسي الفريق القياسات الإنجليزية مثل “الميل واليارد” بدلًا من القياسات المترية التي تستخدمها “ناسا” خلال سنوات عملها.
أدى عدم التطابق ذلك إلى فقدان المدار كليًا في الفضاء، فعلى الرغم من أنه غير المعتاد أن يستخدم مهندسو “لوكهييد” القياسات الإنجليزية، ذلك لأنها غير متعارف عليها في قياسات ناسا إلا أنها أدرت إلى خطأ تسبب في فقدان مدار كامل قيمته 125 مليون دولار، على الرغم من أنه خطأ بسيط إلا أنه فلت من الإكتشاف من أذكى العقول كذلك.
كان قد توجّه ستيف جوبز إلى نولان باشنيل طالبًا منه أن يقوم بتمويل بذري (Seed investment) في شركة آبل وهو العرض الذي قوبل بالرفض
5- مؤسس أتاري كاد يستحوذ على ثلث شركة آبل ولكن…
ستيف جوبز بينما كان يعمل لدى “نولان باشنيل”
“نولان باشنيل”، رائد أعمال ذاع صيته في السبعينات والثمانينات في مجال ألعاب الفيديو، وهو مؤسس “أتاري” أكثر ألعاب الفيديو شيوعًا في ذلك الوقت في العالم والعالم العربي أيضًا، كان باشنيل أحد الرؤساء الأوائل لعراب التقنية العالمية “ستيف جوبز” الذي قضى فترته الأولى في التنقل بين شركات التقنية حتى قرر تأسيس شركته الخاصة “آبل”.
كان قد توجّه ستيف جوبز إلى نولان باشنيل طالبًا منه أن يقوم بتمويل بذري (Seed investment) في شركة آبل التي كانت تحت التأسيس بمبلغ قيمته 50 ألف دولار، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض من طرف باشنيل على الرغم من أن تمويله هذا كان سيضمن له الاستحواذ على ثلث شركة آبل بالكامل.
قد يبدو أن الخطأ يمكن تداركه بسهولة أحيانًا كثيرة، ولكن هذا لا يمنع أن أخطاءًا بسيطة كتلك قد تحدث وتُنهي إمبراطوريات تجارية كاملة، أو قد يندم عليها مرتكبيها للأبد حينما يرون تبعات قرارهم ذلك الذي أدى إلى إنهاء إمبراطورياتهم وبناء إمبراطوريات أخرى.