أكثر الأسئلة طرحا عند الحديث عن القطيعة الحاصلة بين حزب العدالة والتنمية وجماعة فتح الله كولن تدور حول مدى تأثير هذه القطيعة على المستقبل السيساسي للحزب ولرجب طيب أردوغان، وخاصة حول مدى تأثيرها على الانتخابات.
وإن كان معلوما أن كل الأبحاث ونتائج سبر الآراء تشير إلى أن الكتلة الانتخابية التي تأتمر برأي الجماعة تتراوح ما بين حد أدنى هو 2% وحد أقصى هو 6%، فإن التساؤلات تدور حول مدى قدرة الجماعة على التأثير على الناخب التركي غير المنتمي إليها وكذلك الناخب المنتمي لحزب العدالة والتنمية.
موقف الجماعة من الانتخابات:
قبل الحديث عن الأساليب التي تعتمدها الجماعة للتأثير على الانتخابات البلدية القادمة، يجب أن نقف عند نقطة مهمة، وهي “موقف الجماعة من الانتخابات القادمة”، وهو الأمر الذي سألت عنه الكاتب والمحلل السياسي التركي زاهد غول.
وكان جواب زاهد غول بأن الجماعة شكلت لجنة خبراء عكفت على دراسة المشهد الانتخابي في كل محافظة وبلدية تركية على حدة، وذلك لاختيار المنافس الأقوى لمرشح العدالة والتنمية هناك، حيث قال: “مثلا في البلدية رقم واحد، المنافس الأقوى لمرشح حزب العدالة والتنمية هو مرشح حزب الشعب الجمهوري، إذن تقوم الجماعة بدعم حزب الشعب الجمهوري هناك، ثم في البلدية رقم ثاني، المنافس الأقوى هو مرشح الحزب القومي، إذن تدعم الجماعة مرشح الحزب القومي هناك…”.
وهو ما يحدث عمليا بدعم الجماعة لكل المرشحين الأقوياء الذين ينافسون مرشحي حزب العدالة والتنمية، وهو ما علق عليه رجب طيب أردوغان أمس الأحد بقوله بأن “الشخص القابع في بنسيلفينيا” -أي فتح الله كولن-، والذي يعتبر نفسه من ورثة مؤسس الطريقة “النورسية” سعيد النورسي يتحالف اليوم مع من “اضطهدوا سعيد النورسي وهو على قيد الحياة ولا يتحملون ذكره حتى وهو ميّت”، أي حزب الشعب الجمهوري المصنف بأنه علماني متطرف.
أدوات الجماعة للتسويق لمنافسي أردوغان:
بالإضافة إلى وسائل الإعلام التي تمسك بها الجماعة والتي تقود حملة دعائية منظمة لتشويه حزب العدالة والتنمية ولدعوة الناس إلى عدم التصويت لمرشحي الحزب وللتصويت للمنافس الأقوى لمرشحي العدالة والتنمية، تعتمد الجماعة على أدوات أخرى من بينها التأثير على الطلاب المقيمين في المدن السكانية الطلابية التابعة للجماعة.
وقد نشرت صحف تركية تقاريرا ولقاءات مع طالبات طردن من الإقامات الجامعية المملوكة للجماعة لأنهم احتجوا على قيام المسؤولين عنهم هناك بالدعاء على رجب طيب أردوغان في جلسات الذكر اليومية التي تقام في كل المؤسسات التابعة للجماعة، بالإضافة إلى رفضهم للقيام بتشويه حزب العدالة والتنمية على حساباتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعليقا على هذا الأمر، هاجم أردوغان الجماعة ساخرا: “لدينا أمهات وأخوات يدعون لنا دائما.. دعائكم السيء لن يتقبّل”، كما قال أن حزبه وحكومته سيوفرون البديل لكل الطالبات اللواتي تعرضن لهذه الحالة، قائلا: “أخرجوا من عندهم وتعالوا إلينا، لقد قمنا بتحديد الأماكن الشاغرة في الإقامات الطلابية الخاصة بالدولة وسنخصص لكم، وإن لم تكفي فسنفتح لكم الفنادق ولن نتخلى عنكم!!”.
ومن الأدوات الأخرى التي تعتمدها الجماعة في حملتها هذه، تحدث أردوغان عن أن سيدات تابعات للجماعة تقوم بالتجوال في القرى والأحياء وتطرق أبواب المنازل للحديث مع السيدات واقناعهن بخطورة حزب العدالة والتنمية وبضرورة التصويت لمنافسيه مهما كان توجه وانتماء ذلك المنافس.
وفي تعليقه على هذا الأسلوب، قال أردوغان في خطاب ألقاه بمناسبة عيد المرأة في مهرجان ” المرأة والديمقراطية”، أن حزبه سيقوم بعرض “الانجازات الضخمة” التي أنجزها خلال السنوات الماضية، قائلا: “سنعلم سيداتنا بماذا يجيبون على أقاويلهم”، مع العلم أن أحد أهم الشعارات التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية في حملته الانتخابية هي: “لا تصغي إلى الأقاويل، أنظر للانجازات”.
نتائج حملة الجماعة:
إلى الآن لا يمكن الجزم بمدى فاعلية حملة جماعة فتح الله كولن، وأي تقييم لن يكون دقيقا قبل ليلة 30 مارس آذار التي سيعلن فيها عن نتائج الانتخابات البلدية، وحتى ذلك الحين يبقى المعيار الوحيد لتقييم فاعلية هذه الحملة هو نتائج سبر آراء بالإضافة إلى بعض المعالم الجانبية والتحاليل.
فأما نتائج سبر الآراء، فإنها إلى الآن تتجه جميعا إلى أن حزب العدالة والتنمية سيفوز بالمركز الأول في الانتخابات القادمة مع اختلافات حول النسبة الإجمالية التي سيحصل عليها الحزب وحول النسب التي ستحصل عليها الأحزاب المنافسة له.
وأما أبرز التوقعات حول توجهات الكتل الانتخابية الكبرى فهي كالتالي:
- كتلة حزب العدالة والتنمية: يشعر المنتمون إلى الحزب بأن حليفهم القديم غدر بهم، وبأنهم يقفون في وجه مؤامرة وحدت كل خصومهم عليهم، وهو الشعور الذي يدفعهم إلى مزيد من الالتفاف حول حزبهم وإلى بذل كل ما في وسعهم لـ”إنقاذه” وهذا ما يفسر عدم فقدان الحزب لمناصريه.
- كتلة حزب الشعب الجمهوري: وهو ثاني أقوى حزب في البلاد، وبالنسبة لمناصريه لا جديد يذكر لدى الحزب سوى أنه اقترب من الجماعة الدينية التي كان في السابق يصفها بالظلامية وبالخطر الكبير على تركيا، وهو الأمر الذي قد يسبب حالة تململ لدى أنصار الحزب من العملية الانتخابية بأكملها.
- كتلة حزب الشعب القومي: وهو ثالث أقوى حزب في البلاد، ويتميز مناصروه بولائهم القوي للحزب، كما أن كتلته الانتخابية مستقرة وشبه ثابتة، ولا يتوقع أن تشهد تغيرا في الانتخابات القادمة.