ترجمة وتحرير: نون بوست
يا له من فشل بالنسبة للسعوديين، حيث أنهم لم يعودوا يحتلون صدارة الاقتصاد العالمي، حيث أصبحوا في مواجهة النرويجيين، وقلقين بشأن المستثمرين الدوليين المحتملين، وغير متأكدين من النوايا الصينية، فضلا عن ازدياد حاجتهم الماسة للسيولة. ولتمويل مشاريع إعادة هيكلة المملكة العربية السعودية على نطاق واسع، ومحاولة تشكيل اقتصاد منتج ومزدهر لعصر ما بعد النفط، يسعى السعوديون إلى جمع مبالغ مذهلة في الأسواق الدولية، خلال السنوات المقبلة.
في هذا الصدد، يعتبر تسجيل أسهم شركة أرامكو السعودية للتداول العام حدثا محوريا في هذه الأيام. فضلا عن ذلك، سيتطلب النجاح في هذا المشروع تمتع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومستشاريه بمهارات سياسية ومالية استثنائية. وفي هذه الحالة، لا يملك محمد بن سلمان حقا أي خيار أمامه.
خلال السنوات الأخيرة، أدى الانخفاض في أسعار النفط العالمية إلى تراجع تمويل الحكومة السعودية. وخلال هذه السنة، من المحتمل أن يصل العجز في ميزانية البلاد إلى 80 مليار دولار. وحتى وفقا للمعايير السعودية، لا يمكن تحمل هذا العجز على المدى الطويل.
رؤية 2030
بالإضافة إلى ذلك، تهدف خطة “رؤية 2030″، من بين أهدافها العديدة الرامية لتحديث وتنويع اقتصاد المملكة، إلى بناء مدينة جديدة، أطلق عليها اسم “نيوم”، تُقدر تكلفتها قرابة 500 مليار دولار. وفي أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر، عرض محمد بن سلمان خططه على أكثر من 3000 مستثمر تمت دعوتهم إلى الرياض من أجل حضور “مبادرة الاستثمار في المستقبل”.
أثارت حملة مكافحة الفساد التي شنها ولي العهد السعودية قلق المستثمرين، حيث أصبحوا متشككين من مدى ثقتهم في قدرة ولي العهد على إدارة دولة مستقرة
في حين أن التمويل الدولي اليوم لا يعرف حدودا حقيقية تقريبا، إلا أنه من الممكن أن يكون أيضا متقلبا. فمن الممكن أن يرغب مستثمر اليوم في إبرام صفقة معينة، وقد يعزف في اليوم الموالي عن ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن عقول المستثمرين وأفعالهم تحركها نظرتهم حول الثقة وعدم اليقين. وفي هذه اللعبة، لا يزال محمد بن سلمان مبتدئا وعرضة لارتكاب أخطاء كبيرة.
وعلى خلفية ذلك، قام ولي العهد باعتقال عشرات الأثرياء السعوديين بتهمة الفساد. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” مقالا أشارت فيه إلى أن “أصحاب المليارات المحتجزين يجبرون على القيام بصفقات تنص على تقديم 70 بالمائة من ثروتهم مقابل الحصول على حريتهم. وهو ما قد يجعل السعودية تتحصل على مبلغ قدره 100 مليار دولار.
قلق المستثمرون
أثارت حملة مكافحة الفساد التي شنها ولي العهد السعودية قلق المستثمرين، حيث أصبحوا متشككين من مدى ثقتهم في قدرة ولي العهد على إدارة دولة مستقرة. وبقي السؤال الذي يدور في أذهانهم: إذا قرروا الاستثمار في البلاد، فهل بإمكانهم السيطرة على استثماراتهم؟ أو هل سيجدون أنفسهم معرضين يوما ما لتهمٍ ذات دوافع سياسية تُوجه لهم من قبل السلطات السعودية؟
في الحقيقة، أثارت حملة مقاومة الفساد لبن سلمان الأخيرة خوف الكثير من المستثمرين، حيث لم يكن العديد من هؤلاء الأثرياء الذين تم القبض عليهم فقط أعضاء بارزين في أكبر البنوك الاستثمارية والصناديق في العالم، بل كانوا أيضا مستثمرين رئيسيين في أكبر الشركات الغربية.
يعتقد المحللون أن انخفاض مستويات أسعار النفط خلال السنوات القليلة القادمة يرجع نسبيًا إلى زيادة إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ارتفاع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من بدائل الطاقة
فضلا عن ذلك، قد يؤدي الضرر الناجم عن أزمة الثقة إلى جعل من الصعب على الحكومة السعودية تحقيق هدفها المعلن الذي يتمثل في جمع الأموال عن طريق بيع أسهم في شركة أرامكو النفطية العملاقة المملوكة للدولة. والجدير بالذكر أن المسؤولون السعوديون قيموا هذا الضرر بنحو 2 تريليون دولار.
الشكوك النرويجية
مع ذلك، قد يكون هذا التقييم في الوقت الراهن موضع شك، وذلك بسبب كل من المخاوف حول هيمنة ولي العهد على السلطة، والنرويجيين. وفي الوقت الحالي، يتطلع صندوق الثروة السيادية في النرويج، الذي يعد أكبر صندوق في العالم إذ بلغت أصوله حوالي تريليون دولار، إلى أسعار النفط العالمية.
في هذا السياق، يعتقد المحللون أن انخفاض مستويات أسعار النفط خلال السنوات القليلة القادمة يرجع نسبيًا إلى زيادة إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ارتفاع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من بدائل الطاقة. ونتيجة لذلك، أعلن صندوق النرويج أنه سيعرض جميع أسهمه في شركات النفط العملاقة للبيع، على غرار شركة “إكسون موبيل”، وشركة “شل”، وشركة “بريتيش بتروليوم”، التي تقدر قيمتها حاليا بنحو 35 مليار دولار.
من جانب آخر، سيترتب عن عملية بيع الأسهم إلى إلحاق الضرر بقيمة جميع شركات النفط، بما في ذلك أرامكو. ولتحقيق زيادة تصل إلى نحو 100 مليار دولار، كما هو مخطط له، قد يكون على السعوديين بيع أكثر بكثير من خمس بالمائة من أسهم الشركة. كما سيكون عليهم تقديم عمولات مغرية لأولئك الذين يستطيعون التوسط في البيع. في الحقيقة، لا يوجد غير بورصة لندن ونيويورك قادرتان على التكفل بمثل هذه الصفقة. وفي الوقت الراهن، كلاهما تتنافسان على الصفقة، ولكن معايير الشفافية والحوكمة الأساسية قد تكون متطلبة جدا بالنسبة للسعوديين المتحفظين على الصفقة.
من المحتمل أن يكون صندوق الثروة السيادية في سنغافورة مهتما بهذه الصفقة، ولكنه يعد مستثمرا دخيلا من المرجّح أن يكون له نفس وجهات نظر النرويجيين المتعلقة بالاستثمار في الشركات النفطية. وعلى العموم، يمكن للسعوديين أن يسعوا إلى جمع كل من أسهمهم الخاصة ويطلبون مساعدة أصدقائهم في مجال الخدمات المصارف الاستثمارية من لندن وزيورخ ونيويورك، من أجل القيام باكتتاب خاص ضخم للأسهم المراد بيعها، على الرغم من أن ذلك سيتطلب بذلهم لجهود حثيثة لاستعادة ثقة السوق التي خسروها.
تتعرض مساعي بن سلمان لخطر كبير نظرا للإجراءات المتزامنة التي اتخذها ضد القوات المدعومة من إيران في اليمن ولبنان، في الوقت الذي يفرض فيه حصار على قطر
دخول الصين؟
في الواقع، هناك تكهنات تفيد بأن الصينيين سوف يشترون أسهم شركة أرامكو النفطية أثناء عملية الاكتتاب الخاص. ولن تكون مثل هذه الصفقة مجرد إشارة سياسية من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ تدل على دعمه لولي العهد، بل مؤشرا آخر على مدى حيوية الصين على جبهة الاستثمارات العالمية. فضلا عن ذلك، من المحتمل أن تشير هذه الصفقة إلى إعادة تنظيم محورية تقوم بها السعودية تجاه الولايات المتحدة. ولكن ما يمكن أن يعرقل هذه الصفقة هو حدوث توترات بين إيران والصين، التي قد لا يريد الرئيس الصيني إطلاق العنان لها.
من جانب آخر، يتعين على الرئيس الصيني شي جين بينغ أن ينظر فيما إذا كان القيام باستثمار أجنبي ضخم من هذا النوع يمثل أولوية لحكومته. مع العلم أنه قد التزم بالفعل بإجراء استثمارات ضخمة في البنية التحتية في جميع أنحاء آسيا، خلال العقد المقبل. وعلاوة على ذلك، يحتاج الزعيم الصيني القوي إلى معالجة قضية الديون الداخلية التي تزداد خطورتها.
عموما، تصل نسبة الدين في الناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى أكثر من 280 في المائة. بالإضافة إلى ذلك، ما زال توسع القروض الضخمة من قبل البنوك والشركات التجارية في البلاد التي تعمل في ظل النظام الظل المصرفي، وجبال الديون التي تقع على عاتق الشركات المملوكة للدولة وشركات البناء والحكومات البلدية في ارتفاع مستمر.
بدءا بالسعي إلى تعزيز السلطة السياسية والعسكرية في الداخل، وصولا إلى محاولة تصفية الأمراء مقابل الحصول على السيولة، ظل ولي العهد السعودي يسير على حبل مشدود. فضلا عن ذلك، تتعرض مساعيه لخطر أكبر نظرا للإجراءات المتزامنة التي اتخذها ضد القوات المدعومة من إيران في اليمن ولبنان، في الوقت الذي يفرض فيه حصار على قطر. في الوقت ذاته، ظل يراقب المستثمرون مجريات الأحداث بحذر.
المصدر: ذي غلوباليست