ترجمة وتحرير: نون بوست
على الرغم من أن تنظيم الدولة لم يتبن حتى الآن مسؤوليته تجاه الهجوم الذي استهدف مسجدا يرتاده المنتسبون للمذهب الصوفي في شمال سيناء يوم الجمعة، والذي أودى بحياة 305 مصلي، إلا أن تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم الدولة، دون أدنى شك، هو الذي نفذها. لقد سبق وأن استهدف تنظيم الدولة الصوفيين في عدة دول، بالإضافة إلى كونه الجماعة المتمردة الوحيدة الناشطة في سيناء والقادرة على شن هجوم واسع النطاق. ويقودنا هذا للتساؤل حول قدرة تنظيم الدولة على القيام بمثل هذه العمليات في مصر، على الرغم من هزائمه المتتالية في معاقله الرئيسية السابقة في سوريا والعراق.
خلافا لسوريا والعراق، حيث استغل تنظيم الدولة الفراغ الناجم عن الحرب الأهلية والجيوش المحبطة، فإن مصر التي مرت باضطرابات سياسية خطيرة خلال السنوات الأخيرة لا تزال تفتخر بامتلاكها أكبر جيش في العالم العربي، وخير دليل على ذلك أنها حكمت البلاد بقبضة حديدية عسكرية خلال السنوات الأربع الماضية.
في الواقع، لا يفتقر الجيش المصري إلى الموارد اللازمة لمجابهة التمرد في سيناء، لأنه يمتلك مركبات القتال المدرعة والمروحيات الهجومية. كما قدمت له “إسرائيل” الضوء الأخضر لكل طلب مصري بتعزيز وحداتها في شبه الجزيرة، على الرغم من بروتوكولات نزع السلاح الموقعة في اتفاقات كامب ديفيد للسلام. وعلى الرغم من الحملة المصرية المستمرة من أجل القضاء على تنظيم الدولة في سيناء، التي تحظى بمساعدة هامة من قبل “إسرائيل”، لا يزال التنظيم الإرهابي قادرا على شن هجمات مدمرة كالتي شهدناها يوم الجمعة.
مجندون من الجيش المصري يحرسون مستشفى جامعة قناة السويس، حيث يتلقى الضحايا الذين سقطوا خلال هجوم على مسجد شمال سيناء العلاج بالإسماعيلية، وذلك يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2017
قبل عام من الآن، بدا أن المد قد تحول إلى سيناء، فقد نجح المصريون عبر سلسلة من الهجمات على معاقل ولاية سيناء، في القضاء على قرابة ثلثي مقاتلي التنظيم الإرهابي، من بينهم قائدهم أبو دعاء الأنصاري. وقد بلغ إجمالي المقاتلين هناك حوالي 300 إرهابي فقط، عندما تولى محمد العيساوي المعروف لدى التنظيم بأبو أسامة المصري، والذي قاتل مع التنظيم الإرهابي في سوريا، القيادة في سيناء.
في سيناء، نجح المصري بفضل التعزيزات والمساعدات والإمدادات التي تلقاها من قاعدة تنظيم الدولة في ليبيا، في إحياء الجماعة الإرهابية، حتى بلغ عدد الناشطين تحت لوائه حوالي 1000 إرهابي، بالإضافة إلى تمكنه من شن هجمات مدمرة على أهداف عسكرية ومدنية.
وفقا لمصادر استخباراتية، تتكون القوة المقاتلة في ولاية سيناء من إسلاميين مصريين ومن متطوعين من بلدان أخرى، بما في ذلك قدامى المقاتلين في سوريا والعراق. والأهم من ذلك، ينخرط في التنظيم أعضاء بعض القبائل البدوية المحلية في سيناء. كما ينشط تنظيم الدولة في النصف الشمالي من سيناء، في حين بقي الجزء الأكبر من ساحل البحر الأحمر في الجنوب، حيث قضى آلاف الإسرائيليين عطلتهم الرسمية قبل شهرين من الآن في هدوء تام.
تنبع المشكلة الحقيقية للمصريين من أراضيهم، فقد سُمح لشمال سيناء بأن يبقى ثقبا أسود لنمو الضغينة والتطرف لفترة طويلة جدا، وها هي مصر الآن تدفع الثمن
في الحقيقة، في مقابل مليارات الدولارات التي استثمرت في تشييد منتجعات البحر الأحمر، بقيت القرى والبلدات الواقعة على ساحل شمال البحر المتوسط متخلفة إنمائيا. ولا يزال سكان المنطقة منذ حوالي ثلاث سنوات، يجنون المال من التجارة المفتوحة لطرق التهريب، التي تمر عبر الأنفاق الواقعة تحت الحدود مع غزة. وقد دمرت مصر حتى الآن جميع الأنفاق باستثناء عدد قليل منها، تُستخدم الآن من قبل حماس وجماعات فلسطينية أخرى لنقل الأسلحة والأفراد.
بناء على ذلك، وفي حين تأبى القبائل البدوية المحلية في الجنوب أن تحرم نفسها من الإيرادات التي تكسبها من السياحة في البحر الأحمر، من خلال رفض التعاون مع تنظيم الدولة في منطقتها، تحظى القبائل المتمركزة في الشمال والأقل تطورا باهتمام أقل. لهذا السبب، تدفع مصر الآن ثمن عقود من إهمالها لشمال سيناء. وفي الوقت الذي يتحرك فيه الجنود المصريون في العربات المدرعة أو يحتمون بالمواقع المحصنة، يتمتع الإرهابيين بالتغطية التي يوفرها لهم المتعاونون المحليون هناك أو في الممرات الجبلية القريبة.
خلال الأشهر الأخيرة، كانت مساعي مصر الحثيثة من أجل عقد اتفاق مصالحة بین حماس وحركة فتح مدفوعة باهتمامھا بضمان ألا تصبح غزة الفِناء الخلفي لتنظيم الدولة، وھو أمر يوشك أن يحدث. ولكن تنبع المشكلة الحقيقية للمصريين من أراضيهم، فقد سُمح لشمال سيناء بأن يبقى ثقبا أسود لنمو الضغينة والتطرف لفترة طويلة جدا، وها هي مصر الآن تدفع الثمن.
المصدر: هاآرتس