إذا كنت من محبي الدراما العصرية وشاهدت أحد مسلسلات شركة نيتفليكس الأخيرة “بلاك ميرور”، ستعرف أن التحول الجذري الحادث في المستقبل القريب لا يتوقف على وجود مزيد من الأتمتة أو زيادة في عدد الروبوتات التي تخدم الإنسان لتحل محل البشر فحسب، بل إن التحول الجذري متمثل في البشر أيضًا، ربما يكون ذلك الجزء الخاص بالروبوتات هو شغل شركات التكنولوجيا الشاغل، ولكن ماذا عن وجهة النظر الأخرى عن الموضوع؟ أو عن تحول الإنسانية لمواكبة التقدم الرقمي؟
التغييرات الجسدية والنفسية والعاطفية التي ستطرأ حتميًا على البشر لمواكبة التعايش مع الروبوتات أو التعايش في عالم يُسيطر عليه الذكاء الاصطناعي، ليست محل دراسة أو اهتمامًا كافيًا من شركات التكنولوجيا التي تستثمر مليارات الدولارات في مشاريع الذكاء الاصطناعي أو إنترنت الأشياء (IOT).
على الرغم من أن تلك الاستثمارات تعزز لدينا نحن البشر قدرة على توقع المستقبل في وجود الذكاء الاصطناعي لأكثر من 5 سنوات قادمة على الأقل، فإنها لا تعطينا صورة واضحة عن التحول الجذري الذي سيصيب البشر جراء محاولات مواكبتهم ذلك التحول الرقمي السريع، حيث سيكون تحولًا سريعًا وغير منظم، وسيصيب البعض بالرعب من كونه تغييرًا فوضاويًا لم نُعد له مُسبقًا.
يسمي البعض تلك الحالة بـ”ما بعد الإنسانية” أو (Transhumanism)، وهي الحالة التي بدأ الحديث عنها في بدايات القرن الـ21، وتعني بالتغييرات الإنسانية الحادثة على البشر بعد الانتشار الواسع للتكنولوجيا المتقدمة التي توقعت شكل البشر في المستقبل القريب والتغيرات الحادثة عليهم بالأخذ في الاعتبار قدراتهم الحاليّة.
تعتبر أيضًا “ما بعد الإنسانية” حركة تطورية تسعى إلى تطوير قدرات الإنسان الفكرية والجسدية لمواكبة التطور التكنولوجي المتقدم، مثل مساعدة التكنولوجيا للقضاء على الشيخوخة أو أمراض الزهايمر على سبيل المثال كنوع من أنواع تطور البشر الجسدي والفكري ليكونوا أكثر قدرة على مواكبة الركب الرقمي المتطور بشكل سريع، فإن كانت الآلة ستفكر بسرعة تصل إلى عشرات أضعاف سرعة الإنسان، فهذا لا يعني أن الإنسان سيتوقف عند المستوى الذي هو عليه الآن فحسب.
“حالة ما بعد الإنسانية” تعني بالتغييرات الإنسانية الحادثة على البشر بعد الانتشار الواسع للتكنولوجيا المتقدمة التي توقعت شكل البشر في المستقبل القريب
5 طرق سيتغير بها البشر في المستقبل
هناك 3 عناصر أساسية سيتم من خلالها دراسة التغيير الواقع على البشر، وهي أجسادهم – أفكارهم – سلوكياتهم، وذلك لدراسة التغيير على الطبيعة البشرية وآثار “ما بعد الإنسانية” على الأفراد والمجتمعات والشركات والحكومات أيضًا.
1- أجساد بتكنولوجيا الواقع المعزز
مشروع “إبهام sms” الذي يمكنه اختزال تقنية استخدام الهواتف الذكية في إصبع الإبهام
إذا كنت تظن أن الجسد البشري آخر ما سيتم تعديله ليواكب التكنولوجيا الرقمية المتطورة، فأنت لست على صواب، ذلك لأن من أول التغييرات الحادثة في حالة “ما بعد الإنسانية” هي تحويل الجسد البشري إلى جسد بتكنولوجيا الواقع المعزز.
هذه التكنولوجيا ستُغير من قدرة تحكم الآلة في الإنسان وفي جسده، بالإضافة إلى جعله تحت المراقبة لفترات أطول
لطالما حظى البشر بأطراف صناعية ونظارات أو عدسات صناعية، والآن وبفضل تكنولوجيا الواقع المعزز، نكون على أعتاب موجة جديدة من تعديل الجسد البشري، قد تعطينا فيها تكنولوجيا النانو عدسات لاصقة من شأنها أن تلتقط صورًا أو مقاطع فيديو مصورة، أو روبوتات صغيرة الحجم جدًا تتحكم في مجرى الدم لدينا داخل أجسامنا.
لطالما أراد البشر أن يُخلقوا أذكياءً، لم يكن ذلك سهل التحكم به من قبل، إلا أن زراعة الشرائح الإلكترونية داخل أدمغة البشر التي يتحدث عنها علماء الذكاء الاصطناعي في هذه الأيام من شأنها أن تجعل عملية التفكير لدى البشر أكثر سرعة، وتجعل أدمغتنا متصلة مباشرة بشبكة الإنترنت، أو تجعلنا أصغر في الحجم وأكثر صداقة للبيئة في المستقبل!
إن كنت لا تصدق أن ذلك ممكن الحدوث، هناك شركات للتصميم التكنولوجي تعمل على هذه المشروعات بالفعل، منها شركة “Nextnature” التي تصمم مشاريع خاصة بدمج تقنية الواقع المعزز بالجسد البشري، من ضمن المشروعات على سبيل المثال مشروع “إبهام sms” الذي يمكنه اختزال تقنية استخدام الهواتف الذكية في إصبع الإبهام.
هذه التكنولوجيا ستُغير من قدرة تحكم الآلة في الإنسان وفي جسده، بالإضافة إلى جعله تحت المراقبة لفترات أطول، مع الأخذ في الاعتبار تغييرها لفرص العمل الممكن للإنسان ذي الأعضاء المدمجة بتقنية الواقع المعزز أو التقنيات التكنولوجية المتقدمة العمل فيها.
2- سوف تصبح القدرة على التفكير أسرع
قام عمالقة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك صاحب شركة تسلا وspace x، و عراب مواقع التواصل الاجتماعي مارك زوكيربيرغ المدير التنفيذي لموقع فيسبوك بالحديث عن مشاريع ناشئة لزراعة شرائح في أدمغة البشر وتحت جلودهم
نحن الآن محدودون في قدرتنا على التواصل مع بعضنا البعض بعدد الكلمات التي يمكن أن نتحدثها في الدقيقة وسرعتنا في التحدث، ولكن تخيل لو دمجنا قدراتنا تلك بالقدرات الرقمية، ربما سيمتلك البشر سرعة مختلفة للتواصل مع بعضهم البعض، وبالأخص باتصال أدمغتهم بالأجهزة الرقمية من خلال خدمات إنترنت الأشياء.
هذا ليس توقعًا بعيد الخيال، حيث قام عمالقة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك صاحب شركة تسلا وspace x، وعراب مواقع التواصل الاجتماعي مارك زوكيربيرغ المدير التنفيذي لموقع فيسبوك بالحديث عن مشاريع ناشئة لزراعة شرائح في أدمغة البشر وتحت جلودهم، تساعدهم على التواصل بشكل أسرع وتعزز من قدرتهم على التفكير لتواكب سرعة الآلة.
3- نظام التقييم من وجهة نظر رقمية
من المتوقع أن يكون نظام التقييم مختلفًا في المستقبل القريب، وسيشمل تقييم المواطنين أو الأفراد من خلال سلوكياتهم ونشاطاتهم اليومية
هل تخيلت كيف سيكون الوضع لو كان هناك نظام تقييم اجتماعي يقيمك كمواطن في دولتك، وعلى أساسه يتم تحديد ما إن كنت مواطنًا صالحًا يستطيع بقية المواطنين الثقة فيك أم لا؟ لم يبق ذلك مجرد تساؤل في الصين على سبيل المثال، بل يتحول إلى واقع يطبق بشكل عشوائي وتطوعي الآن، إلا أنه في سبيل أن يكون إجباريًا عام 2020.
من المتوقع أن يكون نظام التقييم مختلفًا في المستقبل القريب، وسيشمل تقييم المواطنين أو الأفراد من خلال سلوكياتهم ونشاطاتهم اليومية، ليس صعبًا تخيل ما سبق، فهذا يحدث بالفعل في حياتنا اليومية، ولكن ليس من الأنظمة والحكومات، بل يحدث بفضل شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل تعقب فيسبوك لدوائر معارفنا وتقييمه لما ننشره من منشورات وصور وفيديوهات، أو تعقب جوجل لأماكن وجودنا على الخريطة في الساعات المعينة، أو لتنصت جوجل على مكالماتنا ورسائلنا البريدية.
4- الذكاء الاصطناعي يخبرك من أنت وماذا ستشتري وأين ستعمل
ربما يجد البعض هذه التوقعات ساخرة بعض الشيء، إلا أنها حقيقية، حيث لن نضطر للانتظار لعقد آخر لكي نراها على أرض الواقع، حيث بدأ تطبيقها بالفعل في الوقت الذي نعيش فيه الآن، هذه الفكرة نابعة من التخصيص (Personalization) في التسويق، وهي تحديد الصفات الخاصة بكل مشترٍ وعلى أساسها يتم تحديد الإعلانات الواجب على الشركة نشرها له.
في الماضي كان يتم التخصيص بحسب البلد والمنطقة التي يعيش فيها المستخدم، ومن ثم على حسب الثقافة والبيئة المحيطة، ثم تطور إلى تعقب تاريخ المشتريات السابقة وأوقاتها وأي من المنتجات يشتريها الزبائن معًا، ومن ثم تطور الأمر أكثر ليصل إلى تعقب فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع التجارة الإلكترونية للأمور التي يعجب بها المستخدمون على الإنترنت، وتعقب محادثاته الإلكترونية وتاريخ المواقع التي يزوروها بل والاستماع أيضًا إلى محادثاته الصوتية.
يصل الآن هذا النوع من التخصيص إلى مراحل يمكن أن نصفها بالمتطرفة، إذ إن الذكاء الاصطناعي سيقوم بالمهمة بدلًا من شركات الأبحاث الخاصة بتعقب المستخدمين، حيث سيفهم الذكاء الاصطناعي الاحتياجات العاطفية والمادية وما ترغب به وما تحتاج إليه وسيوجهك إليه بشكل غير مباشر، بل سيحلل خصائص شخصيتك ويوجهك إلى مجالات العمل الأنسب إليك!
5- روبوت للذكاء الاصطناعي في مجلس الإدارة
سيقع على عاتق الشركات التي لا تواكب ركب التقدم الرقمي مسؤولية أنها لا تعزز من قدرات الموظفين على العمل بدمجها مع الآلة
هل تخيلت أن يكون هناك روبوت في مجلس إدارة كل شركة بحلول عام 2026، يتوقع خبراء التكنولوجيا أن بحلول هذا العام سيتغير الشكل العام للأعمال التجارية بشكل جذري، لدرجة أنه سيكون من شبه الواجب أن توجد آلة خاصة بالذكاء الاصطناعي على الأقل في مجلس إدارة الشركات، تشارك في القرارات المصيرية للشركة وتتحكم في مصير المئات أو الآلاف من الموظفين.
سيقع على عاتق الشركات التي لا تواكب ركب التقدم الرقمي مسؤولية أنها لا تعزز من قدرات الموظفين على العمل بدمجها مع الآلة، ولا تقوم بجعل الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من الشركة، وربما سيترتب على ذلك تخلفها عن المنافسة بين الشركات الأخرى وربما خروجها من السباق كليًا.
هل أنت مستعد ليكون لديك شريحة إلكترونية مزروعة داخل دماغك؟ أو شرائح رقمية تحت جلدك تجعلك أكثر سرعة وذكاءً في التواصل مع زملائك في العمل؟ ربما “ما بعد الإنسانية” هي حالة تغفلها أغلب شركات التكنولوجيا ولا يكون مستعدًا لها أغلب البشر، لكن هذا لا يمنع أنها ستحدث، وقريبًا جدًا.