ترجمة وتحرير: نون بوست
في سنة الانتخابات؛ يروج الزعماء الشعبويون من أوروبا إلى الأمريكتين لرواية مفادها أن الهجرة أصبحت خارج نطاق السيطرة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه الهستيريا، فإن عدد المهاجرين الدوليين في جميع أنحاء العالم وفقًا لأحدث تقديرات الأمم المتحدة لا يزال يمثل أقلية صغيرة من إجمالي السكان، وقالت إن الحركة داخل الحدود الوطنية لا تزال “هي القاعدة إلى حد كبير”.
يكمن التغيير الحقيقي في السنوات الأخيرة، كما تقول المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، في أن الدوافع الأساسية للنزوح – الجغرافيا السياسية والتكنولوجيا وتغير المناخ – آخذة في التزايد، مع ارتفاع ملحوظ في قنوات الهجرة غير النظامية مع إغلاق الطرق الآمنة.
وفي الولايات المتحدة، أصبحت الهجرة على الحدود الجنوبية على رأس أجندة اهتمامات الناخبين لتصبح قضية رمزية في الحملة الانتخابية لكل من المرشحين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية.
لكن واشنطن ليست وحدها في النضال من أجل تحقيق التوازن بين احتياجات مواطنيها وتدفق المهاجرين الباحثين عن حياة أفضل – وهي ديناميكية الهجرة التي ساعدت في بناء أمريكا الحديثة.
وتُظهر دراسات الحالة الواردة أدناه، من جنوب أفريقيا ونيوزيلندا وبيرو وأيرلندا ودنفر بولاية كولورادو، كيف يؤثر واقع العصر الحديث على الحكومات الوطنية والبلديات في جميع أنحاء العالم، وغالبًا ما يكون ذلك في مواقع مفاجئة وبطرق لا يمكن التنبؤ بها. والأمر الواضح هو أن التداعيات ليست سياسية فحسب، بل اقتصادية أيضًا.
وقد بدأت الشركات المعنية بتقييد الوصول إلى المواهب الدولية في التحدث علنا. وفي هولندا، حيث احتل حزب الحرية المناهض للهجرة المركز الأول في تصويت تشرين الثاني/ نوفمبر، أوضح محافظ البنك المركزي كلاس نوت أن البلاد ككل والشركات مثل شركة “أيه أس أم أل” القابضة العملاقة لصناعة الرقائق على وجه الخصوص بحاجة إلى المهاجرين من أجل الازدهار.
وتشير المنظمة الدولية للهجرة إلى وجود أدلة واضحة على أن تدفق الناس خارج الحدود يدفع التنمية البشرية على مستوى العالم ويساعد على تلبية الطلب الحاسم على العمالة، بينما يعمل أيضًا على إثراء المجتمعات. وتختلف مستويات التعليم بشكل كبير بطبيعة الحال، ولكن ما يقرب من ثلاثة من كل أربعة مهاجرين دوليين هم في سن العمل (20 سنة إلى 64 سنة).
لذا فإن ترقية التوقعات الديموغرافية للمملكة المتحدة الصادرة في كانون الثاني/ يناير على خلفية تدفقات الهجرة المرتفعة قد تعني مجموعة أكبر من العمال وبالتالي اقتصاد أكبر.
وعلى نحو مماثل، يُعزى الأداء الاقتصادي الأخير لأستراليا إلى ارتفاع النمو السكاني مدفوعًا بالهجرة الداخلية بعد الوباء، وذلك وفقًا لجيمس ماكنتاير من “بلومبرج إيكونوميكس”. وقال إنه مع وصول أعداد الوافدين إلى هناك الآن إلى ذروتها، فإن نقاط الضعف الأساسية ستصبح أكثر وضوحًا.
وبما أن الهجرة تهيمن على النقاشات الاقتصادية والسياسية حول العالم، فإن الأمثلة التالية من القارات الخمس تظهر كيف تتصارع الحكومات في كل مكان مع قضية لن تختفي.
اعتادت ليليانا أنجل على تدريس الرياضيات والفيزياء والكيمياء لطلاب المدارس الثانوية في موطنها فنزويلا. وهي الآن تبيع الحلوى في شوارع عاصمة بيرو بينما تعيش في ملجأ مع ثلاثة من أطفالها الأربعة.
وقالت أنجل، 34 سنة، من ملجأها المعروف باسم “سين فرونتراس” (بلا حدود)، حيث تعيش مع عشرات آخرين من الوافدين الجدد: “أشعر بالحزن لأن الناس في بعض الأحيان يهينونني في الشوارع”.
وتمثل تجربة أنجل رمزًا لواقع مألوف بالنسبة للمهاجرين الفنزويليين، والذي يتمثل في فقدان حياة الطبقة المتوسطة بسبب التضخم المفرط، ثم عدم القدرة على استعادة هذا الوضع بعد الفرار من الانهيار الاقتصادي في وطنهم. إنه المصير الأكثر صعوبة في البيرو، حيث يميل المهاجرون الفنزويليون إلى الحصول على تعليم أفضل من نظرائهم المحليين. على سبيل المثال، تزيد احتمالية حصولهم على شهادة جامعية بمقدار الضعف تقريبًا.
ولقد أدت الاضطرابات الاقتصادية والسياسية في فنزويلا على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك إلى أكبر حدث نزوح طويل الأمد في الأمريكيتين، وفقًا لمعهد سياسات الهجرة ومقره واشنطن.
ومن بين أكثر من 7 ملايين فنزويلي غادروا وطنهم في الفترة من سنة 2015 إلى سنة 2023، استقبلت البيرو أكثر من 1.5 مليون شخص، وهي في المرتبة الثانية بعد كولومبيا، التي تمتد بين البلدين.
وعرضت البيرو بشكل عام تصاريح عمل مؤقتة للمهاجرين الفنزويليين، على الرغم من أن تجديدها قد يؤدي في بعض الأحيان إلى خلق فجوات في التوظيف.
ويشكل الفنزويليون حاليًا أكبر مجموعة أجنبية في بيرو على الإطلاق، حيث يمثلون 4.8 بالمئة من السكان ويؤثرون على التركيبة السكانية للبلد المضيف بطرق لم تشهدها البلاد منذ عقود.
وقد اعتمدت بيرو، التي كان متوسط نموها السنوي في ذلك الوقت خمسة بالمئة تقريبًا، على قدرة البلاد على استيعاب الأعداد، حتى أن بعض الاقتصاديين توقعوا أن يؤدي التدفق إلى المزيد من الزخم. ولكن بعد ذلك جاءت الجائحة، وأعقبها ركود في السنة الماضية لم تتعافى منه بيرو إلا ببطء. ومن الناحية الاجتماعية، فالحقيقة هي أن أي قبول للقادمين الجدد كان مرحبًا به في صفوف البيروفيين قد بدأ يتلاشى.
وحتى قبل خمس سنوات، قال 73 بالمئة من البيروفيين لمركز الأبحاث “آي إي بي” إنهم لا يتفقون مع الهجرة الفنزويلية. ووجد استطلاع آخر لمركز الأبحاث “آي إي بي” في سنة 2022 أن ثلث البيروفيين قالوا إنهم “سيشعرون بالانزعاج الشديد” إذا تزوج ابنهم من فنزويلي.
وتُظهر استطلاعات الرأي أيضًا أن ارتفاع معدلات الجريمة يقترب من قمة اهتمامات البيروفيين، وأن الأغلبية تقول إن السكان الفنزويليين هم المسؤولون عن ذلك، وهي تهمة تبنتها الحكومات المتعاقبة.
وتم إنشاء فرقة نخبة داخل الشرطة في سنة 2020 لمكافحة الجرائم التي يرتكبها “الأجانب”، وأغلبهم من الفنزويليين. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، أرسلت الرئيسة دينا بولوارتي سلطات الهجرة لحضور مباراة تصفيات كأس العالم لكرة القدم في العاصمة بين بيرو وفنزويلا للتحقق من أوراق جميع الأجانب.
إن السياسة في بيرو متقلبة، وقد تكافح بولوارتي للهروب من مصير أسلافها الجدد، الذين تعرض معظمهم للعزل أو السجن.
هذه الخلفية المحفوفة بالمخاطر لصنع السياسات لا تساعد أنجيل، التي وصلت إلى بيرو في مطلع العام بعد فترات عاشتها في كولومبيا والإكوادور، وقالت إنها تعلم أنه من غير المرجح أن تجد وظيفة تدريس، على الأقل على المدى القصير، ولذا فهي تركز جهودها في مكان آخر، ومن عائدات بيع الحلوى، كانت تدخر لشراء عربة لبيع إمباناداس وأريبا، وهي معجنات فنزويلية تقليدية.
وقالت: “لقد رأيت فنزويليين يأتون لارتكاب أشياء خاطئة، ولكن هناك أيضًا العديد من الأشخاص الشرفاء، ليس كل الفنزويليين متشابهين”.
جنوب أفريقيا: دولة قوس قزح تتحول إلى دولة معادية للأجانب — أنتوني سجوازين
في وسط مدينة جوهانسبرج، يفتح مدير اتحاد اللاجئين والمهاجرين في جنوب أفريقيا باب مكتبه في الطابق الخامس بحذر. ولديه سبب وجيه لهذا الحذر.
ففي تشرين الثاني/نوفمبر؛ طرق أربعة رجال الباب ودخلوا عنوة مارّين عبر موظفة الاستقبال، وأظهروا لهم صورًا للمخرج ثيفلوفهيلي سينثومول، البالغ من العمر 43 عامًا، على هواتفهم المحمولة، وأخبروه أنهم ينتمون إلى منظمات مناهضة للمهاجرين، وما لم يتوقف عن الدفاع عن حقوق المهاجرين فإنه سيواجه عواقب، وأعقبوا ذلك بمنشور على “إكس” بعد الاجتماع قائلين إن المنظمات غير الربحية التي تدعم المهاجرين “تعلن الحرب” على مواطني جنوب إفريقيا.
وقال سينثومول: “إذا أصبحنا كمنظمات مجتمع مدني الآن طرفًا متلقيًا، فيمكنك أن تتخيل حياة مهاجر عادي”، مشيرًا إلى أجهزة التعرف على القياسات الحيوية والكاميرات التي قامت منظمته بتركيبها منذ ذلك الحين، وأضاف: “أنا جنوب أفريقي وأتلقى مثل هذه الهجمات”.
وبينما بلغت الحوادث ذروتها خلال أعمال الشغب واسعة النطاق في سنة 2008، فإن عدد النازحين هذا العام حتى الآن هو بالفعل ضعف عدد النازحين في سنة 2023 بأكملها، وفقًا للمركز الأفريقي للهجرة والمجتمع.
وكان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي وصل إلى السلطة بدعم من الدول الأفريقية المعارضة للفصل العنصري، قد أدان في السابق أعمال العنف المعادية للأجانب التي قُتل فيها مئات المهاجرين وشرد عشرات الآلاف.
لكن بعد خسارته في الانتخابات البلدية لسنة 2021 أمام المنافسين الذين يريدون ترحيل الأجانب غير الشرعيين، صعّد الحزب من خطابه المناهض للمهاجرين، ولم يفعل سوى القليل لتثبيط الجماعات الأهلية مثل عملية دودولا، والتي تعني “الخروج القسري” بلغة الزولو، والتي هاجمت المهاجرين ودمرت ممتلكاتهم، وعلى الرغم من أنها لن تتنافس في الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في 29 أيار/مايو، إلا أن عملية دودولا ستقدم مرشحين ذوي قضية واحدة في التصويت الإقليمي لهذه السنة في عدة مقاطعات للمرة الأولى.
وفي السنة الماضية؛ خاضت الحكومة سلسلة من الدعاوى القضائية وخسرتها عندما حاولت تجريد حوالي 180 ألف زيمبابوي كانوا موجودين في البلاد بشكل قانوني من قبل سنة 2009 من حقهم في البقاء.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، اقترحت الحكومة إصلاح قوانين الهجرة، وفي حالة إقرارها، فإن هذه المقترحات من شأنها أن تؤدي إلى انسحاب جنوب أفريقيا من المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين، وإعادة الأجانب إلى وطنهم، واحتجاز من يعبرون حدودها في مخيمات؛ حيث يُسمح حاليًا للمهاجرين بالعيش داخل المجتمعات بينما تتم معالجة طلباتهم بالبقاء.
اقتراب الانتخابات يثير قلق سينثومول؛ الذي قال إنه سيكون هناك “تشويه وحملات انتخابية على حساب المهاجرين”.
نيوزيلندا: وجهة مفتوحة تقليديًا تفكر في تضييق الخناق – تريسي ويذرز
انتقلت خريجة الجامعة الفرنسية إلويز جوندري إلى نيوزيلندا في أوائل السنة الماضية بسبب جمالها الطبيعي وثقافة الماوري الفريدة.
وتقول عن بلدها الجديد ومواطنيه: “ما زلت أجد نيوزيلندا مرحبة، بل وأكثر من ذلك الآن وأنا أعمل وأعيش في مكان يتواجد فيه العديد من السكان المحليين”.
وحتى هنا، فإن هذا الترحيب يمتد إلى أبعد الحدود.
جوندري هي واحدة من عدد قياسي بلغ 226 ألف أجنبي توافدوا إلى نيوزيلندا بشكل قانوني خلال الـ 12 شهرًا حتى شباط/فبراير الماضي، وبعد التعديل حسب حالات المغادرة، تضخم عدد السكان بنسبة 2.8 بالمائة في سنة 2023، وهي أكبر قفزة منذ الحرب العالمية الثانية.
يُنظر إلى نيوزيلندا منذ فترة طويلة على أنها دولة منفتحة نسبيًا، لكن حجم الوافدين إليها يثير الآن مخاوف بشأن الضغط على البنية التحتية وارتفاع أسعار المنازل وقدرة الاقتصاد على تلبية الطلب الإضافي على السلع والخدمات، وقد يؤدي ذلك بدوره إلى زيادة التضخم، مما يؤدي إلى تفاقم الضغوط.
وقالت كيلي إيكهولد، كبيرة الاقتصاديين النيوزيلنديين في شركة ويستباك المصرفية في أوكلاند: “ستستمر الضغوط السكانية القوية للغاية في الضغط على الاقتصاد”.
وقد تابع البنك المركزي في البلاد هذا الاتجاه، مشيرًا إلى تأثيرات ارتفاع معدلات الهجرة على أسعار المنازل والإيجارات، وقد يؤدي ذلك إلى إبقاء سعر الفائدة القياسي عند 5.5 بالمائة حتى نهاية هذه السنة أو حتى سنة 2025، حتى مع بدء أقرانهم العالميين في خفض أسعار فائدتهم.
وامتد التطور أيضًا إلى الساحة السياسية؛ حيث فاز رئيس الوزراء كريستوفر لوكسون بمنصبه السنة الماضية من خلال التركيز على قضايا تكلفة المعيشة ودعا إلى تجديد نظام الهجرة، ووصف التدفق القياسي بأنه غير مستدام.
في 7 نيسان/أبريل؛ قامت وزيرة الهجرة إيريكا ستانفورد بتشديد القواعد الخاصة بالعمال ذوي المهارات المنخفضة الذين يسعون للدخول لتشمل الحد الأدنى من المهارات وخبرة العمل، وإقامة أقصر مسموح بها لمدة ثلاث سنوات، ومتطلبات اللغة الإنجليزية؛ حيث تريد الحد من عدد الوافدين لتجنب إرهاق الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، في حين ترجح ميزان الهجرة مرة أخرى نحو أولئك الذين يتمتعون بالمهارات الأساسية والذين سيعززون الإنتاجية والنمو الاقتصادي.
وفي ظل العولمة المتزايدة للقوى العاملة، والتي تكثفت في أعقاب كوفيد – 19؛ حيث كانت الدول تتطلع إلى سد النقص الحاد في العمال، تعد نيوزيلندا وجهة مرغوبة، وقد تم تصنيفها على أنها الدولة الأكثر جاذبية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للمهاجرين المهرة، وفقًا لتقرير سنة 2023 الصادر عن المنظمة التي يوجد مقرها في باريس، والذي صنف البلاد بدرجة عالية في فئات مثل الآفاق المستقبلية والبيئة الأسرية والشمولية.
لكن التحدي المباشر الذي يواجه العديد من المهاجرين هو العثور على منزل بسعر معقول أو سكن للإيجار؛ ففي جميع أنحاء البلاد، ارتفعت الإيجارات بنسبة 5.1 بالمائة في آذار/مارس مقارنة بالسنة الماضية، وارتفعت أسعار المنازل بنسبة 3.9 بالمائة في الأشهر التسعة الماضية، لتتعافى من تراجع طويل في وقت أقرب مما توقعه الكثيرون؛ حيث بدأ الطلب يفوق عدد المنازل المعروضة للبيع.
لقد جمعت جوندري، البالغة من العمر 25 سنة، بين السفر في جميع أنحاء نيوزيلندا ومزيج من الوظائف في مجالي الضيافة والزراعة، لقد تمكنت من تحمل بعض تكاليف الإيجار من خلال الإقامة مع الأصدقاء ومشاركة الغرف، وفي مرحلة ما فكرت في النوم في شاحنتها في مزرعة العنب حيث كانت تعمل.
لكن محاولة كسب ما يكفي للاستمتاع بالمناظر الطبيعية وسياحة المغامرات التي توفرها الدولة الواقعة في جنوب المحيط الهادئ أصبحت بمثابة صراع، وتقول: “لا أستطيع توفير الكثير من المال بسبب الإيجار”.
أيرلندا: بلد شكلته الهجرة ينقلب على المهاجرين – جنيفر دوغان
خارج مكتب الحماية الدولية في وسط مدينة دبلن، يمتد صف من الخيام الصغيرة على طول الرصيف وأسفل الممر، وتأوي الخيام المغطاة بأغطية من القماش المشمع لمنع المطر الرجال الذين وصلوا إلى أيرلندا في الأشهر الأخيرة طلبًا للجوء، ولكن مع عدم توفر سكن، يضطرون إلى النوم في الشارع خارج المكتب الحكومي المخصص لمساعدتهم.
يقول أوبري مكارثي، الذي يدير مقهى لايت هاوس للمشردين في شارع بيرس في دبلن – والذي يقدم الوجبات الساخنة والملابس والخيام للمشردين – إنه يوفر المزيد من الأسرّة في الحدائق في جميع أنحاء المدينة. وقال في أواخر شباط/ فبراير إن أكياس النوم نفدت للتو من المقهى. ومنذ ذلك الحين؛ عُرض على بعض الأشخاص الإقامة في موقع خيام على مشارف المدينة، لكن العديد منهم ظلوا خارج المكتب، وأعدادهم تتزايد كل أسبوع.
ساعد صعود أيرلندا الاقتصادي وجاذبيتها في الآونة الأخيرة كقاعدة أوروبية منخفضة الضرائب لشركات مثل شركة أبل، على تحويل أمة من المهاجرين على مدار المائتي سنة الماضية إلى قصة نجاح في القرن الحادي والعشرين وعامل جذب للمهاجرين. ومع ذلك؛ فإن واقع وجود أكثر من 1600 طالب لجوء بدون سكن يظهر وجود أزمة حادة في نظام الهجرة الأيرلندي، وهو الوضع الذي يؤدي إلى تنفير السكان المحليين بينما يخذل الوافدين.
وكان إيدي، الذي جاء من نيجيريا وطلب فقط ذكر اسمه الأول، واحدًا من مجموعة صغيرة متجمعة بينما كان متطوع من جمعية خيرية للمشردين يوزع الشاي والقهوة والجوارب والقفازات النظيفة. لقد كان ينام خارج المكتب منذ نهاية كانون الثاني/ يناير. وأضاف: “يصل أشخاص جدد كل يوم”. وبينما كان يتحدث، صاح اثنان من المارة بعبارات عنصرية.
أدى عدم توفر أماكن للباحثين عن “الحماية الدولية” إلى قيام الحكومة بإيجاد حلول سكنية في الفنادق والمباني الشاغرة في جميع أنحاء البلاد، مما أثار توترات مع المجتمعات المحلية. واندلعت الاحتجاجات في عدد من البلدات والضواحي، وتعرضت المباني المخصصة أو التي تردد أنها مخصصة لإيواء طالبي اللجوء لهجمات الحرق المتعمد.
وتشهد أيرلندا، التي كانت حتى الآن محصنة إلى حد كبير ضد الشعبوية اليمينية، بدايات تحول سياسي نتيجة لذلك؛ حيث يستغل اليمين الناشئ تلك التوترات لتعزيز أجندته، وفقًا لنيامه ماكدونالد، مديرة مجموعة الأمل والشجاعة، التي تعمل على مكافحة الكراهية والتطرف، والتي أضافت: “هناك زيادة في الخطاب العنيف وتنظيم اليمين المتطرف، الأمر الذي جعل الهجرة في مقدمة اهتمام الناس. ولا أعتقد أن الناس توصلوا إلى هذا الاستنتاج من تلقاء أنفسهم”.
لم تكن الهجرة تقليديًا على رأس جدول الأعمال السياسي في أيرلندا، ولكن وفقًا لاستطلاع للرأي أجرته صحيفة آيرش تايمز مؤخرًا؛ فإن هذا الأمر يتصدر الآن اهتمامات الناخبين. واضطر ليو فارادكار، رئيس الوزراء آنذاك، للرد أثناء وجوده في ألمانيا على خطط تحويل فندق لإيواء طالبي اللجوء في دروغيدا بعد تجمع حوالي 200 شخص للاحتجاج على القرار في شباط/ فبراير. ووعد خليفته، سايمون هاريس، بالتحول إلى نظام هجرة “عادل وحازم” في خطابه الافتتاحي كزعيم للحزب.
في الأساس، لا تتعلق المشكلة بالهجرة؛ بل بالنقص المزمن في الإسكان الميسور التكلفة وغير ذلك من البنية التحتية، وفقًا لماكدونالد، الذي يشير إلى أن أيرلندا بلغت مرحلة التشغيل الكامل للعمالة وهناك حاجة للعمال المهاجرين لسد فجوات المهارات. وتضيف: “إن الناس يتشتتون”.
وفي الوقت نفسه، تعمل خدمات مثل “منارة” على تلبية احتياجات الوافدين، ولكن مع الزيادة الحادة في أعداد المشردين الذين يطلبون الحماية؛ فإن التوتر بدأ يظهر. وقال مكارثي: “اضطررنا لعدة أيام جمعة متتالية إلى إبعاد الناس” وهذه منطقة جديدة بالنسبة لنا”.
دنفر، كولورادو: مدينة على حافة الانهيار – نادية لوبيز
لم تكن ليزبيث توريس وزوجها ويليام غارسيا ينويان أبدًا مغادرة منزلهما في فنزويلا، لكن اليأس الاقتصادي أجبرهما على الانطلاق في الرحلة شمالًا، وسارا لمدة شهرين عبر سبعة بلدان، مرورًا عبر منطقة دارين غاب الخطرة وهم يحملان طفليهما الصغيرين على ظهريهما، قبل أن يصلا إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة في تكساس في كانون الأول/ ديسمبر.
وهناك تم وضعهما دون قصد على متن حافلة متجهة إلى دنفر، كولورادو.
لم تظهر دنفر أبدًا كوجهة في خطط الزوجين. ومع ذلك؛ يجدون أنفسهم بين آلاف الأشخاص الذين تدفقوا إلى المدينة في السنة الماضية، كجزء من المد الإنساني الذي يقول عمدة المدينة مايك جونستون إنه يتسبب في خسائر اجتماعية ومالية هائلة على المدينة التي تضم حوالي 700 ألف نسمة. وقد وصل ما يقرب من 40 ألف وافد جديد فروا من الفقر والأنظمة الاستبدادية إلى دنفر منذ سنة 2022 ، أي أكثر من 5 بالمائة من السكان، وهي أعلى نسبة للفرد من أي مدينة في الولايات المتحدة.
الوصف: مهاجرون يلعبون الكرة الطائرة مع أعضاء الكنيسة في كنيسة دنفر فريندز في 26 شباط/ فبراير.
وقال جونستون في قاعة المدينة بينما كان المتطوعون في الخارج يوزعون وجبات الطعام على المهاجرين والمشردين الذين ينتظرون في الطابور للحصول على الطعام: “قدرتنا مرهقة للغاية ونحن بالفعل على حافة ما يمكننا إدارته”.
وأنفقت دنفر بالفعل أكثر من 68 مليون دولار لإبعاد الناس عن الشوارع. وكان من المتوقع أن تتضاعف هذه التكاليف ثلاث مرات مع تخصيص المدينة 120 مليون دولار في سنة 2024 – حوالي 7 بالمائة من ميزانيتها السنوية – لمواصلة تمويل جهود المأوى في غياب الدعم الفيدرالي. وتم تخفيض هذا المبلغ إلى 90 مليون دولار وسط الإحباط بين سكان دنفر الذين يتساءلون بشكل متزايد عن حجم الأموال العامة المستخدمة للتخفيف من الأزمة.
ومثل رؤساء بلديات المدن الديمقراطية الأخرى التي تدير تدفق الوافدين، ناشد جونستون الحكومة الفيدرالية للتدخل، لكن دعواته تم تجاهلها إلى حد كبير، على حد قوله. وتفاقمت الضربة بسبب فشل مشروع قانون الهجرة المقترح الذي كان من الممكن أن يوفر المساعدة التي تشتد الحاجة إليها، والذي وقع ضحية المواقف السياسية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
وقال جونستون: “علينا إعادة المعايرة الآن مع العلم أنه لن يكون هناك أي دعم فيدرالي قادم”.
وعندما وصلت توريس (42 سنة) وغارسيا (34 سنة) إلى دنفر، تم إرسالهما إلى فندق متهالك لتجنب النوم في أحد المخيمات خلال درجات الحرارة الشتوية المتجمدة.
ومن أجل تدبر أمورهم، ينضم غارسيا إلى زملائه المهاجرين الذين يقومون بتنظيف الزجاج الأمامي عند التقاطعات المزدحمة. مثل الآخرين، فهو غير مصرح له حاليًا بالعمل بسبب القيود الفيدرالية التي تمنع طالبي اللجوء من الحصول على عمل قانوني.
لذا فإنهم يفعلون كل ما في وسعهم لكسب المال: كالتنقل بين السيارات التي تقدم خدمات الغسيل السريع، أو التجول في الشوارع لبيع الزهور. ويتجمع الكثيرون خارج هوم ديبوت أو وول مارت ويعرضون المساعدة في تحميل البقالة في السيارات للحصول على النصائح، وهي خدمة تثير غضب المتسوقين بقدر ما تساعدهم.
وكان الزوجان وأبناؤهما، البالغان من العمر أربعة وستة سنوات، يقيمون في ملجأ للطوارئ في كنيسة دنفر فريندز، حيث قدمت لهم وجبات الطعام ومكانًا آمنًا للنوم والاستحمام والملابس. لقد تم إغلاقه في نهاية آذار/ مارس، وانتقلوا إلى منشأة مؤقتة أخرى، لكنهم لم يكونوا متأكدين من المدة التي سيسمح لهم فيها بالبقاء هناك.
إنهم يريدون أكثر من أي شيء آخر الحصول على أجر معيشي لتوفير منزل مستقر لأطفالهم، لكن الحياة الأفضل استعصت عليهم حتى الآن. وفي شهر شباط/ فبراير؛ تعرضوا للاحتيال بمبلغ 500 دولار من قبل مالك عقار مزيف يعلن على فيسبوك ووعدهم بعقد إيجار.
إن الضغط هائل بالنسبة لتوريس، التي قالت بالإسبانية: “ولكن ما هو الخيار الذي بقي لي؟ يجب أن نستمر.”
المصدر: بلومبيرغ