الثلاثاء الماضي بثت شبكة “سي إن إن” الأمريكية تقريرًا مصورًا، قالت إن فريقها صوره في ليبيا، يظهر سوقًا لبيع المهاجرين الأفارقة مقابل 1200 دينار ليبي (نحو 800 دولار للشخص) في بلدة قريبة من طرابلس لم تكشف عن اسمها.
تقرير جعل دول عدة ومنظمات حقوقية وإنسانية كثيرة، تتحدث عن تجارة للرقيق في ليبيا وضحاياها من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، ومن هذه المنظمات من حمّل دولة الإمارات العربية المتحدة مسؤولية ذلك، فأي دور للإمارات في تجارة الرقيق في ليبيا؟
مسؤولية الإمارات
حمّلت “الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات العربية المتحدة“، الإمارات المسؤولية الكاملة عما حدث ويحدث للمهاجرين الأفارقة العالقين في مدينة بنغازي والقابعين في سجون تتبع القيادي حفتر ومجموعاته المسلحة، وقالت “الحملة الدولية” مؤخرًا، إنها تلقت وثائق وصورًا تكشف معلومات مهمة عن تورط دولة الإمارات العربية المتحدة بصورة مباشرة بتمويل جماعات مسلحة في ليبيا تتاجر بالبشر وتبيع المهاجرين الأفارقة كعبيد.
وأوضحت “الحملة الدولية” أن إحدى الوثائق كشفت تورط كل من “أحمد أبو زيتون” و”معمر الطرابلسي”، وهم أعضاء بارزون بمجموعة مسلحة في بنغازي تتبع لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بأسر مجموعة من المهاجرين الأفارقة في أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا وقاموا باحتجازهم بمراكز تتبع لقوات حفتر من ثم بيعهم كعبيد في عدة مناطق ومدن ليبية.
الوثيقة الثالثة كشفت بيع عدد من الأفارقة في مزاد سري عُقد غرب بنغازي مساء يوم الخميس 5 من أكتوبر 2017
ويعتبر هؤلاء الأفراد مسؤولين عن القطاع الغربي في منطقة بنغازي وكانوا قد أشرفوا على عدة عمليات عسكرية قبل عامين وتلقوا تمويلاً وصل إلى 7 ملايين دولار، حسب الحملة التي بينت أن وثيقة أخرى كشفت أن كلًا من الطرابلسي وأبو زيتون ترددا على أبو ظبي أكثر من مرة واجتمعا مع أفراد يتبعون لمحمد دحلان الذي يعتبر الوسيط لتمويلهما.
وبحسب إحدى الصور، تعرض العديد من المهاجرين الأفارقة للتعذيب الشديد وفي بعض الأحيان للقتل بسبب محاولتهم الهروب من الأسر، حيث تم تعذيب عدد منهم بالحرق وبتر الأطراف، ولفتت “الحملة الدولية” إلى أن الوثيقة الثالثة كشفت بيع عدد من الأفارقة في مزاد سري عُقد غرب بنغازي مساء يوم الخميس 5 من أكتوبر 2017، وأكدت نفس الوثيقة تزوير عقود عمل عند بيع المهاجرين كعبيد وذلك في خطوة تمويهية.
وذكرت “الحملة الدولية” أن المسؤول المالي لعملية بيع “العبيد” حسب الوثيقة نفسها يدعى حسين المسماري، وهو الذي نقل المهاجرين الأفارقة من مراكز الاعتقال إلى الأسواق السرية التي تم بيعهم فيها، وقالت “الحملة الدولية” إنها تأكدت من صحة ما حصلت عليه من خبراء مستقلين داخل وخارج ليبيا، حللوا صور أقمار صناعية وصور حرارية عن مراكز الاعتقال.
يشكل الاتجار بالبشر نشاطًا ضخمًا سريًا عابرًا للدول، تقدر قيمته الإجمالية بمليارات الدولارات، ويشمل الرجال والنساء والأطفال الذين يقعون ضحية الخطف أو الاستدراج لممارسة أشكال مهينة من الأعمال لمصلحة المتاجرين بهم، وهذا يعني بالنسبة للرجال العمل القسري في ظل ظروف غير إنسانية لا تُحترم فيها حقوق العمل، وبالنسبة للنساء يعني في العادة خدمة منزلية لا تختلف غالبًا عن الرق والاستغلال الجنسي والعمل في الملاهي الليلية.
وبالنسبة للأطفال يعني استخدامهم القسري كمتسولين أو باعة جائلين أو سائقين للجمال أو يؤدي بهم إلى الاستغلال الجنسي بما فيه النشاطات الإباحية، وتبدأ مع بعض الأطفال بداية فاجعة بتجنيدهم في صفوف المقاتلين، أحيانًا في الجيوش النظامية وأحيانًا في المليشيات التي تقاتل تلك الجيوش.
أسبوع تضامني
عقب ذلك، أعلنت “الحملة الدولية”، اليوم الإثنين، إطلاقها أسبوعًا تضامنيًا مع المهاجرين الأفارقة العالقين في ليبيا الذين يتم بيعهم كعبيد من جماعات مسلحة تمولها أبوظبي، وقالت الحملة الدولية إنها حصلت على دعم النقابات العمالية الرئيسية في إفريقيا، وأوضحت أنها ستنشر تقاريرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في بيان تأسيسها، أوضحت الحملة أنها تنطلق على ضوء انتهاكات حقوق الإنسان اللامتناهية التي تمارسها الإمارات
وأكدت أنها تتلقى دعمًا من الفروع المحلية وكبار النشطاء وأعضاء بكونغرس نقابات العمال في جنوب إفريقيا والاتحاد الوطني لعمال المعادن واتحاد عمال البلديات ومؤسسات أخرى، كما بينت أنها ستقوم بإعلام الرأي العام الدولي عن ممارسات “العبودية” التي ترتكبها الجماعات المسلحة في ليبيا بحق المهاجرين الأفارقة، إلى جانب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال رسالتها للجمهور بشأن محنة هؤلاء المهاجرين.
https://twitter.com/boycottEmirates/status/934735436374736897
وتأسست “الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات العربية المتحدة”، في الـ7 من شهر أكتوبر الماضي، في العاصمة الفرنسية باريس، من نشطاء في مجال حقوق الإنسان، وفي بيان تأسيسها أوضحت الحملة أنها تنطلق على ضوء انتهاكات حقوق الإنسان اللامتناهية التي تمارسها الإمارات، إضافة إلى جرائم الحرب التي ترتكبها في اليمن وانتهاكات حقوق العمال، بجانب اعتبارها مركزًا للعبودية الحديثة.
تواصل للدور المشبوه
دور الإمارات في الاتجار بالبشر في ليبيا، يضاف إلى أدوارها الأخرى المشبوهة في هذا البلد العربي التي زادت من تأزيم الوضع هناك، فمنذ تدخلها في ليبيا، عرفت الإمارات بتغليبها طرف على حساب آخر لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها في ليبيا لتقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية، ما من شأنه تعزيز الانقسام السياسي وتغذية الصراع المسلح في البلاد.
إلى جانب ذلك، لم تكترث الإمارات بالمنع الدولي من تقديم الدعم العسكري لأي طرف من أطراف الأزمة في ليبيا، وكان التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا قد كشف عن خرق دولة الإمارات وبصورة متكررة نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها، وزيادة قدرات قوات حفتر الجوية بصورة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر في ليبيا.
وفي أكتوبر 2016، نشرت مؤسسة البحوث العسكرية “جاينز”، ومقرها لندن، تقريرًا يؤكد أن الإمارات أنشأت قاعدة عسكرية شرقي ليبيا خلال الفترة من مارس إلى يونيو 2016، تنطلق منها طائرات هجومية من طراز 802-AT وأخرى بدون طيار من طراز وينق – لوونق لدعم قوات ما يسمى بعملية الكرامة التي يقودها حفتر، ونشرت صورًا ملتقطة بالأقمار الاصطناعية للقاعدة في 23 من يوليو من نفس السنة يظهر فيها تمركز طائرات حربية.
ولفت التقرير، آنذاك، إلى أن القاعدة الإماراتية أنشأت في مطار الخادم على بعد نحو 100 كيلومتر من مدينة بنغازي، مشيرًا إلى أن هذا المطار كان قبل إنشاء القاعدة الإماراتية مطار بسيط ببنية تحتية متواضعة.
تحدثت تقارير إعلامية واستخباراتية عدة عن دور إماراتي مشبوه بقيادة “محمد بن زايد” في دعم قوات “حفتر”
وتقول أوساط حقوقية ليبية ودولية إن دولة الإمارات ارتكبت جرائم حرب في ليبيا بموجب الاتفاقات الدولية، وتعتبر هذه الأوساط أن الممارسات اللا إنسانية المختلفة لدولة الإمارات ضد السكان المدنيين وخرقها للسيادة الوطنية بتدخلها في الشؤون الداخلية، يعد جريمة من جرائم الحرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وخرقًا فاضحًا لجميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة، وانتهاكًا صريحًا للأعراف الدولية والإنسانية كافة.
منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في فبراير 2011، تحدثت تقارير إعلامية واستخباراتية عدة عن دور إماراتي مشبوه بقيادة “محمد بن زايد”، في دعم قوات حفتر، والمشاركة في عمليات عسكرية ضد فرقاء ليبيين، الأمر الذي ساهم حسب مراقبين في تأجيج الأزمة السياسية في ليبيا وخلق حالة من التباعد بين شركاء الوطن الواحد.