ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب ليز سلي، لويزا لافلاك، دافيد فيليبوف
يوم الثلاثاء، أطلق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حملة كبرى جديدة لإنهاء الحرب في سوريا، بعد الزيارة غير المعلنة للرئيس السوري بشار الأسد لروسيا، والتي يبدو أنها ستؤكد دوره المستقبلي في وضع أي تسوية محتملة.
في الواقع، تستند المبادرة الروسية إلى اتفاق تم التوصل إليه مع الرئيس ترامب هذا الشهر، والذي اعترفت فيه الولايات المتحدة، على نحو فعال، بالدور القيادي لروسيا في الدبلوماسية السورية، مقابل قبول روسيا للدور الأمريكي المستمر في سوريا بعد قرب انهيار تنظيم الدولة.
بعد لقاء بوتين بالأسد، أجرى الرئيس الروسي مكالمة مطولة يوم الثلاثاء مع زعماء المنطقة والعالم، سعيا منه للحصول على دعمهم للمقترحات التي من شأنها أن تستثمر التدخل العسكري الناجح لروسيا نصرة للأسد منذ سنة 2015، وتحويله إلى انتصار دبلوماسي من شأنه أن يؤكد دور روسيا كلاعب رئيسي في العالم.
مع إعلان الكرملين أن الأسد التقى ببوتين يوم الاثنين في منتجع سوتشي في روسيا، بدأت طفرة الدبلوماسية. وقد أظهرت الصور التي أصدرتها وسائل الإعلام الروسية الرجلين وهما يحتضنان بعضهما بحرارة. في هذا السياق، نقلت وسائل الإعلام الحكومية عن بوتين قولا أفاد فيه بأن الرئيس السوري قد أكد له سير الحرب في سوريا كما يرغب، وأنها قد قربت على الانتهاء، كما حثه على تحويل اهتمامه نحو حل سياسي للصراع.
حيال هذا الشأن، صرح بوتين “فيما يتعلق بعملنا المشترك في محاربة الإرهاب على الأراضي السورية، فإن هذه العملية العسكرية قد شارفت على الانتهاء. وأعتقد أن المهمة الأساسية الآن تتمثل في إطلاق العملية السياسية”. حسب ما ذكره مراقبون في كل من الكرملين والبيت الأبيض، أجرى بوتين مكالمة هاتفية دامت أكثر من ساعة يوم الثلاثاء مع ترامب، في محادثة تركزت في معظمها حول سوريا. وأفاد الكرملين بأن بوتين قد أبلغ ترامب بأنه قد حصل على التزام من الأسد باستعداده على التعاون مع المبادرة الروسية بما فيها تلك المتعلقة بالإصلاحات الدستورية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
تأمل روسيا من خلال هذه القمة، في أن تساهم في صياغة صفقة كبرى حول سوريا، تؤيدها جميع الأطراف الفاعلة والإقليمية التي لديها مصلحة فيما بعد الحرب، وتحظى بدعم السوريين
في المقابل، ذكر البيت الأبيض أن الزعيمين قد أكدا مجددا التزامهما بتأمين تسوية ضمن إطار عملية السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في جنيف، وأيضا لضمان أن تبقى سوريا بعيدة عن أي “تدخل خبيث”، وفي هذا إشارة إلى التأثير الإيراني الكبير في المنطقة. كما قال ترامب للصحفيين في واشنطن “إننا نتحدث بشكل قوي عن تحقيق سلام في سوريا”.
في سياق متصل، أورد الكرملين أن بوتين قد اتصل هاتفيا في وقت لاحق بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ليخبرهما بتفاصيل محادثاته مع الأسد. وكان من المتوقع أيضا أن يتصل بملك المملكة العربية السعودية.
من هذا المنطلق، تأتي محادثات يوم الثلاثاء عشية قمة رئيسية حول سوريا، سيحضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وسيعقد هذا اللقاء في سوتشي، التي تبدو الآن في مركز الدفع الروسي للتوصل إلى حل للوضع في سوريا، خاصة وأن إيران وتركيا هما أبرز فاعلين إقليميين لديهما تأثير كبير على مختلف الأطراف في سوريا.
من خلال هذه القمة، التي ستنطلق في الأسابيع المقبلة، تأمل روسيا في أن تساهم في صياغة صفقة كبرى حول سوريا، تؤيدها جميع الأطراف الفاعلة والإقليمية التي لديها مصلحة فيما بعد الحرب، وتحظى بدعم السوريين.
دخان يغطي المباني بعد غارة جوية وقعت في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر على قرية عربين المحاصرة، التي تسيطر عليها المعارضة في منطقة الغوطة الشرقية
يوم الأربعاء، من المقرر أن تستضيف السعودية اجتماعا لقادة المعارضة في الرياض، في محاولة لتشكيل هيئة معارضة جديدة قادرة على تمثيل الحركة المناهضة للأسد في المفاوضات المستقبلية. وقد قدم ما يقرب من اثني عشر من قادة مجموعة المعارضة الحالية المدعومة من الولايات المتحدة استقالتهم قبل الاجتماع، احتجاجا على ما اعتبروه تخلي حلفائهم عن الاتزام بضمان رحيل الأسد.
إلى جانب ذلك، من المقرر أن تستضيف الأمم المتحدة الجولة الثامنة من محادثات السلام في جنيف بين الحكومة والمعارضة الجديدة يوم 28 تشرين الثاني/ نوفمبر، وهي عملية تهدف ظاهريا إلى صياغة شكل من أشكال الانتقال السياسي بعيدا عن حكم الأسد. لكن، ألغت صفقة ترامب وبوتين جميع الإشارات نحو أي شكل من أشكال “الانتقال”، وأصبح التركيز الآن على عملية كتابة دستور جديد يؤدي إلى عقد انتخابات.
في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر، تعتزم روسيا استضافة اجتماع سيحضره حوالي 1300 سوري يمثلون في المجمل المعارضة الجديدة، والنظام، وطيفا من الأطراف الأخرى من أجل بحث شروط صياغة دستور جديد. وستعقد انتخابات يسمح للأسد بالمشاركة فيها بعد كتابة الوثيقة وفقا لمشاريع المقترحات الروسية.
في الحقيقة، تيسرت الدبلوماسية بفضل الاتفاق الذي تتوصل إليه بوتين وترامب، خاصة وأن الولايات المتحدة تمارس نفوذها بشكل رئيسي على الركن الشمالي الشرقي من سوريا، حيث تقوم مجموعة صغيرة من القوات الأمريكية بمساعدة المقاتلين الأكراد الذين يحاربون تنظيم الدولة هناك. وفي هذا الصدد، قال وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، الأسبوع الماضي إنه من المتوقع أن يبقى بعض هؤلاء الجنود بعد انتهاء الحرب من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة ريثما يتم التوصل إلى حل شامل للحرب السورية.
يشوب الموقف الإيراني شيء من الضبابية، خاصة حول مدى استعداد ولاية الفقيه للامتثال لصفقة دولية من المؤكد أنها ستمارس الضغط على طهران لتخفيف تأثيرها الواسع الذي تتمتع به من خلال إيفاد المال والميليشيات الحربية خلال السنوات الست الماضية
ومع ذلك، لا تزال تدور بالخاطر أسئلة كثيرة، من بينها تلك المتعلقة بمدى استعداد الأسد للتخلي عن هدفه المعلن؛ والمتمثل في استعادة الأراضي التي أصبحت خارج سيطرته خلال السنوات الست الماضية من الحرب. وعلى الرغم من أن المقترحات الروسية ستحافظ عليه في منصبه، وربما إلى أجل غير مسمى، فإنها أيضا ستميع من سلطاته بإعطاء خصومه دورا أبرز في الحكومة.
في شأن ذي صلة، أورد المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف، للصحفيين أن بوتين سعى إلى طمأنة القوى العالمية بأن روسيا مستعدة لضمان امتثال سوريا للاتفاقيات التي تم التوصل إليها. وقال أيضا إن روسيا “ستعمل مع القيادة السورية لإعداد أسس للتفاهم” مؤكدا أن “مثل هذه الاتفاقات ستكون عملية”.
بحسب ما ورد في التعليقات التي نقلتها وسائل الإعلام الروسية عن اجتماعه مع بوتين، يبدو أن الأسد يحاول حماية مدى التزامه بهذه العملية. وقد نقلت عنه وسائل الإعلام قوله “نحن مهتمون بتعزيز العملية السياسية، ونأمل بأن تدعمنا روسيا من خلال ضمان عدم تدخل الفاعلين الخارجيين في العملية السياسية، حتى لا يدعموا إلا العملية السياسية التي تنبع من السوريين أنفسهم. نحن لا نريد أن ننظر إلى الوراء وسنقبل بأي محادثات مع أي طرف يرغب في الوصول إلى تسوية سياسية”.
في المقابل، يشوب الموقف الإيراني شيء من الضبابية، خاصة حول مدى استعداد ولاية الفقيه للامتثال لصفقة دولية من المؤكد أنها ستمارس الضغط على طهران لتخفيف تأثيرها الواسع الذي تتمتع به من خلال إيفاد المال والميليشيات الحربية خلال السنوات الست الماضية. وفي هذا الإطار، أكد وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، للصحافيين في إسطنبول الأسبوع الماضي، إن ضمان قبول المعارضة بتواصل دور الأسد سيكون صعبا، رغم تراجع الموقف الدولي حول ضرورة مغادرته.
في سياق متصل، أورد تشاويش أوغلو “لم تعد روسيا وإيران فقط الأكثر مرونة مع الأسد، ولكن التحق بهذا الركب الآن الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا، ولكن يجب أن لا نكون عاطفيين، وعلينا أن نتحلى بالواقعية. فنحن بحاجة إلى توحيد جميع الأطراف، ولكن يبدو أنه ليس من السهل توحيد الجميع حول الأسد، خاصة بعد مرور سبع سنوات من الحرب الأهلية، وبعد قتل النظام لقرابة مليون سوري”.
في الواقع، تقدر الجماعات المراقبة لهذه الحرب بأن عدد ضحاياها قد تراوح بين 300 ألف و500 ألف سوري، ولكن يكمن التحدي الكبير بعد كل هذا في الوصول إلى مصالحة تامة.
المصدر: واشنطن بوست