تكشف الأضرار الهائلة التي لحقت بقطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 200 يوم، عن تداعيات آنية ومستقبلية طالت البنية التحتية وكل المرافق الحيوية في القطاع المحاصر.
ومع اقتراب تكلفة الدمار من 20 مليار دولار، وفق تقرير مشترك أعده البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة، تتزايد التحذيرات الدولية من تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية، إذ تحتاج عمليات الإعمار والترميم إلى تدخل عاجل وجهود مشتركة على مستوى دولي لمواجهة هذه التحديات الضخمة وإعادة قطاع غزة إلى الاستقرار.
حجم الدمار
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية الحيوية في قطاع غزة تجاوزت 18.5 مليار دولار بحلول نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، تمثّل نحو 97% من الناتج الإجمالي لفلسطين، والحصيلة مرشحة للارتفاع بأكثر من الضعف إذا أضيفت خسائر الأشهر الثلاث الماضية.
كشف البنك الدولي أيضًا بأن الحطام والأنقاض التي خلفها القصف الإسرائيلي على غزة تقدر بنحو 26 مليون طن، وقد تحتاج إزالتها والتخلص منها لسنوات من العمل المتواصل.
وبحسب التقييم المؤقت، فقد تكبد قطاع الإسكان الضرر الأكبر بخسائر بلغت نحو 13.29 مليار دولار، يليه قطاع التجارة والصناعة والخدمة بقيمة 1.65 مليار دولار، ثم القطاع الزراعي بخسائر تُقدر بنحو 629 مليون دولار، كما لحقت أضرار بقطاع الصحة تقدر بـ554 مليون دولار، بينما بلغت أضرار قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية بـ503 ملايين دولار، وفق التقرير الدولي.
كما شدد البنك الدولي على أن هذا التقييم المؤقت للأضرار لا يغطي إلا مدى وتكلفة الأضرار التي لحقت بالهياكل المبنية في القطاع، ومن الضروري إجراء تقييم شامل للخسائر الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن الاحتياجات التمويلية لإعادة الإعمار.
ورجح التقرير انكماش اقتصاد غزة بواقع 51.4% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مع استمرار ارتفاع التضخم الذي تجاوزت نسبته 33% على وقع الحرب الدائرة وتداعياتها الكارثية.
من جانبه، دعا وزير الاقتصاد الفلسطيني محمد العامور، المؤسسات الدولية إلى الترجمة الفورية لتقرير البنك الدولي والأمم المتحدة بشأن تكلفة أضرار العدوان الإسرائيلي التي لحقت بالمباني والبنية التحتية الحيوية في قطاع غزة، باتخاذ إجراءات لمحاسبة دولة الاحتلال على ما ترتكبه من إبادة جماعية وتدمير ممنهج لكل مقومات الحياة.
وأكد العامور خلال تعليقه على التقرير، أن تكلفة الأضرار والخسائر والاحتياجات المقدرة أعلى بكثير من تكلفة التقييم المؤقت للأضرار الحقيقية التي قدرها البنك الدولي والأمم المتحدة.
وتسببت الحرب خلال 6 أشهر في استشهاد أكثر من 33 ألف شخص وما يزيد على 80 ألف مصاب، و7 آلاف مفقود، وقرابة مليوني نازح، يشكلون قرابة 92% من سكان قطاع غزة.
تحديات الإعمار
مع وجود تحديات هائلة أمام عمليات الإعمار في غزة، يتعين على المجتمع الدولي والجهات المعنية العمل بشكل جاد لمواجهة هذا الوضع الكارثي الطارئ، وتشمل تحديات الإعمار العاجلة عمليات إزالة الأنقاض وإعادة بناء البنى التحتية المتضررة وتوفير الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، إلى جانب توفير فرص العمل للسكان المتضررين.
ورغم أن الوقت ما زال مبكرًا لتحديد تكلفة إعادة بناء غزة مع استمرار الحرب، فإن منظمة “الأونكتاد” التابعة للأمم المتحدة، رجحت أن يستغرق الأمر عدة عقود من الزمن، وسيكلف المجتمع الدولي عشرات المليارات من الدولارات.
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله أن حجم الدعم الغربي للكيان الإسرائيلي بات واضحًا، وبالتالي فإنه ليس من مصلحة هؤلاء الداعمين إعادة إعمار قطاع غزة، لأن ما رأيناه من تدمير منهجي وهمجي للقطاع خلال الأشهر الست الماضية يدل على أنهم يخربون القطاع بهدف جعله لا يصلح للعيش، ليضطر سكانه إلى الهجرة لسيناء أو بحرًا عن طريق الميناء الجديد.
وفي حديثه لموقع “نون بوست” يستبعد ذكر الله، إمكانية وجود دعم دولي لإعادة إعمار القطاع، وقد تستمر الحملات الإغاثية والمساعدات الطبية ورحلات معالجة الجرحى، لكن لن يتم تمويل بناء المستشفيات وغيرها كما حصل في السابق.
وأشار تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في مارس/آذار الماضي، إلى أن الخلافات الداخلية وغياب حكومة فلسطينية قوية يمثل أحد أكبر التحديات أمام إعادة إعمار قطاع غزة، حيث يفرض هذا المزيج من الفوضى والحرمان والصراع مخاطر طويلة الأمد على القطاع.
ويعد الحظر الاسرائيلي المفروض على دخول مواد البناء إلى قطاع غزة أحد أكبر العوائق التي تقف أمام جهود الإعمار في المستقبل، ومن غير الممكن تصور بدء عجلة الإعمار مع استمرار الحصار الإسرائيلي على القطاع.
كما تعتبر المخلفات الحربية والذخائر غير المنفلقة قنابل موقوتة تعيق أي عمليات إعمار في قطاع غزة، إذ تتطلب إزالتها الكثير من الجهد والتمويل والوقت.
وبحسب دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS) فإن القنابل التي لم تنفجر تقبع في باطن الأرض، وفي حالة غزة تختفي تحت أطنان الركام، وبالطبع هناك خطورة أن تنفجر لاحقًا وهو ما سيشكل عائقًا أمام عمليات إعادة الإعمار في القطاع المدمر.
فرص المستقبل
رغم التحديات الضخمة، فإن الدمار الحاليّ يمكن أن يتحول إلى فرص للبناء والتطوير في قطاع غزة، ويمكن لعمليات الإعمار أن تسهم في تعزيز البنية التحتية وتحسين الظروف المعيشية للسكان.
يشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن عملية إعادة الإعمار إذا بدأت فور انتهاء الأعمال العدائية، وإذا انتهى الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ 18 عامًا، ومع نمو مستمر بمقدار 10%، سيستغرق القطاع حتى عام 2035 للعودة للمستويات التي كان عليها في 2006، أي قبل الحصار الإسرائيلي للقطاع.
وعن ذلك قال الخبير في “أونكتاد” رامي العزة، إن دائرة الدمار وإعادة الإعمار غير الكافية ليست خيارًا لسكان غزة، مضيفًا: “نحن بحاجة إلى إعادة الأمل للناس في المستقبل، وأعتقد أن ذلك لن يأتي إلا عبر خطة سياسية شاملة تتضمن حل الدولتين”.
ودعا خبراء إلى اعتماد أساليب تخطيط مبتكرة لإعادة الإعمار، واستخدام التقنيات الحديثة لاستهداف الأماكن التي تكون فيها الحاجة إلى إعادة البناء أكثر إلحاحًا.
كما طرحت الكثير من الأفكار حول استخدام البدائل الخرسانية، فضلًا عن إعادة استخدام الركام الخرساني والاستفادة من ابتكارات طابعات البناء ثلاثية الأبعاد التي تستخدم مواد النفايات لإنتاج بدائل خرسانية أقوى من الممكن أن تعجل بإعادة بناء غزة، مع تحسين قدرة المنطقة على الصمود في مواجهة التأثيرات المتفاقمة لتغير المناخ.
ورغم فداحة الخسائر التي طالت قطاع غزة، يؤكد الدكتور أحمد ذكر الله أن ذلك ليس كبيرًا على الأشقاء العرب والأشقاء في الخليج، كونهم ينفقون أضعاف ذلك على أمور أقل أهمية ولا تمس أمنهم الإستراتيجي، ويعني بذلك الفعاليات الرياضية والفنية وغيرها، وبالتالي من الممكن إعادة إعمار القطاع إذا كانت هناك نية جادة وإرادة سياسية حقيقية لتبني هذه الفكرة.
ويرجح الخبير الاقتصادي عدم إمكانية إعادة إعمار قطاع غزة في الظروف الراهنة دون مساعدة دولية، بسبب ضعف الإمكانات المادية داخل غزة والحصار المفروض عليه، مشددًا على ضرورة دعم صمود سكان غزة لإعادة إعمار القطاع بسواعد أبنائه، وإفشال مخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية.