تتعرض السياسية الخارجية السعودية لتغيرات كبيرة على الصعيد الخارجي، وما يتبعها من تحديد للأصدقاء والأعداء وفق معايير جديدة، وكذلك الحال على صعيد سياستها الداخلية وما يتبعها من تنافس على العرش بين أبناء العمومة، كل تلك التغيرات حدثت بعد أن وصل الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم، وأخذت أبعادًا أكبر بعد أن تولى ابنه محمد منصب ولي العهد.
كانت إحدى أهم تلك التغيرات على الصعيد الخارجي، ظهور التنافس بين السعودية وإيران في المنطقة، ودخلت السعودية بكل ثقلها ضد النفوذ الإيراني، إلا أنها لم تكن قد أعدَّت العدة لهذا الصراع بنفس ما أعدته إيران، ولا يُعرف من غرَّر الأمير الصغير بهذا وأوهمه بأن لديه القدرة على سحب واستمالة الأحزاب السياسية الشيعية العراقية بعيدًا عن تحالفها مع إيران، فهو يقوم بتقريب بعض قادة تلك الأحزاب من خلال الوعود بالاستثمارات الكبيرة متوهمًا أنه يستميلهم بهذا، ونسي (أو لا يعلم أصلًا) أن إيران تستثمر في هؤلاء السياسيين منذ وقت طويل وقبل وصولهم إلى السلطة في العراق، ناهيك عن الارتباط العقائدي الذي يجمعهم.
إن الخطوة السعودية الأخيرة ليست بخطوة جديدة، فقد سبق لأعمام الأمير الصغير، أن حاولوا التقرب من أذرع إيران في فترات سابقة، كان أبرزها تقريبهم لجماعة الحوثي في اليمن لضرب حركة الإخوان المسلمين هناك والمتمثلة بحزب الإصلاح
وفي الوقت الذي كان حكام الخليج ومنهم آباء وأعمام الأمير الصغير، يقضون أوقاتهم في السنوات السابقة بعداوة صدام حسين وإبعاد كل عراقي معتدل عنهم، كانت إيران تُقرِب منها كل شيعة العالم وعلى رأسهم الأحزاب الشيعية العراقية، وتنشر التشيُّع في العالم لخدمة مصالحها السياسية العليا.
بالمقابل نجد أمراء الخليج يبعدون عنهم كل الأحرار لا سيما علماء السنة العاملين، حتى وصل بهم الأمر لأن يصنف الأمير الصغير هيئات إسلامية مهمة كمنظمات “إرهابية”، ذلك حينما صنف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالإرهاب والذي يضم خيرة علماء الأمة، فيا ترى هل الشيخ القرضاوي والشيخ علي القره داغي وغيرهما من أجلاء العلماء إرهابيون؟ وهل مقتدى الصدر وعمار الحكيم اللذان يريد ابن سلمان التعامل معهما، حمامتا السلام؟
إن الخطوة السعودية الأخيرة ليست بخطوة جديدة، فقد سبق لأعمام الأمير الصغير، أن حاولوا التقرب من أذرع إيران في فترات سابقة، كان أبرزها تقريبهم لجماعة الحوثي في اليمن لضرب حركة الإخوان المسلمين هناك والمتمثلة بحزب الإصلاح، وكان لهذا التقارب نهاية مأساوية للسعودية عندما استغل الحوثي ذلك ليقود انقلابًا مع المخلوع صالح، ضاربًا عرض الحائط باتفاقاتهم مع السعودية، ووجدت نفسها دون حليف سوى حزب الإصلاح الذي تآمرت عليه بالسابق، ليقاتل معهم جماعة الحوثي.
والسعودية الآن تكرر ذات الخطأ في العراق، حينما تقرب الأحزاب والشخصيات الشيعية الموالية لإيران، وبنفس الوقت تبعد عنها الأحزاب والشخصيات السنيَّة الفاعلة بالساحة، خشية تأثرهم بحركة الإخوان، وكم من الصعب استيعاب حقيقة أن سياسيي السعودية الذين يصفون أنفسهم بأنهم ضد المد الإيراني بالمنطقة، يستقبلون شخصيات قيادية من مليشيا بدر كوزير داخلية العراق قاسم الأعرجي، رغم أن تلك المليشيا تجاهر ليلًا ونهارًا برغبتها لاحتلال مقدسات المسلمين في مكة والمدينة، وتستقبل مقتدى الصدر زعيم أكبر مليشيا بالعراق الذي شن حربًا طائفية بالعراق كادت تستأصل أهل السنة تمامًا هناك.
ومرة أخرى تقع السعودية في تناقض فاضح بسياستها الخارجية حينما تعادي دولة قطر بسبب اتهامها بعلاقاتها مع إيران، إلا أنها تتقرب من الحكومة العراقية والأحزاب والتيارات السياسية الشيعية العراقية، رغم ولائها الكامل لإيران، أو على الأقل لا تخفي علاقاتها الصميمة معها.
أهم تأثيرات السياسة السعودية المتخبطة، الأثر السلبي الذي سيلحق العرب السنَّة في العراق، ذلك المكون الذي تخلى عنه الجميع وأولهم المملكة، فالتعامل السعودي والخليجي مع الساسة الشيعة بالعراق وتقريبهم إليها، يعطي رسالة خاطئة إلى العالم، بأن السعودية والخليج يعتبرون العراق بلدًا شيعيًا
فالسعودية بتصرفاتها تلك لا تختلف كثيرًا عن الولايات المتحدة حينما صنفت مليشيا النجباء كمنظمة إرهابية وسكتت عن عشرات المليشيات الإرهابية الأخرى في العراق، يا ترى هل تستطيع السعودية في خضم حربها المزعومة على إيران، أن تصنف مليشيا الحشد الشعبي كمنظمة إرهابية مثلًا؟ هذه المليشيا التي تعلن ولائها بشكل صريح وعلى لسان قادتها للمرجعية الإيرانية وطاعتها لقادة الحرس الثوري الإيراني، وهل السعودية لديها الجرأة على دعم من يحارب المد الإيراني من العراقيين في العراق؟
إن من أهم تأثيرات السياسة السعودية المتخبطة، الأثر السلبي الذي سيلحق العرب السنَّة في العراق، ذلك المكون الذي تخلى عنه الجميع وأولهم المملكة، فالتعامل السعودي والخليجي مع الساسة الشيعة بالعراق وتقريبهم إليها، يعطي رسالة خاطئة إلى العالم، بأن السعودية والخليج يعتبرون العراق بلدًا شيعيًا، ويقرّون بأن هؤلاء المتصرفون الوحيدون بمقدرات هذا البلد، وإلا لماذا لم تستقبل أو تقرب السعودية أي سياسي عربي سني منها؟
إن السياسات السعودية ستجعل العرب السنَّة في العراق، يتعرضون إلى تهميش جديد مضافًا إلى التهميش الموجود أصلًا، ذلك لأن عمقهم الاستراتيجي هو العرب، فإذا أدارت السعودية ضهرها لهم سوف يفت ذلك في عضدهم، ويجعلهم مهمشين فعليًا في الحياة السياسية بالعراق.
ونكاد نصل إلى درجة اليقين من أن السعودية لن تنجح في منافستها مع إيران باستراتيجيتها الحاليّة، لأن الاختلاف هائل بين الاثنين، بين من يعدُّ الخطط منذ عشرات السنين، ومن تكون قراراته ناتجة عن ردود فعل، كما هو الحال مع أمير السعودية الصغير، فهو لا يمتلك من الخبرة الكافية لإدارة صراع على هذا المستوى من الخطورة، فتراه يلجأ إلى الولايات المتحدة التي استنزفته بمئات المليارات، ثم دفعته بعد ذلك إلى “إسرائيل” ليتحالف معها ضد العدو المشترك إيران.
لا بد للشعوب العربية الإسلامية من وقفة لتقييم الأمور، والانطلاق بربيع عربي جديد لا يكون كسابقه قبل سنين، نحن بحاجة لربيع عربي جديد يقوده قادة لا يتساهلون مع المجرمين الذين أوغلوا في دماء شعوبهم، الربيع القادم لا مكان فيه لمن يسامح أو يصفح عن هؤلاء المجرمين
لقد أوصلته طموحاته إلى درجة التحالف مع أعداء الدين، بدلاً من أن يستعين بالله ثم بقدرات الشعوب العربية والمسلمة لمواجهة الخطر الإيراني أو الصهيوني، وبتصرفاته تلك جعل الشعب العربي وسط خيارين كلاهما إثم، إما أن يكونوا مع السعودية ضد إيران وبالتالي يتوجب عليهم أن يتحالفوا مع “إسرائيل”، أو أن يكونوا ضد “إسرائيل” ولكن يجب أن يتحالفوا مع إيران.
لكن الواجب على الشعب العربي بكل أقطاره أن يحدد خياراته بنفسه، لا أن تُفرض عليه من هذا الأمير أو ذلك الديكتاتور، لقد وصلت الأمور من التأزم وانكشاف الأقنعة عن أمراء وقادة العرب إلى درجة لا تشتبه معها الشعوب العربية في معرفة ضآلة وعمالة أولئك ووقوفهم ضد تطلعاتهم الشرعية، وأن انتظار تغيُّر الأحوال على يد هؤلاء القادة، ضرب من الخيال.
فلا بد للشعوب العربية الإسلامية من وقفة لتقييم الأمور، والانطلاق بربيع عربي جديد لا يكون كسابقه قبل سنين، نحن بحاجة لربيع عربي جديد يقوده قادة لا يتساهلون مع المجرمين الذين أوغلوا في دماء شعوبهم، الربيع القادم لا مكان فيه لمن يسامح أو يصفح عن هؤلاء المجرمين، الربيع الجديد سيكون له قادة تثأر لكرامة شعوبها ودماء شهدائها ويعيدون تحديد بوصلة شعوبهم من جديد.