أدرجت باكستان، في خطوة متأخرة هذا الشهر، ميليشيات “زينبيون” التابعة للحرس الثوري الإيراني، والعاملة إلى جانب نظام الأسد في سوريا، على قوائم الإرهاب، ليرتفع عدد المنظمات المصنفة كمنظمات إرهابية في باكستان إلى 79 منظمة.
وأوضح توجيه لوزارة الداخلية الباكستانية، أن تلك الجماعة المسلحة “منخرطة في أنشطة معينة تضر بالسلام والأمن” في البلاد، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
فيما نقل موقع “ديلي أوردو” الباكستاني عن مسؤولين باكستانيين، أن لواء زينبيون المتشدد والمتشكل عام 2013 تابع لـ”سباه محمد (فيلق محمد)”، ولديه تمويل أجنبي، وتصرفاته تشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي الباكستاني.
في أغسطس/آب 2001، في عهد الرئيس العسكري السابق الجنرال برويز مشرف، حظرت وزارة الداخلية الباكستانية “سباه محمد” لأول مرة، بتهمة التورط في الإرهاب الطائفي.
ويضم اللواء الخاضع لعقوبات أمريكية منذ عام 2019، والمسلح إيرانيًا، مقاتلين شيعة باكستانيين، بدأوا بالقتال لحماية نظام بشار الأسد من السقوط وتعزيزًا للنفوذ الإيراني، بعد أن زج بهم قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني لمواجهة المعارضة السورية عقب اندلاع الاحتجاجات عام 2011، بحجة حماية المراقد الشيعية، لا سيما مرقد السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق.
نواة زينبيون الأولى
حسب مركز أبحاث مينا (مقره النمسا)، تشير التقديرات إلى أن عدد عناصر مقاتلي زينبيون يتراوح بين ألفين و5 آلاف، إلا إن عددهم أكثر من ذلك بكثير حسب مسؤولين في الاستخبارات الباكستانية، وبراتب شهري يتراوح بين 700 و750 دولارًا أمريكيًا، ووفقًا لإعلان تجنيد على صفحة زينبيون في فيسبوك، كان راتب بعض المتطوعين 1100 دولار شهريًا، وإجازة لمدة 15 يومًا كل 3 أشهر.
ويضم اللواء العابر للحدود مرتزقة من المهاجرين الشيعة الباكستانيين غير الشرعيين، واللاجئين والفقراء الذين يعيشون في إيران، معظمهم متعلمون بشكل أكبر مقارنة مع المجموعات الأخرى المدعومة من إيران، إذ إن كثيرًا من المقاتلين المنتمين إلى اللواء من الطلاب الباكستانيين الذين سافروا إلى إيران بهدف التعليم، أو من الحجاج الباكستانيين الذين يزورون إيران بهدف أداء الشعائر الشيعية.
وتعد جامعة المصطفى العالمية في مدينة قم الإيرانية النواة الأولى للتنظيم، ومن أهم نقاط التحاق الطلبة الباكستانيين به، الذي يشكل القسم الأكبر منهم البشتونيون (جماعة عرقية في باكستان وأفغانستان)، ومن مدينة باراتشينار ذات الأغلبية الشيعية في باكستان، وهي مجتمعات شيعية تعيش الحرمان والفقر.
حسب حديث عمر شهيد، مدير إدارة مكافحة الإرهاب الباكستانية، لصحيفة “إندبندنت أوردو”، فإن جميع أنواع الشيعة من باكستان، بما في ذلك الشيعة الناطقون باللغة الأردية، وشيعة باراتشينار وجيلجيت أيضًا انضموا إلى زينبيون، بعضهم ذهب للقتال في سوريا بطريقة غير شرعية، والبعض الآخر ذهب في رحلات حج، مُقدرًا عددهم ما بين ألفين و8 آلاف شخص.
القتال في سوريا
في البداية كُلف لواء زينبيون بالدفاع عن المرقد الزينبي جنوب العاصمة دمشق، وأُطلق عليهم تسمية “زينبيون” لهذا الغرض، بعد تصوير الآلة الدعائية الإيرانية أن الحرب في سوريا ضد طائفة تريد مهاجمة المرقد الزينبي، وهو السبب الأول لدخول اللواء سوريا، ثم التوجه إلى الخطوط الأمامية إلى جانب الميليشيات الإيرانية في أرجاء سوريا.
ومن المعروف أن إيران في المقام الأول اهتمت بدفن موتى اللواء المقتولين في سوريا ضمن أراضيها وتحديدًا في قم، إذ يمكن ملاحظة ذلك من خلال سعي إيران الحثيث لنقل جثة قائد لواء زينبيون من مدينة حماة في سوريا إلى طهران عام 2017، أي بعد عامين من مقتله في المعارك، والتحقق من جثته من خلال اختبار الحمض النووي باعتبار أنه كان بلا رأس ويدين.
لا تتوفر معلومات دقيقة عن هيكلية زينبيون التنظيمية، ولا عن إجمالي خسائره البشرية في سوريا، وكيف تتلقى عائلات عناصره الموجودة في إيران الدعم، إلا أن المعلوم هو انتشار عناصره في عدة مناطق سورية، لا سيما دير الزور شرق سوريا أبرز معاقله.
وقد شارك إلى جانب جماعات شيعية موالية للنظام في عدة معارك في سوريا، كحلب التي تعد أكثر المعارك حسمًا في الحرب السورية، وريف دمشق، ودرعا، وحماة التي قُتل فيها مؤسس اللواء الفعلي محمد جنتي الملقب بـ”الحاج حيدر” (باكستاني الأصل)، في أثناء قتاله فصائل المعارضة، وقد سبق أن قدم تدريبات عسكرية للقوات العراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية في سوريا.
كما لعب الحاج حيدر، الذي وصفه سليماني بأنه “أحد أفضل قادته في سوريا”، دورًا نشطًا في عدد من العمليات العسكرية والمجازر ضد السوريين، حيث أُطلق عليه بين قواته اسم “الحاج قاسم – سليماني – الابن”، لا سيما بعد أن تسلم قيادة اللواء بشكل فاعل عقب مقتل أول 3 قادة باكستانيين في سوريا عام 2015، وهم نوروز علي درويش وعقيد مشهور المعروف باسمه الجهادي “مالك” ومطهر حسين، ما يدل على أن زينبيون كان يقاتل في الخطوط الأمامية ضمن المعارك المحتدمة على الأرض السورية.
ومن اللافت أن راية زينبيون تشبه راية ميليشيا “حزب الله” اللبناني، تظهر فيها قبضة تحمل بندقية في إطار باللونَين الأخضر والأصفر، مع جملة منسوبة إلى الحسين بن علي هي: “هال من ذهبن ياحبو حرام رسول الله”، أي: هل من أحد للدفاع عن مرقد النبي؟
والغرض من هذه الجملة هو إبراز مفهوم “الدفاع عن المقامات” في رسالة زينبيون، وبحسب الروايات الشيعية فإن الحسين بن علي قال الجملة عندما قُتل جميع رجاله في معركة كربلاء عام 680م، فيما يحمل زي زينبيون العسكري الذي يرتديه عناصره شعار “لبيك يا زينب”.
الفقر والأيديولوجيا وخلايا مستعدة
حسب دراسة لمجلة “دراسات البلقان والشرق الأدنى”، تعود العلاقات الوثيقة بين الشيعة الباكستانيين وإيران إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما أسس رجل الدين الباكستاني سيد عارف حسين الحسيني المدرسة الجعفرية الدينية في باراشينار، للترويج لتعاليم الخميني، لكن أنشطته أثارت غضب المتشددين السنة الذين اغتالوه عام 1988، قبل أن يهاجر بعض أنصاره إلى قم لمواصلة تعليمهم الديني وتشكيل النواة الأولى للواء.
في المقابل، وجهت إيران دعواتها إلى حماية ما يعرف بعتبات آل البيت وفق الأدبيات الشيعية، التي قالت إنها مستهدفة من الفصائل المتشددة في سوريا، إلى جانب استغلالها فقر الأقليات الشيعية في باكستان لإقناعهم بالانضمام إلى لواء زينبيون، ووعدهم بمنحهم الجنسية الإيرانية لهم ولعائلاتهم، وتأمين فرص عمل ورواتب لهم، وإلا سيواجهون خطر الطرد من إيران.
نواب البرلمان الإيراني، عام 2016، كانوا قد سمحوا للحكومة بمنح الجنسية الإيرانية لزوجات وأطفال وأولياء أمور المواطنين الأجانب الذين قاتلوا في الحرب مع العراق، وأولئك الذين شاركوا فيما بعد لصالح إيران، وتُمنح الجنسية الإيرانية في موعد أقصاه عام واحد بعد التقدم بطلب للحصول على الجنسية.
ولا يبدو أن الهدف الرئيسي من تأسيس اللواء يتعلق بسوريا فقط، التي استفادت منها إيران كساحة تدريب وإعداد لجميع ميليشياتها الموالية، وإعدادهم لمهام أخرى في بلادهم الأصلية، وهو ما عبر عنه المدعو عباس موسوي، أحد قياديي اللواء، إذ قال إن الهدف الرئيسي لهم في باكستان هو تخليصها مما أسماه “الإرهابيين الوهابيين المجرمين وطالبان”.
مناكفات إيرانية – باكستانية
في يناير/كانون الثاني الماضي، هاجم الحرس الثوري الإيراني إقليم بلوشستان الباكستاني بمسيرات وصواريخ، زاعمًا استهداف جماعة سنية متشددة للبلوش، ما دفع باكستان إلى الرد باستهداف مواقع إيرانية، وقد سبق ذلك اعتقال السلطات الباكستانية عدة أشخاص بتهمة الانتماء إلى لواء زينبيون وتلقي تدريبات في إيران، وهو ما يؤكد عودة بعض المقاتلين إلى باكستان بعد تراجع نشاطهم مقارنة بالسنوات الأولى للحرب السورية.
رسالة باكستان عبر ردها الذي قلب المعادلة، بعد افتراض أنها ستتجاهل الهجوم الإيراني، جاء ضربة قاسية لإيران، وأن هناك استعدادًا للتحرك ضد كل الجماعات المسلحة المدعومة إيرانيًا بشكل مباشر وغير مباشر.
وبناء على تلك التطورات، باتت باكستان مضطرة إلى التعامل مع هذه التحركات وفق قواعد اشتباك جديدة، وذلك بعد توسيع نطاق دائرة الاستهداف بين الطرفين، لا سيما في ظل استخدام الحرس الثوري الايراني صواريخ إستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى باتجاه باكستان، ما يستدعي موقفًا حاسمًا من باكستان على الأذرع الإيرانية.
يرى الباحث في الشؤون الإيرانية، مصطفى النعيمي، في حديثه لـ”نون بوست”، أن باكستان تريد استثمار المناخ العام في سياق المتغيرات التي جرت مؤخرًا من إيران وميليشياتها وضرباتها نحو العمق الإسرائيلي، فباكستان جزء من المنظومة الدولية التي تبحث عن مسوغات لفرض حزم من العقوبات تجاه إيران.
ويعلل النعيمي التصنيف الباكستاني لميليشيا زينبيون على أنها منظمة إرهابية، بأنه رد على مشاركة تلك الميليشيا في عمليات إرهابية، سواء كانت في منطقة الشرق الأوسط أم حتى في المناطق المحاذية لباكستان، خاصة في الآونة الأخيرة عقب توجيه ضربات صاروخية وقذائف مدفعية باتجاه الداخل الباكستاني.
أمن باكستان مهدد
يبدو أن ما يهم إيران حاليًّا من زينبيون بعد انتهاء مهمتها الأساسية في سوريا هو فرض واقع جديد مع الجارة النووية التي تشهد توترات طائفية في السنوات الأخيرة، من خلال تأجيج الفوضى وتعزيز نفوذها الميليشياتي والطائفي، عبر تصدير “زينبيون” للتأثير على الشباب الباكستاني وتشكيل صلة وصل قوية بينهم وبين الولي الفقيه.
وحسب التوقعات فإن طهران ستتمتع بنفوذ أكبر في باكستان من شأنه تغيير الموازين في المنطقة عقب انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان، فيما يقول خبراء أمن باكستانيون إن دور إيران في حوادث وقعت في باكستان يبدو واضحًا، إذ لا يمكن إنكار دورها في قضية الجندي في البحرية الهندية والجاسوس “كولبوشان ياداف” الذي تم القبض عليه على الحدود الباكستانية الإيرانية.
الباحث الأحوازي في مجال القانون الدولي في معهد الحوار (المهتم بدارسة الشأن الإيراني وتدخلات إيران)، كميل البوشوكه، يرى أن انسحاب زينبيون جاء بسبب الاستهداف الأمريكي لهم في سوريا، وهو إجراء مناسب للجانب الروسي والنظام السوري الذي يرى وجود هذه الميليشيات عبئًا عليه وتهديدًا له كتهديد الحوثيين لنظام علي عبد الله صالح في اليمن قبل قتله على أيديهم.
مشيرًا في حديثه لـ”نون بوست”، إلى أن الدور المستقبلي لزينبيون هو مواصلة خدمة مصالح إيران، إذ يمكن الاستعانة بهذه الميليشيا للصراعات الداخلية كضرب بلوشستان الحدودية السنية، وهو الأرجح، إضافة للصراعات الخارجية لا سيما في باكستان، فالعلاقة بين الطرفين تنافسية لا سيما أن إيران تتعامل مع الهند عدو باكستان، والأخيرة استهدفت إيران عبر أفغانستان.
ويمكن الاعتماد على زينبيون عبر زعزعة الأمن في باكستان وتنفيذ تفجيرات وعمليات اغتيال دون سيطرة على الأرض وتثبيت نقاط، لأن الجيش الباكستاني قادر على إنهاء أي تجمع لزينبيون في أي منطقة بسبب قوته وتطور أسلحته، كما أن إيران لا تجازف بأكثر من ذلك، حسب حديث الباحث البوشوكه.
ختامًا، لطالما اتخذت القيادة في إسلام آباد موقفًا مسالمًا تجاه سياسات إيران وحاولت ألا تدخل معها في حرب، وفضلت التعاون معها على النزاع، و”زينبيون” قاتلت في سوريا كميليشيا طائفية على مدى عقد كامل ولم تصنفها إسلام أباد كتنظيم إرهابي طوال تلك الفترة، لكن وصولها إلى حدودها وهي مكوّن من لاجئين باكستانيين يدينون بالولاء لطهران على حساب بلادهم، جعلها تعيد حساباتها.