من جديد فشلت الفصائل الفلسطينية في إحراز أي تقدم يذكر بملفات المصالحة الداخلية العالقة، خلال ثلاثة أيام من المباحثات المكثفة التي جرت في القاهرة برعاية المخابرات المصرية.
هذا الفشل يضاف لصفحة طويلة من اللقاءات والحوارات التي انتهت دون نتائج بين حركتي “فتح” و”حماس” وكان آخرها قبل شهر حين وقعت الحركتان على اتفاق يقضي بتسلم الحكومة لمهامها الرسمية في القطاع، وتبدأ خطوات تخفيف الحصار ورفع العقوبات التي لا يزال يفرضها الرئيس عباس على غزة منذ 8 أشهر.
الفصائل التي وصلت غزة بالأمس عبر معبر رفح البري قادمة من القاهرة، لم تحمل معها للفلسطينيين وأهل غزة على وجه الخصوص، إلا المزيد من التشاؤم والحسرة، حين علقوا آمالاً كبيرة على الحوار بتخفيف الحصار وويلاته التي يتجرعونها منذ 11عاماً وزاد من مرارتها الانقسام الداخلي.
خيبة أمل
منذ اليوم الأول من لقاءات القاهرة التي جمعت 13 فصيلاً فلسطينياً على رأسهم حركتي “فتح” و”حماس” وجمعت 63 شخصية فلسطينية، حتى بدأت تخرج الأنباء والتسريبات عن فشل متوقع في ظل خلاف قائم ومسافات لا تزال متباعدة، فيما حاول بيان النهائي تجميل نتائج اللقاء رغم انه يحمل بين سطوره الكثير من المخاوف والخلافات.
الإحباط وخيبة الأمل هما ما حصده الفلسطينيين من نتائج لقاءات القاهرة، وكما يقول المثل “مبروك نجحت العملية ومات الجنين”، وهذا الإحباط، انعكس أيضا على تصريحات المسؤولين والمحليين، الذين اجمعوا على أن البيان الصادر لا يلبي أدنى طموحات الفلسطينيين، ويؤكد على عدم تحقيق أي اختراق في الملفات المطروحة، وأهمها رفع العقوبات عن غزة.
أعلنت الفصائل الفلسطينية في القاهرة الأربعاء الماضي، اتفاقها على أبرز القضايا الوطنية بعد أيام من اللقاءات برعاية مصرية
وحول خبايا لقاء القاهرة، ونقاط الخلاف الكبيرة بين “فتح” و”حماس” التي لا تزال عالقة، أكد جميل مزهر، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، وعضو وفد المصالحة في القاهرة، أن الفصائل لم تحقق أي تقدم بملفات المصالحة التي جرى بحثها في العاصمة المصرية.
وقال مزهر إن “ما جرى في القاهرة ليس كما كنا نتوقعه ونريده والفصائل لم تتفق على شي واضح، وهناك حديث على عقد لقاءات أخرى لمناقشة باقي الملفات التي لا تزال عالقة”، ولفت إلى أن العقبات لا تزال تعترض الطريق والأمور بحاجة إلى خطوات أكثر جدية وطرق مختلفة للنقاش والحوار لتحقيق المصالحة.
وذكر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، أن العقوبات المفروضة على قطاع غزة بناءً على ضوء تطورات ملف المصالحة ستبقى قائمة حيث لم نحصل على قرار من حركة “فتح” بذلك، متمنيا أن لا تكون هناك ضغوطات خارجية تعرقل المصالحة الفلسطينية، أعلنت الفصائل الفلسطينية في القاهرة الأربعاء الماضي، اتفاقها على أبرز القضايا الوطنية بعد أيام من اللقاءات برعاية مصرية.
وشددت الفصائل في بيانها الختامي، على ضرورة الإسراع بخطوات تطوير وتفعيل منظمة التحرير وفقاً لإعلان القاهرة عام 2005، ودعوة لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية للاجتماع لتحقيق ذلك، ويأتي ذلك انطلاقاً من أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وبدأت اجتماعات الفصائل الفلسطينية في القاهرة الثلاثاء الماضي، ويأتي هذا الاجتماع وفق اتفاق حركتي فتح وحماس الأخير في القاهرة بأكتوبر الماضي، والذي نص على تمكين حكومة الوفاق في قطاع غزة واستلامها المعابر والجباية عليها وهو ما تم، ودعوة الفصائل لعقد حوار وطني شامل في القضايا الوطنية الكبرى وفق اتفاق القاهرة عام 2011 في 21 نوفمبر، يليه لقاء ثنائي بين حماس وفتح في الأول من ديسمبر المقبل لتقييم مرحلة تمكين الحكومة.
عضو الهيئة القيادية لحركة “فتح” يحيى رباح، قال إن “البيان الختامي للقاءات الفصائل في القاهرة كان من الممكن أن لا يصدر لكن ارتأت الفصائل على إخراجه بهذا الشكل”.
ويقول رباح إن “كل فكرة المصالحة قائمة على تمكين الحكومة من القيام بعملها عندما تستلم الحكومة كامل السيطرة ستسير المصالحة للأمام وتتحقق، مشدداً أنه “بدون الملف الأمني لا يمكن للمعابر أن تعمل، فهو أمر حيوي وهام لفتح وبدونه لن تكون مصالحة”.
وبين رباح أنه “يجب أن يكون هناك سلطة واحدة وسلاح شرعي واحد، وأن يكون قرار السلم والحرب قرار وطني، مشيراُ إلى أن “من يطالب بالسرعة في تنفيذ الخطوات هو لا يريد المصالحة والأمور تحتاج للوقت ولا يجب الاستعجال”، وتابع أن “بيان القاهرة كان مرضيًا والمصالحة تخطو خطوات جيدة وعلينا أن نثق بأنفسنا دون إثارة ضجيج كبير”، على حد تعبيره.
وبحسب مراقبين، فإن حركة “فتح” أصرّت على التمسك بحوارات ثنائية مع “حماس” قبل البدء في الحوار الوطني الشامل، بذريعة تقييم الحكومة وما أنجز على صعيد تسليم الوزارات في غزة، في محاولة للقفز عن التوافق الوطني في تناول القضايا الإستراتيجية المتمثلة بالمجلس الوطني والانتخابات والحكومة وملفات المصالحة المجتمعية والأمن.
وأثناء فترة تمكين الحكومة خرجت حركة “فتح” في تصريحات صحفية متجاوزة فيها الإجماع الوطني، أبرزها ما تحدث بها جمال محيسن عضو اللجنة المركزية لفتح والذي قال فيها “إنه لن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأن حكومة الحمدالله هي فقط ستواصل مهامها حتى إجراء الانتخابات”.
أبو مدين: “محمود عباس أعلنها صراحة أنه يريد حكما مطلقا في غزة لا يشاركه فيه أحد، وأن يكون صاحب القرار في كل شيء”
وسبق ذلك تصريحا للرئيس عباس الذي أكد فيه على برنامجه السياسي كمرجعية للحكومة في محاولة لتجاوز توافقات القاهرة، كما قال إنه لن يعين شخصا لا يعترف بـ”إسرائيل” في حكومته، في محاولة لقطع الطريق على مشاركة “حماس”.
أطراف ترفض المصالحة
بدوره، قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة إن “البيان الختامي للفصائل في القاهرة يوضح بأن هناك أطراف في المصالحة تحاول التراجع عن ما تم الاتفاق عليه”.
وأوضح خريشة أن الفصائل لا تمتلك القرار لتحريك المصالحة بقوة، كونه تركز بيد رئيس السلطة محمود عباس، مبيناً أن البيان احتوى عبارات عائمة وإنشائية وبعض المخالفات للقانون الأساسي الفلسطيني، معتبرا أنه كان “ذراً للرماد في العيون”.
وقال خريشة: “حكومة الوفاق الوطني تفتقد حتى الآن للبعد الدستوري والقانوني”، مشيراً أن “من يقرر عقد المجلس هو رئيس السلطة، وكان يجب مخاطبته لدعوة المجلس للانعقاد وما صدر في البيان مخالف للعرف والقانون الأساسي”.
واستغرب الخريشة الدعوة لعقد الانتخابات في نهاية عام 2018 طالما أن السجل الانتخابي جاهز، وكأنه اعتراف بشرعية الأمر الواقع حتى الانتخابات،بحسب تعبيره، متابعاً: “الفصائل دعت لرفع العقوبات عن غزة، لكن لم ترفع ولا عقوبة واحدة، كل الفصائل أصبحت في مواجهة مع قرارات الرئيس باستمرار العقوبة، التي ما زال يفرضها بحجة تمكين الحكومة”.
وطالب خريشة الفصائل بأن تكون واضحة وصريحة أمام الشعب الفلسطيني، لافتاً إلى أن “البيان دعا الفصائل لاجتماع في شهر فبراير المقبل، فهل ينتظر الشعب كل هذه المدة دون اختراق والانتظار حتى صفقة القرن”، مضيفاً: “السلطة تستخدم معاناة أهالي غزة والواقع السياسي لابتزاز حماس للوصول لأهداف سياسية”.
وفي ذات السياق، قال وزير العدل السابق والسياسي المعروف فريح أبو مدين، إن “الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلنها صراحة أنه يريد حكما مطلقا في غزة لا يشاركه فيه أحد، وأن يكون صاحب القرار في كل شيء”.
وذكر أبو مدين أن الحكم المطلق بدون شراكة لا يصلح في غزة في ظل الوقائع التي حدثت خلال الأعوام الـ11 السابقة، والتي عين فيها آلاف الموظفين وتطورت فيها الأجنحة العسكرية لحركتي حماس والجهاد ويقية الفصائل الأخرى.
وأكد أبو مدين أن الذي يصلح لامساك الأمن في الوقت الراهن هي حركة حماس، موضحًا أن الأجهزة العاملة حاليا باتت على دراية وعلم تام بأوضاع القطاع، “وهناك فلتان سابق تخشى الناس العودة إليه مجددا”، وفق قوله. مشيرًا أن معالجة الملف الأمني يحتاج إلى تدرج للوصول لحالة من الشراكة بين مكونات الشعب في غزة”.
وبشأن العقوبات المفروضة على غزة، أجاب أشار أبو مدين إلى أن “عباس قال إنه لن يرفعها وسيبقيها إلى حين تمكينه الكامل في غزة، وأنه لن يدفع أي شيء لقناعته بأن هذه العقوبات هي التي دفعت حماس للمصالحة وهذا تقدير خاطئ منه”. مرجحاً أن تنجح مصر في رفعها تدريجيا، ومضيفاً أن “المعضلة الأساسية تتمثل في غياب البرنامج الوطني الشامل”، مستبعدا أن تجري الانتخابات الفلسطينية في وقت قريب.
نصّ اتفاق القاهرة، الذي تم توقيعه في 12 أكتوبر الماضي، على تنفيذ إجراءات لتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها الكاملة في إدارة شؤون غزة، كما في الضفة الغربية
فشل جديد
وفي قراءة لتطورات ملف المصالحة، قال الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب إن “البيان لم يأت بأي جديد، فهو مجرد كلام وشعارات وهروب للأمام، ولم يسجل اختراقات حقيقية في الملفات الكبرى كمنظمة التحرير أو الانتخابات أو حكومة وحدة وطنية”.
وقال الغريب إن البيان يسجل فشلاً واضحاً للفصائل في عدم إلزام حركة فتح برفع العقوبات عن غزة فورا، وكذلك عدم تضمين البيان جدول زمني لكل الملفات يدلل على فشل واضح للجولة ويعكس مدى إصرار حركة فتح على استمرار حالة التفرد بالمؤسسات والقرار الفلسطيني.
وأشار الغريب إلى أن المرحلة القادمة عنوانها “إدارة المصالحة” وفق زيارات وجداول زمنية وبروتوكولات وجولات سيكون عنوانها التلكؤ والهروب من استحقاقات المصالحة وشعبنا سيدفع الثمن، ومصر كراعي للمصالحة معنية بإطالة أمد الجولات لحسابات خاصة بها، والمأمول منها دور فاعل وضاغط للمضي قدما في دفع حركة فتح لتنفيذ استحقاقات الملفات الكبرى ، وأمام ذلك علينا التفكير ماذا بعد؟”.
إلى ذلك، لا يزال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يفرض عقوبات قاسية على قطاع غزة منذ شهر مارس الماضي، تمثلت في “تقليص الرواتب وإحالة الموظفين على التقاعد المبكر، إضافة لتقليص كمية الكهرباء التي تورد لغزة، ومنع التحويلات المرضية والبنكية لخارج القطاع”، رغم إعلان “حماس” منذ أكثر من شهرين عن حل اللجنة الإدارية التي شكلتها في قطاع غزة، وكانت السبب الرئيسي لفرض تلك العقوبات.
وتسلّمت الحكومة الفلسطينية، مطلع نوفمبر الحالي، إدارة معابر قطاع غزة الثلاثة، في إطار اتفاق المصالحة. ونصّ اتفاق القاهرة، الذي تم توقيعه في 12 أكتوبر الماضي، على تنفيذ إجراءات لتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها الكاملة في إدارة شؤون غزة، كما في الضفة الغربية، بحدٍّ أقصاه مطلع ديسمبر المقبل، مع العمل على إزالة كل المشاكل الناجمة عن الانقسام.