بعد شهر من مصادقة لجنة المساطر والأنظمة التابعة للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المغربي، لصالح تعديل القانون الداخلي للحزب بما يتيح للأمين العام الحاليّ للعدالة والتنمية عبد الإله بنكيران بالترشح لولاية ثالثة في منصبه، عاد المجلس الوطني أمس لقلب المعطيات مجددًا برفضه هذا التعديل ووضع حد لقيادة بنكيران لحزب “المصباح”.
رفض التعديل
عكس التوقعات، نجح تيار “الحمائم” أو ما يسمى أيضًا بـ”تيار الاستوزار” (الوزراء) الذي يدعم التجربة الحكومية الحاليّة ويقوده رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في حزب العدالة والتنمية المغربي في قطع الطريق أمام عبد الإله بنكيران أمين عام الحزب في الترشح لولاية ثالثة على رأس الحزب بعدما صوت ضد تعديلات تسمح لبنكيران، بذلك.
صوت 126 عضوًا ضد تعديل المادة من بين 232 (إجمالي عدد الأعضاء)
وصوت أعضاء المجلس الوطني للحزب (البرلمان)، في دورة استثنائية عقدت بسلا، أمس الأحد، ضد تعديل المادة 16 من القانون الأساسي للحزب التي تحصر عدد ولايات الأمين العام في ولاية واحدة من 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وكانت لجنة الأنظمة والمساطر (تُعنى بقوانين الحزب) أحالت إلى المجلس الوطني مشروع تعديل المادة 16، يُسمح من خلاله باعتماد 3 ولايات للأمين العام بدلاً من اثنتين.
وصوت 126 عضوًا ضد تعديل المادة من بين 232 (إجمالي عدد الأعضاء)، في حين صوت لصالح التعديل 101 صوت، واعتُبرت 4 أصوات ملغاة، وتنص المادة 16 على أنه “لا يمكن لعضو أن يتولى إحدى المسؤوليات الآتية أكثر من ولايتين متتاليتين كاملتين: الأمين العام، رئيس المجلس الوطني، الكاتب الجهوي، الكاتب الإقليمي، الكاتب المحلي”.
بنكيران يحتكم للديمقراطية
في أول تعليق له على رفض تعديل المادة 16 من النظام الأساسي لحزب العدالة والتنمية، أكد عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب “المصباح” أن من يحتكم للديمقراطية، ينبغي أن يكون على استعداد للقبول بنتائجها إما بالتصويت لصالحه أو عكس ذلك، وأضاف بنكيران في تصريح للصحافة على هامش الدورة الاستثنائية لبرلمان “المصباح”: “الإخوان اختاروا ما يرونه صالحًا، الله يكمل بالخير”، مردفًا بالقول “كل واحد يقدم الدفوعات التي يرى أنها معقولة”.
بنكيران إلى جانب العثماني
في السياق ذاته، قال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية: “موضوع الولاية الثالثة منعت نفسي من أن أكون عنصرًا فيه”، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع جاء نتيجة مبادرة من أحد الأخوة قبل أن يتم تبنيه كمقترح، حيث أسفر عن مؤيدين ومعارضين، ومن المنتظر أن يعقد حزب المصباح مؤتمره الوطني نهاية العام الحاليّ، ومن المحتمل أن ينتخب خلاله للمرة الرابعة أمين عام جديد وقيادة للحزب تستمر ولايتها 4 سنوات.
وفي تصريحات صحفية سابقة، اعتبر بنكيران أن “تعديل القانون الداخلي سيكون أمرًا جيدًا، ولكن إذا لم يحدث، فلا مشكلة”، مضيفًا أن الولاية الثالثة بالنسبة له ليست مسألة شخصية،” معتبرًا أنها مجرد احتمال أثاره بعض أعضاء الحزب عبر تعديل القانون الأساسي للسماح به، في حين أن آخرين تحدوا ذلك، موجهًا دعوته إلى كل أعضاء الحزب للإبقاء على صفوف حزب العدالة والتنمية متراصة، قبل وبعد المؤتمر، وقبول نتيجة المرحلة.
انتهاء عهد بنكيران
بهذا التصويت، يكون “برلمان” الحزب قد أنهى عهد قيادة بنكيران الذي دام نحو ثماني سنوات، ويُنتظر أن يختار مؤتمر الحزب، في ديسمبر المقبل، الخليفة الجديد له في قيادة الحزب، وانتخب بنكيران أمينًا عامًا لحزب العدالة والتنمية سنة 2008 في المؤتمر السادس، وأعيد انتخابه أمينًا عامًا بالمؤتمر السابع الذي انعقد في 2012، بعد سنة من فوزه الكبير بالانتخابات الأولى بعد دستور 2011.
وسبق لبنكيران التأكيد أن مرحلته انتهت من الناحية القانونية، إلا إذا وقع شيء لا نعرفه من خلال مطالب الناس أو مصلحتهم أو يتضح أن أمورًا غير عادية، مؤكدًا أنه قد يعود مضطرًا تحت رغبة مناضلي حزبه، قبل أن يستدرك كلامه قائلًا: “إذا لم يضطر له الإخوان، أما أنا لا أطلب من أي أحد في الكرة الأرضية، أو أي أخ أو أخت أي شيء باستثناء الرحمة والاستغفار من الله”، وقبل ذلك قال بنكيران: “نحن في ورطة حقيقية”، موجهًا رسائل إلى بعض قيادي حزبه قائلًا: “هناك من يشعر بالفرحة لهذا الوضع وكان ينتظر ذلك”، مؤكدًا أن إلحاح المواطنين على بقائه في المشهد السياسي المغربي دفعه إلى عدم التخلي عنهم.
في الفترة الأخيرة عرف نجم بنكيران القادم من حي العكاري الشعبي وسط الرباط أفولًا بعد أن عرف صعودًا غير مسبوق وسط الطبقة السياسية والحزبية في المغرب
ومن أشد المناصرين لبنكيران والمطالبين باستمراره على رأس حزب العدالة والتنمية هم الشباب، حيث سبق للمكتب الوطني لشبيبة الحزب أن دعا بنكيران إلى الاستمرار في ممارسة أدواره الوطنية حالًا ومستقبلًا باعتباره أملًا لفئات واسعة من الشعب المغربي، ووصف شبيبة حزب العدالة والتنمية مواقف رئيس الحكومة السابق بنكيران بـ”الصامدة في مواجهة إرادات التحكم بمختلف تعبيراته الحزبية والسياسية، وتشبثه بالمبادئ والمواقف الثابتة للحزب المذكور التي لا تلين بين يدي المواقع والمناصب”.
وفي الفترة الأخيرة عرف نجم بنكيران القادم من حي العكاري الشعبي وسط الرباط أفولًا بعد أن عرف صعودًا غير مسبوق وسط الطبقة السياسية والحزبية في المغرب طيلة عقود من الزمن، لا سيما خلال ترؤس حزبه لأول حكومة يقودها “حزب إسلامي” في تاريخ المملكة، وقبلها خاض الرجل حملة انتخابية ساخنة في نوفمبر 2011، استند فيها إلى معركتين، أولها ضد وزارة الداخلية، حيث كان يدافع بشراسة عن حق “المصباح” في تنظيم تجمعاته الحزبية بحرية مثل باقي الأحزاب، فيما بنى معركته الثانية على مواجهة المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة من خلال توجيه انتقادات له.
انتهاء الجدل
من شأن رفض تعديل المادة 16 من القانون الداخلي للحزب، أن تنهي ولو لحين الجدل والصراع الحاصل داخل أروقة “المصباح”، الذي أثر على الحزب وجعل ثقة الشعب فيه تتراجع إلى مستويات لم يعهدها الحزب في السابق.
ففي الوقت الذي كان فيه من المفترض أن يتوجه أعضاء حزب العدالة والتنمية في المغرب إلى فتح المجال أمام النقاش السياسي الذي يحدد تصورات الحزب للمرحلة القادمة، تحول أعضاء الحزب الذي تأسس سنة 1997 إلى الحديث عن صراعاتهم وتبادل التهم بينهم.
المجلس الوطني يحسم الخلاف
ويتهم عديد من الأطراف في الحزب، بنكيران، بالبحث عن مصلحته الخاصة دون مراعاة مصلحة الحزب، ويرى وزراء سعد الدين العثماني الذي يقودون معارضي بنكيران، أن بقاء عبد الإله بنكيران في منصب الأمين العام تحدٍ للدولة والحكومة، ومن شأن هذا البقاء تعجيل الصدام بين الحزب والدولة، خاصة أن تجديد الولاية لبنكيران تعتبر رسالة إلى القصر مفادها أنكم إن كنتم تخليتم عن بنكيران فهو باقٍ على رأس الحزب، وبالتالي فأي تفاوض مع الحزب وأي حوار معه، سيتم بالضرورة عبره كأمين عام للعدالة والتنمية.
الأمر الذي يرفضه أتباع بنكيران، مؤكدين أن بنكيران خدم الحزب لسنوات ولم يدخر في ذلك جهدًا على عكس غيره، فقد كان مهندس المشاركة السياسية والتطبيع مع الدولة، والمساهم الأبرز في تسويق النموذج السياسي للحزب، والوصول إلى المكانة التي يتمتع بها حاليًّا في المشهد السياسي المغربي.