لم يكن يعلم الرقيب التركي أنه سيعيش ليشاهد فيلمًا يُجسد قصته التي عاشها في الحرب الكورية بعد مرور 60 عامًا على الحرب، قصة الرقيب “سليمان ديلبيرليغ” والفتاة الكورية الصغيرة، أو كما أطلقوا عليها “فتاة الحرب” بعد أن أسموها “آيلا” ذلك لأن وجهها مستديرًا ومضيئًا كالقمر.
الفيلم التركي “آيلا” المرشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي لجائزة الأوسكار، هو فيلم مبني على قصة حقيقية، تعود أحداثها إلى عام 1950 حيث كانت الحرب الكورية مشتعلة بين كوريا الشمالية التي سيطر عليها الاتحاد السوفيتي آنذاك وكوريا الجنوبية التي سيطرت عليها الأمم المتحدة فيما بعد.
تدخلت كلًا من الأمم المتحدة والصين كطرف في النزاع في الحرب الأهلية، حيث دعمت الأولى كوريا الجنوبية بقوات عسكرية أمريكية بمشاركة مع قوى من عدة الدول المتطوعة، والتي كان من بينها الجيش التركي آنذاك، بينما تدخلت الجمهورية الصينية بدعم عسكري واسع لكوريا الشمالية، فيما يُعرف في التاريخ بالحرب الكورية، إلا أن الاسم الرسمي لها حرب الأرض، نتيجة لتنازع كوريا الشمالية والجنوبية على شبه الجزيرة الكورية.
تجنبت الأمم المتحدة إطلاق اسم الحرب الكورية على الحدث، ذلك لتجنب إعلان الحرب بواسطة الكونجرس الأمريكي، ولهذا أسمته رسميًا بالنزاع الكوري، إلا أنها يُطلق عليها أحيانًا “الحرب المنسية”، وذلك لأنها لم تجذب اهتمامًا كما فعلت الحرب العالمية التي سبقتها ولا حرب فيتنام التي تبعتها.
صورة لآيلا مع الجنود الأتراك
جاء غزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية مفاجئًا للأمم المتحدة في ذلك الوقت بعدما كانت الأجواء العامة توحي بأنه لا يوجد احتمال لنشوب حرب كورية، حينها قررت الولايات المتحدة تشكيل لجنة لمراقبة الوضع وإبلاغ مجلس الأمن، بالإضافة إلى إنهاء كافة العمليات العدائية وانسحاب كوريا الشمالية إلى خط عرض تم الاتفاق عليه، وذلك بعد طلب الولايات المتحدة تدخل الأمم المتحدة للتخلص من التأثير الصيني هناك بالإضافة إلى محاربة انتشار الشيوعية والحد من توسعها.
شاركت عدة دول في الحرب لمساندة الأمم المتحدة بالعداد والمؤن والقوات العسكرية، كان من بينها كندا، استراليا، بريطانيا، فرنسا، واليونان، وتركيا، في مجموع وصل إلى 35 ألف جندي من الأمم المتحدة بالإضافة إلى 260 ألف جندي أمريكي و 340 ألف جندي من كوريا الجنوبية نفسها أما على الجانب الآخر من شبه الجزيرة الكورية فكان عدد جيش كوريا الشمالية مجتمعًا مع الجيش الصيني 866 ألف جندي.
يُطلق عل الحرب الكورية أحيانًا “الحرب المنسية”، وذلك لأنها لم تجذب اهتمامًا كما فعلت الحرب العالمية التي سبقتها ولا حرب فيتنام التي تبعتها
على الرغم من أن الحرب الكورية لم تجذب الانتباه الدولي كما فعلت الحرب العالمية ولا حرب فيتنام، إلا أنه قُدر عدد خسائرها من جميع الأطراف بحوالي 1.2 مليون ضحية، من بينهم 7600 شخص فُقدوا خلال الحرب.
التمثيل السينمائي للحرب الكورية
إذا بحثت عن قصص الأفلام السينمائية التي تدور أحداثها حول الحرب الكورية ستجد أن أغلبها إما أفلامًا كورية استمر إنتاجها بعد الحرب وإلى الآن، أو أمريكية تم إنتاجها بعد الحرب ببضعة سنوات ومن ثم توقفت، أو بعضًا من الأفلام القليلة الأجنبية من هولندا أو الصين أو بريطانيا، ولكن يأتي اليوم فيلمًا جديدًا يروي الأحداث الحقيقة للحرب من وجهة نظر أحد الجنود المشاركين في صفوف جنود الدول المتطوعة و من وجهة نظر فتاة كورية صغيرة، ألا وهو الفيلم التركي “آيلا”.
ظل الأب والابنة في فراق دام لما يقرب 60 عامًا قبل أن تتحول حكايتهم إلى فيلم لم يكن أبدًا في مخلية الرقيب “سليمان” أنه سيعيش ليراه على شاشات السينما
إذا سألت عن أكثر ما تبرع فيه السينما التركية، فستكون بلا شك السينما أو الدراما التاريخية سواء كانت تُجسد الأتراك في حروبهم في التاريخ أو تُجسد حياة الدولة العثمانية، يأتي هذا الفيلم أيضًا كواحدًا من بين إنجازات السينما التركية في الدراما التاريخية، حيث يكون أيضًا مرشحًا لجائزة أفضل فيلم أجنبي لجائزة الأوسكار العام المقبل.
“آيلا” فتاة الحرب
يروي الفيلم قصة الضابط الرقيب التركي “سليمان ديلبيرليغ”، الشاب البالغ من العمر خمسة وعشرين عامًا، ليجد نفسه مُكلفًا بالمشاركة ضمن القوات التركية في الحرب الكورية مساندة ومحالفة لقوات الولايات المتحدة، الفيلم عبارة عن دراما الحروب التاريخية، إلا أنه يروي الحرب من وجهة نظر مختلفة وبناءًا على قصة حقيقية أيضًا.
https://www.youtube.com/watch?v=8PELOIYaEiw
إعلان الفيلم
عاشت “آيلا” سنة كاملة مع الجنود الأتراك وأصبحت جزءًا منهم وتعتبر نفسها ابنه لهم
هي قصة الفتاة الكورية ذات الأربعة أعوام التي وجدها الرقيب التركي أثناء الحرب تبكي وحيدة، علم الرقيب فيما بعد أن الحرب قضت على عائلتها ولم يتبق غيرها، فأخذها معه إلى المعسكر التركي، وأطلق عليها اسم “آيلا” ويعني “مع القمر” في اللغة التركية، ذلك لأن للفتاة وجهًا مستديرًا ومضيئًا كالقمر كما وصفها الرقيب “سليمان” في حديثه مع الصحف التركية من قبل حول قصة الفيلم.
أطلق عليها الجيش التركي فتاة الحرب، حيث اعتادت الفتاة الصغيرة الحياة في المعسكر وسط الجنود، واتخذها كافة من في المعسكر ابنة لهم، تناولت الطعام معهم، ولعبت معهم، وقاموا بتعليمها اللغة التركية وبدأت بالحديث بها شيئًا فشيئا، كما عرفت الرقيب “سليمان” كأب لها، وبدأت تناديه أبي.
عاشت “آيلا” سنة كاملة مع الجنود الأتراك وأصبحت جزءًا منهم وتعتبر نفسها ابنه لهم، تتحدث لغتهم بطلاقة ولا ترغب في الافتراق عنهم، إلا أن وقت الرحيل قد حان وكان على الرقيب “سليمان” العودة إلى بلاده، حيث يروي الرقيب في مقابلة صحافية مع الجريدة التركية “حرييت” أنه كان صعب عليه الفراق عنها، حيث ظلت تبكي بحرقة شديدة.
“آيلا” الحقيقية تزور منقذها “سليمان”، البالغ من العمر تسعين سنة، في غرفة الرعاية المركزة في إحدي المستشفيات بإسطنبول
لقد ظن الرقيب أنه بإمكانه العودة بها إلى تركيا، إلا أن القوانين منعته، ليظل الأب والابنة في فراق دام لما يقرب 60 عامًا قبل أن تتحول حكايتهم إلى فيلم لم يكن أبدًا في مخلية الرقيب “سليمان” أنه سيعيش ليراه على شاشات السينما بل يُشارك في المهرجانات الدولية و يترشح لجائزة الأوسكار.
كان قد أقبل الأتراك بشكل كبير لمشاهدة العرض السينمائي، حيث امتلأت صالات العرض تمامًا في الأيام الأولى لعرض الفيلم، بالإضافة إلى زيارة فريق عمل الفيلم إلى العديد من المدن التركية و الجامعات التركية للحديث عن الفيلم مع الجمهور ومع نقاد السينما التركية.
قامت “آيلا” أو الفتاة الكورية الحقيقة بزيارة والدها المعنوي “سليمان” في المستشفى في مدينة إسطنبول، حيث يروي الطبيب الخاص بـ “سليمان” لإحدى القنوات التركية أنه لم يكن يستجيب لمن حوله في الغرفة من قبل، إلا أن ملامسته ليدي “آيلا” جعلته يستجيب للمرة الأولى، ربما شعر بأن ابنته عادت إليه أخيرًا.
ينتظر الأتراك بفارغ الصبر إعلان الترشيحات النهائية لجوائز الأوسكار المتوقع إعلانها في شهر يناير/ كانون الثاني 2018 في الاحتفال السنوي التسعين للأوسكار المتوقع إعلان الفائزين في شهر مارس/آذار 2018.