“لا يهم أين أنت، ستكون دائمًا وحدك ولو بقدر ضئيل، دائمًا دخيل”.
وداعًا تسوجومي – بنانا يوشيموتو
عشقت زهرة الموز الحمراء إلى الحد الذي جعلها تتخذها اسمًا لنفسها، إنها “بنانا يوشيموتو” أو كما تسميها الصحافة اليابانية “بنانامانيا”، تكتب “بنانا” بمنظورها الخاص الدافئ عن الجوهر البسيط للحياة، التفاصيل البسيطة للعالم، وهذا يختلف تمام الاختلاف عن كتابات الأجيال الماضية وقت أفول شمس الإمبراطورية اليابانية، وتسببها في أزمات وجودية بسبب غزو نمط الحياة الغربي الحياة اليابانية المنغلقة، فهي تتحدث عن “العزلة والموت والفقدان” ولكن بمنظور آخر عجيب.
حياتها
“في بعض الأحيان يضع الناس جدرانًا فاصلة هدفها ليس إبعاد الآخرين، وإنما معرفة من يهتم بما فيه الكفاية لكسرها”
بنانا يوشيموتو
ولدت في العاصمة اليابانية طوكيو سنة 1964، ودرست الفنون والآداب في جامعة “نايهون”، شغفت بقراءة المانجا منذ سنتها الرابعة، كما أنها عانت من ضعف الإبصار بعينها اليسرى منذ صغرها، لذلك قررت تقويتها عن طريق تغطية عينها السليمة ومحاولة القراءة بالعين المتضررة حتى عادت تلك العين إلى طبيعتها.
هي كاتبة وناقدة يابانية، كما أنها الابنة الثانية للشاعر والناقد والفيلسوف الكبير “تاكاكي يوشيموتو”، وأختها الكبرى هي “ساواكو يوشيموتو” كاتبة ورسامة وصانعة أفلام أنمي شهيرة أيضًا، بدأت بنانا الكتابة في سن الثامنة بكتابة قصة قصيرة تحت عنوان “الجسر الأحمر”، ودخلت عالم النشر في العشرينيات، كما أنها حصدت العديد من الجوائز داخل اليابان وخارجها.
نالت جائزة عن روايتها الأولى “خيالات ضوء القمر” عام 1689، وأُنتجت روايتها “مطبخ” مرتين كأعمال سينمائية، كما أنها طبعت أكثر من 60 مرة.
شكلت ظاهرة أدبية قوية في اليابان وإيطاليا وأمريكا، كما أن أعمالها تُرجمت إلى لغات عديدة، وبدأ القراء ينتظرون أعمالها الجديدة في كل مكان، وتابعت هي مشوارها كاسرة نمطية الكتابة اليابانية المعتمدة على بطولة الماضي أو التاريخ أو الفكرة، فأبطالها “أفراد” أولًا وأخيرًا، هي ليست متهمة بصراعات العالم، بل صراعات أبطالها الشخصية.
ما تُرجِمَ لها:
1- مطبخ – خيالات ضوء القمر
“بصرف النظر.. أريد الاستمرار في العيش مع الوعي بأني سوف أموت، دون ذلك أنا لست على قيد الحياة”.
مطبخ – بنانا يوشيموتو
ترجم الشاعر اللبناني بسام الحجار الرواية القصيرة “مطبخ”، إلى جوار رواية قصيرة أخرى لها وهي “خيالات ضوء القمر”، نشرتهما سلسلة الإبداعات الكويتية في كتاب واحد عام 2001.
فور صدور روايتها الأولى “مطبخ” حظيت بنجاح منقطع النظير، أعيد طبعها 60 مرة، كما اقتبستها السينما اليابانية لتصنع منها فيلمًا، ثم اقتبسها المنتج الصيني “يم هو” ليخرج منها فيلمه في “هونج كونج” عام 1997، وقد حظيت النسخة الصينية بشعبية أكثر من النسخة اليابانية.
فازت بنانا بجائزة “كاين” للكتاب المبتدئين في نوفمبر 1987، وكذلك جائزة “أوميستوبام” للرواية الأولى، وأيضًا جائزة “إيزومي كيوكا” الأدبية السادسة عشرة عام 1988.
اختارت بنانا كلمة “مطبخ” عنوانًا لروايتها الأولى، مجرد مطبخ، أي مطبخ، ليس مطبخًا معينًا، ليس لديه أي مميزات، يبدو لنا أن المطبخ والطبخ هما محور الرواية عند رؤية العنوان، لكن هذا ليس حقيقيًّا، إنهما أقرب إلى المكونات الرئيسية إذا اعتبرنا الرواية مجرد “وصفة”.
تحكي الرواية عن فتاة في بداية حياتها، قليلة الخبرة، وحيدة، فقدت عائلتها شيئًا فشيئًا، ليحل محل دفء الأسرة “دفء المطبخ”، فيصبح مكان النوم والحياة، أو بمعنى آخر المخبأ الدافئ الآمن.
تتعايش البطلة مع خيباتها وانكساراتها ومآسيها، تحاول استعادة توازنها وتخطي عزلتها باختيار المطبخ كي تعوض به ما فقدته، تأخذ منه الدفء كي تعطيه لآخرين عن طريق وجبات تعدها لأجلهم.
يوشيموتو تتحدث عن هزائم الإنسان وصراعه الداخلي و”الفقد”، إنها قضية كبيرة شغلتها في “مطبخ” وفقدان بطلة روايتها “مكياج” لعائلتها، وفقدان بطلة روايتها الثانية “خيالات ضوء القمر” حبيبها في حادثة سير.
تقدم لك بنانا صورة واضحة عن الموت والموتى، فهم لا يعودون، والماضي لا يسكن للأبد، تعرض كل هذا بطريقة مكثفة، تروي فيها مشاعر البشر الحقيقية والدائرة التي لا تنتهي “الفقد واستمرار الحياة”.
“على الحبيب أن يموت بعد عمرٍ طويل، لقد فقدت “هيتوشي” في سن العشرين، وعانيت من ذلك كثيرًا، شعرت كما لو أن حياتي قد توقفت، في الليلة التي مات فيها، ذهبت روحي إلى مكان آخر ولم أستطع إحضارها مرة أخرى، كان من المستحيل أن أرى العالم كما كان من قبل، عقلي انحسر ثم تدفق متقلبًا، ومرت الأيام قاسية، مظلمة كليل”.
خيالات ضوء القمر – بنانا يوشيموتو
2- وداعًا تسوجومي
“في كل مرة أتطلع إلى عينيه أرغب فقط في أن آخذ الآيس كريم، أو أيًّا كان الذي أمسكه في يدي وأفركه في وجهه، بهذا القدر أحبه
وداعًا تسوجومي – بنانا يوشيموتو
عام 2003 صدرت ترجمة روايتها الثالثة “تسوجومي” بالعربية، عن دار ميرت للنشر والتوزيع، ترجمها المترجم الرائع أحمد فتحي.
تعتبر “وداعًا تسوجومي” من أشهر روايات يوشيموتو بنانا التي أنتجت أيضًا كفيلم عام 1990، أخرجه المخرج المبهر “إيشيكاوا جن”.
لم تحظ رواية “تسوجومي” في عالمنا العربي بشعبية واسعة، ورُبما يعود هذا إلى قلة الدعاية أو جهل بالكاتبة الرائعة على العكس من زميلها هاروكي موراكامي وإن كانا ينتميان إلى الجيل ذاته، فموراكامي لديه آلاف المعجبين في الشرق الأوسط، ونشطت حركة ترجمة رواياته، أما بنانا فهي لم تنل فرصة حقيقية حتى الآن رغم روعة ما تكتبه وانتشاره عالميًا.
“تسوجومي” هي الشخصية التي تتمحور حولها رواية بنانا، شخصية مريضة ولديها علاقات عائلة معقدة، كما أن الموت يهددها كل لحظة، كل هذا خلق منها فتاة “بغيضة” إلى حدٍ ما، لا تهتم بآراء الآخرين أو بعواطفهم، إنها ترفض أن تكون ضعيفة أو مثيرة للشفقة، لكنك كقارئ ستشعر بكم الهشاشة الذي تملكه تسوجومي، وسوف تتمكن منك الرواية منذ الجملة الأولى، تجبرك على متابعة أحداثها، قصصها الغرائبية، آلامها، التمسك بالحياة، رهبة الموت أو الرهبة في أن تظل “هُنا” حتى بعد أن ترحل ولو عن طريق ذكرى.
وكعادة بنانا فإنها تسرد أشخاصًا، تسرد حياة، وهذا ما مكن هذه الرواية من التحول إلى السينما.
3- العظاءة
“أنا أكثر حماسة حول الناس الذين التقيتهم للتو، وأنا بالكاد أعرفهم عن أصدقائي القدامى”
العظاءة – بنانا يوشيموتو
إنها مجموعتها القصصية الوحيدة التي تُرجمت إلى العربية، صدرت عن الهيئة السورية للكتاب، وقد ترجمتها غادة جاويش، تحتوي المجموعة على ست قصص: المتزوج حديثًا، العظاءة، اللولب، أحلم بالكيمتشي (وهو الكرنب المخلل على الطريقة الكورية)، الدم والماء، حكاية غريبة عند منحدر النهر.
البطولة من جديد للمشاعر أو “الفقد” على وجه التحديد، عن القسوة والأحاسيس المنسية، إنها قصص عن الاختلافات البشرية، مواجهة الحياة وتحمل المحن والتغيرات التي تحدثها فينا الأيام.
الأُلفَة في كتابات يوشيموتو
يوجد قدر كبير من الألفة والراحة في أعمال يوشيموتو، فاللغة تجذبك، والأحداث الغرائبية لها طابع يختلف عن عوالم ماركيث أو حتى عوالم زميلها موراكامي، قد تختلف معي في هذا لكن القراءة ليوشيموتو بنانا أقرب لتجربة روحية، قد لا تفهمها في بادئ الأمر، لكنك – بكل تأكيد – تحتاجها.
أسلوب يوشيموتو في الكتابة يدور حول نضالات الشباب في الحياة، خصوصًا في سن المراهقة، أو القضايا الوجودية التي يواجهونها، والفجوات بين الخيال والواقع كما أنك سوف تجد الطعام والأحلام يسيطران على معظم كتاباتها.
تأثرت بنانا بقصص ستيفين كينج التي لا تنتمي إلى قصص الرعب، كذلك تأثرت بكتابات ترومان كابوتي وإساك سنجر، هل أثارت فضولك عاشقة الموز؟ بانتظار رأيك بكتاباتها.