يوم بارد الطقس كأيام نوفمبر، شتاء يقارب وتيرة الأحداث السياسية في مصر البادرة، إلا من بعض السخرية حول تكليف الرئيس المصري ذو الخلفية العسكرية عبد الفتاح السيسي لرئيس الأركان الجديد محمد فريد بالقضاء على الإرهاب خلال 3 أشهر، تمر ساعات النهار كالمعتاد منذ سنوات بطيئة، تستعد الأذرع الإعلامية لتلقي الأوامر حول حديث الرئيس المتكرر وقرب انتهاء الإرهاب في سيناء.
ومع اقتراب المساء وبشكل مفاجئ يعلن الفريق أحمد شفيق نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في النصف الأول من العام 2018، البيان الذي بدأ بتوجيه التحية لدولة الإمارات وحده كان كفيلا لتحريك الماء الراكد في القاهرة التي ماتت فيها السياسة منذ وصول السيسي للحكم. غير أن شفيق زاد على التوقعات بخطاب مصور بث عبر قناة الجزيرة في الدوحة حصريًا، كان أقرب للاستغاثة منه للبيان، تحدث بشكل مقتضب عن رفض حكومة أبو ظبي السماح له بالسفر إلى الخارج للقاء الجاليات المصرية في دول أوروبا والعودة عقب ذلك لمصر.
مشهد غير مرتب ولا يعرف أحد ما يحدث على وجه الدقة، حاولنا التواصل مع شخصيات مقربة من أحمد شفيق ورجاله، جميعهم أكدوا أنهم لا يعرفون أي معلومات، ولكن التأكيدات تنحصر في عودة قريبة لآخر رئيس وزراء في دولة مبارك، غياب المعلومات وتضاربها وتخبطها بهذا الشكل دفع البعض لطرح سيناريوهات وتكهنات حول الحادثة، تنحصر في حقيقة الخلاف بين أحمد شفيق والإمارات، ودخول الدوحة على الخط ببث بيانه، كما طرحت التساؤلات، ماذا يملك شفيق للدخول لانتخابات الرئاسة هو السؤال الأبرز الذي سيطرح.
هل أعد العدة بالتوافق مع الأجهزة الأمنية الداخلية، على من سيعتمد المواطنين وحزب الكنبة، أم والقوى السياسية التي قد تعقد بعضها صفقة معه للخلاص من السيسي، ما هو موقف دول الخليج والمال المتدفق للسيسي منها؟ تفاصيل قد تتغير أغلبها وليس خلال الأيام والساعات المقبلة، ولكنها أسئلة ملحة لم يترك إجابات لها.
الخلاف بين شفيق والسيسي
خلال خطاب الترشح الذي ألقاه أمس أحمد شفيق وبثته على الانترنت، طرح رؤيته وتحدث عن مشكلات تشمل جميع مناحي الحياة وانهيار أو تردي -بحسب تعبيره- مستوى كافة الخدمات المؤداة إلى المواطنين، اقترنت بتنامي مخيف في حجم الديون، والتي يرى أنها ستلقى بالآثار على الأجيال القادمة، وغازل شفيق المواطنين والقوى السياسية بحديثه عن دولة مدنية وحكم نموذجي ومستقر وقابل للمراجعة والنقد وكذلك تحدث عن الديمقراطية الحقة والحقوق الإنسانية الطبيعية، التي ليست منحة من أحد -وفقًا لبيانه- ثم أنهى خطابه بتكرار “ستكون مبادئنا عدل مطلق، فلا شيء يسبقه أو يعلو عليه.. مواطن يأمن على أمنه وغذائه وصحته وتعليمه، وتطوير شامل لكل إمكاناتنا المتهالكة والمحتاجة للتطوير للحاق بعصر العلم”.
البيان الاول والترشح
شفيق تحدث خلال الخطاب عن عمله في القوات المسلحة وعمله كوزير مدني إلى جانب ما سبق من أزمات، ولعل طرح شفيق نفسه كعسكري عمل في المدنية يمثل النموذج الأقرب لنظام مبارك، مزيج الحكمة لدى العسكريين عن طريق قمع دون تجبر وسيطرة للجيش دون ظهور مستمر، في مقابل السيسي الذي يمثل النموذج الأقرب لدولة عبد الناصر في القمع الصريح والواضح للمعارضين وسيطرة ضباط الجيش على مفاصل الدولة، وتسبيح الإعلام بحمد الرئيس وإنجازاته، ودولة السادات في الفوارق الطبقية المبالغ فيها، ودولة مبارك في البحث عن الاستدانة والتقارب مع دول الخليج، يبدو أن أحمد شفيق يغازل القوى السياسية التي تواجه قمع مفتوح من نظام السيسي، يوكد ذلك المواطن الذي يعاني من تردي كبير في الأوضاع الاقتصادية.
الفارق بين السيسي وشفيق -وفقًا لما هو مطروح- ليس كثير على مستوى المناصب وإن كان شفيق يملك خبرة السن والتجارب في الحياة المدنية، وهو ما يقلق السيسي من شفيق الذي يعتبر عسكري مثله، وهو ما طالما ما تحدث إعلام السيسي عن ضرورة احتياج مصر لشخصية عسكرية لمواجهة الإرهاب. كما أن شفيق من دولاب الدولة العميقة كوزير سابق وله أذرع في الأجهزة الأمنية أيضًا التي لم يستطع السيسي السيطرة عليها بالكامل حتى الآن، ما يعني أن شفيق قد يمثل خصم قوي للرئيس الحالي.
لعل الخطاب الثاني أو ما عرف بإعلان عدم قدرته على السفر الأكثر تأثيرًا في عودة شفيق
صراعات الأجهزة الأمنية ستكون أحد أبرز الأدوات في الانتخابات المصرية لو انحصرت المنافسة مع شخصيات عسكرية مثل شفيق والسيسي وسامي عنان -رئيس الأركان الأسبق- لو صدقت التوقعات وتقدم للترشح، والأجهزة الثلاثة الرئيسية الحربية والعامة والأمن الوطني ما زالت غير مسيطر عليها بالكامل من جانب السيسي، فمن كان يتوقع أن يعزل السيسي محمود حجازي لسبب مجهول اللحظة ويأتي بآخر بالرغم من التحليلات التي كانت تتحدث عن كون حجازي اليد الضاربة والمسيطرة للسيسي داخل الجيش.
كما دارت شائعات عن محاولة السيسي إنشاء جهاز أمني جديد بعيدُا عن المخابرات العامة التي بدأ دورها في التصاعد خلال الشهور الماضية، الداخلية وجهازها الاستخباراتي، الأمن الوطني، سيكون له دور ما في الانتخابات فلا يعرف أحد نفوذه الداخلية الحالي وهل مازالت تمتلك نفوذها القديم من بلطجية وتزوير وضغط على الموظفين، أم أنها ستبقى على الحياد.
صراع إلى العلن أخيرًا
أخيرًا خرج الصراع بين شفيق والسيسي بعد سنوات من حروب وتصريحات ومعارك غير المعلنة، نظام السيسي كان على ما يبدو أنه يعلم أن هناك عودة للفريق وأنه سيظل رقمُا في المعادلة، عاجلًا أم أجلُا، وكان يرسل من حين لآخر إنذارات لبعض رجال شفيق أبرزها ما حدث مع الإعلامي والبرلماني السابق توفيق عكاشة الذي أعلن في مارس/ أذار 2015 تدشين حملة للمطالبة بالسماح لأحمد شفيق بالعودة لمصر مرة أخرى وتسببت تلك الحملة بوقف قناته لعدة مرات لأسباب مختلفة، كنوع من الضغط عليه، ثم نفذ حكماً سابقًا ضده في قضية نفقة أسرية، واحتجز يومين في قسم شرطة.
وبعد وصوله للبرلمان تقدم عكاشة بسؤال لرئيس الوزراء حول أسباب عدم عودة الفريق المرشح الرئاسي الأسبق، ما دفع البرلمان بعد أيام لاستغلال استقبال عكاشة للسفير الإسرائيلي في القاهرة داخل منزله، وأقر فصله من عضوية البرلمان وبعدها أُعلن عن إغلاق قناة الفراعين التي كان يمتلكها عكاشة، وكان موقف البرلمان المصري من التطبيع والسيادة الوطنية، محير كيف يفصل عكاشة وفي ذات الوقت يقر التنازل عن جزء من التراب المصري “تيران وصنافير”!.
نفس الأمر تكرر إلى حد ما مع النائب عبد الرحيم علي -المقرب للأجهزة الأمنية- والذي شنت الأذرع الإعلامية للسيسي في أيلول/ سبتمبر الماضي حملة ضده بتهمة السخرية من البرلمان وتقدم البعض بطلب لـ إسقاط عضوية عبدالرحيم ولكنه تدارك الأمر وأصدر بيانا تحت عنوان “لا أدعم شفيق.. وسأظل خلف الرئيس”، فتوقفت الحملة ضده كما بدأت بشكل مفاجئ. أما وائل الابراشي والذي يعتبره البعض مقرب من شفيق فوصله أحد التحذيرات بوقف برنامجه “العاشرة مساءً” لفترة تتجاوز الخمسة أسابيع عقب سماحة مداخلة هاتفية لأحمد شفيق هاجم فيها نظام السيسي بسبب اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية المعروفة باتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.
بيان شفيق كان له رد فعل صادم وقوبل من جانب البعض بالهجوم والحيرة من البعض الآخر خاصة مع رد أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية، الذي تأسف علي فعل شفيق معايرًا إياه باستضافته منذ عام 2012
لم يكن السيسي فقط المهاجم في بعض المرات كان يهاجمه شفيق خاصة في الفترة الأخيرة وكذلك بعض دوائر تأييد مبارك ودولته القديمة التي تميل لتأييد شفيق، وأصبحت تعارض السيسي بشكل معلن، شفيق الذي هرب للإمارات منذ 2012 كان من أبرز مؤيدي السيسي حين طلب التفويض قبل فضة رابعة العدوية والنهضة، كما رفض الترشح أمامه في انتخابات 2014، وبالرغم من ذلك لم يتمكن من العودة لمصر واستمر اسم شفيق على قوائم الترقب في المطارات والمنافذ الحدودية المصرية حتى نوفمبر/شباط الثاني العام الماضي وحذف بعد حكم قضائي، وتدور الشائعات عن رفض مطلق من السيسي لعودة شفيق لمصر.
أزمة تيران وصنافير كان عنوان لتحول كبير في الصراع الهادئ بين الطرفين، ففي البداية -أبريل/نيسان 2017 – قال شفيق إن الجزر ضمن الحدود السعودية ولكنه تساءل عن السبب في سرعة توقيع الاتفاقية؟، ثم عاد في يونيو/حزيران وقال إن الجزر مصرية ، وقالها ضمن حديثه عن الوطنية وضرورة عدم التفريط في الأرض كمزايدة صريحة على السيسي، وكان الهجوم الأكبر لشفيق على نظام السيسي عقب حادث الواحات في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي الذي راح ضحيته عدد كبير من ضباط الشرطة. وقال على حسابه على الفيس بوك: “ما هذا الذي يحدث لأبنائنا، هم على أعلى مستويات الكفاءة والتدريب، هل ظلمتهم الخيانة، أو ضعف التخطيط لهم، أو كل الأسباب مجتمعة”، أهم وأبرز صفحة لتأييد مبارك “أنا اسف ياريس كانت تدخل على الخط في الهجوم على السيسي وبدأت منذ يناير/كانون الثاني في هجوم واضح وصريح على النظام الحالي وقارنت بين إيرادات قناة السويس في عهد مبارك والسيسي لتصب في صالح مبارك ومنذ ذلك الحين، تهاجم الصفحة باستمرار السيسي، وبعض الإعلاميين الموالين له.
ماذا حدث مع الإمارات
لعل الخطاب الثاني أو ما عرف بإعلان عدم قدرته على السفر الأكثر تأثيرًا في عودة شفيق، حيث قال: “دولة الإمارات منعتني من السفر والعودة إلى مصر لأسباب لا أفهمها، رغم تقديري لاستضافة الإمارات الكريمة إلا أنني أرفض التدخل في شؤون بلادي، بإعاقة مشاركتي في الممارسة الدستورية”، البيان كان له رد فعل صادم وقوبل من جانب البعض بالهجوم والحيرة من البعض الآخر خاصة مع رد أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية، الذي تأسف علي فعل شفيق معايرًا اياه باستضافته منذ عام 2012 واختتم حديثه علي حسابه علي تويتر “للأسف وفِي هذا الموقف الذي يكشف معادن الرجال، لا يسعني إلا أن أضيف مقولة المتنبي، شاعر العرب الكبير، “إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا”.
سيناريو الصراع بين شفيق والإمارات يعتقد البعض أنه تمثيلية يحاول من خلال شفيق أن يدفع عن نفسه شبهة سيطرة الدولة الخليجية عليه، فكيف يتخذ موقف المعارض للدولة التي استضافته لخمسة سنوات، وعمل شفيق وآخرين في الإمارات على اختراع تفاصيل صراع تجعل منه بطلُا وطنيُا غير مؤيد من الخارج، وتضمن بها الإمارات عدم إحراجها أمام السيسي ويظل التواصل بين الطرفين السيسي وشفيق وفي حال نجاح أحدهما سيكون لها نفس النفوذ، خاصة وأن وصول السيسي للحكم كلف الإمارات أموال كثيرة ودعم سياسي أكبر.
فيما يطرح سيناريو آخر وهو انفعال زائد من شفيق بعد رفض حقيقي من الإمارات بعدم سفره، وقراره الضغط عليهم كما حدث في أزمة سعد الحريري، السيناريو الآخر في أزمة الإمارات أن يكون شفيق قد عقد تواصل وصفقة مع قطر وتدعم تلك الرؤية نشرت قناة الجزيرة ومقرها الدوحة بيان رفض سفره، ولكن يفشل ذلك السيناريو لوجود رد مقنع عن اصطياد الجزيرة لأي شيء ضد الإمارات خاصة وأن الحصار الخليجي على الدوحة ما زال مستمراً منذ شهور.
وكان شفيق يعد واحدًا من أبرز وجه دولة مبارك، قدم نفسه للترشح لانتخابات الرئاسة المصرية في 2012 وعقب إعلان خسارته في جولة الإعادة أمام الرئيس الأسبق محمد مرسي غادر في يونيو/حزيران 2012 ، مصر متجهاً إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة، وفقًا للبيان الرسمي لحملته في ذلك الوقت، اختفى ليظهر في أبوظبي ويستمر فيها حتى الآن، ليعلن في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام إحالته مع جمال وعلاء مبارك وآخرين لمحكمة الجنايات في التهمة المعروفة إعلاميًا ب”أرض الطيارين” والتي حصل فيها على البراءة في النهاية عام 2013.
ومن الواضح بعد الهجوم الإعلامي على شفيق فور إعلان ترشحه أن السيسي بات يخشى أي شخص قد يمتلك أي شعبية، كما حدث مع خالد علي المحامي والحقوقي الذي بمجرد أعلن عن رغبته في الترشح للانتخابات تذكرت النيابة العامة بلاغ كيدي قدمه أحد المحامين من مدعي الشهرة وحولته للمحكمة وحكم في الدرجة الأولى على خالد علي بالسجن لمدة شهر لارتكاب فعل فاضح في الطريق العام، ولو تم تأييد الحكم في الدرجة الثانية من التقاضي سيكون من المجرم قانونيًا تقدم خالد للترشح.