لا تزال أصداء مذبحة الجمعة الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري بمسجد الروضة بشمال سيناء تخيم على أرجاء الشارع المصري وذلك بعد الإعلان عن محصلتها النهائية التي بلغت 305 قتيلا و128 مصابًا، بحسب بيان الناسب العام المصري، لتفرض نفسها كونها الحادثة الأكثر دموية في تاريخ مصر الحديث، متجاوزة بذلك حادث الطائرة الروسية في أكتوبر 2015 والذي أسفر عن مقتل 224 شخًصا بما فيهم طاقم الطائرة.
وبعيدا عن سيناريوهات الحادث الذي يعد وفق تفاصيله وآليات تنفيذه نقلة نوعية في فكر الجماعات المسلحة في سيناء، إلا أن رد فعل الرئيس المصري حياله وتوعده بملاحقة المتورطين باستخدام ما وصفه بـ “القوة الغاشمة” أثار الكثير من التساؤلات.
ورغم تفسير المتحدث باسم الرئاسة المصرية مقصود هذا الوصف في محاولة لإزالة ما قاله إن “التباس” بشأن هذه الكلمة، إلا أن استخدام لفظة كهذه عادت السؤال الأكثر جدلا إلى ساحة الأضواء مجددًا: هل نجحت القوة الغاشمة في مجابهة الجماعات المسلحة في سيناء؟ وماذا حققته سياسة الاعتماد على الإستراتيجية الأمنية وفقط من نجاحات طيلة السنوات الأربع الماضية منذ إعلان الحرب على هذه التنظيمات وما تلاها من قرارات فرض طوارئ وتضييق خناق وتهجير لأهالي وخلافه؟
شهادات مفجعة
لم تكن حادثة الجمعة الماضية كغيرها من الحوادث التي وقعت، سواء في سيناء أو خارجها، فللمرة الأولى يكون المستهدف مسجدًا، وفي سابقة من نوعها يكون الضحايا من الساجدين، ومن ثم جاءت شهادات الناجين تفوح من بين ثناياها رائحة الرعب والقلق والترقب لما يمكن أن تشهده المرحلة القادمة حال تكرار مثل هذه الجرائم مرة أخرى.
إسلام محمد عبد الحليم، طفل لا يتجاوز عمره 15 عامًا، أحد الناجين القلائل من مذبحة مسجد الروضة بالعريش، في روايته لتفاصيل ما جرى حسبما نقل عنه موقع”مصراوي” كشف النقاب قليلا عن بعض ملامح مرتكبي هذا الحادث، قائلا: “إنهم كانوا يرتدون بنطلون جينز أسود اللون وسديري جيش واقي رصاص ومن أسفله تيشيرت رمادي اللون وكلهم ملثمين ولابسين شارة سوداء حول معصم اليد زي شارة الكابتن بتاع الكرة، وكل فرد كان يحمل في يده سلاحاً آلياً يطلق منه الرصاص، رشاش أو بندقية مش عارف بالظبط، بينما يضع في جيب بنطاله طبنجة”.
الطفل الذي يعالج الآن في مستشفى معهد ناصر في القاهرة مع والدته “كريمة” وشقيقه “أحمد” 10 سنوات، أشار إلى أن أجسام العناصر المسلحة كانت غير طبيعية، وأعمارهم تترواح ما بين 20 – 40 عامًا، بينما كانت لهجتهم غير مصرية، وكان لهم قائد يدير تحركاتهم فيأتمرون بأمره وينتهون بنهيه.
إمام المسجد الناجي: الضرب على المصلين كان عشوائيًا، ما دفع بعضهم إلى الاحتماء تحت المنبر، والأخر هرول للخروج من النوافذ والأبواب، بعضهم نجح رغم إصابته والبعض الآخر طالته بعض طلقات الرصاص فسقط على الفور
يصف إسلام بعض تفاصيل ما جرى فيشير إلى أن العناصر المسلحة تركت 5 سيارات دفع رباعي على الطريق السريع المقابل للمسجد، ثم بدأوا بمهاجمة المئذنة فأطلقوا الرصاص عليها قبل دخولهم المسجد، وبعدها بدقيقة تقريبا تم إطلاق الرصاص على المصلين، وتابع: “أطلق علي أحدهم رصاصة لكنها لم تصبني فمرت من أمامي لتفجر رأس رجل كان واقفا بجواري”، وحينها قرر أن يهرول مغادرًا المسجد فلم يجد امامه سوى حمامات المسجد فاحتمى بها:” “شفت ناس بتهرب، اللي عرف يجري يمين أو شمال كنت ناوي أجري معاهم بره، لكن لما شفت الإرهابيين بيطاردوا اللي بيهرب ويصفّوهم، رحنا دخلنا حمام الجامع”.
ويضيف: “الإرهابيون كانوا بيهزروا مع بعض وطول الوقت بيضحكوا، زي ما يكونوا بيعملوا مسابقة مين اللي يقتل أكثر، فواحد يقول لزميله أنا اللي قتلت ده فالثاني يرد عليه لأ أنا اللي قتلته، وكانوا ساعات بيشتموا بعض بألفاظ وحشة“.
لم تختلف رواية الشيخ محمد عبد الفتاح رزيق، إمام وخطيب مسجد الروضة، عن تلك التي ساقها إسلام، فيما يتعلق بالتفاصيل وكيفية الهجوم على المسجد، حيث أشار إلى أنه عندما صعد إلى المنبر بعد الأذان الثاني سمع إطلاق النيران، وبعد ذلك حدثت حالة من الهرج والمرج في محاولة من المصلين للهروب من طلقات الرصاص، والبعض قفز من شباك المسجد.
وأضاف أن الضرب على المصلين كان عشوائيًا، ما دفع بعضهم إلى الاحتماء تحت المنبر، والأخر هرول للخروج من النوافذ والأبواب، بعضهم نجح رغم إصابته والبعض الآخر طالته بعض طلقات الرصاص فسقط على الفور، وتابع: “حسبي الله ونعم الوكيل.. منظر بشع.. إنا لقيت فوقي اثنين مضروبين بالرصاص، وأغمى عليا لحد ما الضرب خلص”.
روايات متباينة
كعادة الإعلام المصري ومع كل حادثة من هذا القبيل ترتفع بورصة التكهنات والتأويلات لملابسات الحادث ومن يقف وراءه في ظل تشعب قائمة من يطلقون على أنفسهم خبراء أمنيين وعسكريين واستراتيجيين فضلا عمن يُنعتون بالباحثين المتخصصين في شئون الجماعات المسلحة.
ورغم تعدد السيناريوهات والاحتمالات التي وردت عبر وسائل الإعلام المختلفة خلال اليومين الماضيين، والتي بلغت حد التباين في بعضها ما بين أقصى اليمين كتورط جماعة الإخوان المسلمين في الحادث أو أقصى اليسار بتوجيه أصابع الاتهام للمخابرات والجيش المصري بالضلوع خلفها، إلا أنها جميعا خلصت إلى روايتين اثنين فقط كانا الأكثر حضورًا في المشهد الإعلامي.
الأولى: أن استهداف العناصر المسلحة لمسجد الروضة أثناء تأدية صلاة الجمعة، جاء بهدف الانتقام من أهالي القرية بسبب ما قالت بعض المصادر المصرية إنهم فرضوا إيواء بعض عناصر تلك التنظيمات أثناء مطاردتها من قبل رجال الجيش والشرطة.
أنصار هذا الرأي يذهبون إلى أن العملية تأتي في إطار الانتقام من قبيلة السواركة إحدى القبائل السيناوية المعروف دعمها لقوات الأمن في مواجهة التنظيمات المسلحة، معززين هذا الرأي بأنه كانت العمليات المسلحة من قبل تستهدف المدن وهي خليط من القبائل، أما استهداف قرية صغيرة فهو بهدف الانتقام من القبيلة التي تسكن هذه القرية، على حد قولهم.
هذا الرأي قوبل من البعض ببعض الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة لتفسير مدى صحة هذا السيناريو، على رأسها أن هذا المسجد على وجه الخصوص ولكونه على الطريق السريع يضم بين جنباته خاصة في صلاة الجمعة نسبة كبيرة من المصلين غير التابعين للقبيلة، ومن ثم لا يمكن اعتباره رمزا للقبيلة حتى يتم الانتقام منها من خلال استهدافه.
يعد مسجد “الروضة” أحد أشهر المساجد التي يرتادها أهل التصوف السني في سيناء، وخاصة أتباع الطريقة الجريرية الأحمدية الشهيرة، التي تنسب إلى الإمام الشيخ سيدي عيد أبو جرير، الذي يعد الأب الروحي للصوفية في سيناء
الثاني: وهو ما ذهب إليه بعض أهالي القرية، كون العملية جاءت بهدف استهداف إحدى الجماعات الصوفية التي تسمى بـ “الجريرية” والتي تتخذ من المسجد مقرًا لشعائرها وطقوسها، خاصة بعد تحذير التنظيمات المسلحة للصوفية في هذه القرية أكثر من مرة بحسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بشأن حوار نشر في الصحيفة الصادرة عن “ولاية سيناء” يحذر فيه الصوفية.
ويعد مسجد “الروضة” أحد أشهر المساجد التي يرتادها أهل التصوف السني في سيناء، وخاصة أتباع الطريقة الجريرية الأحمدية الشهيرة، التي تنسب إلى الإمام الشيخ سيدي عيد أبو جرير، الذي يعد الأب الروحي للصوفية في سيناء.
أنصار هذا الرأي أرجعوا الحادث كونه يأتي في إطار موجة ما سمي بـ “العمليات الطائفية” في سيناء، التي بدأت في يونيو 2016 بعد قتل أنبا كنيسة مار جرجس، ثم تهديد نبيل جبرائيل، كما أنها ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الأضرحة الصوفية، ففي عام 2013، فجّر ضريح الشيخ سليم أبوجرير بقرية مزار، وضريح الشيخ حميد بمنطقة المغارة وسط سيناء، وفي نوفمبر 2016، أعلن التنظيم ذبح الشيخ سليمان أبوحراز، أكبر مشايخ الطرق الصوفية في سيناء، بدعوى “التكهن، وادعاء معرفة الغيب“.
وفي المقابل هناك من يفند هذه الرواية، كما جاء على لسان الباحث مصطفى خضري، رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، والذي كشف أن زاوية الطريقة الجريرية الصوفية تقع بالقرب من مسجد الروضة وليست به، فالطريقة لها اجتماعات أسبوعية تسمى الحضرة، يجتمعون فيها لقراءة أوراد خاصة بهم، أمّا المسجد فيقع على الطريق السريع وليس به أي مقامات صوفية، ويصلي فيه الجميع سواء من قرية الروضة أو القرى المجاورة وعمال المزارع والملاحات.
خضري على صفحته الشخصية على “فيس بوك” أضاف أن الأذرع الإعلامية الداعمة لنظام السيسي استطاعت فرض رواية كاذبة بأن المسجد خاص بالصوفية، وردد ذلك ورائها الكثيرون، متسائلا: إذا كان المسجد خاص بتلك الطريقة الصوفية؛ فلماذا تقيم الحضرة الخاصة بها في الزاوية القريبة من المسجد وليس المسجد؟ وإذا كان الاستهداف موجه للطريقة الصوفية؛ فلماذا لم يتم استهدافهم في زاويتهم أثناء إقامة الحضرة الأسبوعية؟.
يفصل طريق القنطرة-العريش بين القرية المنكوبة معسكر لقوات الجيش على الضفة الأخرى من الطريق، وعلى بعد 500 متر، تقريباً، من المسجد الذي شهد الواقعة، ومع ذلك فإن القوات التابعة للمعسكر لم تتدخل لصدّ منفذي العملية، وفق روايات العديد من شهود العيان
305 قتيلا و128 مصابًا حصيلة استهداف مسجد الروضة
تساؤلات مشروعة
العديد من التساؤلات فرضت نفسها بعد دقائق قليلة من وقوع حادث تفجير مسجد الروضة، تتمحور أغلبها حول غياب الدور الأمني بصورة كاملة، فبحسب روايات الشهود فإن العناصر المسلحة لم تكتف بتنفيذ العملية داخل المسجد فحسب، بل هاجمت سيارات الإسعاف التي جاءت لنقل المصابين إلى المستشفيات القريبة، كل هذا كان في غيبة تامة عن أي من القوات الأمنية، الشرطية منها والعسكرية.
فجغرافيا تقع قرية الروضة على الطريق الدولي الواصل بين القنطرة-العريش، وكانت ملجأ للعديد من الأسر النازحة والمهجرة من مناطق الشيخ زويد ورفح، بسبب تصاعد المواجهات بين الجيش المصري وعناصر “ولاية سيناء”، ويفصل طريق القنطرة-العريش بين القرية المنكوبة معسكر لقوات الجيش على الضفة الأخرى من الطريق، وعلى بعد 500 متر، تقريباً، من المسجد الذي شهد الواقعة، ومع ذلك فإن القوات التابعة للمعسكر لم تتدخل لصدّ منفذي العملية، وفق روايات العديد من شهود العيان.
الأجهزة الأمنية لم تأخذ احتياطاتها ولم تتعامل مع تلك التهديدات على محمل الجد، وهو ما سهل تنفيذ عملية الروضة دون مقاومة وفي غياب تام لأي من العناصر الأمنية
تساؤل آخر يتعلق بغياب الحماية الأمنية لأهالي الروضة رغم تعرضهم قبل ذلك لتهديدات من قبل تنظيم الدولة وفقاً لما نشرته مجلة “النبأ” التابعة له على لسان من أسمته “أمير الحسبة في سيناء”، في ديسمبر 2016، والذي قال: “ديوان الحسبة، له دور في محاربة مظاهر الشرك والبدع مثل السحر والكهانة والتصوف… لقد انتشر الشرك بالله في الطرق الصوفية بشكل كبير”. وخص بالذكر “الطريقة الجريرية أشد الطرق كفراً وأكثرها علاقة بالروافض.. أتباع الطريقة الجريرية يقدسون الأضرحة، ويقرأون كلاماً يحتوي على ألفاظ شركية، مثل الاستغاثة بالنبي وطلب الشفاعة، كما أن مشايخ الصوفية على علاقة بأجهزة الدولة الكافرة، ومنهم سليمان أبو حزار الذى يحمل لقب شيخ وهو دجال”.
ورغم تلك التهديدات وما تلاها من اختطاف سليمان أبو حراز، الذي تجاوز عمره 100 عام من أمام منزله، قبل أن يظهر في أحد المقاطع المصورة يحيط به أفراد من التنظيم قطعوا رأسه بتهم السحر والكهانة، فضلا عما قيل بشأن مداهمة بعض الأضرحة الصوفية، فإن الأجهزة الأمنية لم تأخذ احتياطاتها ولم تتعامل مع تلك التهديدات على محمل الجد، وهو ما سهل تنفيذ عملية الروضة دون مقاومة وفي غياب تام لأي من العناصر الأمنية، ليسقط معها 305قتيلا من بينهم 27طفلا بجانب 128 مصابًا.
حوار “أمير الحسبة في سيناء” عن الصوفية
القوة الغاشمة.. هل تكفي وحدها؟
رغم إعلان الحرب على التنظيمات المسلحة في سيناء في 2014 وما تلاها من قرارات داعمة لهذا الإطار سواء كانت فرض طوارئ أو تهجير قسري لبعض الأسر من مناطق الشيخ زويد ورفح فضلا عن تضييق الخناق في الحركة والتنقلات لتيسير إحكام السيطرة، فإن هذه المنطقة تعرضت إلى ما يقرب من “1071” عملية مسلحة خلال السنوات الثلاثة (2014-2015-2016)، وذلك بحسب دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.
في تقرير سابق لـ “نون بوست” كشف عن ملامح التحول النوعي في عمليات التنظيمات المسلحة سواء المتعلقة بالتحول الجغرافي في العمليات والتي انتقلت من شمال سيناء إلى جنوبها كما هو الحال في استهداف كمين سانت كاترين في الـ18 من أبريل العام الماضي، أو الانتقال من سيناء إلى العاصمة وأجوارها، حيث استهداف كنيسة البطرسية بوسط القاهرة ديسمبر الماضي وكنيستي طنطا (غرب القاهرة) والإسكندرية منذ سبعة أشهر، هذا بخلاف مذبحة الواحات الأخيرة.
هذا الكم الهائل من العمليات المسلحة التي تمت سواء ضد عناصر من الجيش والشرطة أو مدنيين، وما تحمله من دلالات بشأن تطور النقلة النوعية في فكر تلك التنظيمات يتنافى تمامًا مع ما تعلنه السلطات المصرية بشأن إحكام سيطرتها على الوضع الأمني في سيناء، والقضاء على كل البؤر الإرهابية هناك، فضلاً عن تطهير المنطقة من عناصر تنظيم الدولة، سواء بالقتل أو الاعتقال أو دفعهم للفرار خارج سيناء.
بالعودة إلى تفسير كلمة “القوة الغاشمة” التي استخدمها السيسي في كلمته تعليقا على مذبحة الروضة، فبحسب قواميس اللغة فإن الكلمة مستقاه من الظلم، غشَم الشَّخصَ : ظلَمه أشدَّ الظُّلم هذا حاكم غاشِم ، قوَّة غاشمة : وحشيَّة ، وهو ما يدفع إلى العودة إلى الوراء قليلا للوقوف على الاستراتيجية الأبرز التي اتبعها النظام المصري في سيناء، ومدى تطابقها مع اللفظ الذي استخدمه الرئيس المصري.
ويمكن حصر أبرز الأساليب التي انتهجها نظام السيسي ضد أهالي سيناء منذ 2014 وحتى الآن في أربعة محاور:
الأول.. الطوارئ.. فمنذ إعلان حالة الطوارئ في سيناء في أكتوبر 2014 يواجه الشعب السيناوي العديد من صور الانتهاكات وتضييق الخناق بين الحين والآخر، وهو ما تجسد في فرض قيود على التحرك والتنقل، فضلاً عن الاعتقالات التعسفية التي يتعرض لها الكثير من أهالي سيناء.
الثاني.. التهجير القسري.. فالإجراءات التعسفية التي تعرض لها أهالي سيناء بسبب الطوارئ فضلاً عن زيادة وتيرة القصف العشوائي للعديد من المنازل والمباني المدنية والأهلية دفع الأهالي إلى التهجير القسري من أماكن سكنهم إلى مناطق أخرى في داخل المدينة أو خارج سيناء، بما يشبه إلى درجة كبيرة ما تعرض له أهالي مدينة الشيخ زويد عامي 2014 و2015 حين عمدت قوات الأمن إلى تهجيرهم بدعوى تمركز العديد من الجماعات المسلحة في هذه المنطقة
الثالث.. استهداف الأقباط.. استهداف المدنيين من أهالي سيناء لم يقتصر فقط على المسلمين، بل كان للأقباط نصيب أيضًا، ففي الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، تعرض أقباط سيناء لحملات مناهضة من قبل الجماعات المسلحة المنتشرة، إذ قتل ما لا يقل عن 8 أقباط، تم استهدافهم على نحو أرجعته المنظمة إلى بُعد طائفي.
وبحسب شهادات الأقباط فإن الجماعات المسلحة نجحت في تهديد الأقباط داخل منازلهم، حيث كتبت على جدرانهم بعض العبارات التحذيرية، وهو ما أصابهم بحالة من الذعر نجم عنه لجوء أكثر من 140 عائلة قبطية إلى الفرار والنزوح إلى مناطق خارج سيناء، لا سيما إلى مدينة الإسماعيلية.
الرابع: الأمر لم يتوقف عند انتهاكات الأمن المصري وفقط ، بل سمحت بدخول الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، والتي تسمى “الزنانة”، والذي أسفر خلال الأشهر الثلاث الأولى لهذا العام عن مقتل ما لا يقل عن 16 مدنيًا، ففي 20 من يناير قتل 10 مدنيين إثر قصف استهداف المصلين عقب خروجهم من مسجد شيبانة، بعد صلاة الجمعة، بمنطقة العجراء جنوبي رفح، و6 آخرين من بينهم طفلين من قبيلة السواركة، شرق منطقة شيبانة جنوبي رفح.
ورغم عدم تعليق السلطات المصرية على القصف بهذه الطائرات “الزنانة” والتزامها الصمت خاصة في ظل التقارير الواردة بشأن عدم امتلاك الأمن المصري لمثل هذا النوع من الطائرات، فإنه – ووفق المنظمة – فإن مصادر قبلية زعمت بأن هذه الطائرات إسرائيلية إلا أنه لم يرد ما يؤكد هذا المعتقد.
الاستراتيجيات السابقة حملت وفق شهادات أهالي سيناء العديد من صور الانتهاكات والبطش التي تتوافق في كثير منها مع اللفظ الذي استخدمه السيسي في كلمته، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول أي قوة غاشمة يقصدها الرئيس المصري ضد الجماعات المسلحة في سيناء؟ لاسيما في ظل التخوفات التي أوردها البعض من أن مزيد من البطش والقهر ربما تقود إلى سيناريوهات كارثية يدفع السيناويون وحدهم ضريبتها، تذهب في بعضها إلى ما يقال بشأن تفريغ المنطقة تمهيدا لما يسمى بـ”صفقة القرن”.
سيناء باتت مهيأة لتصعيد أكبر للصدامات المسلحة بين العديد من الأطراف خلال الفترة المقبلة
العديد من الأصوات المتابعة لمجريات الأحداث سواء في سيناء أو خارجها يشيرون إلى ضرورة إعادة النظر في الاستراتيجيات المتبعة للتعامل مع الجماعات المسلحة، إذ أن التجربة وبعد ما يقرب من 4 سنوات تقريبًا أثبتت فشل الاعتماد على الورقة الأمنية كإستراتيجية واحدة لمواجهة العمليات المسلحة.
وبعيدًا عن تأويلات البعض التي تشير إلى أن لجوء تلك التنظيمات إلى المساجد دليل ضعف وإفلاس وفشل في مجابهة الضغوط التي تمارسها عليهم قوات الأمن ما دفعهم إلى مثل هذه الخيارات، في مقابل من يراها تمددا لنفوذهم وهو ما تترجمه عملياتهم على أرض الواقع، فإن الموقف في سيناء بات معقدا للغاية خاصة بعد ما تم تداوله بشأن دعوة القبائل إلى حمل السلاح والثأر بنفسها، وهو ما قد يقود إلى سيناريو كارثي جديد يتمثل في الاقتتال الداخلي، حتى وإن كان تحت سمع وبصر أجهزة الأمن.
ورغم ما تحمله شهادات وروايات الناجين وطبيعة العملية وتفاصيلها من توجيه أصابع الاتهام لـ”داعش” وعناصر “ولاية سيناء”، وفق العديد من المقدمات المنطقية، إلا أن عدم الإعلان رسميًا حتى الآن عن تبني هذه العملية ربما يثير العديد من التخوفات والتساؤلات، وهو ما ألمح إليه بعض المطلعين على الشأن السيناوي بتورط شخصيات وجهات خارجية أخرى، وهو ما يعني حال صحته أن سيناء باتت مهيأة لتصعيد أكبر للصدامات المسلحة بين العديد من الأطراف خلال الفترة المقبلة.