يقول نيتشه: “كل الاهتزازات القوية التي تصيب الروح تثير رَجْع الانطباعات والحالات المشابهة، إنها تنبش الذاكرة تقريبًا، إنها تثير فينا بعض الذكريات، توقظ الشعور بالحالات المشابهة وبأصلها، هكذا تتشكل تداعيات فورية ومألوفة في الأحاسيس، ننتهي حين تتوالى بسرعة البرق، إلى أن نتصورها لا كمجموعات بل كوحدات”.
ظلت سيناء بالنسبة للنظام العسكري طيلة عقود أرضًا ملحقة بالجمهورية بلا راع يتعهدها، يستغل البقع الثرية منها والمناطق السياحية دون أن يلقي بالًا لسكان شبه الجزيرة العريقة الذين يعتبرهم أعراب البدو والخيام وهَمَلًا من سَقَط الناس على أطراف الجمهورية، ومع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بحكم الإخوان المسلمين عام 2013، أصبحت هذه الأرض تمثل عبئًا ثقيلًا على النظام، إرثًا تاريخيًا وجغرافيًا لا يعود بكثير من النفع على خزينة الحكومة العسكرية وأرصدة الجنرالات، خصوصًا بعد ضرب قطاع السياحة في مصر.
ومع الوقت استشعر النظام المصري أن هذه الأرض قد كلفته خسائر كبيرة في الأرواح والسلاح واستنزفت أموال المعونة الأمريكية، فتضاعف الحاجز النفسي بين النظام العسكري وأهل سيناء، ورويدًا رويدًا أخذ النظام يوسع دائرة العداء لتشمل حتى السكان المسالمين، فسويت قرى بكاملها بالأرض، ومورس الإرهاب والقمع على شبيبة العرب في الجزيرة، أُخذ الكل بجريرة البعض، ونفذ الجيش إعدامات خارج القانون، وتميزت غاراته الجوية بالعشوائية التي تصب حمم النار والغضب على البرآءُ من الناس دون تمييز بين المدنيين والمسلحين.
النظام لا يريد أن يبذل جهدًا في الاستقصاء والتتبع وعزل الأهداف وتصنيف البؤر وتحييد المدنيين، يختصر الطريق بتوجيه ضرباته الجوية المريحة إلى التجمعات السكنية التي قد تقضي على بعض العناصر الإرهابية الموجودة فيها، لكنها تقضي أيضًا على من فيها من النساء والأطفال والشيوخ، بدل أن يقوم بعمليات إنزال خاصة لفرق الكوماندوز القادرة على اصطياد الطريدة من بين فكي التمساح واستلالها كالشعرة من العجين، لكن ذلك يحتاج إلى إرادة وطنية تعتبر سكان سيناء من أبناء الوطن الذي يستحقون التضحية في سبيلهم بفرق خاصة عالية الكفاءة أثيرة على النظام.
في العريش أفادت شهادات متواترة لشهود عيان أن العملية الإرهابية لم تكن عملية خاطفة على عجل، بعضهم ذكر أن الهجوم دام قرابة ساعتين من الزمن، واتسع نطاقه إلى خارج المسجد والأحياء المجاورة رغم وجود سرية تابعة للجيش على مقربة من القرية
يتعامل النظام المصري مع المعارضين والطوائف التي تهدد كيانه بنوع من الثأرية والانتقام الشخصي، تنتفي حيادية الدولة وسيادة القانون، فيحكم الصراع منطق رد الفعل الذي يطبع عادة سلوك الفرد الجريح، ينحدر النظام إلى مستوى التنظيمات المافيوية وفتوات الحواري الغلاظ، تحدوه نفس العوامل النفسية والغرائزية التي تحدو أي بلطجي أو قاطع طريق، فتتحول عقيدة الجيش القتالية من مبدأ الدفاع عن حوزة الوطن وحِماه، إلى مفهوم الدفاع عن القبيلة العسكرية ومصلحة المارشال وحاشيته.
لا يتصور مثلًا أن يقوم الجيش الإسباني بإبادة موسمية متدرجة للشعب الباسكي، وقصف الإقليم بغارات عمياء تحرق الأخضر واليابس، لكون أعضاء في المنظمة الانفصالية الإرهابية إيتا ETAاغتالت المئات من المسؤولين الحكوميين والأمنيين والمدنيين في قشتالة وليون وغيرهما منذ مطلع الستينيات، أو لأن بعض الباسكيين القوميين يبدون ميولًا انفصالية، بل قاومت حكومة مدريد تلك الميول بتمتيع الباسكيين بقسمة عادلة ومرضية من الدخل القومي العام وحكم ذاتي موسع أدى إلى إضعاف الميول الانفصالية لدى سكان الإقليم، وبالتالي إضعاف موقف إيتا أمام حاضنتها الشعبية (سلمت المنظمة جميع ما في حوزتها من أسلحة للدولة الإسبانية وتخلت عن الكفاح المسلح وأعلنت نفسها منظمة سلمية في أبريل الماضي).
لكن في الجزائر مثلًا تورط الجيش في مجازر مشابهة للعريش المصرية فيما عرف بالعشرية السوداء، كانت موجهة لتبكيت المدنيين الذين عارضوا انقلاب الجيش على انتخابات ديمقراطية جاءت بجبهة الإنقاذ إلى السلطة، وامتنع الجيش عن التدخل للدفاع عن قرى بعينها تعرضت لمذابح مروعة في أثناء حملات الجماعة الإسلامية المقاتلة، رغم قرب ثكنات الجيش من مسارح الجرائم في مناسبات متعددة بأقل من كيلومتر واحد، تحضر هنا ذكرى قرية ابن طلحة التي ثبت تورط عناصر من الجيش في المشاركة فيها وبِلِحى مصطنعة.
النظام المصري هدفه الأول أن يستمر في حكم مصر ويؤمن وضعًا مريحًا يخلصه من “طفيليات” الثورة التي تهدد بإعادتها جذعة في أي لحظة
في العريش أفادت شهادات متواترة لشهود عيان أن العملية الإرهابية لم تكن عملية خاطفة على عجل، بعضهم ذكر أن الهجوم دام قرابة ساعتين من الزمن، واتسع نطاقه إلى خارج المسجد والأحياء المجاورة رغم وجود سرية تابعة للجيش على مقربة من القرية، بل إن الإرهابيين حسب شهادات أوردتها صحيفة واشنطن بوست كانوا في حال من التؤدة والتركيز والثبات، جعلهم بعد تفجير الجامع وقتل من بداخله والفارين منه، يمروا على الجثث المتراكمة متأملين في القتلى الذين من بينهم 27 طفلًا فيطلقوا رصاص “الرحمة” على من لا يزال في صدره نَفَس يتردد.
في مقال للغارديان أثار حفيظة الإعلام المصري المُدجّن، أشار إلى أن الجيش المصري قام بتعقب سريع للعناصر الإرهابية مباشرة بعد خطاب السيسي، ضربات جوية تظهر قصف المركبات التي استخدمها الإرهابيون في الحادث، وتتساءل الجريدة إذا كان بإمكان الجيش توجيه ضربات بهذه السرعة بعد الحادث بساعات، مما يدل على أنه كان على علم بأماكن تجمعهم، فلماذا لم يقم بذلك إلا بعد الحادثة المفجعة؟
الكاتب المخضرم روبرت فيسك أبدى اندهاشه أيضًا من طبيعة الحادث وملابساته الغامضة، وتساءل في مقال نشرته الإندبندنت كيف تمكن القتلة من خلال التفجير وإطلاق النار أن يقتلوا هذا العدد الهائل من المدنيين الذين يعتبر كثير منهم مواليًا للنظام؟ هل يحمل هذا دلالة تواطؤ من داخل الجيش؟
ويضيف بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي أرسل قبل عامين رجاله الأمنيين إلى سوريا لمناقشة الحكومة السورية بشأن الكيفية التي تعاملت بها مع المعارضين، متسائلًا من يدري متى سوف تُدْعَى السلطات السورية لإرسال ضباطها لإسداء النصيحة للمصريين، في إشارة منه إلى أن القوة الغاشمة والقصف الأعمى الذي يخلط الحابل بالنابل قد يفضي إلى ثورة شاملة في عموم سيناء على غرار ما حصل في سوريا.
بقاء هذه الدوغما وصيانة أيدولوجيا الإرهاب من أي خدش أو تجريم مبدأ استراتيجي من مبادئ الاستبداد
كما أن النظام المصري سيجد بعد هذه العمليات سهولة غير مسبوقة في استجلاب الدعم العسكري من الغرب، ولا شك أن صفقة الأسلحة الفرنسية التي أبرمها السيسي في باريس في أوائل هذا الشهر سوف تتكرر وتتوسع، ومن شأن هذا الدعم الغربي أن يغري ديكتاتور مصر القوي بجرأة أكثر على قمع المعارضين والتنكيل بهم في خضم هيستيريا الإرهاب الأحمر.
ليس الأمر بالتعقيد الذي قد يبدو عليه للوهلة الأولى، لكن تشابك المصالح وتعدد الفاعلين وتداخل الروايات الرسمية وتناقضها، ومنع الإعلاميين والأجانب منهم بالخصوص من تغطية الأحداث في سيناء بعد إعلان حالة الطوارئ عام 2014، قد أرخى على المشهد أستارًا مضللة تحجب رؤية الواقع بألوانه الطبيعية وأشكاله المتناغمة.
فالنظام المصري هدفه الأول أن يستمر في حكم مصر ويؤمن وضعًا مريحًا يخلصه من “طفيليات” الثورة التي تهدد بإعادتها جذعة في أي لحظة، العصابات والدوائر التي تحكم قبضتها على الجيش المصري وتحتكر معظم النشاط الاقتصادي والاجتماعي والمعنوي للقوات المسلحة، دهاقنة الجنرالات وأبناؤهم أرباب الشركات والمصانع وإمبراطوريات الإعلام، أنشطتهم المشبوهة في المتاجرة بالسلاح والتهريب، هؤلاء لا يمكن أن يسمحوا بتشكل بيئة سياسية واجتماعية من شأنها أن تنتج حالة ثورية ومدنية تعيد المشهد الثوري والحقوقي والنضالي الذي تمخضت عنه ثورة 25يناير، هي بالنسبة لهم حرب وجودية، وما داموا قادرين على إسكات خصومهم فلن ينتهوا حتى يخرسوا جميع الأصوات التي تطالها آلة القمع.
في الجزائر أثبتت سياسة إخراج بَعابِع الإرهاب الضارية من قمقمها وإطلاقها على المدنيين، نجاعة في إخماد لوعة شعب كريم ثائر بفطرته لمدة تزيد على عشرين عامًا، بل جعلته يقبل بحكم رجل مقعد نصف ميت يعلمون جميعًا أنه لا يملك من أمره شيئًا، الحكم بالرعب، الإرعاب وهو فوق الإرهاب وأخسُّ منه، تلك التفاصيل البالغة في السادية والإيلام، أعمال تنخلع لها قلوب المواطنين حتى يصبحوا وأسمى ما يطمحون إليه أن يأمنوا على أرواحهم وأرواح ذويهم ويرضون بالجوع والعراء والمرض كأخف الضرر، كالذي يختبئ من المطر تحت الميزاب.
المقاربة الأمنية المصرية لملف الإرهاب التي تقوم على القوة الغاشمة والقبضة الحديدية تضاعف أعداد المنضمين إلى العمل الجهادي
النصر بالرعب هي أيضًا من جهة أخرى سياسة الجماعات الإرهابية التي بات يربطها ببعض القوى العسكرية في الشرق الأوسط رباط مقدس قائم على المصالح المشتركة رغم العداء الظاهر، فكلاهما يعمل لصالح الآخر ويضمن بقائه، النظام المصري رغم كل ما حدث ويحدث يرفض إدانة التراث الفكري والأدبي الذي يتغذى عليه الإرهابيون، فوكيل الأزهر رغم البشاعات المنقطعة النظير للأعمال الحمراء التي يتفنن الإرهابيون في رسمها برذاذ الدم، يرفض تكفير هؤلاء السفاحين حتى من باب التكفير الإنساني.
بقاء هذه الدوغما وصيانة أيدولوجيا الإرهاب من أي خدش أو تجريم مبدأ استراتيجي من مبادئ الاستبداد، استمرار عمليات الإرهاب يضمن دعمًا شعبيًا اضطراريًا للسلطة الفاشية، يبقي على حالة اللاحرب واللاسلم التي تضفي على النظام العسكري شرعية الوجود بداعي الحماية ومحاربة الإرهاب.
قد يعترضك بلطجي فتستغيث ببلطجي أعتى منه، ينجدك الأخير من قبضة الأول، لكنه لا يلبث يتخذك خادمًا، يحتل أملاكك يشاركك في أهلك ويأكل من عرقك، وإذا اعترضت بطش بك وهدد بتسليمك للبلطجي الأول.
فبعد اتفاقية السلام مع “إسرائيل” أصبح الحكم العسكري – في دولة مثل مصر لها تقاليد مدنية عريقة في الحكم وعرفت حياة سياسية مبكرة بين شعوب الشرق الأوسط – يسبب حرجًا بالغًا لجنرالات الجيش المتهمين بالاستبداد والديكتاتورية، الجيش في حاجة إلى حروب صغيرة في متناوله، وصراعات عصاباتية ودماء تروي شرعيته في الحكم، والتنظيمات الإرهابية تقدم له البضاعة اللازمة وبالأسلوب الذي يطلبه، ومن ناحية أخرى رفض إدانة الأفكار المتطرفة وتنقيح كتب التراث من الأثر الوهابي التكفيري يستمر في مد الإرهاب بعناصر جديدة وإغنائه بالموارد البشرية.
ينشأ من عقيدة الصدمة وأعمال الرعب الوحشية إحباط تام في الضمير الجمعي، تخبو جذوة الإرادات الشخصية، وتضمحل روح المبادرة الوطنية، ويستقر قبولٌ نفسي أو استعادة في اللاوعي الشعبي لفكرة الدولة التي تحكم الدولة
المقاربة الأمنية المصرية لملف الإرهاب التي تقوم على القوة الغاشمة والقبضة الحديدية تضاعف أعداد المنضمين إلى العمل الجهادي، وهو مبدأ لم يكف الغربيون عن انتقاده والتحذير من عواقبه العكسية، تصف صحيفة واشنطن بوست هذه السياسة باللامعنى وغير المنتجة، وتضيف بأن حكومة السيسي حاولت الترويج إلى أن هجوم مسجد الروضة الذي أزهق فيه الإرهابيون305 من الأرواح دليل على الضعف والاضمحلال الذي تتخبط فيه الجماعات الجهادية التي لجأت إلى هدف لين وسهل عوضًا عن مهاجمة القوات الأمنية، لكن الصحيفة تعقب على هذا التعليل بأن الجيش المصري خاض مواجهات دموية شديدة مع المسلحين خاصة بعد تولي السيسي الحكم عقب انقلاب 2013، ومع ذلك فإن حملات وإرهاب الجماعات لم تتراجع قيد أنملة.
وتنقل صحيفة نيويورك تايمز عن محمد صبري الذي ألف كتابًا عن سيناء، أن العسكر لم يبالوا قط بأرواح المدنيين، الاستعمال المفرط والغاشم للقوة أفضى إلى إبادة أسر بأكملها، ورأينا ضربات جوية فجرت الأهالي داخل بيوتهم، وقرى محيت من وجه الأرض، هذا ينبئنا بشيء عن نظرتهم إلى المجتمع السيناوي، يضيف محمد.
ستظل هذه العمليات في ازدياد أو في انحسار، بين مد وجزر، إلى أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل سقوط مبارك، حيث يرتفع الرئيس إلى مرتبة الملك الذي لا يتزحزح عن عرشه، ففي الدول الملكية الأصيلة يتوارث الحكم أبناء الملك أو أخوته أو شخص ينتمي إلى السلالة الملكية، في الملكيات الهجينة يتوارث الحكم أبناء المؤسسة العسكرية، يمدد للرئيس في الحكم تمديدًا على الدوام، تقام أعراس انتخابات صورية، لا يُقبل أن يقوم له منافس في الانتخابات إلا إذا كانت تلك المنافسة ستعزز موقفه وتضفي نوعًا من الشرعية على العملية الانتخابية، ويبقي النظام على حالة الطوارئ التي أضحت أسلوب حكم اعتيادي في مصر العسكرية.
عقيدة الصدمة أو النصر بالرعب تعيد تشكيل موقف المواطن من الحكم، تخضعه إخضاعًا إلى إرادة السلطة القائمة، تنحدر بتطلعاته إلى سفح المطالب الضرورية والخُبْزيّة، وتضيق دائرة المعارضة وأعمال المجتمع المدني لتنحصر في توجيه النقد البارد إلى الطبقات الدنيا لدوائر الحكم، مثل مجلس النواب وأعضاء الحكومة من المدنيين الصوريين، وفي مجالات ثانوية غالبًا ما يثيرها الإعلام الرسمي ويبرزها.
لم يعد أمام جنرالات الجيش أي خيار غير إرهاب الشعب ومساومته على أمنه بوسائل غير شريفة، بعد أن استهلكوا تمامًا رصيد الجيل الوطني الذي حرر الأرض المصرية في حرب 73
ينشأ من عقيدة الصدمة وأعمال الرعب الوحشية، إحباط تام في الضمير الجمعي، تخبو جذوة الإرادات الشخصية وتضمحل روح المبادرة الوطنية، ويستقر قبول نفسي أو استعادة في اللاوعي الشعبي لفكرة الدولة التي تحكم الدولة، الحكم العضوض الجبري الذي تفرضه طبيعة السلطة، يتم التطبيع مع صفقة الابتزاز الضمني، الأمن والسلم الاجتماعي مقابل الرضوخ التام للاستبداد والحكم العسكري.
فالنظام بمقتضيات هذه الصفقة غير العادية سوف يحمي الشعب من همجية الإرهاب وأعمال التقتيل، في المقابل على الشعب أن يكف تمامًا عن مطالبه الثورية في حكم مدني ديموقراطي وحياة حزبية وسياسية حقيقية، هذه طبيعة الصفقة التي يتم إبرامها اليوم مع الشعب، وعلى الشعب أن يستوعب هذه الرسالة بأي وسيلة كانت، وإذا استوعبها يبقى عليه ألا يدعم من يحاول نقض هذا الميثاق من التيارات المعارضة، عقيدة الصدمة تجعل الشعب يزدري نفسه ويزدري من يعارض من يزدريه، وينفر من حقوقه الأساسية، يتنكر لها ويكبتها بين عطفيه.
اليوم لم يعد أمام جنرالات الجيش أي خيار غير إرهاب الشعب ومساومته على أمنه بوسائل غير شريفة، بعد أن استهلكوا تمامًا رصيد الجيل الوطني الذي حرر الأرض المصرية في حرب 73، وأصبحوا يدركون أن أي حراك شعبي قادم سوف يتجه مباشرة ودون مواربة إلى المؤسسة العسكرية التي كانت مقاومتها للتغيير والانتقال الديموقراطي سببًا في كل الأحداث الدموية والفوضى المتعمدة التي أعقبت ثورة 25 يناير، ليس الإخوان ليس شباب الثورة ليس الفلول ليس رجال الأعمال، بل هم وحدهم لا غيرهم أصحاب القبعات الكاكية والياقات البنية والبيادات السود.