كشف مسؤول سعودي اليوم الأربعاء 29 من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 عن أنباء بشأن الإفراج عن الأمير متعب بن عبد الله رئيس الحرس الوطني المقال، بعد الوصول إلى “اتفاق تسوية” يرضي جميع الأطراف بشأن دفع جزء من ثروته نظير حريته، وذلك بحسب “رويترز“.
وأضاف المسؤول الذي يعمل عضوًا في الحملة المشكلة ضد الفساد، أن الإفراج عن متعب جاء في الساعات الأولى من فجر اليوم، بعد سلسلة من المفاوضات والتفاهمات بشأن إقراره بتهم الفساد المنسوبة إليه والاتفاق على المبلغ المطلوب دفعه لإنهاء فترة احتجازه التي تجاوزت 3 أسابيع، غير أنه “لم يتم الكشف عن مبلغ التسوية ولكن من المعتقد أنه يعادل أكثر من مليار دولار أمريكي” بحسب قوله.
رئيس الحرس الوطني المقال وإن كان أول المفرج عنهم في إطار سياسة التسويات التي يتبعها ولي العهد محمد بن سلمان مع ما يقرب من 200 من الموقوفين ما بين أمراء ورجال أعمال وشخصيات عامة، إلا أنه لن يكون الأخير، فبحسب ما نقلته الوكالة الإنجليزية عن المصدر المسؤول في لجنة مكافحة الفساد السعودية فإن هناك ثلاثة أشخاص آخرين من الموقوفين أنهوا اتفاقات تسوية مع السلطات السعودية، وجارٍ الإفراج عنهم قريبًا، دون تفاصيل عن كنيتهم أو هويتهم.
بعد ما يقرب من 24 يومًا على ليلة السكاكين الطويلة، تلك الليلة التي قاد فيها محمد بن سلمان أكبر مذبحة في تاريخ المملكة الحديث، ضد حزمة من الأمراء والمسؤولين بزعم مكافحة الفساد، ها هو العد التنازلي لإنهاء هذه الجولة الحاسمة في طريق ولي العهد الشاب نحو تحقيق حلمه قد بدأ بالإفراج عن نجل ملك السعودية الراحل، ليبقى السؤال: هل حققت حملة الرابع من نوفمبر أهدافها؟
لماذا متعب؟
رغم أنه لم يصدر رسميًا حتى كتابة هذه السطور أي تأكيد من السلطات السعودية على خبر الإفراج عن متعب، غير أن المصادر أكدت ذلك بصورة كبيرة، وهو ما ترجحه تغريدة الأميرة نوف بنت عبد الله بن محمد بن سعود، عبر حسابها على موقع تويتر التي كتبت فيها: “الحمد والفضل والمنة لله رب العالمين، دمت لنا سالمًا يا أبو عبد الله”.
اختيار الأمير متعب ليكون أول المفرج عنهم كان محل تساؤل من البعض، خاصة أنه أبرز العقبات التي كان من الممكن أن تحول بين محمد بن سلمان وحلمه في اعتلاء كرسي العرش، لما له من نفوذ ومكانة داخل الأسرة المالكة إضافة إلى أنه كان أحد المرشحين لخلافه والده، غير أن البعض ذهب إلى الربط بين قرار الإفراج ومنح فرنسا اللجوء السياسي لشقيقه الأمير عبد العزيز بن عبد الله.
https://twitter.com/Ksanouf/status/935489408459001856
فمع بداية حملة الاعتقالات الأخيرة طلب عبد العزيز من محمد بن سلمان إذنًا خاصًا بالسفر إلى فرنسا بقصد العلاج، وقالت المصادر إن الأمير عبد العزيز قرر المكوث في فرنسا والتقدم بطلب لجوء، والحكومة الفرنسية وافقت على ذلك.
موافقة فرنسا على منح شقيق متعب حق اللجوء السياسي وضع ولي العهد – بحسب البعض – في موقف حرج، خشية ما يمكن أن يفصح عنه الأمير الذي كان يشغل منصب نائب سابق لوزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، من معلومات أو أخبار ربما تحمل طابعًا حساسًا ضد ابن سلمان، ومن ثم كان اختيار متعب ليكون أول حبات العقد المنفرطة.
الإفراج عن متعب جاء في الساعات الأولى من فجر اليوم، بعد سلسلة من المفاوضات والتفاهمات بشأن إقراره بتهم الفساد المنسوبة إليه والاتفاق على المبلغ المطلوب دفعه لإنهاء فترة احتجاز
هذا بخلاف ما يثار بشأن محاولة ابن سلمان تهدئة النار المشتعلة تحت الرماد داخل الأسرة المالكة بسبب اعتقال نجل الملك الراحل، في ظل ما يعانيه – وفق تقارير سابقة – من ظروف صحية غير مستقرة، قد يترتب عليها أي مضاعفات تضع ولي العهد في ورطة، خاصة بعدما حقق أهدافه من وراء هذه الخطوة كما سيرد ذكر ذلك لاحقًا.
وتشير التوقعات إلى أنه سيتم الإفراج عن بقية الموقوفين على ذمة قضايا فساد داخل فندق “ريتز كارلتون” محل احتجاز الأمراء والوزراء وكبار الشخصيات ورجال الأعمال، قبل بداية 2018، حسبما نقلت “القدس العربي” عن مصادر إعلامية سعودية.
فرنسا تمنح حق اللجوء للأمير عبد العزيز بن عبد الله
أربعة أهداف
منذ تدشين حملة الاعتقالات التي قادها محمد بن سلمان في إطار حزمة القرارات والأوامر الملكية الصادرة ليلة السبت الـ4 من نوفمبر ذهب معظم المراقبين إلى أربعة أهداف رئيسية تقف وراء هذه المغامرة التي وصفها البعض بأنها “سلاح ذو حدين” غير أن تداعياتها المترتبة على رد الفعل – السلبي في ظاهره – من الأسرة المالكة دفعها إلى الحد الذي يتوافق وأهواء ولي العهد الحالم بخلافة والده على العرش.
تمثل الهدف الأول في إخلاء الساحة السياسية تمامًا من المعارضين لنجل سلمان، سواء داخل الأسرة المالكة أو خارجها من المقربين من النخبة ورجال الأعمال المؤثرين في المشهد السعودي الداخلي، وعلى رأسهم الأمير متعب الذي يعد العقبة الأخيرة في طريق تنصيب ابن سلمان ملكًا، بعد عزله لولي العهد ابن نايف من منصبه وإعفائه من وزارة الداخلية أيضًا.
بينما ذهب الهدف الثاني إلى نزع سلاح المال والثروة من أيدي بعض الأمراء والشخصيات العامة خوفًا من استخدامه كورقة ضغط ضد ولي العهد مستقبلاً، وعلى رأسهم الأمير الوليد بن طلال والأمير تركي بن ناصر، خاصة أن بعضًا منهم لديه اعتراضات على وضع مقدرات المملكة كافة في يد نجل سلمان.
تسير الأمور – وفق الظاهر – نحو ما يريد ولي العهد وما كان يخطط له منذ البداية، فقد استطاع أن يقلم أظافر الفريق المناوئ له – سياسيًا واقتصاديًا –
أما ثالث الأهداف فكان العزف على وتر الشعبوية، من خلال مغازلة السعوديين بمحاربة الفساد ومواجهة المفسدين، وحماية ثروات الدولة من الهدر حتى إن كان الضحايا من أبناء العمومة والأشقاء من الأسرة المالكة، ومن الواضح أن هذا الوتر ربما يكون الأكثر استخدامًا من محمد بن سلمان منذ تسليط الأضواء عليه عقب تولي والده.
وتختتم أهداف حملة الاعتقالات بالاستيلاء على أكبر قدر من الثروات ورؤوس الأموال خاصة في ظل الأزمة التي تعاني منها المملكة في الآونة الأخيرة نتيجة عدد من الأسباب على رأسها تراجع أسعار النفط وعقد بعض الصفقات المليارية التي أجهضت ميزانية المملكة لتصيبها بالتآكل عامًا بعد الآخر، فكان السعي لتوفير سيولة مالية لتمويل المشروعات المروج لها إعلاميًا والتي يعتمد عليها ولي العهد في تقديم أوراق اعتماده للسعوديين والعالم.
أزمة تواجه ابن سلمان بسبب تمويل المشروعات التي أعلنها
ماذا تحقق منها؟
تداعيات الـ4 من نوفمبر تشير إلى أن الجزء الأكبر من هذه الأهداف قد تحقق بصورة ما، فخطوة التوقيف في حد ذاتها حتى إن كان محل الاحتجاز فندق خمس نجوم، إلا أنها رسالة إنذار شديدة اللهجة، حملت تهديدًا واضحًا في دلالتها للفريق الداعم للأمير متعب ومحمد بن نايف، وتجسد التفاهمات الدائرة بين الطرفين الآن (السلطات السعودية والمعتقلين)، استجابة الأخير لإملاءات الأول، مما يشي أن الدرس قد تم استيعابه جيدًا فيما يتعلق بالوقوف في طريق ولي العهد واعتراض حلمه السياسي.
التفاهمات تشير أيضًا إلى أن الاستيلاء على أكبر قدر من رؤوس الأموال كان هدفًا محوريًا كذلك، وهو ما أشارت إليه “رويترز” نقلاً عن مصادرها، وأكدته في السابق “بي بي سي” خلال تقريرها المسرب من داخل “ريتز كارلتون” نقلاً عن مسؤول رسمي سعودي حين سئل عن صحة التقارير التي تشير إلى أن إجمالي ما جمع من أموال المعتقلين حتى الآن بلغ قرابة 800 مليار دولار، فأجاب: “حتى لو حصلنا فقط على 100 مليار دولار فهذا جيد”.
تشير التوقعات إلى أنه سيتم الإفراج عن بقية الموقوفين على ذمة قضايا فساد داخل فندق “ريتز كارلتون” محل احتجاز الأمراء والوزراء وكبار الشخصيات ورجال الأعمال، قبل بداية 2018
هذا بخلاف الحملة الإعلامية التي صاحبت سلسلة الاعتقالات منذ بدايتها التي صدرت محمد بن سلمان المدافع عن أموال السعوديين وحامل لواء مكافحة الفساد والمفسدين، وهي الحملة التي رفعت أسهم الأمير الشاب لدى قطاع كبير من المجتمع السعودي حتى إن جاءت بنتائج أقل تأثيرًا على المستوى الدولي.
تسير الأمور – وفق الظاهر – نحو ما يريد ولي العهد وما كان يخطط له منذ البداية، فقد استطاع أن يقلم أظافر الفريق المناوئ له – سياسيًا واقتصاديًا – إما باعتقال من بالداخل أو ترهيب من بالخارج، فضلاً عن وضع يده على إحدى أبرز أوراق الضغط المؤثرة التي تمكنه من وضع السيف فوق رقاب كل من تسول له نفسه أن يغرد خارج السرب ممثلة في لجنة مكافحة الفساد التي تم تشكيلها في إطار الأوامر الملكية الصادرة مساء 4 نوفمبر التي بمقتضاها تم توقيف رواد الـ”ريتز كارلتون”، وهنا لم يبق أمام محمد بن سلمان سوى خطوة واحدة نحو اعتلاء العرش.
الاتفاق الجاري إلى الآن بشأن تنازل الملك، يقضي باحتفاظه بلقب خادم الحرمين بعد تنازله، وفي هذا الأمر بُعدين:
١.بقاء الملك ورمزيته سنداً لإبن سلمان (تحسبا لأي تهديد)
٢.تخلص بن سلمان من التركات والأثقال الدينية.
(موعد التنازل لم يحسم إلى الآن وقد يكون في أي لحظة وقد يتغير كل ما ذكر)— العهد الجديد (@Ahdjadid) November 28, 2017
حساب “العهد الجديد” المعارض على “تويتر” كشف النقاب عن سيناريو يراه قريبًا، يشير إلى تنازل الملك سلمان عن الملك لولي عهده، وفق بعض الترتيبات هي: “الاتفاق الجاري إلى الآن بشأن تنازل الملك، يقضي باحتفاظه بلقب خادم الحرمين بعد تنازله، وفي هذا الأمر بُعدين: بقاء الملك ورمزيته سندًا لابن سلمان (تحسبًا لأي تهديد)، تخلص ابن سلمان من التركات والأثقال الدينية” غير أنه اختتم تغريدته بأن “موعد التنازل لم يحسم إلى الآن وقد يكون في أي لحظة وقد يتغير كل ما ذكر”.
ورغم ما تشير إليه الأوضاع من قرب ولي العهد في الوصول إلى مبتغاه في ضوء التطورات المتلاحقة التي تسير وفق الخطة المرسومة، فإن هذه الرؤية لا يمكنها أن تغادر مكان الفرضية إلى اليقين، إذ إن الأمور ما بين الحين والآخر ربما تنقلب رأسًا على عقب، وتظل قدرة ابن سلمان على المواءمة بين شعبويته واستبداديته حتى تنازل والده عن العرش هي الفيصل في تحقيق السيناريو الأقرب في الوقت الحاليّ.