في نفس هذا الوقت، في نهاية كلّ سنة، تتزيّن الصحراء التونسية لاستقبال زوارها المحليين والأجانب، الذي يفضّلوا القدوم إليها في هذه الفترة لما تتمتّع به من جمال وروعة وللوقوف أيضا على تقاليد تلك الربوع وثقافتها وكذلك مقاومتها من أجل الحرية التي تتجسّد في بعض مهرجاناتها الوطنية والدولية.
مهرجانات تحيي أرض الجنوب
تستعدّ محافظات توزر وقبلي، هذه الأيام لانطلاق موسم مهرجاناتها الخريفية، الأمر الذي تعوّل عليه السلطات التونسية لدفع قطاع السياحة في البلاد، وتسجّل محافظات الجنوب خلال هذه الفترة توافد الآلاف من السياح الأجانب والتونسيين لمتابعة عروض المهرجانات. ويصل النشاط السياحي في صحراء تونس ذروته في الفترة الممتدة شهر من أكتوبر/تشرين أول إلى أبريل/نيسان من كل عام، وذلك قبل أن تشتد درجات الحرارة، التي تصل إلى 48 درجة مئوية في الظل صيفا، في هذه المناطق من تونس.
وفي نهاية كل شهر ديسمبر كانون الأول، تحتضن، جنة الواحات توزر أو عروس الصحراء كما يحلو لأهلها أن يطلقوا عليها، المهرجان الدولي للواحات أين تتجمع الفرق الصوفية والفولكلورية لتقدم عروضها الفنية إلى جانب اللوحات التقليدية لسكان البادية وعروض الفروسية، في قلب صحراء ساحِرٌ جمالها ونقيٌّ هواءها، زادتها الكثبان الرملية الممتدّة مدّ البصر، جمالاً على جمالها.
في ذلك الوقت، تفتح واحات توزر الخلابة، ذراعيها ليدخل عشاقها ويستنشقوا نفحاتها الطيب وروائح الفردوس المنبعثة من أرجائها، فتستقبلهم بأشجارِ نخيلها الباسق الشاهق الذي يعلو أشجار الزيتون والتين والرمان والعنب، وينتج أجود أصناف التمور العالمية – دقلة التمور عالية الجودة – وينابيع مائها العذبة، التي ينمو حولها أعشاب خضراء تكّون بساطًا يحلوا للعين رؤيته ويهب للسكّان الحياة، وظلّا يقي الإنسان حرّ الشمس وأشعتها.
بالتزامن مع ذلك، تحتضن جارتها دوز التابعة لمحافظة قبلي، في نهاية الشهر نفسه “مهرجان الصحراء”، الذي يحتفي بمعاني الحياة البدوية والإسهام الإنساني في ربوع الصحراء، ويقدّم القائمون عليه لزواره القادمين من داخل تونس وخارجها أنشطة عديدة تحاكي الصحراء والحياة البدوية لسكانها مثل العروض الفولكلورية وسباق الخيل والجمال ومسابقات الصيد بكلاب السلوقي والأعراس التقليدية، والعكاظية الشعرية.
جمال صحراوي
بالتزامن مع هذه المهرجانات، تنشط السياحة الصحراوية، فللسائح أن يصعد فوق سفينة الصحراء، الإبل، أو السيارات رباعية الدفع حتى يستمتع بجمال صحراء لا حدود لها تقيده ولا أحجار تؤذيه وله أن يمعن نظره في رمالها الذهبية الصفراء ويشاهد لحظة غروب شمسها المتدرج لونها من البرتقالي والـحمر، ونجومها المتلألئة، وبدرها الساطع، فيزداد ذهنه صفاءً وفكره انطلاقة. وإن كان السائح من هواة الحيوانات الصحراوية، فستجد ضالته في حديقتي الحيوانات في توزر وقبلي اللاتي يجمعن في أرجائها كل نماذج الحيوانات الصحراوية من الغزال الجميل إلى الإبل والذئب والفنك والحبار والعقرب الخطير والثعابين، فهي تنقل للسائح الصحراء وما تزخر به إلى المدينة.
إلى جانب واحاتها الخضراء الشاسعة ونخيلها الشاهقة الباسقة ومساكنها المميزة وقلوب أهلها الدافئة ومياهها المتدفقة وهوائها النقي وهدوئها، تشتهر المناطق الصحراوية لتونس أيضا بصناعة المنسوجات ذات الجودة العالية والرموز الخاصة، ويعتبر المرقوم والكليم من أشهر أنواع السجاد في المنطقة إلى جانب عدد من المنتجات التقليدية الأخرى كالجلود والملابس الصحراوية والحلي والمصاغات والسعف وغيرها من المنتوجات الصحراوية المميزة التي تشدّ إليه الزوار من خارج البلاد وداخلها أيضا.
تحسن مؤشرات السياحة
في غضون ذلك، بدأ السياحة التونسية في التعافي، فقد حقّقت هذه السنة تقدّما ملحوظا بعد سنوات من التراجع، حيث كشفت وزيرة السياحة والصناعات التقليدية التونسية سلمي اللومي أن بلادها استقطبت ستة ملايين و112 ألف سائح في الفترة من أول شهر يوليو/ تموز وحتى العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهو ما انعكس إيجابا على عائدات هذا القطاع الهام في البلاد، فيما استعادت العديد من الفنادق والمنتجعات في كثير من المدن التونسية، خاصة السياحية منها، نسب امتلاء تجاوزت 90 % خلال الأشهر القليلة الماضية، مع بدء الموسم السياحي.
وقالت اللومي، في برلمان بلادها الأسبوع الماضي، “إن عائدات البلاد من السياحة في هذه الفترة بلغت 929 مليون يورو (1.1 مليار دولار تقريباً)، وسط توقعات باستمرار الانتعاش خلال الشهر المقبل. وأضافت أن عدد الوافدين زاد بنسبة 24 % مقارنة بنفس الفترة من عام 2016، مشيرة إلى أن السياحة التونسية سترفع الاستدامة شعاراً لها خلال سنة 2018. ونمت نسبة السياح الأوروبيين بنسبة 16% هذا العام، وتعد أوروبا من الأسواق التقليدية للوجهة السياحية التونسية، فيما زاد عدد السياح الجزائريين بنحو 60%، وقدّر عددهم بنحو 1.45 مليون سائح، ومن المنتظر أن يتجاوز عدد السياح الجزائريين، خلال هذا الموسم، عتبة مليوني سائح.
وتتوقع تونس نمو عدد السياح الأجانب بنحو 30% في نهاية العام الحالي مقارنة بالعام الماضي، مع استقرار الأوضاع الأمنية وارتفاع الحجوزات، وفق تصريحات رضا السعيدي المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء التونسي. وأواخر يوليو/ تموز الماضي، رفعت بريطانيا حظر سفر مواطنيها لتونس، بعد مقتل 38 سائحاً أجنبياً، من بينهم 30 بريطانياً، في هجوم مسلح على أحد الفنادق بمدينة سوسة (شرق)، في يونيو/ حزيران 2015، سبقه مقتل 22 سائحاً في هجوم استهدف متحف باردو بالعاصمة في مارس/ آذار 2015، وسبقتها إلى ذلك عديد الدول الأوروبية كدليل لاستعادتهم الثقة في الوجهة التونسية.