يُعرف الأمان العاطفي أو النفسي بأنه درجة استقرار الحالة العاطفية للفرد، ويُنتِج انعدامه ببساطة شعورًا بعدم الارتياح العام للفرد أو العصبية التي يمكن أن تنجم عن انخفاض تقدير الذات والنظر إليها بطريقة أقل شأنًا مما هي عليه ومن الآخرين، أو عن إحساس بالضعف والشك في العلاقة مع النفس والآخرين، الأمر الذي يهدد صورة الذات والأنا.
يعرف انعدام الأمن العام بأنه قلق نفساني بشأن العديد من القضايا العامة في جميع مجالات الحياة المختلفة بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، انعدام الأمن الوظيفي أو الغذائي، والقلق حيال الشؤون الاقتصادية
ويمكن فهم مصطلح “الأمن العاطفي” بناءً على قدرة الفرد على الصمود وعدم الانهيار في المواقف الصعبة والنكسات التي قد يواجهها في حياته، بمختلف درجاتها وأنواعها، خاصة في البيئات المهددة لصحته النفسية والعقلية.
ينشأ الشعور بانعدام الأمن من أفكار عديدة، سواء كانت حقيقية أو متخيلة، فقد تشعر أنك غير متأكد من أنك محبوب من عائلتك وأصدقائك أو حتى حبيبك وشريكك، أو أنك لست ناجحًا أو ذكيًا أو جذابًا، وقد تشعر بأنك مهدد بفقدان عملك، أو حتى قد تكون مشكلة عامة تمتد لجميع نواحي تفكيرك وعلاقاتك بالآخرين والأشياء من حولك.
ويعرف انعدام الأمن العام بأنه قلق نفساني بشأن العديد من القضايا العامة في جميع مجالات الحياة المختلفة بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، انعدام الأمن الوظيفي أو الغذائي، والقلق حيال الشؤون الاقتصادية والحوادث العامة والصحة والدواء وحركة المرور وغيرها من الأمثلة.
يحاول بعض الأشخاص تعويض عدم الأمان من خلال محاولة إظهار أفضليتهم وتفوقهم على غيرهم، وقد يتبجحون باستمرار بإنجازاتهم ويركزون على الحديث عنها
وقد وصف عالم النفس الشهير “أبراهام ماسلو” الفرد المصاب بانعدام الأمن بأنه “شخص يرى العالم كغابة مليئة بالتهديدات، معظم البشر فيها أنانيون وخطيرون، فيشعر أنه مرفوض أو منعزل، مما يجعله قلقًا وعدائيًا معظم الأوقات، فهو شخص متشائم وغير سعيد عمومًا، يظهر إشارات التوتر والضيق، فيميل للتقوقع على ذاته، ويبدأ شيئًا فشيئًا بفقدان احترام نفسه وتقديرها، مما يجعل منه عصبيًا وأنانيًا، بالإضافة إلى تمركزه حول ذاته بعيدًا عن المجموعة”.
يساهم انعدام الأمان العاطفي والنفسي في تحفيز تطوير الخجل والانسحاب الاجتماعي وجنون العظمة، وقد يشجع السلوكيات والتصرفات العدائية مثل الغطرسة والتنمر والإهانة عند الأشخاص المصابين به، نظرًا لتمركزهم حول ذواتهم وانعدام قيمة الآخرين عندهم.
كما يحاول بعض الأشخاص تعويض عدم الأمان من خلال محاولة إظهار أفضليتهم وتفوقهم على غيرهم، وقد يتبجحون باستمرار بإنجازاتهم ويركزون على الحديث عنها، ويحاولون بين الفينة والأخرى تذكير الآخرين بنجاحاتهم التي قد تكون وهمية وغير موجودة أو حتى كان الآخرون مدركين جيدًا لها سواء بسبب سماعهم الحديث عنها كثيرًا أو لأنهم عاينوها بأنفسهم.
وقد أشار عالم النفس النمساوي ألفريد أدلر إلى أن عدم الشعور بالأمان ناتج أساسًا عن “عقدة النقص” أو سعي الفرد نحو الكمال والحصول على نتائج أفضل في جميع نواحي حياته، التي قد تتحول إلى مرض عصاب تجعل من صاحبها انطوائيًا غير اجتماعي وغير واثق من نفسه أو من علاقاته مع الآخرين، الأمر الذي يُنشئ شعورًا بعدم الأمان العاطفي والنفسي عنده.
تكمن خطورة عقدة النقص حين يطور الفرد عقدة التفوق كردة فعل على نقصه أو عيوبه، أي حين يسعى لإظهار تفوقه والتغطية على شعوره بالدونية من خلال المرور على مشاعر الآخرين وإهانتهم والتنمر عليهم لإشعارهم بالنقص الذي يشعر به أيضًا، وبكلمات أخرى، فالطريقة الوحيدة التي يمكن أن يرى فيها نفسه أفضل أو أكبر مما هي عليه، هي بجعل الآخرين يشعرون أنهم أدنى وأصغر منه.
أدت الحياة المُجهدة للكثير بعد فترة الثورات العربية إلى خلق قلق عصابي وانعدامٍ للأمان النفسي بين أفراد جيلٍ كامل تحول مع الوقت شيئًا فشيئًا إلى أسلوب حياة يمر به الأفراد في حياتهم اليومية
إلا أن هذا لا يعني أنه ليس من الطبيعي أنْ يطور الفرد شعورًا بعدم الأمان بين الفينة والأخرى أو بناءً على بيئة معيشية أو اجتماعية معينة، فلو نظرنا إلى واقعنا العربي ومجتمعاتنا بكل ما حدث ويحدث فيها في السنين الأخيرة، لوجدنا أن الأحداث تلك شكلت عوامل أساسية في نشوء عدم الأمان عند الفرد، سواء من ناحية عاطفية أو نفسية أو من ناحية وظيفية واقتصادية.
فالأحداث المتزعزعة والسياسات القمعية تعمل جنبًا إلى جنب مع القوالب والقواعد الاجتماعية والدينية غير السوية على خلق أجيال كاملة تترنح بين انعدام الأمان وغياب الراحة النفسية حيال الأشياء والأوضاع الحاليّة والمستقبلية، نظرًا لأن الخيارات التي يقدمها المجتمع بأنظمته، إضافة للدولة، لا تتعدى كونها خيارات محدودة ليس فيها ما هو جيد أو مستقر لهم وإنما مجرد حلول مؤقتة أو وسيلة للهروب من الواقع المرير.
أدت الحياة المُجهدة للكثير بعد فترة الثورات العربية التي تميزت بفقدان قريب أو صديق، أو فقدان الوظيفة والبطالة المنتشرة، أو الاضطرار للخروج من الدولة لغيرها، أو تجربة السجن، إلى خلق قلق عصابي وانعدام أمانٍ نفسي بين أفراد جيلٍ كامل تحول مع الوقت وشيئًا فشيئًا إلى أسلوب حياة يمر به الأفراد في حياتهم اليومية بشكلٍ غير واعٍ ودون إرادة منهم، نظرًا للتفكير الدائم بالمستقبل وتأمين حياةٍ أفضل لهم ولعائلاتهم وأطفالهم.
الأمر الذي يؤكد لنا أن اضطرابات القلق وانعدام الأمان العاطفي والنفسي ليست مجرد مشاكل طبية ونفسية بحتة، وإنما نتاج مجتمعٍ وتطورات سياسية صعبة وتعسفية، تؤثر على نفسية الفرد وتخلق أجيالًا كاملة غير مستقرة تعاني التخبط وعدم الثقة بأنفسها وذواتها أو بالآخرين وتخاف الواقع والمستقبل بشكلٍ مرضي قد يستغرق سنين طويلة وأساليب عديدة للتخلص منه وعلاجه.