تتعرض منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك العراق ودول الخليج، لتحديات بيئية هائلة تتمثل في نقص وتدهور موارد المياه، وهو أمر ينذر بتداعيات خطيرة على الاقتصاد والبيئة والأمن الغذائي في المنطقة.
وأدت التغيرات المناخية والنمو السكاني السريع وزيادة الطلب على المياه للزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي، وغير ذلك من المصاعب، إلى زيادة تحديات إدارة الموارد المائية في دول المنطقة.
في ظل هذا السيناريو، حذّر تقرير أصدرته الأمم المتحدة في مارس/آذار الماضي، من نشوب صراعات واندلاع حروب مياه في المنطقة بحلول عام 2050، نتيجة تدهور الموارد المائية وزيادة الطلب عليها، وقد برزت علامات واضحة على هذا الواقع، إذ تعاني العديد من الدول في المنطقة من إجهاد مائي متزايد، ما يعكس الضغوط الهائلة التي تفرضها التحديات البيئية على مستقبل المياه في المنطقة.
وبجانب تلك التحذيرات، تبرز بوادر حرب المياه بين الدول المتنافسة على موارد المياه المحدودة، ما يجعل إيجاد حلول مستدامة، أمرًا ضروريًا لتفادي سيناريوهات الصراع والتوتر المتزايد في المستقبل.
وهنا، فإن الحاجة إلى تعاون دولي وتبادل المعرفة والتكنولوجيا في مجال إدارة الموارد المائية، أمر لا غنى عنه لضمان استدامة المياه والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة.
أسباب الجفاف
تواجه المنطقة تحديات بيئية كبيرة، على رأسها الجفاف والتلوث، وامتداد التصحر، وتزايد العواصف الترابية وارتفاع نسبة التلوث الهوائي، جرّاء الانبعاثات الغازية ومصافي النفط.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تراجع ملحوظ في المعدل السنوي لهطول الأمطار، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65% بحلول عام 2050.
ويشير التقرير الصادر عن منظمة اليونسكو، في مارس/آذار الماضي، إلى تعرض 25 دولة للإجهاد المائي المرتفع، كونها تستخدم أكثر من 80% من إمداداتها المائية المتجددة لأغراض الري وتربية الماشية والصناعة والاحتياجات المنزلية، وحتى الجفاف قصير الأمد يعرض هذه الأماكن لخطر نفاد المياه.
وينوه التقرير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من أكثر المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي، حيث يتعرض 83% من السكان لإجهاد مائي مرتفع للغاية.
وبحسب التقرير فإن الدول الخمسة الأكثر تعرضًا للإجهاد المائي هي: قطر ولبنان والبحرين والإمارات وعمان بنسبة مرتفعة جدًا، ويعزى الإجهاد المائي في هذه البلدان في الغالب إلى انخفاض العرض، المقترن بالطلب من الاستخدام المنزلي والزراعي والصناعي.
وجاء العراق والجزائر في المرتبة الـ12 و13 ضمن الدول الأكثر تعرضًا لنقص المياه بحلول 2050، فيما تذيلت السودان والصومال وجيبوتي على التوالي قائمة الدول الأقل تعرضًا لنقص المياه بحلول 2050.
ويشير معهد الموارد العالمية (WRI) إلى أن تغير المناخ يمثل تحديًا للمشاعات العالمية، وله عواقب وخيمة على الأمن المائي في جميع أنحاء العالم، حيث تفاقم الاحتباس الحراري الناجم عن الغازات الدفيئة وتكثيف العواصف والفيضانات وحالات الجفاف.
وقد زادت بالفعل شدة الفيضانات وحالات الجفاف بشكل حاد على مدى السنوات العشرين الماضية، وأصبحت حالات الجفاف التي كانت تحدث مرة واحدة كل 10 سنوات الآن أكثر احتمالًا بمقدار 1.7 مرة مما كانت عليه قبل أن يؤثر البشر بشدة على المناخ.
وتصل تكاليف تأمين مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي والنظافة للجميع في 140 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل إلى نحو 1.7 تريليون دولار في الفترة من 2016 إلى 2030، أو ما يقدر بنحو 114 مليار دولار سنويًا.
تداعيات الجفاف
تعد تداعيات جفاف المنطقة من بين أخطر التحديات التي تواجهها دول الشرق الأوسط، فالجفاف يؤدي إلى تدهور البيئة ونقص الموارد الطبيعية، ما يؤثر على الزراعة والثروة الحيوانية والبيئة البرية.
وتتسبب تلك التداعيات في تقليل القدرة التحملية للمجتمعات المتضررة، ما يزيد من احتمالية نشوب النزاعات والصراعات على الموارد المحدودة، بما في ذلك المياه، ومن هنا، فإن إدارة المخاطر وبناء القدرات للتكيف مع جفاف المنطقة يعد من الأمور الحيوية لضمان استدامة المجتمعات والبيئة.
وقد يؤدي الجفاف المرتقب إلى تدهور إنتاج المحاصيل الزراعية وتفشي المجاعة وزيادة أسعار الغذاء، ما قد يؤدي بدوره إلى اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار سياسي، فضلًا عن زيادة حرائق الغابات والعواصف الترابية.
كما يترك الجفاف تأثيرات كبيرة على النظم البيئية والتنوع البيولوجي في المنطقة، مثل انقراض بعض الأنواع النباتية، وهذا بدوره يمكن أن يؤثر على الشبكة الغذائية والحيوانات التي تعتمد على هذه النباتات في الغذاء والمأوى.
ويلفت الأكاديمي والباحث في قضايا نقص المياه، رمضان حمزة، إلى أن تداعيات الجفاف قد بدأت بالفعل، حيث شهد العراق أزمة كبيرة عام 2018 عندما امتلأت مستشفيات البصرة بآلاف حالات التسمم نتيجة المياه الملوثة، محذرًا من خطورة تداعيات الجفاف وتحولها إلى كوارث تعصف بالمنطقة.
وفي حديثه لموقع “نون بوست”، يعزو حمزة أسباب نقص المياه في العراق إلى عدم وفاء تركيا وإيران بالتزاماتهما المائية، وكذلك سوء الإدارة في العراق، وتهالك البنية التحتية نتيجة الحروب المتواصلة منذ حرب الخليج الأولى والثانية وعقد من الحصار، وتغيير النظام وفشل الدولة حتى اليوم، فهذه كلها أسباب حقيقية خطيرة لأزمة المياه.
وسطّرت دول الخليج تجربة ناجحة في هذا المجال من خلال اعتماد تحلية المياه، وتطوير طرق تخزينها، وترشيد الاستهلاك من خلال التسعير وتقليل التسرب، فضلًا عن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والعمل على تدوير المياه وإعادة استخدامها لتقليل الهدر.
بوادر صراع؟
في ظل ندرة المياه وتنافس دول المنطقة عليها، تبرز بوادر حرب المياه كتهديد حقيقي يهدد الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، فالموارد المائية المحدودة تزيد من التوترات بين الدول المتنافسة، ما يجعل الصراعات على المياه أمرًا محتملًا.
وحذرت الأمم المتحدة، في تقريرها، من أن تزايد ندرة المياه قد يؤدي إلى تأجيج الصراعات وحروب المياه في معظم أنحاء العالم ومن بينها دول المنطقة.
وكشف التقرير بأن نحو 2.2 مليار شخص على مستوى العالم لا يستطيعون الحصول على مياه الشرب المدارة بشكل آمن، ويفتقر 3.5 مليار شخص إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان.
وحذّرت رئيسة اليونسكو، أودري أزولاي، من عواقب مثل هذا الوضع، فنقص المياه لا يؤجج نيران التوترات الجيوسياسية فحسب، بل يشكل أيضًا تهديدًا للحقوق الأساسية ككل، مؤكدة أن “واحدًا من كل شخصين في جميع أنحاء العالم يعاني من ندرة المياه لعدة أشهر في العام، مشيرة إلى أنه في بعض أجزاء العالم، أصبحت ندرة المياه هي القاعدة، وليست الاستثناء”.
ويرى حمزة أن حروب المياه في منطقة بدأت بالفعل منذ حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران بعد الخلاف حول تقاسم شط العرب، وكادت أن تنشب حرب بين العراق وسوريا عام 1975 بسبب حصص مياه نهر الفرات.
ويستبعد حمزة نشوب حروب علنية باسم المياه، ولا بد أن تكون للحرب عناوين أخرى، لأن حرب المياه قائمة بالفعل وليست مجرّد توقعات.
وينوّه إلى أن تركيا حرصت على السيطرة على مناطق شرق الفرات في سوريا لبسط سيطرتها على مجرى المياه حتى الحدود العراقية.
وانتقد خبير المياه ضعف موقف الأمم المتحدة تجاه أزمة المياه وعدم وجود جدية لإيجاد الحلول والعمل مع دول المنطقة لتجاوز صراعات المياه ومنع وقوعها.
بدوره، حذّر رئيس مجلس إدارة جمعية علوم وتقنية المياه الخليجية المهندس عبد الرحمن المحمود من خطورة تنامي التحديات التي تشهدها الموارد المائية في المنطقة ومختلف مناطق العالم.
وأشار المحمود إلى أن السياسات والأنظمة الخليجية تعمل بكل جدية لضمان استدامة الإدارة المتكاملة لموارد المياه، من خلال الإستراتيجية الوطنية للمياه التي صاغها مجلس الموارد المائية حتى العام 2030، مبينًا أن ملامح الإجهاد المائي تزايدت في الآونة الأخيرة بشكل كبير مع تصاعد الصراعات الإقليمية والدولية.
ختامًا، يؤكد الخبراء على أهمية تطوير آليات التعاون والتفاهم بين الدول المعنية كونها باتت ضرورية للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، وتجنب تصعيد النزاعات القائمة ونشوء صراعات جديدة على المياه.