ثمًّةَ مسارين واضحين للتسوية في سوريا”الأولى من المملكة السعودية الراعية لمؤتمر الرياض 2 التي انطلقت في 22 من الشهر الحالي، حيث توافدت الحشود من مختلف أطياف المعارضة باستثناء وفد الهيئة العليا للمفاوضات الذي فجر مفاجأة من العيار قُبيل يوم واحد من انطلاقة المؤتمر، بتقديم استقالات جماعية انطلقت من الدكتور رياض حجاب تبعه ثمانة من أعضاء الهيئة ورئيس الإئتلاف السوري الدكتور رياض سيف.
جاءت الاستقالات بعد تأكد وفد الهيئة أنها مستبعدة كلياً من رياض 2 بتوجيه دولي وهذا حسب ماأكد مراراً الدكتور رياض نعسان آغا المتحدث باسم الوفد، إضافة إلي توجيه أصابع الاتهام إلى منصة موسكو التي غابت عن المؤتمر، إلا بصفة مراقبين أو مستقلين لشخصين من وفدها، وقد ساد الجو العام انقسامات وتوترات بين المجتميعن والسبب هو مصير الأسد المعضلة المستمرة والخلافية في العقدة السورية وانتهى ببيان ختامي أهمه التأكيد على رحيل الأسد وعدم التنازل عن ثوابت الثورة في ملف المعتقلين المهجرين .
وبعيداً عن التفاصيل الصغيرة التي ستنتهي حكماً في الأيام القادمة، فالنية الدولية اقتضت بإنجاح الرياض2 بشكل فعلي وانتاج وفد موحد يشمل الجميع، للذهاب إلى مفاوضات مباشرة في جولة جنيف المزمع عقدها في 28 من الشهر الحالي .
أما المسار الثاني والأهم في تسويات الدم السوري، هي القمة الثلاثية التي جرت في سوتشي تزامناً مع الرياض2، على مستوى رؤساء الدول الضامنة والفاعلة في الملف السوري، روسيا وتركيا وإيران، انتهت القمة ببيان ختامي، بالتأكيد على تثبيت مناطق خفض التصعيد والحفاظ على وحدة سوريا ، إضافةَ إلى تعهد الدول مساعدة السوريين في انتاج حل سياسي وإجراء انتخابات ودستور ينهي الصراع منذ سبع سنوات.
سربت بعض المصادر الاسرائيلية عقب نهاية زيارة الأسد “أن بشار أسد هو آخر رئيس علوي يحكم سوريا”
اللافت والطريف بين المساريين، هو اللقاء الذي جمع بويتن والأسد في سوتشي عبر استداعائه للمرة الثانية على التوالي، بعد الزيارة الأولى في 2015 إذ لم تختلف طريقة الاستدعاء عن سابقتها، إلا من خلال طريقة الترحيب والاحتضان الأب لولده أو الوصي لمندوبه ، فقد تصدرت صور اللقاء ووصلت لكل بيت سوري، بما فيهم المجتمعات المتجانسة في مناطق النظام، فمن المؤكد أن دموع الفرح والانتصارات لم تقف عن الموالين، وهم ينظرون إلى قاهر الإرهاب في أحضان عراب سوريا السيد بوتين الولي الشرعي والوصي الأول والأخير على الابن البار الأسد .
وفي فحوى اللقاء لم يكن من إعادة بوتين أن يظهر بمظهر الضعف، فهو دائماً يرغب عقب كل ظهور أن يترجم ظهوره بحزمة من الأوامر والأفعال، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتحقيق نوع من التقدمات مع نظيره ترامب، وبتصريحات رسمية من السيد بوتين، قال أخبرنا بشار الأسد بتعليمات يجب التقيد بها بالمرحلة لمقبلة في سوريا، بعد الإقرار على مشارفة نهاية الأعمال العسكرية في سوريا، وقد استحضر بوتين للأسد على يمينه ويساره الضباط الروس، وأبلغه، بفضل هؤلاء قد تم إنقاذ سوريا، وآن الآوان لإطلاق العملية السياسية، وعليك إبداء التعاون والجدية في المؤتمرات القادمة، بدوره شكر الأسد كل ضابط روسي شن غارة على أبناء شعبه، ولولا أنّ اللقاء مسجل لغاية بثه عبر وسائل الإعلام، لا نستغرب تقبيل الأيادي للضباط لأنهم أبدوا حسناً في قتلهم لأبناء شعبه.
المشترك بين الزيارتين، هو أن الأولى تم استدعاء بشار الأسد بطائرة شحن في 2015 لإعطائه تعليمات في الدخول العسكري الروسي للقضاء على الثورة السورية، مع ضمانات مقدمة من الأسد واعترافات رسمية بتواجد روسي دائم في سوريا، أما الثانية جاءت بعد سنتين في 2017 بطائرة شحن أخرى إلى سوتشي، لإبلاغه بتعليمات المرحلة القادمة وهي تسويات مشتركة ثلاثية أو رباعية في سوريا قد تم التخطيط لها مع تركيا وإيران وواشطن، وعليه بالمقابل الموافقة على كل المخرجات التي ستُقرر بين الحلفاء، بما فيها احتمالية نهاية حكم آل الأسد في سوريا.
وقد سربت بعض المصادر الاسرائيلية عقب نهاية زيارة الأسد “أن بشار أسد هو آخر رئيس علوي يحكم سوريا”، وسواء كانت صحيحة هذه الرواية أو غيرها، الثابت من بين التعليمات هو انطلاق المرحلة السياسية من دون أي اعتراض أو إثارة عراقيل، علماً أن العراقيل المقصود بها هنا بالمنطق الروسي، ليست تلك التي تصدر من الأسد بل من إيران على وجه الخصوص التي أبدت سابقاً الكثير من العراقيل فعندما تتعارض وتتناقض المصالح بينها وبين روسيا.
تلجأ إيران لإظهار امتعاضها و تحرك ذراعها الأسد لإزعاج الدب الروسي ، مايعني أن الأسد أداة تنفيذية حسب أهواء ورغبات الحلفاء المتلاعبين به، هذه هي النقطة التي تحسب لها روسيا، لاسميا أن التوجه الدولي اليوم مستمر ولو كان عبر حروب إعلامية كلامية تغيب عنها الأفعال ألا وهي التجيش ضد إيران في المنطقة، ورسيا لديها أمثلة كثيرة في تجاربها مع إيران في سوريا، أبرزها عرقلة إيران اتفاق حلب عندما سقطت بيد الروس نهاية 2016 ، حيث عرقلة إيران أكثر من مرة خروج المدنيين من حلب وظهرت الخلافات بشكل علني بين روسيا وإيران.
هناك فرق كبير بين تسوية وحل، فالتسويات دائماً وغالباً ما تُفرض على من طرف يحتكر القوة على الضعف، أما الحل فهو يميل أكثر لنيل متطلبات الشعوب وبحسب تطلعاتهم وحقوقهم، لذا التسويات حتى وإن أنتجت من صناع القرار فمن الضرورة أن تكون ملزمة التطبيق عبر الفرض
بالمجمل فقد بدا واضحاً أن توجهاً دولياً ارتفعت وتيرته في سوريا، بنية جدية في إنتاج الفصل الأخير من الملف السوري بتسوية قد لا يخرج أحدٌ منها رابحاً، وما ظهور المؤشرات الجدية إلا عقب نهاية وهم تنيظيم الخلافة في سوريا والعراق، وإنهاء للمهام الدولية للعملاء داخل هذا الجسد الذي أنهك كل إنسان حي.
وكان من الواضح البتة أن تدمير سوريا والعراق، سيمهد بالضرورة إلى تسويات تكون على حساب إرادة الشعوب، ونقول تسوية لا حل، فالفرق بينهما كما الفرق بين الثرا والثريا .
يمكن بالمدى القريب استنتاج عدة أمور
الأولى : إنجاح وإنتاج مصالح الدول في سوريا عبر الوكلاء والعملاء من فصائل وكتائب محلين ومرتزقة ودول ممولة وراعية لهم لتنفيذ الأجندات عبر سبع سنوات مضت وقد تحقق ذلك من خلال اتفاقيات تخفيف التصعيد
ثانياً يسود الاعتقاد الدولي تجاهل كل مصالح وتضيحات السوريين من شهداء ومعتقلين وعدم النظر لتطلعاتهم، مقابل وقف النزيف السوري، بتوقيع صك رضوخ وتركيع بما يتناسب مع مصالح ورغبات الدول، والرضى بما سيتم الفرض عليهم عبر بوابة الواقعية السياسية.
ثالثاً وبعد تحقيق تقدم ثنائي من تفاهمات روسيا واشطن على مدارسبع سنوات” لم تُبدي أمريكا امتعاضها من إنتاج تسوية حقيقية تنطلق من سوتشي الروسية، على أن تُّفعل واشطن مسار الرياض لتوحيدها بجسم واحد تخوض المفاوضات مباشرة مع النظام في جنيف ، وبالتالي اللمسات الأخيرة ستكون أمريكية، وليست روسية.
التمسك برحيل الأسد والإصرار على محاسبة وتفعيل دول المحاسبة الدولية لمجرمي الحرب هو مفتاح الحلول في سوريا
رابعاً تفعيل ماهية الحل المراد له من قبل دول القمة في شوتشي بإخراح أمريكي، في صوغ دستور واجراء انتخابات وإصلاحيات دستورية، والحفاظ على مؤسسات الدولة وعدم السماح بتفكيكها، بما فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية، وأخيراً بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية لضمان مصالح الدول أولاً وولتكريس مناطق النفوذ الدولية ثالثاً، ثم إخراجه بشكل منظم، وهنا ربما لطريقة الخروج تنحى في منحيين، الأول هو أن الخروج سيكون على مراحل وبشكل مرتب له دولياً، إما مع بداية أو نهاية المرحلة الانتقالية، أما الثاني هو بقاء الأسد حتى نهاية ولايته ل 2022 وفي كلتا الحالتين، سيحصل الأسد على صك براءة عن كل جرائمه في سوريا، وعدم محاسبته دولياً على جرائم الحرب .
خامساً متابعة الملف السوري في شكل الحكم والرئاسة وتحديد الصلاحيات من قبل الشخوص التي سيتم التوافق عليها أنها شريكة في الحكم أو مراقبتها بشكل منفرد، وليس أخيراً وبعد مؤشرات ظهور تسويات على حساب الدم السوري، أصبح لازماً على كل السوريين التسلح بالوعي وإدراك ما يُحاك لهم في الدوائر المغلقة، فبعد سبع سنوات من ثورة الكرامة وخذلانها من القريب والبعيد ، لم يعد يغب عن أعين السوريين، الخطر القادم من الغرب، فهل الرضوخ سيستمر كما يراد له أن يكون،أم سيكون لنا الكلمة الأخيرة.
هناك فرق كبير بين تسوية وحل، فالتسويات دائماً وغالباً ما تُفرض على من طرف يحتكر القوة على الضعف، أما الحل فهو يميل أكثر لنيل متطلبات الشعوب وبحسب تطلعاتهم وحقوقهم، لذا التسويات حتى وإن أنتجت من صناع القرار فمن الضرورة أن تكون ملزمة التطبيق عبر الفرض، وهنا سيكون للإرادة الشعبية الكلمة الفصل، فشتان بين إنتاج التسويات وبين التطبيق وفرض الحلول على إرادة الشعوب هي لغة الاستبداد حتى في الأنظمة الغربية، فهم يتظاهرون بممارسة الديمقراطية في بلدانهم، ويُصّدرون لنا الاستبداد عبر وكلاء وزعماء العرب، فالتمسك بالثوابت هو الرصيد الأخلاقي للسوريين ،أما الرصيد الفعلي والذي لم ولن نسمح لأحد بتجاوزه، مليون شهيد وآلالف المعتقلين وتشريد ملايين المهجرين، هذه أرصدة ثورية لا يمكن بنفسها تطبيق أي تسوية في سوريا.
التمسك برحيل الأسد والإصرار على محاسبة وتفعيل دول المحاسبة الدولية لمجرمي الحرب هو مفتاح الحلول في سوريا، وفي حال فرض وتطبيق أي تسوية تنسف أحلام السورين، فعند كل مرة ستجدد الثورة من جديد ولن تقف حتى تُحقق أهدافها، فكلما كثرت التسويات زاد الإصرار في المطالبة بترحيل منظومة الاستبداد .