للمرّة الثانية على التوالي في نفس السنة، تفشل الأحزاب الذات المرجعية الإسلامية في الجزائر في تحقيق نتائج جيدة وتعزيز وجودها في الساحة السياسية الجزائرية ومواقع صنع القرار، بخسارتها في الانتخابات المحلية التي جرت في البلاد نهاية الأسبوع الماضي، رغم اعتمادها سياسة التحالفات.
خسارة جديدة
منيت الأحزاب الإسلامية الجزائرية، بهزيمة جديدة في الانتخابات البلدية والولائية التي جرت الخميس 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، فيما عزز حزبا السلطة بالجزائر، حزب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، موقعهما بصدارة المشهد السياسي بالبلاد، من خلال احتفاظ الأول بالصدارة بحيازته على 603 مجلسا بلديا من جملة 1541 مجلسا يتوزعون عبر 48 محافظة بالجزائر، و711 مقعداً بالمجالس الولائية، يليه “التجمع الوطني الديمقراطي”، بقيادة رئيس الوزراء أحمد أويحي، بــ 451 بلدية، و527 مقعداً بالمجالس الولائية.
اكتفى “التحالف من أجل العدالة والنهضة والبناء”، الذي يعتبر ثاني أكبر ائتلاف حزبي للإسلاميين بالجزائر، بالمركز 14 في السباق، برئاسة 8 بلديات
ووفقا للنتائج الرسمية الأولية، سجلت الأحزاب الإسلامية تراجعا في حصد النتائج، بالمقارنة مع الانتخابات البلدية للعام 2012، حيث لم تفز، مجتمعة إلا بـ 59 مجلسا بلديا، وفقا لنتائج انتخابات الخميس، بعدما كانت تتربع على 68 مجلسا بلديا تبعا لنتائج انتخابات 2012.
حصلت “حركة مجتمع السلم”، أكبر حزب إسلامي بالجزائر، على رئاسة 49 بلدية و152 مقعداً بالمجالس الولائية، مسجلة بذلك تراجعاً من المركز الثالث في الانتخابات السابقة إلى الخامسة، أما “التحالف من أجل العدالة والنهضة والبناء” (المشكل من جبهة العدالة والتنمية، وحركة البناء الوطني، وحركة النهضة) الذي يعتبر ثاني أكبر ائتلاف حزبي للإسلاميين بالجزائر، فقد اكتفى بالمركز 14 في السباق، برئاسة 8 بلديات.
الأحزاب الإسلامية تتهم السلطات بالتزوير
هذه النتائج الهزيلة التي تحصل عليها التيار الإسلامي في الجزائر في الانتخابات المحلية الأخيرة، لا تعبّر عن الحجم الحقيقي للأحزاب الإسلامية بحسب قيادات هذه الأحزاب وأنصارهم، الذين اتهموا السلطة وحزبيهما بتزوير نتائج الانتخابات المحلية، حيث أعلن رئيس “حركة مجتمع السلم”، عبد المجيد مناصرة، أن “الحركة ستقدم عددا من الطعون أمام المجلس الدستوري”، بسبب “التزوير الذي شاب عملية الانتخاب في بعض البلديات”، على حد قوله.
وقال عبد المجيد مناصرة، بمؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الجزائر، الأحد، إن “نتائج الانتخابات المحلية، التي نظمت الخميس تعبر عن انتكاسة حقيقية للمسار الديمقراطي ولسنا راضون عنها”، وأكد مناصرة أن “خروقا شابت العملية الانتخابية”، متهما “المحافظين ورؤساء دوائر وقضاة مسؤولية بالفساد”، وقال “إنهم شوّهوا “العرس الديمقراطي”.
تتهم الأحزاب الإسلامية أحزاب المولاة بتزوير الانتخابات
وتابع مناصرة: “عمليات تزوير مفضوحة سادت العملية الانتخابية، الخميس، وبمحافظة تندوف جنوب الجزائر فاق عدد الجنود المصوتين، عدد السكان”، في إشارة منه إلى استغلال أصوات الجنوب في تزوير الانتخابات لصالح حزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي. واتهم مناصرة محافظي مناطق الوادي بالجنوب وعنابة بالشرق الجزائري ووهران غربا بـ”التزوير من أجل الحصول على المكافأة والترقية إلى مرتبة الوزير، ظنا منهم بأن كل الذين صاروا وزراء بعد الانتخابات السابقة جاؤوا من بوابة التزوير”.
وردا على تصريحات عمارة بن يونس رئيس حزب الحركة الشعبية الجزائرية الذي قال إن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، كرست تراجع الإسلاميين ودليل بداية نهاية الإسلام السياسي، قال عبد الرزاق مقري الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الجزائرية والذي سيعود إلى رئاستها نهاية الشهر المقبل على ، إنّ الذين يدعون نهاية الإسلام السياسي يحاولون تزييف الحقائق. وأضاف في منشور على صفحته بموقع فايسبوك أنه يتحدى بن يونس أن تنظم السلطة انتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها لجنة مستقلة لتنظيمها ومراقبتها وسنرى حينئذ إن كان رصيد الإسلاميين قد تراجع فعلا، وإن كان الإسلام السياسي قد انتهى كما يدعي بن يونس.
مشكلة انتشار
فضلا عن التزوير الحاصل في بعض المناطق، خاصة الداخلية منها، يرى عديد الخبراء، أن من أسباب خسارة الإسلاميين هذا الرهان الانتخابي، يعود أيضا إلى عدم تمكنها من الترشّح في كل البلديات، فالأحزاب الإسلامية مجتمعة لم تتمكن من الترشح سوى في قرابة 600 بلدية من أصل1541 بلدية في الجزائر.
ويرجع متابعون، سبب ذلك إلى مشكلة الانتشار التي تعاني منها أحزاب المعارضة على وجه عام واحتكار أحزاب الموالاة للساحة السياسية في البلاد، وعرقلتها لكل نشاط للأحزاب التي تعارضها سوى الإسلامية منها أو حتى العلمانية.
الخطاب السياسي
إلى جانب ذلك، يُرجع بعض الخبراء، هذا التراجع للأحزاب الإسلامية في جزء كبير منه، إلى خطابها السياسي المعتمد في السنوات الأخيرة، الذي يتسم بالعموميات والسفسطائية، والذي يحيط بالواقع المعيش دون أن يلامسه، حيث يعتمد على الانتقاد دون تقديم البدائل وعلى التباكي دون السعي إلى التغيير.
ربيعي “ابتعاد الخطاب عن الواقع، وتناقضات الأحزاب الإسلامية، وصراع الزعامات والتفكك المستمر، هو الذي هز ثقة الشارع الجزائري في تيار الإسلام السياسي”.
وسبق أن دعا القيادي السابق في حركة النهضة الجزائرية فاتح ربيعي، الأحزاب الإسلامية إلى القيام بمراجعة جوهرية، للخطاب والبرنامج السياسي المعتمد في السنوات الأخيرة، التي كانت السبب وراء تراجع نتائجها في الانتخابات المحلية، بدل تبرير الهزيمة بعملية التزوير والتلاعب التي مارستها الإدارة لصالح أحزاب السلطة.
واعترف ربيعي بأن “ابتعاد الخطاب عن الواقع، وتناقضات الأحزاب الإسلامية، وصراع الزعامات والتفكك المستمر، هو الذي هز ثقة الشارع الجزائري في تيار الإسلام السياسي، ودفع القواعد النضالية إلى الانفضاض عنها، حتى في القواعد التي كانت محسوبة على الإسلاميين، حيث يتم الانسحاب التدريجي والمثير، لصالح قوى وتيارات سياسية علمانية”.
التشرذم
رغم اعلانها عن عديد التحالفات فيما بينها قبيل مشاركتها في هذه الانتخابات المحلية، لم تستطع الأحزاب الإسلامية تحقيق هدف الوصول إلى مواقع القرار في البلاد، ذلك أنها لم تتوحّد في كتلة واحدة لضمان أفضل النتائج في هذه الانتخابات. ونهاية يوليو الماضي، قررت جبهة التغيير الإسلامية في الجزائر الاندماج الكلي مع الحركة الأم “حركة مجتمع السلم”، لتنهي بذلك انقسامًا دام سنوات عدة، حيث إن جبهة التغيير تأسست مطلع عام 2012 من رحم حركة مجتمع السلم، وذلك بسبب ما وصفه المنشقون بـ “انحراف الحركة عن أهدافها”، وذلك بعد قرارها الدخول في قوائم موحدة مع حمس تحت اسم “تحالف حركة مجتمع السلم“، في الانتخابات التشريعية الماضية التي جرت في 4 من مايو.
التحالفات الأخيرة لم تثمن نتائج تذكر
وقبل ذلك، تحالفت حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية وحركة البناء الوطني، في تحالف تحت اسم “الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء”، وتعد حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية، تاريخيًا، تنظيمًا واحدًا قبل حدوث أزمة داخلية عام 1998، أدت إلى انشقاق رئيسها عبد الله جاب الله. ولم ترق هذه التحالفات، حسب عديد الخبراء، إلى مستوى طموحات الشعب الجزائري وأهدافه المنتظرة، ما يعكس هذا التراجع المتواصل في نتائجها في الانتخابات وفي ضعف انتشارها في مناطق البلاد وبين عموم المواطنين.