قتل وأصيب عشرات المصريين في أول هجوم من نوعه، يستهدف مصلين أثناء تأديتهم لصلاة الجمعة، في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء شمال شرق البلاد. وفي أحدث حصيلة للهجوم، أكّدت مصادر رسمية، ارتفاع عدد القتلى إلى 200 قتيل و130 مصابا، فيما أكّدت مصادر أن أعداد الضحايا مرشحة للزيادة. وعقب الهجوم أعلنت الرئاسة المصرية الحداد لمدة ثلاثة أيام في جميع أنحاء البلاد.
تفاصيل الحادث
ووفقا لتقارير إعلامية، عقب أداء صلاة الجمعة، وأثناء خروج المصلين، من مسجد الروضة غربي مدينة العريش، شرق بئر العبد شمال سيناء، حدث تفجير عبوة ناسفة في محيط المسجد، لتهرع بعد ذاك سيارات الإسعاف لمكان التفجير، وكذلك القيادات الامنية وتم تطويق المنطقة بالكامل، وتمّ اعلان حالة الاستنفار في مستشفيات بئر العبد والعريش بشمال سيناء، استعداد لاستقبال الضحايا.
أُعلنت حالة الطوارئ القصوى في مستشفى بئر العبد وإسعاف شمال سيناء، كما أوقفت قوات الأمن حركة السير على الطريق الدولي القنطرة العريش
ويأتي التفجير في محيط المسجد الذي يقع على بعد 20 كيلومترا غرب العريش، بعد هدوء نسبي للعمليات المسلحة شمال سيناء ضد قوات الجيش والشرطة، وتعتبر تغييرا نوعيا نادرا عبر استهداف مسجد منذ انطلاق المواجهات العسكرية لعناصر مسلحة في عام 2013. وأكّدت تقارير اعلامية، أن المسجد المستهدف هو الوحيد في قرية الروضة ويرتاده المئات، وأن التفجير بالعبوة الناسفة تلاه إطلاق نار من جانب مسلحين مجهولين، استهدفت كذلك طواقم الإسعاف التي حضرت لنقل المصابين، ونقلت وسائل إعلامية عن مصادر قبلية أن عناصر مسلحة فجروا عبوات ناسفة داخل مسجد بقرية الروضة، وأقدموا على حرق سيارات المصلين.
وبحسب وسائل إعلام مصرية، فقد أُعلنت حالة الطوارئ القصوى في مستشفى بئر العبد وإسعاف شمال سيناء، كما أوقفت قوات الأمن حركة السير على الطريق الدولي القنطرة العريش، وقالت وزارة الصحة إنها أرسلت فريقا طبيا من القاهرة للمشاركة في إسعاف جرحى الهجوم. ومنذ ما يزيد على الثلاث سنوات، تشهد مصر بشكل متكرر عمليات مسلحة تستهدف مواقع عسكرية وشرطية ومسؤولين أمنيين، ما أسفر عن مقتل المئات، فيما انتقد البعض السياسة الأمنية البحتة التي تتعامل من خلالها السلطات المصرية مع الأوضاع غير المستقرة في سيناء.
الحداد لمدّة 3 أيام
عقب هذا الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجد الروضة في شمال سيناء، قررت الرئاسة المصرية، الجمعة، إعلان حالة الحداد لمدة 3 أيام في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب ذلك عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اجتماعا مع اللجنة الأمنية المصغرة لبحث تداعيات الحادث، وفقا لما ذكرته قناة “النيل” الإخبارية الرسمية.
خلفيات الحادث
رغم أنه لم يخرج أي مصدر رسمي إلى الأن للحديث عن سبب التفجير، كما لم يتبى أي تنظيم مسؤولية الحادث، فإن عديد المراقبين يرجعون السبب إلى استهداف قبيلة “السواركة”، التي يقطن أغلب أفرادها وقياداتها في تلك المنطقة، خاصة القبيلة الفرعية داخل السواركة، وتدعى “الجريرات” أو” الجريرين”. ويقول متابعون للشأن المصري، أن قبيلة السواركة عرفت بعدائها لتنظيم داعش، وسبق لإمام المسجد المستهدف الجمعة الماضية أن قام بمهاجمة التنظيم الذي ينشط في شبه جزيرة سيناء، ووفقا لما أوردته بعض التقارير الاعلامية، فإنّ المسجد الذي استهدف تقوم عليه جماعة صوفية تسمى بالطريقة الصوفية الجريرية، والتي يكفرها عناصر “داعش”، ومعظم مرتادوه من قبيلة السواركة التي تساند الجيش والشرطة بشكل واضح ضد المسلحين.
مسجد الروضة غربي مدينة العريش المستهدف
وتعقيبا على هذا الهجوم، قال عبد الهادى القصبى رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب وشيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر”، أن القضية ليست في استهداف مسجد صوفي، ولكنها استهداف للمصريين بالكامل، وما يحدث لأبناء القوات المسلحة يحدث لأبناء الداخلية وأهل التصوف ويحدث أيضا لإخواننا الأقباط”، وتمثل الطرق الصوفية ومريديها هدفاً، من الأهداف التي تقصدها داعش فقد قام التنظيم بالعديد من العمليات صوب رموز الصوفية أو مساجدهم وأضرحتهم خلال السنوات الأخيرة.
عداء متواصل بين “داعش” و”الصوفيين”
يأتي هذا التفجير، حسب عديد الخبراء، في إطار الحرب الدائرة بين تنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم داعش، وبين الصوفيين، ودائما ما يوجّه مسلحو تنظيم “داعش” المتشدد تهم “السحر والشعوذة” لأنصار الطرق الصوفية، كمبرر لنسف الأضرحة واغتيال قياداتها، بدعوى أنهم يخالفون الشريعة الإسلامية عبر التكهن بالغيب والتضرع للأولياء، وهو ما يعتبرونه شرك بالله. وسبق أن دعت الطرق الصوفية في مصر إلى تشكيل مجلس عالمي للطرق يعمل على مكافحة الإرهاب والدفاع عن الأضرحة حول العالم، والتأكيد على أن التصوف لا يمكن أن يخذله أتباعه مع كثرة استهدافهم.
اعتاد أهالي سيناء على مداهمات تنظيم “ولاية سيناء” لبيوت قرى مدينة الشيخ زويد التي يسكنها في الغالب الصوفيون
البداية كانت باختطاف تنظيم “داعش” الشيخ سليمان أبو حراز، وهو شيخ مسن وضرير، ومن كبار مشايخ الطريقة الصوفية في سيناء، من أمام منزله بحي المزرعة جنوب مدينة العريش على مرأى من أبنائه وتحت تهديد السلاح، بدعوى ممارسة السحر والدجل، ليدق ناقوس الخطر من جديد بالعثور على جسم غريب داخل مسجد السيد البدوي ليؤكد أن مسلسل الصراع مستمر ولن يمر مرور الكرام.
في ديسمبر الماضي كان تنظيم الدولة قد توعد في بيان أصدره، بقتل كل أبناء الطرق الصوفية في سيناء ممن رفضوا مبايعة ما يسمى بتنظيم «ولاية سيناء»، كاشفاً عن رصد كل زوايا الصوفيين على أرض سيناء. لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل أعلن التنظيم أنهم ألقوا القبض على عدد من أبناء الطرق الصوفية في سيناء خلال الفترة الأخيرة، وأن عدداً منهم أعلن بيعته للتنظيم، فيما ذبح آخرين رفضوا الانضمام إليه.
تنفيذ حكم الاعدام على الشيخ سليمان أبو حراز
اعتاد أهالي سيناء على مداهمات تنظيم “ولاية سيناء” لبيوت قرى مدينة الشيخ زويد التي يسكنها في الغالب الصوفيون، وتتم هذه المداهمات لمسلحين ملثمين يقودون سيارات دفع رباعي، يقومون بخطف زوّار الحضرات. وقد وصل الأمر إلى حد وضع عبوات ناسفة أمام بعض مساجد الصوفيين وأضرحتهم، كما حدث في ضريحي الشيخ حميد أبو جرير بمنطقة المغارة في وسط سيناء، والشيخ سليم الشريف أبو جرير بمنطقة المزار في بئر العبد، واللذين تم تفجيرهما عن بُعد في التوقيت نفسه.
وتندرج كل هذه الأحداث والممارسات في إطار محاولات تنظيم “ولاية سيناء” فرض قوانينه الخاصة وإظهار نفسه كحاكم فعلي للمنطقة، ويبرّر تنظيم “داعش” استهدافه للصوفيين في مصر، بـ “كفر” هذه الجماعة واعتبارها “طرق باطلة” حسب تصوٍرهم، حيث يقول أمير الحسبة بالتنظيم “أعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدرة، ونقول لكم أننا لن نسمح بوجود زوايا لكم في ولاية سيناء”.