قرر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تأجيل عملية اجتياح مدينة رفح جنوبي غزة على الحدود المصرية لأجل غير مسمى، حسبما أفادت هيئة البث الإسرائيلية، الأحد 14 أبريل/نيسان 2024، وذلك بعد نحو أسبوع تقريبًا من إعلانه تحديد موعد تنفيذها الذي لم يكشف عنه بشكل رسمي.
وبررت الهيئة هذا القرار المفاجئ بأنه جاء بعد مشاورات مع المنظومة الأمنية في دولة الاحتلال، لافتة إلى أن تلك العملية من شأنها إنهاء الحرب في القطاع، إذ يزعم مجلس الحرب الإسرائيلي أن رفح هي المعقل الأخير لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وكان نتنياهو قد صرح في 8 أبريل/نيسان الحالي بأنه قد تم “تحديد موعد” العملية العسكرية لاجتياح رفح، دون الكشف عن هذا الموعد، وسط انتقادات دولية وتحذيرات من الإقدام على تلك الخطوة التي تهدد حياة أكثر من مليون ونصف فلسطيني في تلك المدينة والمناطق المحيطة بها.
عاجل | هيئة الإذاعة الإسرائيلية: #نتنياهو يقرر تأجيل عملية رفح
التفاصيل | https://t.co/RBETP2tWMb#عينك_على_العالم #إسرائيل #فلسطين #غزة pic.twitter.com/BXxu0LBDwo
— العين الإخبارية (@AlAinNews) April 14, 2024
وتأتي تلك الخطوة غداة الضربة الإيرانية التي استهدفت الكيان المحتل بأكثر من 300 صاروخ ومسيرة، مساء 13 أبريل/نيسان الحاليّ، ردًا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع الشهر الجاري، وهي الضربة التي تقول “إسرائيل” إنها أجهضتها خارج الحدود قبل أن تصل لأجوائها، فيما تحتفي طهران بما حققته خلالها من نتائج.
ويتزامن هذا القرار مع استدعاء جيش الاحتلال فرقتين من قوات الاحتياط لتنفيذ مزيد من العمليات في قطاع غزة، رغم سحبه للعديد من الألوية خلال الآونة الأخيرة، الأمر الذي يثير التساؤلات بشأن حقيقة وجدية تأجيل عملية رفح.. فماذا وراء هذا القرار الذي قد يضع نتنياهو في مأزق كبير أمام عناصر اليمين المتطرف في حكومته؟
توظيف الضربة الإيرانية.. استعطاف المجتمع الدولي
تعرض نتنياهو وحكومته منذ الإعلان عن نيته القيام بعملية برية في رفح، لتحذيرات إقليمية ودولية بشأن تلك العملية وخطورتها على مئات الآلاف من النازحين الذين اضطروا للنزوح إلى تلك المنطقة التي باتت الملاذ الأخير أمامهم بعد تدمير جيش الاحتلال لمعظم مناطق القطاع.
وأمام إصرار حكومة الحرب على تنفيذ تلك العملية رغم التحذيرات المتتالية، والانتهاكات ضد الإنسانية التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في القطاع، بدأ نزيف فقد الدعم الدولي يتزايد شيئًا فشيئًا حتى أصبحت “إسرائيل” دولة منبوذة من الجميع، أنظمة وشعوبًا، فيما تعرض حلفاؤها لضغوط عنيفة من الرأي العام المحلي والدولي، الأمر الذي دفع بعضهم لإعادة تقييم مواقفه وسياساته إزاء الحرب في غزة ودعم الكيان المحتل بصفة عامة.
مندوب الاحتلال يعرض مقطع فيديو للمسجد الأقصى في جلسة مجلس الأمن ويقول إن إيران تسعى للهيمنة الشيعية ولا تهتم بالمساجد ولا بالمسلمين. pic.twitter.com/S61JmERjYq
— TRT عربي (@TRTArabi) April 15, 2024
ثم جاءت الضربة الإيرانية الأخيرة بمثابة قبلة الحياة للحكومة الإسرائيلية، حيث أحدثت توازنًا نسبيًا في كفة الدعم الدولي مرة أخرى، ليعاود الكيان المحتل استعادة بعض من هذا الدعم المتراجع، لا سيما بعد تضخيم الرد الإيراني وإظهار “إسرائيل” كضحية تستوجب التعاطف والدعم والمساندة، هذا بخلاف تخفيفها للضغط على نتنياهو وحكومته بشأن الوضع في غزة والفشل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة، وإعادة تموضع الجبهة الداخلية بعد اختلاق عدو أكثر شراسة وتهديدًا للوجود الإسرائيلي، أو هكذا تروج الآلة الإعلامية والسياسية في الداخل الإسرائيلي.
ويبدو أن نتنياهو لم يرغب في التفريط في تلك الهدية الثمينة التي قدمتها طهران له، أو على الأقل يحاول الاستفادة منها أطول فترة ممكنة، وعليه قد يأتي قرار تأجيل عملية رفح كنوع من مغازلة المجتمع الدولي وتخفيف حدة الانتقادات الموجهة له ولحكومته بسبب إصراره على تنفيذ تلك العملية، والظهور بموقف المستجيب للضغوط الدولية والانصياع – مؤقتًا – للتحذيرات الخاصة بتلك العملية.
تراجع القدرات العسكرية لجيش الاحتلال
بعيدًا عن القراءة السياسية الأولى فهناك قراءة عسكرية أخرى لهذا القرار تتعلق بخشية الاحتلال الغوص أكثر وأكثر برمال رفح، في ضوء تراجع قدراته وإمكانياته جراء الخسائر التي تكبدها على أيدي المقاومة منذ بداية الحرب وحتى اليوم.
وتعرض جيش الاحتلال منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لضربات متتالية وموجعة على أيدي حماس وبقية فصائل المقاومة، فضلًا عن توسيع دائرة المعارك، حيث تحارب قوات المحتل على جبهتي الشمال (جنوب لبنان) والجنوب (قطاع غزة)، بجانب عمليات المقاومة الفردية في الضفة وغيرها، الأمر الذي أثر بطبيعة الحال على قدرات الجيش العسكرية وتركيزه ومخزونه التسليحي.
بن غفير يهدد #نتنياهو بخسارة منصبه مالم ينفذ عملية #رفح.. و #سموتريتش يدعو إلى عقد مناقشة خاصة للحكومة الإسرائيلية#العربية pic.twitter.com/391DmmC4q7
— العربية (@AlArabiya) April 8, 2024
ويرجع الخبير العسكري الأردني نضال أبو زيد قرار نتنياهو إرجاء عملية رفح إلى أن قوات الاحتلال لم تعد كافية للقيام بتلك العملية الصعبة، فيما أصيب هيكلها التنظيمي بتهشم كبير طيلة الـ193 يومًا من القتال في غزة، لافتًا في تصريحات لصحيفة “أخبار الأردن” المحلية إلى أن قدرات جيش الاحتلال الحاليّة لا تؤهله للدخول في معركة جديدة.
وتعليقًا على استدعاء جيش الاحتلال فرقتين من قوات الاحتياط لتنفيذ مزيد من العمليات، بعد موجة انسحابات أخيرة من بعض مناطق القطاع، يرى الخبير العسكري الأردني أن هذه الخطوة لا علاقة لها بعملية رفح، إذ ترتبط بمحاولة ضبط الانفلات الأمني في مناطق الضفة في ظل الفوضى التي حلت بها مؤخرًا، منوهًا إلى أن ألوية الاحتياط لا تستطيع القيام بالمناورة وحدها دون إسناد من قطاعات نظامية، على حد قوله.
بالأرقام.. أكثر من 3 آلاف ضابط وجندي إسرائيلي أصيبوا منذ بداية الحرب على قطاع #غزة وفقا للجيش الإسرائيلي#حرب_غزة #إنفوغراف pic.twitter.com/lD2cZI5TVc
— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 15, 2024
خداع إستراتيجي
منذ بداية الحرب الأخيرة وعلى مدار عقود طويلة مضت من المواجهات والمفاوضات أثبت المحتل أنه كيان غير موثوق به ولا يحترم كلمته ولا يؤتمن فيما يقول أو يتفق عليه، فالبرغماتية لديه عقيدة تجُب ما دونها، ولواء ينطوي تحته كل الإستراتيجيات والاتفاقيات والسياسات المتبعة والمتبناة.
وعليه فهناك من يرى أن قرار تأجيل عملية رفح يأتي ضمن هذا السياق، كجزء من عملية خداع إستراتيجي يخدر بها المقاومة والأطراف الفاعلة في الأزمة حتى الانتهاء من إعداده لعملية الاجتياح ثم يقوم بتنفيذها فورًا، ووضع الجميع أمام الأمر الواقع، وهو ما ذهب إليه الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد ركن حاتم كريم الفلاحي، الذي يرى أن استدعاء قوات احتياط إضافية خطوة تحمل الكثير من الشكوك بشأن نوايا الاحتلال توسعة عملياته في القطاع واحتمالية فتح جبهات جديدة في الشمال أو الجنوب.
ويستند الفلاحي في هذا الرأي إلي أن استدعاء قوات الاحتياط لا يتم إلا في حال وجود تهديد للأمن القومي الإسرائيلي أو في الكوارث الطبيعية، فهي العمود الفقري للجيش الإسرائيلي، واستدعاؤها خطوة تحمل الكثير من المؤشرات على رأسها أن الجيش لا يزال يعطي قطاع غزة أولوية في التعامل مع التهديدات وليس كما يميل البعض في قراءته لسحب بعض الألوية الذي يأتي في إطار إعادة التموضع وليس الانسحاب.
بعد تأجيل اجتياحها.. خبير عسكري يحذر من خداع إسرائيلي محتمل بشأن رفح https://t.co/YgBneg7pQW
— صحيفة مباشر العربية (@mubasheer2022) April 15, 2024
كما نبّه إلى أن هناك مناطق لا تزال مشتعلة في القطاع لا سيما في الوسط والجنوب حيث مدينة رفح، وتحاول “إسرائيل” الهيمنة عليها بشكل كامل، ومن ثم يأتي هذا التجييش عبر قوات الاحتياط لدعم عمليات الجيش في تلك المناطق، مبينًا – خلال تحليله للمشهد العسكري على الجزيرة – أن التصريحات الإسرائيلية عن تأجيل اقتحام رفح “قد تكون جزءًا من عملية خداع”.
ويتناغم الرأي الذي يميل إلى قراءة قرار تأجيل العملية كجزء من عملية خداع إستراتيجي مع الضغوط المتوقع أن يتعرض لها نتنياهو إذا ما كان جادًا في هذه الخطوة، لا سيما من أعضاء الحكومة من اليمين المتطرف وعلى رأسهم وزيرا المالية والأمن القومي، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، واللذان طالبا بتنفيذ عملية رفح بأسرع وقت والقضاء على معقل حماس هناك، على حد قولهما.
وفي الأخير ليس هناك من شك في رغبة نتنياهو وحكومته في تأجيج المشهد وتوسعة دائرة المواجهة وإطالة أمد الحرب، تأجيلًا لنهايته السياسية المرتبطة بالسطر الأخير لتلك المواجهة، ما يضع أمام قرار تأجيل عملية رفح تساؤلات عدة ستجيب عنها الأيام القادمة.