تزامناً مع التطور التكنولوجي الهائل وانتشار العالم الافتراضي “الانترنت” بشكلٍ واسع، واختراقه للحدود، والنظرة المختلفة للعالم التي بدأت تتشكل على نحوٍ بأنه أصبح قريةً صغيرة، رأى بعض المبرمجين الإلكترونيين أن الوقت قد حان للثورة داخل هذه القرية، فصُنعت العملة الرقمية وأُنشأت بنوك مالية آمنة لتنظم هذه العملية.
يقول المستشار المالي الحسن بكر “إن العملة المشفرة تكتسب قيمتها من خلال مجموعة من العوامل، أهمها العرض والطلب الناجمين عن عمليات البيع والشراء وتحويل الأموال عبر الإنترنت، بالإضافة إلى جاذبيتها للمستثمر، وكذلك تكلفة التعدين لهذه القيمة التي باتت مكلفة للغاية مع مرور الزمن”.
هل العملات الرقمية حقيقية؟
تعتبر العملات الرقمية أصولاً افتراضية غير ملموسة، تعبر عن ملكية افتراضية لقيمة معينة، وكان أبرز وأهم هذه العملات، العملة التي أطلق عليها اسم “البيتكوين” وقد تم تأسيسها مطلع العام 2009، وتعتبر الأكثر انتشاراً وتداولاً وكذلك الأعلى قيمةً مقارنةً مع نظيراتها الأخريات.
يضيف المستشار أيضاً بأنه لا يمكن إدراج العملة الرقمية ضمن العملات التقليدية، ويعود ذلك لعدم اعتمادها كوحدة حساب رسمية، وكذلك لم يتم اعتمادها في تسديد القروض، لكنها تعتبر ملكية بالدرجة الأولى، وتندرج ضمن الأصول تماماً كما السندات والأسهم وغيرها.
تُعد عملية الحصول على هذه العملة من العمليات الأسهل على الإطلاق، إذ بإمكان أي شخص يمتلك الانترنت البدء الفعلي بعملية شرائها وممارسة تداولها واستخدامها عبر إنشاء ما يسمى “المحفظة”، تكون مهمتها تخزين العملة وهي تتشابه مع الحساب المصرفي
يحتوي العالم الافتراضي اليوم سوق كبير للعملات الإلكترونية والتي من أهمها (البيتكوين، الإيثيروم، الريبل، الداش) وعملات أخرى، اندثر بعضها ولا يزال منها ما هو قائم حتى الآن.
“ساتوشي ناكاموتو” بقي اسماً رائداً ملاصقاً لذكر العملة الأشهر البيتكوين كمؤسساً لها بعد أن اكتُشف لاحقا بأنه اسمٌ وهمي، وفيما بعد ادعى شخصٌ آخر يدعى “كريج رايت” أنه من أسس هذه العملة، ليُكتشف أيضاً عدم ارتباطه بها، وبقيت الشكوك مستمرة حول مؤسسها ومن عمل على طرحها كعملة رقمية، لكن المؤكد أن عملة “البيتكوين” تم إطلاقها وتلقى الآن تداولاً ورواجاً واسعين في العالم.
تمتاز عملة “البيتكوين” بتداولاتها الخاصة كما لباقي العملات التقليدية مثل الدولار واليورو، لكنها غير ملموسة وتقاس قيمتها بالعملات العالمية أو بعض المنتجات والسلع التي تتيح مبادلة المعاملات معها.
وتُعد عملية الحصول على هذه العملة من العمليات الأسهل على الإطلاق، إذ بإمكان أي شخص يمتلك الانترنت البدء الفعلي بعملية شرائها وممارسة تداولها واستخدامها عبر إنشاء ما يسمى “المحفظة”، تكون مهمتها تخزين العملة وهي تتشابه مع الحساب المصرفي، وتتم عملية إنشاء المحفظة بإحدى الطريقتين، إما عبر الموقع الرسمي التابع للعملة بعد الانتهاء من تحميل برنامج خاص، أو عن طريق إحدى الشركات التي تُقر التعامل بها.
يرى الحسن بكر بأنه من المبكر الحديث عن مستقبل العملات الرقمية التي قد تواجه مشاكل عديدة، والتي من أهمها الغطاء القانوني الذى لا تحظى به كما العملات التقليدية
وبعد عملية إنشاء المحفظة وشراء بعض القطع النقدية الرقمية لعملة “بيتكوين” يمكن البدء الفعلي بإنشاء التعاملات بها عبر شركات متخصصة، وشراء السلع، ومبادلتها على العملات التقليدية الورقية.
إن أهم ما يميز عملة “البيتكوين” عن باقي العملات الرقمية الأخرى ارتفاع قيمتها السوقية بشكلٍ ملحوظ، حيث بلغت قيمتها مع بداية تداولها نحو 0.01 دولار أمريكي، واستمرت في الارتفاع بعد ذلك إلى أن وصلت قيمتها في شهر نوڤمبر 2017 إلى أكثر من 8300 دولار، فيما يتوقع خبراء اقتصاديون أن تصل إلى نصف مليون دولار 500,000 بحلول عام 2030 ، وهذا الارتفاع الكبير كان كفيلاً للفت أنظار الكثير من الأشخاص حول العالم وكان حافزاً مشجعاً للبدء في تعاملاتهم معها، وهو دفع أحد أبرز البورصات العاملية “شيكاغو” لبدء التعامل بعملية البيتكوين، وَمِمَّا ساعد على بناء الثقة هو سيرورتها بذات القوة، رغم دخولها في مشاكل عدة أدت إلى انبثاق عملة جديدة عنها عُرفت باسم “بيتكوين كاش” والتي بدأت بمنافسة شرسة للعملة الأم “البيتكوين”، حيث وصلت قيمتها مؤخراً لأكثر من 2400 دولار، قبل أن تتراجع إلى نحو 1500 دولار .
إيجابيات عملة “البيتكوين”
السرية: تمتاز العملة الإلكترونية “بيتكوين” بالسرية التامة لعملياتها المشفرة، أي ليس لها رقماً تسلسلياً، ما يعني صعوبة مراقبتها.
عالمية: تعتبر “البيتكوين” عابرة للحدود لا ترتبط ببلد أو موقع جغرافي، فكل من يمتلك الانترنت باستطاعته البدء باقتنائها.
الندرة: للمحافظة على قيمتها وضمان صيرورتها، اتفق مخترعوها على محدودية عملتهم التي لا تتجاوز 41 مليون وحدة حتى عام 2040، وتشكل ندرتها عاملاً لزيادة الطلب عليها.
المراقبة: تسمح “بيتكوين” لعملائها إمكانية متابعة جميع المعاملات وعمليات التداول عكس العملات التقليدية.
السلبيات
من الطبيعي أن تبقى المخاوف لدى بعض المستخدمين الجدد لعملة “بيتكوين” مع استمرار الغموض حول مؤسسها وعدم خضوعها لبنكٍ مركزي يحفظ للعملاء حقوقهم في حال تعرض المحافظ التي تحتويها لعمليات القرصنة أو ما شابه.
نظراً للارتفاع الكبير في قيمتها، هناك تخوفات بانهيارها بنفس الوتيرة وتلاشيها وانتهاء عملة تسمى “البيتكوين”، أو استخدامها في تنفيذ العمليات غير مشروعة لعدم وجود رقابة تشريعية وقوانين تحكم عمليات التعامل بها.
مع استمرار الغموض حول معرفة القائمين عليها يُطرح سؤال آخر، هل تقف خلف هذا النوع من العملات دول ومنظمات عالمية لدعم العملات المحلية وخاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 ؟
مستقبل العملة الرقمية
يضيف المستشار المالي الحسن بأنه من المبكر الحديث عن مستقبل العملات الرقمية التي قد تواجه مشاكل عديدة، والتي من أهمها الغطاء القانوني الذي لا تحظى به كما العملات التقليدية، ويردف قائلاً بأن مستقبل العملات الإلكترونية مرهون بشكل كبير بقدرتها الحفاظ على مستخدميها الحاليين كنوع من الحفاظ على قيمتها التي انخفضت في فترات معينة، إذ إن عملة “البيتكوين” في إحدى فتراتها تراجعت إلى نحو 200 دولار أمريكي بعد أن وصلت إلى 1000 دولار، حيث أن العملات الرقمية تمر بمراحل عدة من الهبوط الحاد والارتفاعات المجنونة، على عكس العملات الورقية التي تتغير في نطاقات محدودة، في ظل ارتباطاتها بالمعادن الثمينة، وعوامل أخرى.
وتعتبر المجالات السياسية والاقتصادية من العمليات الدراماتيكية داخل المجتمعات المتأثرة ببعضها البعض، لذلك تعتبر العملة الرقمية جزء من القرار السياسي والمتغيرات السياسية، ولعدم وجود الرقابة القانونية والتشريعات التي تحكمها تُبقي هاجساً لدى المستثمرين بها من حيث صدور القرارات السياسية الرافضة لوجودها والتعامل معها ما سيخفض من قيمتها ويهدد وجودها، على العكس عندما يتم التعامل بها كملة رئيسية في بعض الدول كاليابان وبعض مطارات بريطانيا وزيمبابوي ومثلاً، التي تسودها أحداث سياسية في الأيام الأخيرة سارعت في ارتفاع قيمة البيتكوين وصل فيها لنحو 13000 دولار أمريكي للبيتكوين الواحد.
وتبقى الأسئلة المهمة التي يلف الغموض جنباتها، هل ستكون العملات الرقمية مستقبلاً بديلة للعملات الورقية أو مكملةً لها أم أنها وهميةً تنهار مع مرور الزمن كما حصل مع شركة “إنرون” الأمريكية التي أعلنت إفلاسها بعد الكشف عن ممارستها الاحتيال المحاسبي، في وقت قُدّرت ثروتها ب 111 مليار دولار؟
ومع استمرار الغموض حول معرفة القائمين عليها يُطرح سؤال آخر، هل تقف خلف هذا النوع من العملات دول ومنظمات عالمية لدعم العملات المحلية وخاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 ؟