ترجمة وتحرير: نون بوست
تعتزم إدارة دونالد ترامب مطالبة المقاتلين الأكراد في سوريا بإعادة الأسلحة الأمريكية التي تمت إعارتها لهم من أجل محاربة تنظيم الدولة. في الوقت ذاته، لا تنوي الإدارة الأمريكية إنهاء الدعم الموجه للأكراد في سوريا بشكل نهائي، على الرغم من الضغوط المتزايدة من قبل تركيا، أحد أبرز حلفائها في الناتو. في الأثناء، يبدو أن البيان الصادرعن المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون، يوم الاثنين، يُعد نفيًا للتطمينات التي جاءت على لسان دبلوماسيين رفيعي المستوى في تركيا، والتي تفيد أن ترامب وعد بوقف الدعم الموجه للعناصر الكردية التي تنشط ضمن قوات سوريا الديمقراطية.
في الواقع، تصنف تركيا الفصيل الكردي ضمن قوات سوريا الديمقراطية، الذي يطلق عليه اسم وحدات حماية الشعب، على اعتباره من المجموعات الإرهابية. وفي هذا السياق، أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة هوكابي ساندرز، خلال مؤتمر صحفي، عُقد يوم الاثنين أنه “فور بداية سلسلة الانتصارات التي حققناها في إطار الحملة التي نقودها ضد تنظيم الدولة، بات جزء من خطتنا إثر ذلك يتمحور حول تقليص الدعم الذي نقدمه لبعض المجموعات”.
وأضافت هوكابي ساندرز أنه “في الوقت الراهن، ونظرا لأننا نتقدم بخطى ثابتة نحو القضاء على دولة الخلافة… فنحن في وضع يمكننا فيه وقف الإمدادات العسكرية لصالح مجموعات معينة. ولكن هذا لا يعني وقف الدعم الموجه للمجموعات التي تنشط بصفة فردية”. من جانبه، أفاد أحد المسؤولين الأمريكيين، خلال مقابلة مع موقع “المونيتور”، أن “البنتاغون لم يكن يهدف على الإطلاق إلى تقديم الأسلحة بصفة دائمة إلى فصائل وحدات حماية الشعب التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، بل قام بإعارتها لها طوال فترة الصراع ضد تنظيم الدولة في سوريا”.
حصلت منظمة العفو الدولية على تقرير يشمل عملية تدقيق من قبل الحكومة الأمريكية، الذي ضمنته انتقادات للجيش بسبب فشله في تعقب أكثر من مليار دولار من المعدات المخصصة للجيش العراقي والميليشيات الشيعية وقوات البيشمركة الكردية
خلال العمليات العسكرية، رفض البنتاغون وضع جدول زمني محدد للمعارك، التي استغرقت أشهر، في إطار المساعي لاستعادة السيطرة على الرقة وغيرها من المدن السورية، علما وأن نسق تقدم المعارك كان سريعا أكثر مما كان متوقعا. وحيال هذا الشأن، قال مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية إن “عملية دعم الأكراد السوريين، التي باتت تخضع لإعادة تقييم منذ أن أذن ترامب بتعزيز الدعم العسكري الموجه للقوات المدعومة من قبل الولايات المتحدة في وقت سابق من هذه السنة، ستستمر في الوقت الحالي”.
في الآونة الأخيرة، قدمت الحكومة الأمريكية مجموعة من معدات الاتصالات لفائدة قوات الأمن الداخلي في الرقة، التي تعد بمثابة وحدة شرطة كردية وعربية مُكلفة بتحقيق الاستقرار في المنطقة بعد سقوط تنظيم الدولة. وحيال هذا الشأن، أفاد بعض المسؤولين في قوات التحالف أنهم لم يتلقوا أي أوامر تنص على وقف تسليم المعدات التي خصصها البنتاغون للمقاتلين في سوريا. في السياق ذاته، أفاد المتحدث باسم البنتاغون، الكولونيل روب مانينغ، أن “البنتاغون بصدد إلقاء نظرة شاملة ودقيقة على التعديلات التي يتعين عليه القيام بها في إطار عمليات الدعم لصالح شركائنا الكرديين”.
خلال هذه الصائفة، أكد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للإطاحة بتنظيم الدولة أنه قد أنشأ قاعدة بيانات لرصد الأرقام التسلسلية للأسلحة بغية إبقاء جل المعدات العسكرية التي تم تقديمها لوحدات حماية الشعب بعيدا عن الأيدي العابثة. ووفقا لما جاء على لسان مسؤول في قوات التحالف خلال حوار أجراه مع موقع “المونيتور”، لم يطرأ، حتى الوقت الراهن، أي تغيير فيما يتعلق بمستويات أو أنواع الدعم التي تقدمها قوات التحالف لفائدة قوات سوريا الديمقراطية. من جهتها، أوضحت وزارة الدفاع أنها تتقاسم قوائم المعدات العسكرية الرئيسية المقدمة إلى وحدات حماية الشعب، على غرار المدافع الرشاشة الثقيلة وسيارات هامفي العسكرية، مع تركيا لضمان استرجاعها بصفة آمنة، فضلا عن أنها تعتزم استعادة “السيارات الكبيرة والأسلحة الثقيلة أو التي تستخدمها مختلف المجموعات العسكرية” بمجرد هزيمة تنظيم الدولة.
في الحقيقة، لا تعتبر الجهود التي يبذلها البنتاغون سابقة من نوعها، حيث تم توثيق العديد من العمليات لاستعادة الأسلحة، في حين وقع توثيق محاولات أخرى لتتبع الإمدادات للجماعات المسلحة، بشكل غير دقيق. وخلال شهر أيار / مايو، حصلت منظمة العفو الدولية على تقرير يشمل عملية تدقيق من قبل الحكومة الأمريكية، الذي ضمنته انتقادات للجيش بسبب فشله في تعقب أكثر من مليار دولار من المعدات المخصصة للجيش العراقي والميليشيات الشيعية وقوات البيشمركة الكردية.
لم يتبق سوى حوالى ثلاثة آلاف مقاتل من تنظيم الدولة يتموقعون في شرق سوريا وغرب العراق، علما وأن عددهم كان يناهز 45 ألف مقاتل عند إعلان التنظيم عن قيام دولة الخلافة سنة 2015
في الواقع، ورد هذا التقرير على خلفية تقرير بحثي صادر سنة 2015، من قبل منظمة مكافحة العنف المسلح، التي تقوم برصد الأسلحة، والتي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها. وقد كشف التقرير البحثي أن البنتاغون لا يملك سجلات لأكثر من نصف الأسلحة التي وقع تسليمها لجهات معينة في العراق وأفغانستان والبالغ عددها 1.45 مليون قطعة. في حقيقة الأمر، وخلال أوائل التسعينات، أنفقت وكالة المخابرات المركزية ملايين الدولارات في أفغانستان لاسترداد صواريخ ستينغر المضادة للطائرات التي سلمت للجماعات الجهادية خلال فترة الحرب ضد الاتحاد السوفيتي، والتي حققت نجاحا محدودا آنذاك.
مؤخرا، صرح البنتاغون الأمريكي أنه قد تمكن من استعادة بعض الأسلحة الثقيلة من لواء شهداء القريتين في سوريا بعد أن قطعت الولايات المتحدة علاقاتها مع هذا الفصيل المعارض، نظرا لأنه قرر أن يحارب القوات الموالية لبشار الأسد بدلا من التركيز على هزيمة تنظيم الدولة. في المقابل، أفاد مسؤولون أمريكيون أنهم لم يتمكنوا من استعادة شاحنات ومعدات أخرى سُلمت لهذا الفصيل.
في شأن ذي صلة، أكد بعض الخبراء أنه “مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف المشاكل، ستكون عملية إعادة الأسلحة الأمريكية من أيدي وحدات حماية الشعب، وإبقائها بعيدا عن متناول الجماعات المسلحة على غرار تنظيم الدولة أمرًا يصعب تنفيذه على أرض الواقع”. وفي السياق ذاته، أفاد الباحث البارز ضمن مشروع للدراسات الاستقصائية للأسلحة الصغيرة، الذي يتخذ من سويسرا مقرا له، مات شرودر، أنه “هناك الكثير مما يمكن القيام به عن بعد للتأكد من أن الأسلحة قد وقعت في أيدي الجهات المعنية، وخاصة في ساحة المعركة”. وأضاف المصدر ذاته أنه “من الصعب للغاية القيام بذلك عند التعامل مع جهات فاعلة غير حكومية لأنها في الكثير من الأحيان لا تخصص مستودعات لهذا الغرض”.
من جانب آخر، خصص الكونغرس بموجب قانون تفويض الدفاع الوطني لسنة 2018، 500 مليون دولار أخرى لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا حتى شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، فضلا عن تجهيز خمسة آلاف جندي إضافي من المتمردين بأسلحة كلاشنكوف، وبنادق رشاشة ثقيلة وبنادق قناصة، وتوفير أكثر من 21 مليون دولار لسداد مرتبات المقاتلين. في الحقيقة، تشمل هذه المخصصات الأسلحة المراد تقديمها للأكراد السوريين، فضلا عن بعث منشآت مؤقتة يمكن استخدامها للتخطيط للعمليات والاحتفاظ بمخزونات الأسلحة والذخائر التي تأتي بالأساس من المنشآت الأمريكية التي تتمركز في الكويت والأردن لمنع انتشار تلك الأسلحة في ساحة المعركة.
صرح المدير التنفيذي لمنظمة مكافحة العنف المسلح، إيان أوفرتون، أن “هؤلاء الأكراد يقاتلون من أجل التمتع بالحريات الي يؤمنون بها. وبالتالي، يبقى السؤال: هل سيعيد الأكراد بنادقهم؟”
في ظل هزيمة تنظيم الدولة تقريبا على أرض المعركة، أفاد بعض المسؤولين في البنتاغون أنهم غير متأكدين من مقدار المال الذي سيبادرون بطلبه من الكونغرس. في الأثناء، لم يتبق سوى حوالى ثلاثة آلاف مقاتل من تنظيم الدولة يتموقعون في شرق سوريا وغرب العراق، علما وأن عددهم كان يناهز 45 ألف مقاتل عند إعلان التنظيم عن قيام دولة الخلافة سنة 2015.
عموما، قد تكون الجهود المبذولة لاستعادة الأسلحة من وحدات حماية الشعب أكثر صعوبة في الوقت الذي تدفع فيه روسيا للتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا من شأنها أن تعزز من قوة الرئيس بشار الأسد. فقد سعى الرئيس السوري إلى إعادة السيطرة على البلاد التي مزقتها الحرب، بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال، والتي تتطلع إلى الحصول على الاستقلال عن نظام دمشق. في سياق متصل، صرح المدير التنفيذي لمنظمة مكافحة العنف المسلح، إيان أوفرتون، أن “هؤلاء الأكراد يقاتلون من أجل التمتع بالحريات الي يؤمنون بها. وبالتالي، يبقى السؤال: هل سيعيد الأكراد بنادقهم؟”.
وتابع المصدر ذاته أن “الجهود الرامية إلى استرداد الأسلحة يمكن أن تسلط الضوء على الإجراءات المحاسبية المصنفة في البنتاغون، التي تمنح الكونغرس والجهات الرقابية المستقلة شعورا أفضل إزاء سياسة الأسلحة التي تتبعها الولايات المتحدة”. وأردف أوفرتون أن “سياسة البنتاغون السابقة كانت تركز على تسليح الدول القومية التي يمكن أن تتبع وترصد المعدات العسكرية، بدلا من الجهات الفاعلة من غير الدول”. وقد تساءل إيان أوفرتون عن كيفية تسجيل جميع المعدات التي يتم إعارتها لبعض الجهات؟ في حين أكد أن هذا الأمر يفتح بابا للجدل يصعب إغلاقه بشأن الطريقة التي تقوم بها الولايات المتحدة بتسليح العديد من المجموعات حول العالم.