تشهد منطقة الشرق الأوسط سلسلة من الصراعات والحروب التي عادة ما تكون نتائجها ثقيلة الحمل على الصعيد الاقتصادي والثقافي، وبالتحديد الجوانب الحضارية والثقافية للبلد، فلقد وصفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” تدمير المعالم الدينية والثقافية والتاريخية ب”الكوارث الثقافية” واعتبرتها جرائم حرب ممنهجة، وخاصة المواقع التي دمرتها الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق وليبيا واليمن خلال السنوات السابقة.
كما أوضحت المنظمة أن هناك نوعين من التراث المادي والأول الذي يشمل المنشآت والمباني مثل المعالم الدينية والمتاحف الثقافية والمواقع الأثرية، ويقصد بالقسم الثاني العادات والتقاليد والأزياء الشعبية التقليدية والموسيقى التي تعبر عن ثقافة البلد. وفي هذا التقرير سوف نتناول جزء بسيط من المعالم التي فقدتها الدول العربية بسبب الحروب السابقة مقارنة مع ما سلبه تنظيم الدولة الإسلامية داعش من تاريخ هذه الدول.
العراق
بدأت هذه الكوارث الثقافية عام 2003 بعد الغزو الأمريكي للعراق والتي سجلت في تاريخه أكبر سرقة في تاريخ المتاحف، حيث نُهبت حوالي 150 ألف قطعة أثرية من متحف بغداد، إلى جانب حرق المكتبة الوطنية التي تحوي أهم الوثائق الرسمية في تاريخ العراق، وكانت تلك بداية الخسارة لآثار تعود إلى آلاف السنين.
ومن بعد الغزو، ظهر تنظيم الدولة الإسلامية داعش في مدينة الموصل عام 2014 والذي دمر أيضًا الكثير من المعالم التاريخية البارزة، متنقلًا بين أكثر المدن أهمية وشهرة مثل مدينة نمرود الآشورية.
شهد العراق عمليات سلب وهدم موسعة لآثاره مثل المساجد والمزارات الشيعية والتماثيل والقلاع و الأضرحة والكنائس والمقابر، وأهمها مسجد القبة الحسينية ومسجد خضر في الموصل وجامع جواد الحسينية ومسجد الاربعين في تكريت والذي يحتوي على أربعين مقبرة من زمن الأنبياء ومسجد النوري
فلقد شهد العراق عمليات سلب وهدم موسعة لآثاره مثل المساجد والمزارات الشيعية والتماثيل والقلاع و الأضرحة والكنائس والمقابر، وأهمها مسجد القبة الحسينية ومسجد خضر في الموصل وجامع جواد الحسينية ومسجد الاربعين في تكريت والذي يحتوي على أربعين مقبرة من زمن عمر بن الخطاب ومسجد النوري، ومزار سعد بن عقيل الحسينية في مدينة تلعفر، وضريح أحمد الرفاعي، وقبر الفتاة في الموصل.
إضافة إلى الكنائس داخل الموصل مثل كنيسة مريم العذراء ومار كوركيس ودير مار إيليا والذي يعتبر أقدم دير في العراق، ولكنه أصبح في قائمة الجرائم التي ارتكبها داعش. جدير بالذكر أنه تم تدمير هذه المعالم باستخدام متفجرات وجرافات بحجة أنها “تتنافى مع أحكام الدين الإسلامي”.
سوريا
حذرت يونسكو عدة مرات من الخطر الذي يلاحق الآثار التاريخية بسبب الأزمة السورية وعناصر تنظيم داعش، إذ أشارت المنظمة إلى تعرض حوالي 300 موقع بالغ الأهمية للتدمير أو النهب أو الضرر منذ بداية الأزمة السورية. فلقد بسط التنظيم سيطرته على مدينة تدمر وألحق الضرر بأهم مواقعها التاريخية والتي نزعها من الذاكرة الحضارية والتاريخية للدولة.
قدرت اليونسكو بيع ممتلكات هذه المواقع ببلايين الدولارات، الأمر الذي أوضح أن غاية التنظيم من تدمير هذه المعابد والآثار هو المنافع الربحية
ومن المراكز التي دمرها عناصر التنظيم هي قوس النصر الأثري الذي يعتبر كنز ثقافي في المدينة، ومجموعة من المعابد التي تعود للعهد الروماني والكنيسة التذكارية للإبادة الأرمنية في دير الزور عام 2014 ودير سانت عليان التاريخي، مع العلم أن تنظيم الدولة أسس وزارة خاصة وفرق مختصة بالتنقيب والبحث عن الآثار لسرقتها وتهريبها.
وفي هذا الخصوص قدرت اليونسكو بيع ممتلكات هذه المواقع ببلايين الدولارات، الأمر الذي أوضح أن غاية التنظيم من تدمير هذه المعابد والآثار هو المنافع الربحية، فلقد صرحت اليونسكو أن تجارة الآثار هي أحد مصادر التمويل المادي الذي يرتكز عليه تنظيم الدولة في الدول التي يتواجد فيها.
ليبيا
وهي بقعة تشهد حالة من الصراعات والانقسام وبروز للميليشيات المسلحة وبسبب هذا الوضع تعرضت كنوز هذه المنطقة للنهب وخاصة الآثار التي تعود إلى الحضارة اليونانية، وتضرر آثار أخرى بسبب عمليات الجرف والهدم.
حيث يوجد في ليبيا العديد من المواقع الأثرية ضمن قائمة التراث العالمي، وهي: موقع صبراتة الأثري ومدينة شحات التي بناها الإغريق شرق البلاد، ومواقع تادرارت أكاكوس الصخرية الغنية بآلاف النقوش التي يعود أقدمها إلى 21 ألف عام قبل الميلاد، ومدينة غدامس التي فيها آثار عاشت لنحو عشرة آلاف سنة قبل الميلاد والأضرحة الصوفية بالقرب من طرابلس.
اليمن
فقدت هذه الدولة الكثير من آثارها بسبب عمليات السرقة والنهب التي تعرضت لهما أكثر المناطق أهمية تاريخيًا وهي محافظتي مأرب والجوف التي شهدتا على حضارات سبأ ومعين، والتي تتضمن 90% من المخزون الأثري في اليمن.
وحتى في المناطق الأخرى من البلاد التي لم تسلم من قصف الحوثيين والجماعات الموالية للرئيس علي عبدالله صالح والتي تدمرت بسببهم مقر الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات في المدينة، والذي أدى أيضا إلى اشتعال المتحف الوطني والمخطوطات فيه التي باتت تاريخ محروقًا.
الأماكن التي نجت فلم تسلم من التنظيم لأنه استخدمها في تنفيذ جرائمه، مثل مسرح تدمر الشهير الذي شهد على عملية إعدام 25 شخص من الجيش النظامي.
وبالمقابل قصفت المملكة السعودية العديد من المناطق المهمة في تاريخ اليمن مثل قلعة القاهرة في مدينة تعز، والتي يعود تاريخها إلى شمس الدولة توران شاه أخو القائد صلاح الدين الأيوبي، وسد مأرب التاريخي القديم الذي تأسس في القرن الثامن قبل الميلاد في مملكة سبأ والذي يعتبر من أهم المواقع الأثرية الرمزية في اليمن.
بالإضافة إلى مجموعة من المباني التي تضررت بفعل القصف العشوائي مثل مسجد عبد الرزاق الصنعاني ودار الحسن في دمت ومتحف عدن وحمام البخاري جوار مسجد الهادي ومدينة صعدة القديمة وقصر غمدان.
لا يمكن حصر جميع المواقع والمعالم التاريخية التي دمرها تنظيم داعش، والتي من الصعب التصديق أنها كانت موجودة بالفعل، وكأنه تم محوها كليًا، أما الأماكن التي نجت فلم تسلم أيضًا من التنظيم لأنه استخدمها في تنفيذ جرائمه، مثل مسرح تدمر الشهير الذي شهد على عملية إعدام 25 شخص من الجيش النظامي.
وهي الكارثة التي تبررها داعش بتصحيح المسار للمسلمين في العالم وأنها تقوم بالقضاء على كل مظاهر “الشرك” وأنها لا تتفق مع التقاليد الإسلامية السنية، ولكن البعض يفسر هذه العمليات المتعمدة على أنها طريقة لجذب انتباه العالم والحصول على التغطية الإعلامية الواسعة عن طريق مسح الثقافات والحضارات السابقة، وتكوين هوية خاصة بهم.