ترجمة وتحرير: نون بوست
تبعد الإسكندرية ثلاث ساعات بالقطار عن القاهرة. وفي عربة من الدرجة الأولى، مكيفة إلى أقصى الحدود، في أحد القطارات المتجهة نحو الإسكندرية، لم يكن يوجد ولا سائح واحد. في الحقيقة، لم تعد المدينة الثانية في مصر تجذب السياح من جميع أرجاء العالم، وربما يرتبط ذلك بخيبة الأمل التي أصابت العديد من الوافدين، حيث أصبحت المدينة أكثر تعاسة وفقرا واتساخا، في حين باتت تتسم بكل الصفات السيئة التي يمكن أن تتصف بها مدينة.
في هذا السياق، قال أحد المقيمين في المدينة إن “الإسكندرية أضحت مخيبة للآمال بالنسبة لجميع الغربيين الذين يأتون إليها”. ولسائل أن يسأل هل مازالت مدينة الإسكندرية منفتحة على العالم؟ في الحقيقة، ربما كان ذلك في الماضي، حيث يتحدث عدد قليل من سكان المدينة الذين يبلغ عددهم 4.5 مليون نسمة، اليوم، اللغة الفرنسية أو الإنجليزية، وأصبح معظمهم من سكان الريف المشردين.
في محطة الرمل، تُغرِق أكوام القمامة الأرض، تفوح الروائح الكريهة منها كما ينتشر الذباب الذي يحوم حول حاويات القمامة. أما على بعد أمتار قليلة، كان يوجد بعض الباعة المتجولين الذين يقومون ببيع الحلي الذي يكون مستخدما في غالب الأحيان. في الواقع، يبدو أن السلطات المصرية قد تجاهلت عروس البحر الأبيض المتوسط وأصبحت تركز جميع مشاريعها على واجهة مصر، القاهرة.
في هذا الإطار، أفاد أحد المصريين أن “الإسكندرية حزينة ولكنها لا تتكلم”، فحتى المكتبة، التي كانت تعد جوهرة معمارية للمدينة، لم تعد تجذب الحشود. في الأثناء، يشعر جل أهل المدينة بحنين كبير للأيام الخوالي. وفي وسط ميدان سعد زغلول، لا تزال جميع الفنادق المرموقة تترقب قدوم السياح بفارغ الصبر، وقد أخذ موظفو تلك الفنادق يشعرون بالملل من كثرة الانتظار. فضلا عن ذلك، لا تكاد العين تخطئ المباني العريقة التي وقع إهمالها لدرجة أنها أصبحت أشبه بالجثث المتعفنة. في الواقع، لم تعد الإسكندرية تلك المدينة المشعة التي كانت تضيء بنورها كامل مصر.
يعد الكورنيش نقطة التقاء جميع أهل الإسكندرية، وخصوصا خلال استراحة الغداء.
جنود الرصاص المصريين
في ظل هذا النظام العسكري، يعتبر الجيش، الذي غالبا ما يتكون من الشباب الذين يفتقرون للبراعة والخبرة ولم يمض على تخرجهم من المدارس العسكرية سوى بعض الوقت، صاحب اليد العليا. فضلا عن ذلك، يشكو هؤلاء الجنود من نقص في الأسلحة والمعدات بشكل كبير. وتحت وطأة الضغط المسلط عليهم، ينفجر هؤلاء الجنود غضبا لأتفه الأسباب. في هذا الصدد، أفاد موظف ألماني عاش في القاهرة لمدة ثماني سنوات أنه “ذات ليلة، عندما كنت أسير على الشاطئ مع صديقتي، اتجه صوبنا بعض الجنود معتقدين أننا إرهابيون”.
في مصر، يعد أداء الخدمة العسكرية أمرا إلزاميا. ويشمل هذا الواجب الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة. ويتطلب الأمر قضاء مدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات في الخدمة العسكرية. في هذا الصدد، أوضح شاب قاهري نشأ في عائلة متواضعة، أنه “في حال كان لديك المال يمكنك أداء الخدمة العسكرية في الضواحي الفخمة بالقاهرة، أو سيتم إرسالك إلى الصحراء، حيث ستكون مهمتك صعبة”. في سياق متصل، أكد شاب، قضى ست سنوات في التعليم العالي، أنه “في الوقت الحالي، أنا بصدد إعادة السنة في الكلية ولكن فور تحصلي على شهادة الهندسة سأجبر على الذهاب لأداء الخدمة العسكرية”.
يمكن التعرف على رجال الشرطة من خلال الزي الأبيض الذي يرتدونه. من جهتها، أفادت طالبة في كلية القانون أنها “تكره رجال الشرطة لأنهم يضايقون كل الفتيات، ويطلبون منهن الحصول على أرقام هواتفهن الخاصة، وعندما يرفضن ذلك، يقومون بجرّهن إلى مركز الشرطة”. وأضافت الطالبة ذاتها أنه “عندما تكونين صحافية، دائما ما يحوم حولك بعض المخبرين السريين الذين يقتفون أثرك أينما تذهبين، بغية رصد جميع تحركاتك”. وقد أكد صحفي فرنسي ما جاء على لسان هذه الطالبة.
عموما، يتفشى الفساد بشكل كبير في صلب أجهزة الدولة. فغالبا ما يتلقى الأمن نحو 50 جنيه مصري أو 2.5 يورو حتى يلزموا الصمت إثر مداهمة بعض المنازل ليلا وإثارة الفوضى فيها. وتجدر الإشارة إلى أن الشرطة لا تقوم بمهامها الفعلية إلا نادرا جدا، فضلا عن أن الشرطة السياحية اختفت تقريبا من الشوارع. في المقابل، تعد المنطقة القبطية، التي تقع في حي مصر القديمة، المكان الوحيد الذي يحظى بحراسة وحماية مشددة. فعند مدخل كل نصب، يقف ضابط شرطة للتكفل بالحراسة. وفي بعض الأحيان، يتم وضع بوابات أمنية قديمة عند مداخل أماكن العبادة.
خلال سنة 2017، نفذت أربعة هجمات إرهابية، خلال ستة أشهر فقط، ضد الأقلية القبطية، التي تمثل حوالي 10 بالمائة من بين 90 مليون مصري. وعلى بعد خطوات قليلة من الكنيسة المعلقة، تم إلصاق اشعارات البحث التي تحمل صورا للرجال الملتحين على أبواب الكنائس.
شرطي يجلس أمام مكان العبادة في حي مصر القديمة، في المنطقة القبطية، صباح يوم الأحد.
لا بأس، أنت امرأة
كان رجل وزوجته يتحاوران في سيارة أجرة. بادرت المرأة بدفع الأجرة، عوضا عن زوجها، للسائق الذي قال لها: “يجب عليك أن تدعي زوجك حتى يدفع الأجرة، هذه الأمور ليست من مشمولات المرأة”. فأجابته الزوجة بسرعة: ” أنتم لم تتركوا شيئا للمرأة حتى تقوم به في مصر”. تعد عبارة “تسس… تسسس”، الطريقة التي يستخدمها سكان القاهرة من أجل معاكسة النساء اللاتي يمررن أمام أعينهم. في بعض الأحيان، تضطر الفتيات للصراخ في وجه الشبان: “خلاص” التي تعني في اللغة العربية “يكفي” من أجل تجنب وضع محرج. وحيال هذا الشأن، صرحت إحدى الفتيات أنه “عندما يكون هناك اكتظاظ في بعض الأماكن، يغتنم بعض الشبان الفرصة من أجل الالتصاق بك والتحرش بك. حقا إنه لأمر مقرف”.
في وسط المدينة، ليس من غير المألوف أن تكوني المرأة الوحيدة المحاطة بحشد من المصريين، حيث تعج المقاهي بالرجال. أما في مترو الأنفاق، يتم عادة تخصيص مقطورتين للنساء. وبعد الساعة التاسعة ليلا، تصبح إحدى المقطورات مختلطة، أي للنساء والرجال معا. حقا إنه لأمر غريب! حيث يكثر التحرش الجنسي في الليل، أليس كذلك؟ وذلك على حد تعبير شاب فرنسي يبلغ من العمر 25 سنة.
وفقا لدراسة أجرتها الأمم المتحدة نشرت في سنة 2013، تتعرض أكثر من 99 بالمائة من النساء للتحرش في مصر. خلال ثورة سنة 2011، كانت النساء في طليعة المظاهرات ما جعلهن هدفا رئيسيا لعمليات التحرش. خلال سنة 2008، باتت نهى الأستاذ، البالغة من العمر 28 سنة، أول امرأة مصرية تدين شابا بتهمة التحرش الجنسي. وشيئا فشيئا، انفتح باب النقاش في مصر حول هذه المسألة، ولكن لا تزال عقلية الأفراد أبعد ما يكون عن مواكبة التغييرات التي تشهدها البلاد.
امرأة تنتظر ركوب المترو على رصيف مترو الأنفاق، في محطة “مار جرجس” في المنطقة القبطية.
في سوق خان الخليلي، على الساعة الثالثة ظهرا، تلقى بائع أقمشة في ورقة نقدية من فئة 100 جنيه. وقد أعرب عن فرحته، قائلا: “هذه أول ورقة نقدية أحصل عليها اليوم”. ويقع الحي الإسلامي في شرق القاهرة، حيث لا بد أن يمر السياح الباحثون عن جوانب الأصالة عبره. في الوقت الراهن، بات عدد قليل للغاية من السياح يزور هذا المكان بغية اكتشاف متاهات هذه الأسواق المصرية. في هذا الإطار، ذكر بائع للعبة الطاولة، أن “عدد السياح كان أكثر في السابق. أما الآن، فقد فضلت بعض المحلات التجارية أن تغلق أبوابها نظرا لعدم وجود زبائن”.
في الواقع، لم تعد حتى عظمة أهرامات الجيزة كافية لجذب الأوروبيين الذين يبحثون عن الإثارة. من جانبه، صرح مرشد سياحي قائلا: “يزورنا بعض السياح الصينيين والسعوديين، ولكن هذا كل شيء”. أمام تمثال أبو الهول ذو الأنف المكسور، توقف بعض السياح مرتدين زيا بدويا لالتقاط صور له، فيما سارع البعض الآخر بأخذ صور تذكارية قبل أن يمتطوا ظهر الأحصنة والجمال التي استأجروها لبضع ساعات. وحول الموقع الذي يوجد فيه إحدى عجائب العالم السبعة، كان عدد من الأطفال يتسولون بعض الجنيهات من السياح السذج. أما مكاتب الشرطة السياحية فقد كانت خاوية.
في شأن ذي صلة، أوردت سائحة تبلغ من العمر 60 سنة، أنه “عندما زرت هذا الموقع خلال الثمانينيات، كنا مجبرين على الانتظار في الطابور حتى يتسنى لنا الولوج إلى الموقع حيث الأهرامات”. خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر من هذه السنة، عادت الحكومة لتسجل رقما قياسيا على مستوى عائدات السياحة مقارنة بسنة 2010. وعلى الرغم من ارتفاع عائدات السياحة بنسبة 170 بالمائة خلال الأشهر السبعة الأخيرة، إلا أن هذا الارتفاع يبقى متدنيا مقارنة بسنة 2011.
أحد المرشدين السياحيين يتفاوض مع السياح، قائلا: “لن أرضى بأقل من 100 جنيه“.
حي منشأة ناصر، مزبلة القاهرة
“هل أنزلكم هنا؟”، أفاد سائق سيارة الأجرة الذي لم يتعود على اصطحاب سياح إلى حي منشأة ناصر الواقع على مقربة من قلعة صلاح الدين. وعلى مشارف جبل المقطم، تنبثق روائح كريهة زادت حدتها تحت تأثير حرارة الطقس، في حين تكدست أطنان من القمامة أمام المساكن المتواضعة. وفي مدخل الحي، تعمل بعض الشاحنات على تفريغ أطنان من القمامة تم جلبها من العاصمة.
خلال يوم الخميس، على غرار باقي أيام الأسبوع، يشارك “الزبالون” في إعادة تدوير القمامة. ويشارك الأقباط، الذين يشكلون أغلبية سكان هذا الحي البالغ عددهم 60 ألف، في المشاريع الصغيرة لمعالجة القمامة، حيث تعد بالنسبة لبعضهم مصدر رزق. وعلى الرغم من أن نظام إعادة التدوير يعد قديما، إلا أنه فعال بالنسبة لمدينة مثل القاهرة. قضت الأخت “إيمانويل” جزءا من حياتها في هذا الحي أثناء عيشها في مصر خلال السبعينات. وقد ساهمت في تحسين معيشة السكان عن طريق استبدال الأكواخ القصديرية بمنازل صغيرة مبنية من الحجارة. كما قاتلت من أجل وصول المياه والكهرباء إلى الأحياء الفقيرة، علما وأن هذا النجاح أكسب الأخت “إيمانويل” شهرة محلية.
عاشت مونيا طوال حياتها في هذا الحي. في هذا المكان، وعلى بعد بضع خطوات من الجرافيتي الشهيرة للفنان “إل السيد” التي رسمها على نحو 50 مبنى، عاشت الشابة مونيا، التي تبلغ 23 سنة، والتي تعمل مرشدة سياحية، مع ابنتها وزوجها. وخلف الحي المتداعي، تتوارى العديد من الأديرة، على غرار “سانت سيمون”، الذي يعد جوهرة معمارية حقيقية، ويطلق عليه أيضا اسم “سمعان الخراز“.
مدينة المزبلة حيث يعيش جزء من أبناء الطائفة القبطية المسيحية في القاهرة.
القاهرة، دمية الرياض الجديدة؟
ما فتئت الأعمال بين السعودية ومصر تتنامى. وفي شهر حزيران/يونيو الماضي، تخلى السيسي عن جزيرتي “تيران وصنافير”، اللتين تقعان في مدخل خليج العقبة في البحر الأحمر، لفائدة المملكة العربية السعودية. وقد احتجت المعارضة المصرية عن قرار التخلي عن الجزيرتين. في الأثناء، تعد العلاقة بين المملكة ومصر جيدة للغاية. فقد أمطرت المملكة العربية السعودية نظيرتها مصر بالأموال في خضم حربها ضد الإخوان المسلمين. من جهته، علق موظف في شركة نفطية على ذلك قائلا: “عندما اقتنت مصر طائرات “الرافال” من فرنسا، كانت السعودية الجهة التي أمنت مبلغ الصفقة”.
يساهم السعوديون في النهوض بالاقتصاد المصري من خلال إنعاش القطاع السياحي. وفي هذا الصدد، أفاد معلم متخصص في اللغة الإنجليزية، مبتسما، الذي بدى مطلعا على هذه المسألة، أن “السعوديين يأتون إلى هنا للترويح عن أنفسهم، حيث ينتهزون فرصة وجودهم في مصر لمقابلة النساء والتمتع بكل ما هو ممنوع في بلادهم”. خلال هذه الصائفة، كشفت عملية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر عن العلاقات المميزة التي تربط بين القوتين السنيتين. وقد تم تعزيز هذه الصداقة بين البلدين بفضل الكراهية المتجذرة تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة إسلامية تأسست سنة 1928، ومقربة من قطر.
في الواقع، ترفض المملكة العربية السعودية فكرة أن ينافسها تيار سني آخر، الذي من الممكن أن يلقي بظلاله على النفوذ الوهابي. من جانبها، لا تتردد الصحافة الموالية للحكومة في إدانة النظام القطري على غرار، صحيفة “البوابة” التي أسست سنة 2000. وقد ورد في إحدى نشراتها مقال تحت عنوان، “الإخوان المسلمون والدوحة التي تحميهم”، حيث دعا أحد الصحفيين قطر إلى ضرورة قطع علاقاتها مع الإرهاب”. لكن ماذا عن السعودية؟
المصدر: موند أفريك