ترجمة حفصة جودة
من الصعب وصف الهجوم المروع بالقنابل والذي حدث يوم الجمعة في مسجد صوفي بقرية الروضة شمال سيناء، حيث قام مسلحون بأسوأ حادث في تاريخ مصر الحديثة في السنوات الأخيرة، تقول الأرقام الرسمية إن أكثر من 300 مصلٍ من بينهم 27 طفلاً قُتلوا في الهجوم، وكما حدث في مانشستر وباريس وبرشلونة، تمزقت العائلات وأصبح المجتمع يعيش في خوف مثلما سعى مرتكبو الجريمة لذلك.
هذه الحادثة ليس لها مثيل، فرغم الأجواء المضطربة والدموية في المنطقة مؤخرًا، فإن التصعيد لم يكن فقط قاسيًا وعلى نطاق أوسع تنظيميًا، لكنه اختلف في هدفه أيضًا، لقد قتل المسلحون في سيناء المئات من الجنود ورجال الشرطة، وفي العام الماضي هاجموا كنائس قبطية وحجاج، كما هاجموا أضرحة صوفية ورجل دين يبلغ من العمر 100 عام.
لكن الهجوم هذه المرة كان الأول من نوعه حيث استهدف مسجدًا (رغم من أن تفجير شاحنة مقديشو قتل أكثر من 300 شخص الشهر الماضي، فمن الضروري أن نتذكر أن المسلمين الضحايا الرئيسيين لهجمات الجماعات الإسلامية المتطرفة).
سبب الهجوم قد يكون الانتقام من المجتمع بسبب رفضه التعاون مع المسلحين
هناك الكثير لم يزل غير واضح بعد ومن المرجح أن يظل هكذا، فشمال سيناء منطقة مغلقة منذ إعلان الطوارئ فيها عام 2014، ورغم أن أي جماعة لم تعلن مسؤوليتها عن الحادث بعد، فمن المتوقع أن يكون الفاعل “ولاية سيناء” التابعة للدولة الإسلامية، حيث يقول المسؤولون إن المسلحين كانوا يحملون أعلام داعش.
ربما كانت حدة رد الفعل بما في ذلك شجب واستنكار الجماعات الإسلامية المسلحة في مصر للحادث ما منع مرتكبي الجريمة من الإفصاح عن فعلتهم، وما زال الدافع غير معروف أيضًا وربما له عدة أوجه، فداعش تعتبر الصوفية بدعة، وفي إحدى مجلاتها المنشورة قال أحد القادة المحليين إن التعامل مع الصوفية في سيناء أولوية لهم، تقول التقارير الأخرى إن سبب الهجوم قد يكون الانتقام من المجتمع بسبب رفضه التعاون مع المسلحين، وربما يكون المسؤول عن الحادث أحد الفصائل المارقة.
يُظهر ارتفاع وتيرة العنف في شمال سيناء أن الأزمة موجودة منذ عقود لكنها تسارعت في السنوات الأخيرة، فتهميش المنطقة وإهمالها وقمعها أدى إلى انتشار الغضب والاستياء، فقد لجأت قوات الأمن مثل المسلحين إلى اتباع إجراءات وحشية مع المجتمعات التي تعتقد أنها تأوي خصومهم، ويقول آخرون إن هناك عوامل أخرى تتضمن التنافس بين داعش والقاعدة، حيث انهيار ليبيا التي تتمركز فيها داعش لكنهم يحاولون لم شملهم مرة أخرى، وانهيار دولة الخلافة في سوريا والعراق الأمر الذي أدى إلى نزوح المقاتلين والأسلحة.
إذا كان من الممكن استهدافهم بتلك السرعة، فهذا يعني أن مكانهم معروف مسبقًا، فلماذا لم يتم التصدي لهم من قبل؟
أظهرت تجربة الدول الأخرى أنه ليس من السهل تفسير التطرف، لكنها تسلط الضوء على لجوء الحكومات سريعًا إلى اتخاذ إجراءات استثنائية من القيود المشددة والاستخدام المفرط للقوة لردع الإرهاب، هذه الإجراءات لا تتناقض فقط مع القيم التي يدّعون التمسك بها، لكنها تقدم نتائج عكسية تسهم في تأجيج المظالم وتعزيز الجماعات المسلحة.
تعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سريعًا بـ”القوة الغاشمة” والانتقام ردًا على هجمات الجمعة، وخلال ساعات أعلنت الحكومة أنها شنت غارات جوية على مواقع إرهابية، أثارت سرعة الرد العديد من الأسئلة مثل: إذا كان من الممكن استهدافهم بتلك السرعة فهذا يعني أن مكانهم معروف مسبقًا، فلماذا لم يتم التصدي لهم من قبل؟
وحتى حلفاء السيسي في الولايات المتحدة الذين أغلقوا شفاههم أمام الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين المنتخبة في انقلاب 2013، ضغطوا باتجاه الحاجة الملحة لاتباع استراتيجية مناسبة لمكافحة التمرد والتي تتجاوز العنف، رغم أن أمريكا باعت للقاهرة كميات كبيرة من الأسلحة لاستخدامها في استهداف المسلحين (كما أنه من الواضح أن دونالد ترامب مستمر في دعم نظيره بشكل مطلق).
أما المملكة المتحدة فقد كانت رسالتها أكثر اتساقًا، لكنها لعدة أسباب لم تتمكن من الضغط أكثر من ذلك، وقد أشار أليستر بيرت وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط، إلى أن مواجهة هذا التطرف يتطلب التعامل بطرق مختلفة تتضمن معالجة الأسباب الكامنة وراء اتجاه الناس للعنف.
إذا كان هناك أي مؤشرات تقول إن تفكير القاهرة بدأ في وضع هذه الأفكار في اعتباره – مثلما يعتقد البعض -، فالتغيير ليس واضحًا على الأرض بعد، لكن الاعتماد على “القوة الغاشمة” سيؤثر على المواطنين الأبرياء في شمال سيناء ولن يحميهم من هذا النوع من المسلحين الذي هاجموا مسجد الروضة.
المصدر: الغارديان