أسابيع قليلة وتعلن السلطة الفلسطينية افتتاح أول بنك مركزي رسمي يمثلها محليًا وعربيًا ودوليًا، بعد استكمالها متطلبات التحول اللازمة لإنشاء بنك مركزي متكامل لأول مرة الذي سيصبح بديلاً لسلطة النقد الحاليّة.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس اعتمد قانون “البنك المركزي الفلسطيني”، قبيل نهاية عام 2017، وتم وضع اللمسات الأخيرة لإطلاقه رسميًا بعد تجهيز المبنى المركزي الذي سيكون في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة.
وسيهتم البنك المركزي الفلسطيني الأول من نوعه بتطوير ومعالجة المصارف الفلسطينية واستحداث نظم الرقابة المالية، وقد يشكل الخطوة الأولى نحو انطلاق عملة فلسطينية خاصة للتعامل بها في السوق المحلية، والاستغناء عن العملية الإسرائيلية، بحسب مسؤولين في السلطة الفلسطينية.
التحلل من التبعية الإسرائيلية
وكانت السلطة أعدت خطة إستراتيجية رسمية في عام 2006 لتحويلها إلى بنك مركزي كامل الصلاحيات أسوة بباقي دول العالم، في ظل تحقيق الهدف النهائي المرجو من السياسة النقدية للدولة الفلسطينيّة المستقبليّة، ولكنها واجهت معيقات عدة.
عزام الشوا محافظ سلطة النقد الفلسطينية، قال إن “البنك المركزي حلم الجهاز المصرفي الفلسطيني، وصلنا إلى المراحل النهائية من الإجراءات والموافقات والمتطلبات قبيل الإعلان الرسمي”، مضيفًا: “المبنى يعد أحد أهم شروط التحول لبنك مركزي، فالمبنى جاهز بمواصفاته كافة منذ شهور، وهناك أنظمة معمول بها تؤهلنا للتحول”.
عزام الشوا: سيقوم الرئيس عباس بالتوقيع قريبًا قبل نهاية العام قانون البنك المركزي الفلسطيني بنسخته النهائية، وبذلك سيتم استكمال الإطار القانوني لتأسيس البنك المركزي
وأضاف الشوا: “سلطة النقد نشأت في الأساس لتكون نواة للبنك المركزي لدولة فلسطين، إذ جاء قانون سلطة النقد رقم 2 لسنة 1997 مقيدًا بنصوص اتفاق باريس الاقتصادي، الذي جعل الاقتصاد الفلسطيني مرتبطًا بـ”إسرائيل”، من خلال سيطرتها على المعابر والمواني، كما تم وضع خطة التحول الإستراتيجي عام 2006، بمساعدة الخبراء في البنوك المركزية العالمية والمؤسسات الدولية وبالتشاور معهم”.
وتابع الشوا أن “السلطة عملت على تطوير قدرات كادرها البشري وطاقاته منذ أعدت الخطة عام 2006، كما عملت على معالجة المصارف الضعيفة وتحصين المصارف ضد المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة، من خلال رفع الحد الأدنى لرؤوس أموال المصارف، واستحداث العديد من الأنظمة الرقابية والائتمانية ونظم المدفوعات المتطوّرة، لا سيما بعد تأسيس مؤسسة ضمان الودائع”.
وبين الشوا أن الرئيس عباس سيوقع قريبًا قبل نهاية العام قانون البنك المركزي الفلسطيني بنسخته النهائية، وبذلك سيتم استكمال الإطار القانوني لتأسيس البنك المركزي، وسيمهد قانونًا لصلاحيات سلطة النقد في ممارسة السياسة النقدية والاطلاع بدورها في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي، إذ سيحل محل قانون “سلطة النقد” .
وفيما يتعلق بالتغييرات التي ستطرأ على عملية تحويل السلطة إلى بنك مركزي، بين الشوا أن قانون البنك المركزي الذي سيصادق عليه الرئيس ينص على أهداف واضحة قابلة للقياس، وصلاحيات كافية لتحقيق هذه الأهداف، بما يحقق الاستقلالية، فضلًا عن وسائل للمراقبة والمساءلة، لافتًا إلى أن القانون ينص صراحة على منع البنك من تقديم قروض إلى الحكومة، ويمنحه الحصانة والاستقلالية من قبول تعليمات من أطراف أخرى في صياغة مسؤولياتها وتنفيذها، وفقًا للمعايير والممارسات الدولية التي يؤكد عليها صندوق النقد الدولي، وذلك خلافًا للقانون الحاليّ لسلطة النقد الذي سيتم إلغاء العمل به فور مصادقة الرئيس على قانون البنك المركزي، إذ نصت المادة 36 من قانون سلطة النقد على جواز تقديم سلف وقروض إلى الحكومة.
وأشار الشوا إلى أن قانون البنك المركزي يتضمن أحكامًا تنظم عملية إصدار العملة وإدارتها، ويعمل على سد الفجوات القائمة ومعالجة عدم التناسق في القوانين الحاليّة والتعليمات التطبيقية، بما يوفر إطارًا متكاملًا ومتناسقًا من القوانين، لضمان تحقيق الاستقرار المالي والنقدي.
وتشرف “سلطة النقد الفلسطينية” في الوقت الحاليّ على 15 مصرفًا عاملاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتراقب أنشطتها، وهي 7 بنوك محلية و8 بنوك وافدة (7 أردنية وبنك واحد مصري).
“البنك المركزي” عبارة عن مؤسسة نقدية اقتصادية مستقلة إداريًا وماليًا عن الحكومة، لكنها تنفذ السياسة العامة للدولة
عقبات في الطريق
وعن المعيقات التي واجهت السلطة خلال إنشاء البنك، فقد تمثّلت وفق الشوا، ظروف الشعب الفلسطيني السياسية، كونه واقعًا تحت الاحتلال، فضلًا عن الاضطرابات والخلافات السياسية الفلسطينية الداخلية، علاوة على غياب العملة الفلسطينية وتعدد العملات المتداولة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يقيد قدرة سلطة النقد على القيام بوظيفتها في تحقيق الاستقرار النقديّ.
وعن وقت إصدار عملة فلسطينية، نوه الشوا بأن إقرار قانون البنك المركزي لا يعني إصدار النقد، قائلًا: “لقد أكدت السلطة في مختلف تقاريرها وبشفافية تامة أن الوقت غير مناسب لإصدار نقد فلسطيني، لما في الأمر من خطورة عالية”.
و”البنك المركزي” عبارة عن مؤسسة نقدية اقتصادية مستقلة إداريًا وماليًا عن الحكومة، لكنها تنفذ السياسة العامة للدولة، ويعتبر البنك المركزي مستشار الحكومة المالي والنقدي وبنك البنوك، وله دور كبير في تحقيق الاستقرار النقدي والتنمية.
وهنا يوضح الحسن علي بكر المحلل المالي الدولي، أن تحول سلطة النقد لبنك مركزي بالوقت الحاليّ لن يغير شيئًا على أرض الواقع، ولكن تكمن فائدته بأن تكون له صلاحيات كبيرة، من بينها تكون فلسطين قادرة على إصدار عملة نقدية وطنية ووضع السياسات النقدية، وبالتالي ستتكون منظومة نقدية كاملة، لأن صلاحية سلطة النقد محدودة بالنسبة للبنك المركزي.
وأكد بكر أن التعامل مع البنك المركزي عالميًا يكون بشكل أوسع من المرحلة الحاليّة، والبنك المركزي نقطة مهمة لإقامة الدولة الفلسطينية، وسيتم إدراج اتفاقيات حديثة على مستوى عالمي، كانت أكبر من صلاحيات سلطة النقد، لكن سيتعامل معها البنك المركزي الفلسطيني الجديد.
استقرار نقدي
وأشار إلى أن البنك المركزي، سيؤدي إلى استقرار نقدي في الأراضي الفلسطينية على المدى البعيد، ويعطي قوة أيضًا لتعزيز إصدار عملة وطنية، وهذا التحول يعتبر خطوة في الاتجاه السليم، ونوه إلى أن وجود البنك المركزي الفلسطيني من شأنه أن يعطي قدرة أكبر على تعزيز السيولة في الأسواق ويزيد من عملية الإقراض للقطاع الخاص، ويساهم بالدفع بعجلة الإنتاج.
وأشار إلى أن اتفاقية أوسلو لا تمنع السلطة الفلسطينية من إصدار عملتها الخاصة، لكن شروط الإصدار غير متوفرة، نظرًا لنقص السيادة الفلسطينية على المعابر وضعف الموارد الإنتاجية.
بدوره، أكد أمين أبو عيشة، المختص بالشأن المالي والاقتصادي، أن سلطة النقد الفلسطينية، قادرة بشكل ممكن أن تؤدي كافة مهام البنك المركزي، وقادرة على مراقبة المصارف الفلسطينية بشكل متين، وأن سلطة النقد الفلسطينية في دور متقدم بالنسبة للدول الأخرى من حيث المساءلة والمحاسبة والشفافية والأرقام المحاسبية والإفصاح المعلوماتي، وأنها تُودع مجموعة كبيرة من عملات الشيكل والدينار والدولار واليورو والجنيه المصري.
منذ اتفاقية أوسلو للحكم الذاتي الفلسطيني الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993، تم إنشاء جسم رقابي على القطاع المصرفي الخاضع لمناطق السلطة الفلسطينية
وأوضح أبو عيشة، أن على مدار السنوات السابقة كان هناك عدم تحكم بالسياسات النقدية والتجارية والمالية، وغير متحكمين في السياسة النقدية من حيث الإصدار النقدي، ولا سياسة السيطرة على الجباية على المعابر الفلسطينية.
وشدد على أن البنك المركزي في الدول العربية والأجنبية كافة يؤدي إلى تحقيق نوع من الاستقرار المالي والنقدي، وكذلك سيحدث في فلسطين عند إنشاء البنك المركزي بشكل تام، لأنه عند إصدار العملة فإن الدولة ستمتلك سياسة اقتصادية ونقدية، وقديمًا كان إصدار العملة النقدية مرتبط بقيمة الاحتياطي من الذهب أو الموجودات كالنفط أو أي عملة أجنبية أخرى، أما حاليًّا في ظل وجود الأزمات المالية والنقدية، تقوم البنوك كافة بعمليات الإصدار الحر.
ومنذ اتفاقية أوسلو للحكم الذاتي الفلسطيني الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993، تم إنشاء جسم رقابي على القطاع المصرفي الخاضع لمناطق السلطة الفلسطينية، هذا وبلغ إجمالي أصول القطاع المصرفي الفلسطيني حتى نهاية أغسطس/آب الماضي، 15.1 مليار دولار، وفق أرقام سلطة النقد الفلسطينية.
وبلغت محفظة التسهيلات (القروض) حتى نهاية أغسطس/آب الماضي 7.7 مليار دولار، وودائع بقيمة 11.4 مليار دولار، فيما يبلغ عدد موظفي القطاع المصرفي الفلسطيني 6790 موظفًا، في المقابل، يبلغ إجمالي نسبة القروض المتعثرة (القروض التي استحقت أقساطها ولم تُدفع) في القطاع المصرفي الفلسطيني 2.2%.