لقد مر العالم الإسلامي وخاصة الدول العربية بفترات عصيبة وما زالت مستمرة لم تنته بعد، ثم زادت تفاقمًا بدءًا من استبداد الأنظمة الحاكمة على الشعوب والتكالبات الغربية على البلدان في المنطقة، ومرورًا بتأجيج الحروب الأهلية الداخلية لتلك البلدان وانتهاءً بظهور أفكار تحمل رايات إسلامية في مواجهة الأفكار المعتدلة الوسطية، جميعها أنشئت لا لشيء إلا لغرض إيجاد منفذ أو ثغر للتدخلات الخارجية تارة والتشويش على الشعوب المسلمة وتشويه صورة الإسلام في نفوس البشرية تارة أخرى.
المعركة الوهمية
على الرغم من الاستفزازات والممارسات الإيرانية الطائفية في المنطقة، فإنني أرى أن الحرب بين السعودية وإيران في الوقت الحاليّ مستبعدة لعدة أسباب من أهمها:
أن السعودية غير جديرة وغير جادة لشنّ هذه الحرب المباشرة في الوقت الحاليّ، لأنها وبكل بساطة تواجه اضطربات داخلية بسبب الممارسات التعسفية من الشاب “الجامح” من ناحية، وغير متأكدة من جدية حلافائها في دخول حرب بالوكالة ضد إيران من جهة أخرى.
وظني أن كل ما تستطيع فعله المملكة الآن في مواجهة إيران وبكل وضوح، هو الشجب والاستنكار والإدانة ودفع الأموال للحلفاء مقابل الوقوف في صف المملكة ولو ظاهريًا، ومحاولة التضييق عليها في بعض الأمور، آملة من وراء ذلك كله عدم تقدم إيران في المنطقة أكثر من ذلك، لما قد يهدد وجودها ووجود الحليف الاستراتيجي الآن “إسرائيل”.
أصبحنا نرى الآن مشهدًا عبثيًا كنا لا نحب أبدًا أن نراه ولا نألفه، وهو أن تصبح إيران الطائفية المتصدرة دون غيرها، لمشهد محاربة “العدو الصهيوني”
فكل ما يحدث الآن مجرد قيادة وهمية للمعركة التي لم تحن بعد، وفي تقديري أن ما يجري وأقصى ما يوصف به، أنه يسير في موكب “الحرب الباردة”، ولعل عزم المملكة وبعض حلفائها على احتلال قطر عسكريًا إذا فشلت محاولات الانقلاب من الداخل لهو أكثر جدية من غيره.
التطبيع ثمرة التلميع
سيناريو تلميع إيران غير مستبعد، بقصد أو دون قصد، فبعد “خراب مالطة” وبعد أن أججت الصراعات واجتاحت مليشياتها تحت غطاء دولي الكثير من المناطق السنية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، تطل علينا بثوبها الملطخ بالدماء الآن، على أنها الوحيدة دون غيرها المدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني والداعمة للمقاومة الفلسطينية، بعودة شعاراتها الخادعة “الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل” وذلك بفضل الممارسات الغاشمة غير المسؤولة من المملكة وحلافائها من التطبيع مع الكيان الصهيوني وشنّ حرب على كل ما هو إسلامي في المنطقة.
لقد أصبحنا نرى الآن مشهدًا عبثيًا كنا لا نحب أبدًا أن نراه ولا نألفه، في أن تصبح إيران الطائفية المتصدرة دون غيرها لمشهد محاربة “العدو الصهيوني”، وهي أيضًا دون غيرها المعنية بإعلان انتهاء شبح ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية”، بعد دخول مليشياتها إلى منطقة “البوكمال” السورية، وظهور قاسم سليماني القائد الإيراني برفقة المليشيات داخل المدينة ومن ثم إعلان حسن روحاني في خطاب متلفز، نبأ انتهاء تنظيم الدولة، لإظهار بطولات المليشيات التي خلصت الأمة الإسلامية من وحشيتهم.
هذا يعني بالطبع أنه يريد أن يبعث برسالة “ما” مفادها “أننا وصلنا إلى هذه النقطة في المنطقة ومستمرون في التوغل والسيطرة أكثر فأكثر”.
اجتماع الجامعة العربية أجوف
لقد كان اجتماع الجامعة العربية الطارئ على مستوى وزراء الخارجية العرب أجوف، ولم يأت بشي غير مألوف غير النعرات والعنتريات البغيضة، بل كان من وجهة نظري عاديًا اعتياديًا يوصف بـ”المكلمة” فهو مجرد حديث ينتهي بانتهاء المجلس دون أثر ملموس بعده.
وما تطرق إليه هذا الاجتماع أو غيره من إدانة حزب الله وإدانة التوسع الإيراني في المنطقة ليست بجديدة، وليست هذه المعضلة، إنما المعضلة أن العرب رغم كل هذه الممارسات الطائفية لم يتفقوا على إدانة إيران! لا في اجتماع الجامعة العربية الطارئ ولا في مجلس الأمن كذلك.
يؤكد ذلك غياب “ستة” من وزراء الخارجية العرب ممثولون عن دولهم بما فيهم وزير الخارجية الإماراتي، عن هذا الاجتماع الطارئ، مما يؤكد عدم جديتهم في الإدانة وإنما تم الاجتماع لإرضاء الشاب “الجامح” وفقط لاستدراجه إلى مصير مجهول تفوح بوادر نهايته الآن.
السعودية وإيران كانتا وما زالتا رأسي حربة تلك النزاعات والحروب على مدار السنوات الماضية في المنطقة
حصار قطر عزز الاقتصاد الإيراني
عندما أقدمت دول الحصار (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) على الحصار الغاشم لإخضاع قطر لشروطهم المجحفة، كان لازمًا على تلك الدولة الصغير أن تجد لنفسها ولشعبها مخرجًا ومتنفسًا لتواجه به هذا الحصار، فعمدت إلى اللجوء مجبرة إلى إيران الجارة وتركيا الحليف، ووقعت مع البلدين اتفاقيات مختلفة كان آخرها اتفاق تعاون في مجال النقل تلتزم من خلاله إيران بسهولة النقل البحري والبري عبر أراضيها من وإلى تركيا.
وبلسان الشعوب، ليست ثمة مشكلة في تحالف قطر مع تركيا، لكن المشكلة تكمن في أن دول الحصار أرادوا لها أن تزيد من تعاملاتها مع إيران لغرض تسويق ذلك على حساب تشويه سمعة تلك الدولة الصغيرة، فبئس التفكير.
استبداد الأنظمة أساس التطرف
إن من أهم أسباب ظهور التطرف في المقام الأول، استبداد وتطرف الأنظمة الحاكمة ضد الشعوب، لقد عانت الأخيرة الكثير من استبداد الحكام، فكان لا بد من انفجار في وقت ما، تمثل فيما بعد بقيام ثورات أو بإنشاء جماعات مسلحة تحت رايات مختلفة، سواء الغرض منها كان مشروعًا أو غير مشروع، فكان الاختلاف بينهم في تلك الوسائل التي ستكبح هذا الاستبداد والتصدي له، حتى صار بعضهم يتصدى لهذا الاستبداد بالمثل بوسائل غير مدروسة أدت بعد ذلك إلى نشوب حرب أهلية ومواجهات عسكرية كان الخاسر منها في آخر المطاف تلك الشعوب المقهورة.
فالمملكة السعودية وإيران كانتا وما زالتا طرفا هذا الاستبداد ورأسا حربة تلك النزاعات والحروب على مدار السنوات الماضية في المنطقة.
لقد ألقيا بظلهما على الكثير من الدول لنشر أفكارهما، أملاً في الاستحواذ والسيطرة على عقول الشعوب تحت راية الإسلام، وساهما كذلك في القضاء على حرية تلك الشعوب الثائرة، وعملا على توسيع نفوذهما في تلك البلدان، فقط مكيدة في الآخر.
وإذا نظرنا إلى خريطة الصراع الدائر في المنطقة سواء في مصر أو اليمن أو سوريا أو العراق أو لبنان، نجد أن المملكة السعودية وإيران وبأسلوب فرض الوصاية على الدول الصغيرة بعد مباركات خارجية شرقية أو غربية، هما أساس تأجيج واستمرارية تلك الصراعات لتنشأ من خلالها رايات تدافع كل منها عن الحق الذي تراه من وجهة نظرها.
والسؤال: أما آن لهما أن تكفّا عن الطائفية لتقرر الشعوب مصيرها؟!