كيف سيساهم الحرس الثوري الإيراني في حدوث الصراع بين روسيا وإيران؟

ترجمة وتحرير: نون بوست
اليوم، تبدأ الجولة الأخيرة من محادثات السلام التي تعقد بوساطة من قبل الأمم المتحدة في جنيف، والتي تهدف إلى التوصّل إلى تسوية سياسية بين الرئيس بشار الأسد وفصائل المعارضة المسلحة المختلفة، على أمل أن تضع حدًا لأكثر من نصف عقد من الحرب الأهلية في البلاد. وتأتي محادثات جنيف بعد مرور أسبوع من انعقاد مجموعة أخرى من المحادثات في الشأن السوري، التي عُقدت هذه المرة في سوتشي.
كان من المفترض أن يكون الاجتماع الذي عُقد في 22 من تشرين الثاني / نوفمبر، والذي ضمّ بعض الأطراف الرئيسية في هذا الصراع، إيران وتركيا وروسيا، نقطة تحولٍ في قضية مستقبل سوريا. على الأقل، ذلك ما كانت تأمله طهران. بدلا من ذلك، سلطت المحادثات الأخيرة بين إيران وتركيا وروسيا الضوء على التصدعات الناشئة بين داعمي الأسد الرئيسيين، إيران وروسيا، فضلا عن الانقسامات التي توجد داخل إيران بين الحكومة المدنية للرئيس حسن روحاني وقيادة الحرس الثوري الإسلامي.
يحرص الحرس الثوري الإسلامي، الذي كان حضوره قويا على مدى السنوات السبع الماضية في سوريا من خلال ميليشياته المختلفة ووكلائه المحليين، على الحفاظ على مكاسبه، ضد أي محاولة من إسرائيل والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة للقيام برد فعل إزاء ذلك. وقد يدفع هذا الموقف، الحرس الثوري يدخل، خلال الفترة القادمة، في صراع مفتوح مع روسيا والجهات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك روحاني، الذي قد يكون أكثر انفتاحا على تسوية سياسية متعددة الأطراف لإنهاء الحرب السورية.
في حقيقة الأمر، لا يرغب الحرس الثوري الإيراني فقط في تأمين النفوذ الإيراني في سوريا في مرحلة ما بعد الحرب، بل يسعى أيضا لتحويل الميليشيات السورية المتحالفة معه إلى قوة عسكرية سياسية مؤسسية تمثله في سوريا، حيث يمكن أن تلعب دور المحرض المحلي على غرار الدور الذي يضطلع به حزب الله في لبنان.
أثار قرار بوتين القاضي باطلاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خطط موسكو قبل انعقاد قمة سوتشي غضب طهران
الشكوك التي تحوم حول سوتشي
في سوتشي، اتفق الإيرانيون والروس والأتراك، ظاهريا على نقطة رئيسية واحدة تتمثل في أنه يجب على جميع الأطراف احترام سلامة سوريا الإقليمية. فضلا عن ذلك، نوقشت مسائل أخرى، بما في ذلك كيفية مواصلة دعم عملية حلّ النزاعات في المناطق التي حددها اجتماع أستانة الذي عُقد في مطلع شهر أيار/ مايو. من جانب آخر، كانت قمة سوتشي تهدف إلى تسليط الضوء على الشراكة الإيرانية الروسية التركية المتنامية في سوريا.
أما في طهران، لا تزال هناك شكوك عميقة حول حقيقة النوايا الروسية والتركية في سوريا. وفي الأثناء، يُدرك الإيرانيون، بشكل خاص، الخطوط العريضة التي وضعتها موسكو فيما يتعلق بالتعامل مع العديد من الشركاء في المنطقة، مما ولد داخلهم شعورا بالاستياء. ومن بين الدول الثلاث التي كانت في سوتشي، بادرت روسيا فقط بالدخول في حوار بناء ومستمر مع أي دولة أخرى تهتم بمستقبل سوريا، بدءا من الولايات المتحدة وصولا إلى إسرائيل والدول العربية في الخليج العربي. وبالتالي، من الطبيعي أن تخشى طهران أن تضر تلك الاتفاقات بمصالحها.
عمل جنرالات الحرس الثوري الإيراني على تذكير الجميع، بما في ذلك الأسد والروس، بحجم قوتهم ونفوذهم المستمر في سوريا.
قبل يومين من انعقاد قمة سوتشي، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعا، دام لمدة أربع ساعات، مع الأسد، الذي كان قد سافر جوا إلى المدينة للتشاور مع الزعيم الروسي. وقد أشارت التقارير الواردة من قبل وسائل الإعلام الإيرانية حيال هذه الزيارة إلى أن طهران لم تكن على علم مسبق بهذا الاجتماع.
في سياق متصل، أثار قرار بوتين القاضي باطلاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خطط موسكو قبل انعقاد قمة سوتشي غضب طهران. وقد اعتبر الإيرانيون هذا البيان الموجز الموجه لترامب بمثابة محاولة روسية لتهدئة الولايات المتحدة، التي تعارض بشدة أي تسوية في سوريا من شأنها إضفاء الطابع المؤسسي على الوجود الإيراني هناك. بناء على ذلك، بات الإيرانيون يشعرون بالقلق من أن تكون تتم تهدئة واشنطن على حساب نفوذ ومصالح طهران في سوريا بعد الحرب.
، أكد الجنرال محمد علي جعفري في تصريح له بتاريخ 23 من تشرين الثاني/نوفمبر، أن الأسد يعرف جيدا أنه “مدين” للميليشيات الإيرانية، ويدرك تماما مدى دورها الحاسم فيما يتعلق ببقائه السياسي
على ضوء هذه المعطيات، لم يكن من قبيل المصادفة أنه، وفي الأيام التي تلت قمة سوتشي، شرع الحرس الثوري الإيراني يشيد بقدراته على نشر الميليشيات المؤيدة لإيران في سوريا والحفاظ عليها وتعبئتها. وقد كانت عملية استعراض القوة الصلبة التي تمتلكها إيران مُوجّهة بالأساس إلى بوتين ومستشاريه. بعبارة أخرى، وفي ظل استعداد موسكو لتنصيب نفسها على اعتبارها صانعة ملوك خلال الفترة الأخيرة من الصراع السوري، يسعى جنرالات الحرس الثوري الإيراني إلى تذكير الجميع، بما في ذلك الأسد والروس، باستمرار سلطتهم ونفوذهم.
بينما تتطلع إيران إلى ضمان أقصى قدر ممكن من التمركز العسكري في سوريا بعد الحرب، يراهن الفصيل المتشدد في البلاد، أي الحرس الثوري الإسلامي، على الاستثمار في الميليشيات السورية وغيرها من الميليشيات العربية على امتداد سنوات، الذي سيجنون ثماره قريبا. وفي هذا السياق، كان رئيس الحرس الثوري الإيراني، الجنرال محمد علي جعفري، واضحا بشأن نواياه في تعزيز نفوذ الميليشيات المؤيدة لإيران في سوريا.
في الإطار ذاته، أكد الجنرال محمد علي جعفري في تصريح له بتاريخ 23 من تشرين الثاني/نوفمبر، أن الأسد يعرف جيدا أنه “مدين” للميليشيات الإيرانية، ويدرك تماما مدى دورها الحاسم فيما يتعلق ببقائه السياسي. كما لم يتوان جعفري على التأكيد على أن الأسد “سيقوم بطبيعة الحال بإضفاء طابع مؤسسي على المليشيات، حتى تكون قادرة على مواجهة التهديدات المستقبلية”.
خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2017، عقد روحاني وبوتين وأردوغان مؤتمرا صحفيا مشتركا في سوتشي.
بالنسبة لجعفري، يرجع الأمر إلى الحرس الثوري الإيراني لتحديد طبيعة هذه التهديدات المستقبلية. ولكن ومما هو مؤكد ستكون الأهداف المعتادة للمجموعة، التي تشمل كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل، مدرجة على رأس قائمة تلك التهديدات. وفي الوقت الراهن، يهدف الحرس الثوري الإيراني إلى تحويل الميليشيات السورية الخاضعة حاليا لسيطرته إلى جهات شبه حكومية، التي ستصبح فيما بعد أدوات دائمة لتجسيد النفوذ الإيراني في سوريا، على غرار حزب الله في لبنان.
ربما لا تكون هذه الاستراتيجية مفاجأة، نظرا لأن الحرس الثوري الإيراني يمثل في حد ذاته نتاج لمثل هذا التطور. فخلال سنة 1979، عقب الثورة الإيرانية مباشرة، شرع الحرس الثوري الإيراني ينشط على اعتباره مجموعة صغيرة تضم المحبين الصادقين لروح الله الخميني. وعلى مر السنين، تحولت هذه المجموعة من المسلحين الإسلاميين من مجرد تولي الخدمة المسلحة لرجال الدين الثوريين إلى دولة قوية داخل الدولة، تسيطر على إمبراطورية واسعة من الرجال والمال.
يعد الحرس الثوري الإيراني صاحب اليد العليا فيما يتعلق بالقرارات المتخذة بشأن سياسة سوريا، كما يعتقد أنه يمتلك مخططا يمكّنه من تحقيق نجاح كبير، أكثر من حزب الله
في الأثناء، لا يستهدف هذا التصعيد الكلامي من قبل الحرس الثوري الإيراني الجهات الأجنبية فقط، نظرا لأن مستقبل الميليشيات الموالية لإيران في سوريا يعد قيد النقاش في صلب النظام الإيراني أيضا. وتجدر الإشارة إلى أن روحاني قد نأى بنفسه بعيدا عن خطة الحرس الثوري الإيراني التي تهدف لإضفاء الطابع المؤسسي على الميليشيات التابعة له، لكنه لم ينتقدها بشكل واضح، على حد السواء. فضلا عن ذلك، أشارت وسائل الإعلام الموالية للحرس الثوري الإيراني باستمرار إلى أن حكومة روحاني تتعامل بشكل لين مع المطالب الغربية التي تتمحور حول التخلي عن الميليشيات أو نزع سلاحها على الأقل. بالنسبة للحرس الثوري الإيراني، يعد هذا الأمر مستحيلا.
يرمي الحرس الثوري الإيراني إلى تحويل الميليشيات السورية الخاضعة حاليا لسيطرته إلى جهات شبه حكومية التي ستصبح أدوات دائمة للنفوذ الإيراني في سوريا.
ردا على تهاون روحاني إزاء المطالب الغربية، انقسم موقف الحرس الثوري الإيراني إلى شقين. في الواقع، يعتقد الشق الأول أنه من الغباء إبرام صفقة مع الغرب (أو روسيا) بشأن مستقبل الميليشيات السورية، حيث لا يوجد مبرر للتخلي عن النفوذ المكتسبة على الأرض مقابل الوعود المشكوك فيها للتعاون الدولي المتعلقة بمستقبل سوريا. في الأثناء، من المتوقع أن النظرة السائدة في طهران حول التغييرات الطفيفة التي أحدثها الاتفاق النووي الذي أبرم سنة 2015، سيعطي المزيد من الزخم لحجج الحرس الثوري الإيراني.
أما الشق الثاني، فيؤمن أنه يجب على الحرس الثوري الإيراني المسارعة إلى تذكير الجميع بأنه مجهز أكثر من الحكومة المدنية لقيادة جهود إيران الرامية إلى تأمين الأموال المخصصة لإعادة إعمار سوريا. في الواقع، ادعى جعفري أن فريق روحاني والأسد قد اتفقا على أن المؤسسات الاقتصادية الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، التي يمكن أن تعمل مباشرة تحت حماية الميليشيات الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، تعد أفضل مرشح لإدارة مشاريع إعادة الإعمار في سوريا. من جانبه، لم يُعلق روحاني بعد على التأكيدات التي جاءت على لسان جعفري.
من غير المحتمل أن تقوم إيران بتغيير موقفها حيال الدور الذي تلعبه الميليشيات في سوريا
إستراتيجية الدفاع الإيرانية
يعتقد المراقبون داخل إيران وخارجها أن سيطرة كبار الضباط داخل الحرس الثوري الإيراني بشكل كبير على الميليشيات سيكون نذير شؤم. بيد أنه في طهران، يعد الحرس الثوري الإيراني صاحب اليد العليا فيما يتعلق بالقرارات المتخذة بشأن سياسة سوريا، كما يعتقد أنه يمتلك مخططا يمكّنه من تحقيق نجاح كبير، أكثر من حزب الله.
في الحقيقة، تتطلب البيئة الأمنية الإقليمية المتغيرة بسرعة من إيران أن تُكيف باستمرار إستراتيجيتها العسكرية مع الوضع القائم وأن تجددها. في طهران، تقوم “الإستراتيجية الدفاعية الاستباقية” التي تتبعها الدولة على مبدأ أنه يجب على إيران أن تحارب خصومها خارج حدودها لمنع نشوب صراعات على الأراضي الإيرانية. بالتالي، تُعتبر السيطرة على الميليشيات العربية في الخارج، على غرار المتحالفين مع الحرس الثوري الإسلامي في سوريا، جزءا لا يتجزأ من إستراتيجية الدفاع الاستباقية التي تعتمدها إيران.
بناء على ذلك، من غير المحتمل أن تقوم إيران بتغيير موقفها حيال الدور الذي تلعبه الميليشيات في سوريا. في الوقت ذاته، من الصعب، انطلاقا من منظور سوري أوسع، أن يعود السلم بشكل دائم إلى سوريا في حال استمرت الجماعات المسلحة المحلية، التي تعود بالنظر إلى قرارات منظمة أجنبية عدوانية وأيديولوجية مثل الحرس الثوري الإسلامي، في القيام بدور حاسم في العملية السياسية.
المصدر: فورين بوليسي