مع قرب موعد الانتخابات العامة التي حُددت في الشهر الـ5 من العام المقبل ٢٠١٨ “مجالس المحافظات ومجلس النواب” ترتفع الأصوات الشعبية والسياسية بين مؤيد لإجرائها في تاريخها ومعارض عازيًا ذلك لسببين: أحدهما الوضع المادي السيء في البلد، والثاني وجود الآلاف من النازحين ممن لم يعودا لديارهم لحد الآن، فضلاً عن النفسية “المدمرة” والأجواء غير المناسبة لعقدها في المحافظات التي حُررت مؤخرًا.
ورغم انعدام البيئة المناسبة لعقدها على الكثير من الأصعدة والجوانب اللوجستية والفنية، فإن الصراع السياسي احتدم في الأسابيع الأخيرة ووصل أمدية لا يمكن إخفاؤها وآخرها الجولات المكوكية لبعض السياسيين والزيارات لبعض المحافظات ممن بدأو حملتهم الانتخابية مبكرًا، ولا أريد ذكر أسماء أو القدح أو المدح لأحد والقارئ أظنه متابعًا جيدًا للأخبار.
سلاح بعض السياسيين هو الشارع، حيث بإمكانه تحريك الشارع متى شاء وفي أي مكان يريد، والثاني سلاحه التسقيط وضرب الخصوم والانتقاص منهم وإلصاق التهم بهم، على خلاف من لديه قوة السلاح والسطوة على الكثير من مفاصل الدولة بل وحتى التأثير الأكبر في مفوضية الانتخابات “المنتخبة”.
فيما يواصل الصدر ضغوطه عبر قاعدته الجماهيرية الناشطة في تظاهرات أسبوعية استجابة لطلب زعيمها، يسعى الخصم الثاني المالكي إلى تضييق حدود قدرة الصدر على استخدام الشارع
مطالبات السيد مقتدى الصدر بدأت تتزايد بضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط وإبعاد الفاسدين، وفعليًا بدأ بكتلته النيابية ونستطيع القول إنه أذاب كتلته داخل مجلس النواب بعد طرده أو على الأقل سحب الدعم من الكثيرين.
الكتل “السنية” باتت منقسمة على نفسها بين مؤيد للتأجيل ومعارض كون ناخبيه لم يعودوا لمناطقهم.
التحالف الوطني هو الآخر ليس أوفر حظًا من منافسيه، فهناك آراء كثيرة داخله “بموعدها وتأجيلها”، والخوف من ضغط أمريكي قد يفرض حالة طوارئ بالبلاد، وهذا ما ذكره المالكي بأكثر من مناسبة ومكان، بعد الضغط باتجاه تأجيلها ودخول البلد بحالة فراغ دستوري على حد قوله!
بالمقابل تؤكد أطراف سياسية حاليّة أن الاتجاه للتأجيل قوي خصوصًا بعد تقديم مبعوث الأمم المتحدة ورقة بطلب تأجيلها لأن غالبية سكان المناطق السنية لم يعودوا نتيجة الدمار، وأيضًا لمنعهم من العودة من بعض الفصائل المسلحة.
وفي مقال لي سابق قريب من هذا الموضوع تحدثت عن تناقضات الواقع السياسي والمفاجآت المحتملة قبيل وبعد موعد الانتخابات، خصوصًا بعد أن أصبح التصويت إلكترونيًا، فلا الملايين من النازحين لديهم بطاقة تصويت، ولا الشعب مؤهل ثقافيًا لخوض هكذا تجربة جديدة وفريدة في البلد، حيث إن التصويت والنتائج ستظهر بنفس اليوم.
الكتل “السنية” ليست بعيدة عن الكتل “الشيعية”، فكلاهما طامح بالبقاء بالمنصب والتمتع بالامتيازات المقدمة له على حساب خراب وفقر المواطن العراقي المسكين
وغير بعيد من هذا السياق، وخلال ظهوره في مؤتمر المصالحة منذ أشهر الذي عقد في النجف وحضره الرئيس معصوم والمطلك وفي أثناء تشغيل أغاني “البعث”: “ياكاع ترابك كافور”، أكد المالكي أن “هناك من يدبر المؤامرات ضد العملية السياسية، عبر محاولات تأجيل الانتخابات”، وأضاف أن العراقيين صمموا على محاربة الإرهاب والجماعات الإرهابية، ويجب المضي في محاربة الفكر التكفيري، مؤكدًا “نؤمن بالانتخابات والتداول السلمي للسلطة، وندعو إلى عدم تأجيلها، لأن المؤامرة الخفية تقف خلف عملية تعطيلها لفتح الباب أمام التدخلات”.
الصراع بدا جليًا بين أكبر التيارات الشيعية، ففيما يواصل الصدر ضغوطه عبر قاعدته الجماهيرية الناشطة في تظاهرات أسبوعية استجابة لطلب زعيمها، يسعى الخصم الثاني المالكي إلى تضييق حدود قدرة الصدر على استخدام الشارع، وهو يدعم تشريع قانون “حرية التعبير والتظاهر” الذي يقيد التظاهرات ويربطها بموافقات أمنية وإدارية صعبة، فضلاً عن انشقاق السيد عمار الحكيم وتشكيله تيار الحكمة الخاص به.
الكتل “السنية” ليست بعيدة عن الكتل “الشيعية”، فكلاهما طامح إلى البقاء بالمنصب والتمتع بالامتيازات المقدمة له على حساب خراب وفقر المواطن العراقي المسكين، حيث لا خدمات ولا بُنى تحتية ولا حتى التفكير “فعليًا” بالمناطق التي تمت استعادتها مؤخرًا التي لا يزال يعاني أهلها الأمرّين من عدم التعويض وانعدام الكهرباء بشكل تام، باستثناء المولدات الكهربائية أو التضييق بالدخول والخروج من المدينة ولم تعد سيطرة الصقور سيئة الصيت وأخبارها المزعجة خافية على أحد، لنر إذًا لمن ستكون الكفة، للمؤيدين أم للمعارضين لإجرائها.