وسط موريتانيا، على بعد قرابة 500 كيلومتر شمال شرق العاصمة نواكشوط، تقع واحة الحسينية التابعة لمحافظة تكانت، تلك المحافظة العريقة بتاريخها ونضالها ضد الاستعمار وبعلمائها الأجلاء الذين سارت بذكرهم ركبان مكة.
واحة وعلى صغرها سكنت القلوب قبل العقول، لروعة المكان الذي جاءت فيه وتغلبها على التضاريس الوعرة والطبيعة القاسية، خلدها شعراؤها الذين سافرت قصائدهم في كل أرجاء البلاد وخارجها، حتى غدت على لسان الصغير والكبير في هذا البلد العربي.
متربعة بين ظاهرة جبلية
واحة رائعة وعين جارية، هي الحسينية المتربعة بين ظاهرة جبلية، ذات الطبيعة الآسرة وقصة الإنسان المبدع الذي لا بد له من بصمة يتركها في الحياة، قصة العلماء والشعراء والفنانين والرواة، قصة واحات النخيل، وأساطير الفروسية، وجغرافيا خلابة تتنوع بين الجبال والواحات والبطاح وكثبان الرمال.
نخلها بين فكي جبلين
بين جبلين متدحرجين، وفي فتحة جبلية يصطفّ نخيل باسق على مسافة ميلين، مشكّلاً لوحة فنية تسر الناظرين، وعلى مر الزمن شكلت واحة الحسينية سوارًا ساحرًا وحصنَا آمنًا لأهلها وكل من قصدها، فهي ثمرة الطبيعة الجميلة وعبقرية الإنسان المبدع، ومن على ثراها كتبت فصول لا تمحى من تاريخ الشناقطة قديمًا وحديثًا.
في تلك المنطقة، الواحة ليست مجرد مورد اقتصادي أو جزءًا من تلوينات الخريطة الطبيعية أو مجرد مساحات خضراء تضفي بعدًا جماليًا على الجهة وتمنحها منظرًا أخاذًا بديعًا، بل هي الحياة في حدّ ذاتها ودونها لا يحلو العيش لسكان “الحسينية”.
ينبوع ماء يتفجر من تحت صخرة
وما يزيد من جمال الواحة، ينبوع الماء الذي يتفجّر من تحت صخرة الذي يروي ما يقع على طريقه من نخيل الواحة بطرق ري تقليدية تعتمد حفر أخاديد ضيقة توصل الماء إلى كل حديقة، كما يروي المواشي والسكان أنفسهم.
ينبوع يسقي البشر والدواب والأرض
لهذا الينبوع استخدامات طبية أيضًا، فيشفي من أمراض منها “التليف الكبدي”، فهو حسب أهالي الحسينية، عين مباركة يأتي إليها الناس من كل النواحي خصوصًا مرضى الكبد ويشفي من يشرب منه من كل الأمراض، حسب قولهم.
ومن عجائب هذا الينبوع أيضًا أنه في الشتاء يكون دافئًا فيما يكون في الصيف باردًا، ويفسر بعض الأهالي ذلك بكونه يجري في فتحة بين جبلين يمر بينهما تيار هوائي، كما تغطيه ظلال النخيل.
للأسطورة مكان أيضًا
إلى جانب التمتع بمائها العذب الرقراق وواحتها الخلابة الرائعة، للزائر أيضًا فرصة التمتع بالخيال الصحراوي الواسع لأهالي المنطقة الذي يترجم نقوشًا على الصخر في شكل لا يعكس حقيقة تاريخية، لكنه يمثل في بساطته تعلقًا بقيم ومبادئ وأشخاص.
هناك، تجد أن بعض النقوش في الصخر، في المخيلة الشعبية دليل على أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصل إلى واحة الحسينية في إحدى غزواته، ويبرهن الأهالي ذلك بنقش على الصخر يشبه جلد الخروف تحفه نقوش تشبه حوافر الخيل (خيل الرسول وأصحابه).
آثار أصبحت ذات معنى أسطوري
غير بعيد عن أثر الرسول، يوجد حز في الصخر يقول الأهالي إن عليًا بن أبي طالب وضعه بسيفه في إشارة ذات معنى خاص وضعت للجيش، وبجانبها حزّ في صخرة أخرى يقول الأهالي إنها آثار سيف علي رضي الله عنه، الذي ضرب به الصخرة فانفجرت ماء، وتقول الأسطورة “جيش النبي أوشك على الهلاك عطشًا فأمر الرسول عليًا أن يضرب بسيفه الصخر فانفجر الماء زلالًا إلى اليوم”.
موسم “الكيطنة”
يعتبر موسم “الكيطنة” ذروة سعادة أهالي الحسينية، حيث تستقبل واحتها وينبوعها المائي ونقوشها الصخرية، أعدادًا كبيرة من السياح والزوار الراغبين في الاستفادة من إيجابيات موسم جني التمور والاستشفاء من بعض الأمراض والهروب من ضغوط المدينة.
بيع التمر في الواحة
ويعتبر موسم “الكيطنة” من أكثر المواسم نشاطًا اقتصاديًا، فعلى هامشه تزدهر الحركة التجارية وتنشط الأسواق المحلية بفعل وجود أعداد كبيرة من المواطنين القادمين من جهات عديدة من موريتانيا ودول المهجر، وتستقبل الحسينية خلال هذا الموسم أعدادًا كبيرة من المواطنين والسياح الراغبين في الاستفادة من واحات وينبوع المنطقة.