“أغادر الآن للقيام بزيارتي الثالثة إلى أفريقيا خلال عام ونصف، سألتقي هناك بالرئيس الكيني أوهورو كينياتا، كما سألتقي بحوالي عشرة زعماء أفارقة”.. هكذا قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبيل مغادرته إلى نيروبي للمشاركة في تنصيب الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، ونقلت الصفحة الرسمية لنتنياهو على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) عنه، القول :”نعتزم تعميق علاقاتنا مع إفريقيا أيضا من خلال إقامة علاقات مع دول ليست لها علاقات دبلوماسية معنا.. “إسرائيل” فتحت أربع ممثليات أفريقية خلال السنتين الماضيتين، وآمل أن أعلن بنهاية اليوم عن فتح سفارة إسرائيلية جديدة في إفريقيا”
أسباب متعددة
شهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة نشاطاً دبلوماسياً إسرائيليا ملحوظا في إفريقيا، مهّد له وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بزيارته في يونيو/ حزيران 2014 كل من رواندا وإثيوبيا وكينيا في شرق أفريقيا، ومن غربها زار غانا وساحل العاج، وهي مناطق تماس مباشرة للدول العربية، سواء السودان ومصر في الشرق، ودول الشمال الإفريقي في زيارته الغرب. كما زار نتنياهو العام الماضي أربع دول في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي: أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، ولم يفوت فرصة حضور الزعماء الأفارقة الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد عقد في سبتمبر/ أيلول 2016 لقاءات مع 18 من قادة الدول الإفريقية، بمشاركة رجال أعمال إسرائيليين وممثلين عن الشركات الإسرائيلية الكبرى المتطلعة للعمل في أفريقيا.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل إسرائيل تهرول نحو القارة السمراء، يمكن اختزالها في النقاط الآتية:
الاعتبارات السياسية، حيث تمثل إفريقيا قوة تصويتية كبرى (55 دولة) في المحافل الدولية ولا سيما الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن بمقدور الأفارقة إحداث تغيير هائل في كسر السياسات الرامية لفرض العزلة الدولية على إسرائيل.
هناك اتجاه إسرائيلي نحو محاصرة التغلغل الإيراني المتزايد في إفريقيا، واستخدام السياسة الإيرانية لنفس الأدوات التي استخدمتها إسرائيل لكسب عقول وقلوب الأفارقة وهي المساعدات التنموية
الأبعاد الاستراتيجية، إذ إن إسرائيل بحاجة إلى اختراق حاجز العزلة التي فرضتها عليها الدول العربية، فقد استطاعت الدبلوماسية العربية بعد حرب 1973م أن تُحاصر النفوذ الإسرائيلي في القارة السمراء، وانتهى الأمر بإعلان الدول الإفريقية قطيعة شبه كاملة مع إسرائيل، واتخاذ مواقف متضامنة مع القضية الفلسطينية. لذلك نشط الكيان الإسرائيلي في إقامة شبكة من التحالفات مع دول غير عربية، ولا سيما في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا.. فقد نُقل عن ديفيد بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في خطابٍ له أمام الكنيست، أنه قال “إن المساعدات التي نقدمها للدول “الحديثة” ليست عملا من أعمال الخير.. إننا بحاجة إلى صداقة هذه الدول أكثر من حاجتها هي إلى مساعداتنا”.
كذلك، لم تكن الاعتبارات الاقتصادية ببعيدة عن تفكير صانع القرار الإسرائيلي، فإفريقيا غنية بمواردها وثرواتها الطبيعية، كما أنها تعد سوقاً محتملة للمنتجات الإسرائيلية نسبة للكثافة السكانية العالية التي تتميز بها القارة السمراء. وتحاول إسرائيل أن تستخدم هيئة التعاون الدولي (مشاف) التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية باعتبارها الذراع الدبلوماسي الذي يسهم في تقوية علاقاتها مع الدول الإفريقية. وقد لُوحظ خلال السنوات الماضية أن معظم النشاط الإسرائيلي في إفريقيا قد تركز في ثلاث مجالات هي الاستثمار في تكنولوجيا المياه، وتجارة الماس، والأسلحة. ولذلك يطالب كثير من المحللين الإسرائيليين بضرورة إنقاذ سياسة إسرائيل الإفريقية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة من خلال تطوير وتوسيع دوائر الحركة التجارية معها بالتركيز على القوى الاقتصادية الواعدة فيها مثل نيجيريا وغانا وجنوب إفريقيا.
ما يلفت الانتباه أن الطرف الإسرائيلي في الشراكات التجارية والاستثمارية مع إفريقيا لم يكن يمثل القطاع الخاص وإنما كان يمثل الحكومة الإسرائيلية في الغالب الأعم، وهو ما جعلها تدخل في إطار أدوات السياسة الخارجية الإسرائيلية في إفريقيا. ويلاحظ أن هذه الشركات قد قامت ببناء مقار حكومية في إثيوبيا وسيراليون ونيجيريا والمطارات الدولية في غانا وأوغندا ، بالإضافة إلى تشييد فنادق في سيراليون ونيجيريا وتنزانيا وكينيا. فضلاً عن سفلتة آلاف الأميال من شبكات الطرق في الدول المذكورة.
بجانب ذلك، علينا ألا نتجاهل البُعد الأمني فهناك مخاوف إسرائيلية من انتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة في كثير من مناطق إفريقيا ولا سيما في بؤر التوتر والصراعات الكبرى في نيجيريا وكينيا ومنطقة الساحل.. لا شك أن إسرائيل تنظر إلى هذه المخاوف الأمنية باعتبارها تهديداً مباشراً لأمنها القومي. ولعلّ الغارات الإسرائيلية المتكررة علي شرق السودان تعد مثالا واضحا على أهمية هذا البعد في السياسة الإسرائيلية تجاه إفريقيا.
من بين القضايا التي جعلت إسرائيل تتجه إلى فتح سفارة جديدة في رواندا، أن تكون الأخيرة “دولة ثالثة” تنقل إسرائيل إليها طالبي اللجوء الأفارقة
كما أن هناك اتجاه إسرائيلي نحو محاصرة التغلغل الإيراني المتزايد في إفريقيا، واستخدام السياسة الإيرانية لنفس الأدوات التي استخدمتها إسرائيل لكسب عقول وقلوب الأفارقة وهي المساعدات التنموية. وعليه فإن إسرائيل رأت في إيران وسياستها الإفريقية تهديداً مباشراً لمصالحها الإستراتيجية في القارة السمراء.
الأهم من كل ذلك، هناك سعي إسرائيلي حثيث للحصول على عضوية الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لكينيا أنه يأمل انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب.
وفي كلمته الثلاثاء الماضي خلال حفل تنصيب الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، قال نتنياهو “نحب إفريقيا، وأرغب بشدة في التعاون مع أي دولة من الدول الإفريقية ومع كينيا، بل مع الاتحاد الإفريقي“. وأضاف” آمل أننا سنجد جميعا طريقا يفسح المجال أمام انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، لأننا نستطيع المساعدة ونستطيع ليس المشاهدة فحسب، بل المساعدة أيضا على بناء مستقبل أفضل لإفريقيا“.
سفارة إسرائيلية جديدة في كيغالي
خلال زيارته الأخيرة لكينيا، التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بالرئيس الرواندي، بول كاغامي، في نيروبي، الثلاثاء، وأعلن عن افتتاح سفارة إسرائيلية جديدة في كيغالي “كجزء من توسيع التواجد الإسرائيلي في أفريقيا وتعميق التعاون الإسرائيلي الأفريقي، بحسب بيان صادر عن مكتب نتنياهو. كما بحث نتنياهو وكاغامي إمكانية فتح خط طيران مباشر بين البلدين.
أتاح الوجود الاقتصادي والاستثماري الضخم في إفريقيا قوة ناعمة لتل أبيب
ومن بين القضايا التي جعلت إسرائيل تتجه إلى فتح سفارة جديدة في رواندا، أن تكون الأخيرة “دولة ثالثة” تنقل إسرائيل إليها طالبي اللجوء الأفارقة، الذين تسللوا من السودان وإريتريا بالأساس، وليس إلى موطنهم الأصلي حيث تشكل عودتهم إليه خطرا على حياتهم، وبذلك تتفادى إسرائيل اتهامها بتشكيل خطر على حياة اللاجئين وتتمكن من إخراجهم من البلاد أيضا. نشير إلى أن طالبي اللجوء إلى إسرائيل من السودان غالبيتهم من إقليم دارفور المضطرب.
نجاح إسرائيلي واضح
رغم إعلان توغو في سبتمبر/ أيلول الماضي عن تأجيل انعقاد القمة الإفريقية الإسرائيلية التي كانت مقررة في أكتوبر / تشرين الأول في لومي، الأمر الذي اُعتبر ضربة لجهود نتنياهو الهادفة إلى عودة إسرائيل إلى إفريقيا، فإن إسرائيل حققت نجاحات واضحة من بينها تصويت دول إفريقية “توغو ورواندا وكينيا وبوروندي”، في 2015 ضد قرار للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يطالب إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؛ وما يعنيه ذلك من خضوع منشآتها الدولية للتفتيش الدولي باعتبارها الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تنضم إليها.
كما صوتت نيجيريا، ودول أفريقية أخرى، لصالح المرشح الإسرائيلي لرئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران 2016، وامتنعت نيجيريا في 2014 عن التصويت على مشروع القرار العربي في مجلس الأمن، الداعي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وهو ما أسهم في إفشال تبني الأمم المتحدة هذا القرار.
وأتاح الوجود الاقتصادي والاستثماري الضخم في إفريقيا قوة ناعمة لتل أبيب، حيث تستثمر إسرائيل في إثيوبيا وكينيا مساحات شاسعة من الأراضي لزراعة الزهور التي تصدرها لأوروبا، وتجني من ورائها سنويا أكثر من 300 مليون دولار أمريكي. كما تنقل إسرائيل خبرتها لهذه الدول في مجالات الزراعة، والري، وشق الطرق، والمجال العسكري والأمني.
لن يستطيع أحد توجيه اللوم للدول الإفريقية على تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، إذ إن لغة المصالح المشتركة تتغلب على العواطف في عالمنا اليوم
ولاجتذاب التعاطف والتأييد الإفريقي، دشَّنت إسرائيل منذ سنوات قليلة مضت، سياسة تصعيد عدد من اليهود الإثيوبيين (الفلاشا)، الذين بدأوا في الهجرة إليها عام 1984، في سلكها الدبلوماسي، حيث أهّلت ودربت عددا منهم وألحقتهم بوزارة الخارجية الإسرائيلية، وأوفدت عدد منهم إلى دول القارة الإفريقية. ومن هؤلاء مديرة الدائرة الإفريقية في الخارجية الإسرائيلية، بلاينش زفاديا، التي تم تعيينها مؤخراً سفيرة لبلادها لدى أديس أبابا.
أخيراً، من النجاحات التي تحسب للسياسة الإسرائيلية، تصاعُد دعوات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، إذ لمست تل ابيب تغيراً واضحاً في نظرة دول المنطقة تجاهها، فقد قال بنيامين نتنياهو في فبراير/ شباط الماضي “للمرة الأولى في حياتي وفي حياة دولتي، لا ترى الدول العربية في المنطقة إسرائيل كعدو بل كحليف”، وأضاف: “هذا التغيير في منطقتنا يخلق فرصة لتعزيز الأمن والتقدم بالسلام“... ورشحت أخبار عن مستوى تنسيق عال بين تل أبيب ودول خليجية وصلت إلى تبادل الزيارات.
لن يستطيع أحد توجيه اللوم للدول الإفريقية على تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، إذ إن لغة المصالح المشتركة تتغلب على العواطف في عالمنا اليوم، كما أن بعض الدول العربية أقامت علاقات دبلوماسية ووقعت معاهدات مع إسرائيل. هذا الاختراق يتواصل والدول العربية لا تهتم له، بل هناك دول أصبحت لا ترى في إسرائيل عدواً وتسعى بصورة محمومة إلى التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية علنية مع الكيان الإسرائيلي.
يدل على ذلك تصريح وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، الشهر الماضي، “إن لإسرائيل علاقات مع دول عربية وإسلامية من بينها السعودية”. وجوابا عن سؤال لإذاعة الجيش الإسرائيلي بشأن سبب إخفاء إسرائيل علاقاتها مع السعودية، قال وزير الطاقة، يوفال شتاينتز: “لدينا علاقات مع دول إسلامية وعربية، جانب منها سري بالفعل ولسنا عادة الطرف الذي يخجل منها”، وفق ما نقلت وكالة “رويترز“.. يضاف إلى ذلك تصريحات وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل الذي دعا إلى التطبيع مع إسرائيل.
ولمواجهة التحركات الإسرائيلية المشبوهة، نرى أن يتوحد القرار العربي أو على الأقل محور الدول الممانعة لمواجهة إسرائيل، وأن تقترب الدول العربية بصورة أكبر من إفريقيا، حتى لا تتركها للكيان الإسرائيلي، فيجب تقوية العلاقات مع دول جنوب الصحراء عن طريق بناء علاقات استراتيجية معها، وتعزيز الاستثمارات العربية، ولدول الخليج تجارب ناجحة في هذا الصدد خاصة في إثيوبيا وكينيا وأوغندا، كما أن هنالك نسبة مقدرة من العمالة الإفريقية في منطقة الخليج، يمكن أن تشكل جسراً للانفتاح نحو إفريقيا ومجتمعاتها. فضلاً عن ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية لضحايا الجفاف والحروب في إفريقيا وتنشيط المنظمات على تكثيف عملياتها هناك.