ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد خسارة المعركة أمام إيران في العراق وسوريا، تبذل المملكة العربية السعودية جهودا من أجل أن لا يحدث معها نفس الأمر في اليمن ولبنان. وعموما، تحدث هذه التحركات بالتزامن مع عملية التطهير التي شهدتها المملكة العربية السعودية ضد أسماء من المحتمل أن تنافس بن سلمان في مسيرته نحو التربع على كرسي العرش، الذي لا زال تحت سيطرة والده.
من جانب آخر، تعددت العقبات والنكسات في طريق ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وفي هذا الصدد، تعد الحملة ضد قطر، خير دليل على ذلك؛ إذ كان لها تأثير عكسي يتعارض مع الهدف المنشود. وبدلا من عزلها، ساهمت حملة بن سلمان في تقارب قطر من إيران وتركيا. وعلى هذا النحو، لم ينتج عن قرار العزل الذي أصدرته الرياض وحلفاؤها خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي، الآثار والتبعات المتوقعة.
في الأثناء، لم يجن السعوديون أيضا أية نجاحات في لبنان، حيث يتحدث الجميع عن محاولات الرياض في قيادة انقلاب فيها. وفي هذا السياق، بعد أن أعلن رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، عن استقالته بشكل مفاجئ انطلاقا من الرياض بداية الشهر الحالي، عاد المسؤول اللبناني إلى بلاده خلال عيد استقلال بلاده. علاوة على ذلك، لا توجد مؤشرات تدل على إمكانية حدوث كارثة في هذا البلد الصغير على خلفية التوترات التي سيشهدها لبنان خلال الأيام القليلة القادمة.
جميع تحركات بن سلمان داخل رقعة شطرنج الشرق الأوسط، في صالح تل أبيب قبل أن تكون مفيدة للرياض
في هذا الصدد، ساهمت خيبة آمال ولي العهد السعودي، من دون شك، في تقارب بلاده بشكل أكبر من إسرائيل. وخلال الأشهرالأخيرة، تعددت الدلائل الواضحة التي تشير إلى التقارب السعودي الإسرائيلي، وأصبحت جلية للعلن. وكانت آخر هذه المؤشرات خلال الأسبوع الماضي، حيث أجرى رئيس الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي إيسنكوت، حوارا مع صحيفة سعودية. وبشكل عام، لولا موافقة بن سلمان على هذه المقابلة غير المسبوقة من نوعها، لما حدثت أساسا.
بشكل عام، راهن بن سلمان، وبقوة، على إسرائيل لسببين اثنين. من جهة أولى، يكن كل من بن سلمان وإسرائيل عداء عميقا لإيران، ويتفق كلا الجهتان حول أن هذا “العدو” هو سبب كل المشاكل في المنطقة. وبطبيعة الحال، تعد إسرائيل العدو الأكبر لإيران، وترى في حالة الفوضى التي يشهدها الشرق الأوسط، وسيلة لإذابة الجليد مع البلدان السنية في المنطقة. ومن جهة ثانية، يعتبر بن سلمان أن إسرائيل لها قدرة عالية على التأثير في الولايات المتحدة الأمريكية. وتبعا لذلك، يمكن لبن سلمان أن يستفيد من إسرائيل، من خلال تعزيز عزلة إيران، وزيادة حجم العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
في المقابل، أدت هذه الظروف إلى إضعاف موقف بن سلمان، وجعلت من تبعيته لإسرائيل بمثابة “كعب أخيل” بيد هذه الأخيرة. وفي واقع الأمر، كانت جميع تحركات بن سلمان داخل رقعة شطرنج الشرق الأوسط، في صالح تل أبيب قبل أن تكون مفيدة للرياض. وفي هذا السياق، أكدت العديد من وسائل الإعلام العربية والعبرية، أن بن سلمان زار إسرائيل أكثر من مرة.
من جانب آخر، استقبل بن سلمان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، خلال الأيام القليلة الماضية في الرياض. وبحسب ما تمت الإفادة به، هدد ولي العهد السعودي، الرئيس الفلسطيني بإجباره على الاستقالة في حال لم يمتثل لمطالب واشنطن من أجل التوصل إلى حل سلام مع الإسرائيليين. وبشكل عام، يبرهن هذا الحدث على تبعية بن سلمان لإسرائيل. علاوة على ذلك، سرب الإسرائيليون خلال هذا الأسبوع بعض مطالب واشنطن، من بينها مطلب يسلط الضوء على أنه “لن يتم تفكيك أي مستعمرة يهودية في الأراضي المحتلة”.
اشترى بن سلمان يختا بقيمة 500 مليون يورو، قبل فترة وجيزة من حملة “مكافحة الفساد”
في الواقع، يمنح بن سلمان أولوية قصوى لعلاقته مع إسرائيل. في المقابل، يعد هذا المعطى بمثابة خبر سيئ في الشرق الأوسط، خاصة بعد اتخاذ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، نفس الموقف. ومن جهته، يعول السيسي أيضا على إسرائيل، من أجل ضمان البقاء في السلطة، والتمتع بدعم الأمريكيين في هذا السياق.
من جهة أخرى، أعطى الرئيس الأمريكي الشارة الخضراء لبن سلمان وسمح له بالتحرك مثلما يرغب وفي كل الاتجاهات. وتبعا لذلك، لاقت عملية تطهير الأمراء السعوديين، التي قادها بن سلمان، دعما ضمنيا من قبل الرئيس الجمهوري، الذي لم ينتقد في أي وقت من الأوقات تحركات ولي العهد. فضلا عن ذلك، حافظ ترامب على موقفه حتى عندما راجت أخبار مفادها أن الأمراء السعوديين الذين ألقي عليهم القبض من قبل ولي العهد السعودي، يتعرضون إلى التعذيب.
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه تم الترويج لعملية تطهير الأمراء السعوديين، على أنها خطوة ضرورية لمكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية. ومن المفارقات، اشترى بن سلمان يختا بقيمة 500 مليون يورو، قبل فترة وجيزة من حملة “مكافحة الفساد”. ومن المثير للاهتمام، أنه كان من بين 200 أمير معتقل، أمراء أقوياء؛ لعل أبرزهم متعب بن عبد الله، ابن الملك السابق ووزير الحرس الوطني منذ سنة 2013.
ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في لقاء له مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال الشهر الحالي في الرياض
في الحقيقة، تم اعتقال الأمير متعب بن عبد الله، صحبة أمراء آخرين مؤثرين في المجال السياسي والاقتصادي. وقد وُجّهت للأمير متعب تهمة الحصول على أموال طائلة عن طريق معاملات تجارية غير شفافة. ونتيجة لهذه الاتهامات، من الممكن جدا أن تنشأ حالة عدم ثقة بين رجال الأعمال السعوديين والجهات الأجنبية.
من جانب آخر، أصبح بن سلمان مباشرة بعد تربع أبيه على كرسي العرش وزيرا للدفاع. وفي الوقت الحالي، يحكم ولي العهد السعودي تحت قبضته وزارة الداخلية السعودية، التي كان على رأسها الأمير محمد بن نايف إلى غاية إعفائه من منصب ولي العهد السعودي. علاوة على ذلك، امتدت نفوذ بن سلمان إلى الحرس الوطني، الوزارة التي كانت تحت تصرف الأمير متعب.
بشكل عام، تمكن بن سلمان من تأمين الطريق نحو كرسي العرش. في المقابل، لم تكف التوترات التي يحدثها بن سلمان سواء في داخل المملكة أو خارجها؛ عن البروز بين ليلة وضحاها. ومن دون شك، ستجلب هذه الحالة أخبارا سيئة لمنطقة الشرق الأوسط.
المصدر: بوبليكو الإسبانية