يَطرح تزايُد استخدام الطيران المسير في حرب السودان مؤخرًا، أسئلة مُلحة بشأن إسهامه في المعارك الدائرة، وما إذا كان عاملًا للحسم أم سببًا في مزيد من التصعيد.
ودخلت معركة كسر العظم بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع عامها الأول، مخلفةً ما يزيد على 14 ألف قتيل، مع إرغام 10 ملايين سوداني على مغادرة منازلهم، خلافًا لأضرار غير مسبوقة طالت قطاع البنى التحتية.
ورغم أن الواقع يدحض كثيرًا من تصريحات قادة الطرفين عن قرب حسم المعركة عسكريًا، فإنهما ما زالا يعتقدان بقدرتهما على حسم الصراع اتكاءً على البندقية.
ويستند الجيش على انتصاراته العسكرية المتحققة أخيرًا، لا سيما في العاصمة الخرطوم عقب ما يقال إنه انتقال من خانة الدفاع إلى الهجوم، بينما تستند الدعم السريع على انتشارها في أراضٍ واسعة، علاوةً على انفتاحها في مناطق جديدة تمهيدًا لوضع يدها عليها.
حروب جديدة
في نهايات رمضان المنصرم، شنَّ طيران مسير انتحاري، مجهول المصدر، هجماتٍ على مدينتي عطبرة (شمال) والقضارف (شرق)، الواقعتين تحت سيطرة الجيش السوداني.
الهجوم على عطبرة، استهدف إفطارًا رمضانيًا أمّه عدد من عناصر كتيبة البراء بن مالك المعروفون بولائهم لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، وينشطون حاليًا في القتال إلى جانب الجيش. أما الهجوم على القضارف، فاستهدف مقارًا عسكرية على رأسها مبنى جهاز المخابرات وآخر يتبع للجيش.
وسارعت السلطات السودانية لاتهام الدعم السريع بالوقوف وراء الهجمات، وهو أمر ترفضه المليشيا ويعزوه قادتها إلى وجود انشقاقات في صفوف الجيش.
ظهور مبكر
ظهرت الطائرات من دون طيار، منذ بواكير معركة الخرطوم، أبريل/نيسان 2023، طبقًا لشهود عيان تحدثوا لـ”نون بوست”، وقالوا إن تحركات الدرونز انحصرت – فيما يبدو – وقتذاك في جمع المعلومات وتوفير الإحداثيات وخريطة انتشار المليشيا للتعامل معها – على نحو خاص – عبر سلاح الجو والقصف المدفعي المنطلق من داخل مقار الجيش الرئيسة.
يقول الخبير العسكري، حمزة سنادة، إن المسيرات التي استخدمها الجيش في بادئ المعركة، كانت محلية الصنع، وجرى تصنيعها داخل ورش منظومة الصناعات الدفاعية التي سقطت بيد الدعم السريع في أغسطس/آب 2023.
ونوه سنادة في حديثه مع “نون بوست” إلى أنه وبدايةً من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدخل الجيش مسيرات جديدة لميدان المعركة، ذات طبيعة قتالية، حالت دون سقوط أبرز المقار العسكرية (القيادة العامة، المدرعات، سلاح المهندسين، قاعدة وادي سيدنا) رغم خضوعها لحصار محكم استمر فترات طويلة.
بيد أنَّ سقوط التصنيع الحربي في يد الدعم السريع، مكّن المليشيا التي كانت تعرف بأنها قوات للمشاة، من وضع يدها على كمية من الأسلحة المتطورة، وعلى رأسها المسيرات محلية الصنع، وهو ما ظهر جليًا في معاركها بعد أغسطس/آب 2023.
المصدر
يحجب طرفا الصراع في السودان، هوية الجهات التي تزودهما بالمسيرات، وفي الصدد، تؤكد وكالات أنباء دولية في مقدمتها رويترز أنَّ الجيش يحصل على طائرات الدرونز بشكل رئيس من إيران، ونقلت بلومبيرج عن مسؤولين غربيين أن الجيش السوداني حصل من طهران على عدد كبير من مسيرات (مهاجر 6) المؤهلة لعمليات الرصد ونقل المتفجرات.
وطوت سلطات السودان وإيران، سنوات من القطيعة، بتدشينهما مطلع العام الحاليّ مرحلة جديدة من العلاقات، دون إصدار تعليقات حول ما إذا كانت المرحلة الجديدة تغطي التعاون العسكري بين البلدين.
وفي منحى متصل، لم تعلق الخرطوم وأنقرة، على أنباء رائجة منذ يوليو/تموز 2023 عن حصول الجيش السوداني على مسيرات تركية من نوع (بيرقدار) التي أظهرت قيمتها على نحو خاص في قلب الموازين لصالح الجيش الفيدرالي الإثيوبي في معركته ضد مقاتلي جبهة تحرير تيغراي.
أما في فبراير/شباط العام الحاليّ، فكشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن شن قوات أوكرانية عدة هجمات ضد أهداف تابعة لمليشيا الدعم السريع ذات الصلات الوثيقة بمجموعة فاغنر العسكرية الروسية، وبطبيعة الحال جرى استخدام الدرونز في عدد من هذه الهجمات.
ويتهم الجيش دولًا خليجية بتزويد الدعم السريع بالمسيرات، دون إغفال الأدوار التي تلعبها “فاغنر” في توفير إمدادات السلاح للمليشيا، مع وجود لـ”إسرائيل” في الكواليس، خاصةً في ظل تقارير تحدثت عن ظهور أسلحة إسرائيلية في حرب السودان.
وقبيل اندلاع الحرب، تنامت أخبار عن زيارات ذات طبيعة عسكرية بين قادة السريع والموساد، مع تسريبات بحصول الدعم السريع على تقنيات إسرائيلية متطورة في مجال الاتصالات والتجسس.
وحصلت الدعم السريع على مسيرات محلية الصنع، بعد استيلائها على مقر التصنيع الحربي، واستخدمتها في هجمات على مواقع عسكرية تابعة للجيش.
ولعبت الدرونز أدوارًا حاسمة في معارك السودان، آخر هذه المعارك تمثل في استعادة الجيش لمقري الإذاعة والتلفزيون خلال رمضان الفائت، بجانب لعبها أدوارًا محورية في قصف تجمعات الدعم السريع، والحيلولة دون سقوط ولايات جديدة في مناطق الوسط والشمال والشرق.
في المقابل، مهدت ذات المسيرات، الطريق أمام الدعم السريع لوضع يدها على مقر التصنيع الحربي، وفي شن هجمات مؤثرة على مقار الجيش الرئيسة.
تطور خطير
التطور الأخطر المتصل بالطيران المسير، تمثل في شن هجمات على مدن خارج نطاق الحرب، وتأوي مئات آلاف النازحين، وعن هذا التطور، يقول الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن العسكري، نزار سليمان، إن الدعم السريع تعمل على نقل المعارك إلى المناطق الآمنة، ضمن محاولاتها لتغطية خساراتها العسكرية المتلاحقة.
وتوقع في حديثه لـ”نون بوست” شن مزيد من الهجمات بالمسيرات على أهداف عسكرية ومدنية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش، خلال الفترة المقبلة، بهدف إثارة الرعب في أوساط المدنيين، لافتًا إلى أن عناصر المليشيا ينشطون حيث تغيب مظاهر الدولة.
وحذر القيادي الشاب في قوى الحرية والتغيير، محمد عبد الله، من أن يقود رفض أطراف النزاع للحلول السلمية إلى توسيع دائرة الحرب، وسقوط مزيد من الضحايا.
وقال عبد الله لـ”نون بوست”، إنه من غير المهم معرفة الجهة التي تقف وراء المسيرات، والأهم معرفة أن أي نشاط مدمر يمكن أن يتم في أجواء العسكرة والتجييش، وأن المساحات الآمنة التي يأوى إليها السودانيون ذاهبة إلى التآكل يومًا بعد يوم.
ينظر طرفا النزاع إلى المسيرات كوسيلة للحسم العسكري، في الوقت الذي ترى أطراف مدنية رافضة للحرب، بأن العسكر يقودون بلادهم حثيثًا في طريقي اللاعودة واللادولة.