خطوات متسارعة اتخذتها حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية جاءت بعد خطاب القيادي في حركة حماس خليل الحية خلال مؤتمر صحفي عقدته الحركة في مدينة غزة في 27 من نوفمبر 2017 قال فيه: “كل من تم تعيينه منذ الحكومة العاشرة خط أحمر لن نقبل بتجاوزه، موضوع الموظفين وطني بامتياز ولا يخص حماس فقط، ونحن ندعمهم بكل قوة”. وشدد الحية على ضرورة التزام الحكومة باتفاق القاهرة في شهر أكتوبر الماضي الذي ينص على صرف رواتب موظفي غزة عن شهر نوفمبر، بداية الشهر المقبل.
وأقر مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته الـ180 عودة جميع الموظفين المعينين قبل 14/6/2007 إلى عملهم، وصرح رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله عبر صفحته على الفيسبوك مخاطبًا موظفي المحافظات الجنوبية أي قطاع غزة قائلًا: “الحكومة ارتأت الإيعاز لوزرائها بالعمل على إعادة الموظفين القدامى إلى أماكن عملهم حسب الحاجة ووفق ما تقتضيه مصلحة المواطن والعمل الحكومي بهدف التخفيف من معاناة المواطنين والسير خطوة للأمام باتجاه عملية تكريس المصالحة وفقًا لاتفاق القاهرة 2011 والاتفاق الأخير”.
التصريحات أثارت جدلًا واسعًا في الوسط السياسي الفلسطيني، فقد أصدرت حركة الجهاد الإسلامي بيانًا صحفيًا قالت فيه: “الدعوة لعودة الموظفين السابقين لعملهم قبل إتمام عمل اللجنة القانونية والإدارية لمهامها استعجال في غير موضعه قد يعكس تداعيات سلبية على إجراءات تطبيق المصالحة، وقد كان الأولى بالحكومة توفير مستلزمات الحياة الكريمة لشعبنا في غزة، ورفع الإجراءات العقابية ووقف تقليصات الكهرباء التي فرضت بقرار من السلطة”.
ينظر محمد الزمر أحد موظفي حركة حماس الموجودين على رأس عملهم أن الخلاف بين حماس وفتح على المستوى القيادي تحول إلى صراع بين الموظفين البسطاء وتحريضهم ضد بعض لاستعادة زخم الاقتتال الداخلي
حالة إرباك في وزارات غزة
وبدأ الموظفون العودة لوزاراتهم المنتسبين إليها، إلا أن نقابة الموظفين في قطاع غزة أصدرت قرارًا لمندوبيها في الوزارات والمؤسسات الحكومية بمنع السماح لأي موظف من موظفي السلطة القدامى الدخول للوزارات.
وأوضحت النقابة في بيان لها أن “القرار يشمل منع “المستنكفين” من الدوام في الوزارات بهذا الشكل العشوائي الذي يهدف لخلق وقائع على الأرض وضرب الموظفين ببعضهم وخلق إشكاليات كبيرة، وحتى يتم الاعتراف بشرعية موظفي غزة ودمجهم في السلطة الفلسطينية”.
عماد أبو هداف أحد موظفي وزارة الأوقاف الفلسطينية الذي استدعته حكومة التوافق للعمل بعد 11 عامًا من الجلوس في بيته قال لـ”نون بوست”: “طرد موظفي السلطة من الوزارات بهذا الشكل الممنهج والمنسق جماعيًا، من نقابة الموظفين التي لم نسمع صوتها خلال 11 عامًا، واستيقظت فجأة لتطالب بحقوق الموظفين دلالة واضحة أنه لم يكن هناك تمكين”.
ويرى المختص في الشأن الفلسطيني والباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات محمد العيلة أن هناك تدافع غير محمود بين طرفي الانقسام، وسلوك انتقامي واضح. ويقول لـ”نون بوست”: “أثارت حركة حماس شهية حركة فتح بتنازلاتها غير المسبوقة، وأدخلت نفسها في ممر إجباري من التنازلات التي لا يمكن كبحها، بأدواتها الخاصة، وتلجأ حركة حماس حالًًّا لاستنطاق الفصائل أو استخدام الوسيط المصري أو توظيف حالة الغضب الشعبية لوقف التنازلات الحمساوية”.
عزام الأحمد بدا أكثر صراحة في أثناء ظهوره في برنامج بلا حدود الذي تبثه قناة الجزيرة، حيث أفصح عن صفقة القرن التي تحاول أمريكا تمريرها، التي سبقتها خطوات خطيرة أهمها إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن
ويضيف العيلة أن “سقف التنازل الحمساوي، وتوفير الأمان للرئيس عباس حيال الأجندة الخفية للتحرك المصري تجاه المصالحة لتمرير صفقة سياسية كبرى تنبري عليها مشاريع اقتصادية هما العاملان الأساسيين في مستقبل المصالحة”.
وينظر محمد الزمر أحد موظفي حركة حماس الموجودين على رأس عملهم أن الخلاف بين حركتي حماس وفتح على المستوى القيادي تحول إلى صراع بين الموظفين البسطاء وتحريضهم على بعض لاستعادة زخم الاقتتال الداخلي، وهذا يعبر عن سوء النوايا وعدم الاكتراث لأزمات الموظفين. وقال الزمر لنون بوست: “قضية الموظفين يجب أن تحل في اجتماعات القادة لا أن تترك لعاطفة البسطاء لتقود لحرب داخلية جديدة”.
المصالحة مؤجلة وحركة حماس تصعد وحركة فتح تبدو أكثر صراحة
في اليوم الأول لعودة موظفي السلطة استدعت حركة حماس بقيادة يحيى السنوار في غزة جميع الفصائل لاجتماع طارئ بحضور المخابرات المصرية وحركة فتح ولمدة خمس ساعات متواصلة، ووصفت لهجة حركة حماس في الاجتماع بالتصعيدية حيث خرج الاجتماع بتأجيل استلام حكومة الوفاق لمهامها في قطاع غزة من الأول من ديسمبر إلى العاشر من ديسمبر، وقد تكون هذه الخطوة لاستدراك حالة الاحتقان الداخلي بين الموظفين.
وكانت نقابة الموظفين في قطاع غزة قد هددت بالنزول إلى الشوارع إذا لم تلتزم حكومة الوفاق باستلام قطاع غزة في موعده المحدد أول ديسمبر، لكن تأجيل موعد الاستلام قد يؤجل هذه الخطوة مؤقتًا.
كشفت تصريحات لنائب الرئيس الأمريكي مايك بينس الثلاثاء الماضي نية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وليس بالضرورة أن يشمل الحل الذي يطرحه ترامب دولة فلسطينية
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أصدر قرارًا بمنع قيادات حركة فتح من التصريح بخصوص المصالحة حفاظًا على استقرار المشهد السياسي الدافع للمصالحة الفلسطينية، وخوفًا من انزلاق الأمور بعد التراشق الإعلامي الجديد بين الأطراف الفلسطينية في الساحة.
عزام الأحمد بدا أكثر صراحة في أثناء ظهوره في برنامج بلا حدود الذي تبثه قناة الجزيرة، حيث أفصح عن صفقة القرن التي تحاول أمريكا تمريرها، التي سبقتها خطوات خطيرة أهمها إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وكشفت تصريحات لنائب الرئيس الأمريكي مايك بينس الثلاثاء 28-11-2017 نية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وليس بالضرورة أن يشمل الحل الذي يطرحه ترامب دولة فلسطينية.
هذا التصريح جعل حركة فتح في مأزق أكثر لتهرب من الضغوطات بإنجاز ملف المصالحة، رغم توتر العلاقة بينها وبين النظام المصري الحاكم، لكن تمسكها بالوسيط الأمريكي قد يفشل كل الخطوات السياسية القادمة للسلطة فلن تكسب على الصعيد السياسي الخارجي مع الاحتلال برعاية أمريكا وفي نفس الوقت ستخسر المصالحة الفلسطينية وفرصة توحيد غزة والضفة تحت نظام سياسي واحد من جديد.