يرجع ظهور الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة واستعمال المقاتلين الخواص في أداء بعض المهام في الصراعات المسلحة ذات الطابع الدولي إلى بداية النظام الدولي الجديد وبروز النزاعات الداخلية والإقليمية كالنزاعات الإثنية والجماعات الإرهابية، مما أثر على مصالح الدول الكبرى وحماية منشآتها.
فحلت محل القوات المسلحة النظامية في الحروب الخارجية، وقد ساعد التكريس لهذا الدور تنامي حدة التهديدات الأمنية، وتراجع قدرة الدولة منفردة في مواجهة تلك التحديات، فالدولة في صورتها الحاليّة لم تعد وحدها التي تحتكر استخدام القوة العسكرية.
لأن الحروب تثقل ميزانية الدول وتسخر موارد الدولة لدعم القوات المسلحة مما يسبب تكاليف اقتصادية وبشرية ضخمة والتقليل من حجم خسائر القوات النظامية التي تسقط في ميدان المعارك، فقد تنامى مجال الخدمات الأمنية الخاصة بشكل سريع خاصة في حرب العراق، وقد دخلت هذه الشركات في العديد من الأزمات ذات الطابع العسكري الاقتصادي مثل تدبير انقلابات في إفريقيا بسبب الرغبة في السيطرة على النفط في أنغولا والألماس في سيراليون ومن البلقان إلى أفغانستان ثم العراق.
معروف عن الشركات الأمنية أنها غير خاضعة لأي سلطة تفتيش أو رقابة وتتجاوز قواعد الاشتباك التي تلتزم بها الجيوش النظامية
بعدها حوّلت نشاطها تدريجيًّا من العمل العسكري البحت إلى أعمال الحماية أو تخليص الرهائن والمختطفين وتقديم المشورة للقوات المحلية وأفراد الأمن أو تدريبهم، فقد أصبحت توكل لهم مهام حساسة كالعمل الاستخباراتي والتجسس والدعم اللوجستي والتدريب وحراسة الشخصيات والمواقع الإستراتيجية، فتتم هيكلة هذه الشركات وتكوينها ككيانات متعددة الجنسيات يكونها في الغالب عسكر ورجال مخابرات سابقون مستغلين خبراتهم وشبكات علاقاتهم بالمؤسسة العسكرية من أجل تحقيق الربح عبر أنشطتهم.
المرتزقة جيوش الظل
تفضل الحكومات توظيف المرتزقة لأنهم ينظرون إلى الحرب نظرة براغماتية، فالمرتزقة هو من يجند محليًا أو دوليًا ليشارك في صراع مسلح أو في الأعمال العدائية، يرسلون لتنفيذ عمليات اغتيال وأعمال تخريبية في دولة معادية لا تريد الدول التورط فيها، فمن غير المهم مع أي طرف يحاربون، المهم كسب المال، فهم انتهازيون يعملون لصالح من يدفع أكثر لا يقاتلون لأجل أمن دولة أو لفرض فكرة.
بل من منطلق مادي لكونهم يعتبرون أنفسهم جزءًا من شركة عسكرية، وهي التسمية التي يفضلون إطلاقها على أنفسهم بدلاً من تعبير “المرتزقة”، وهم ينتمون عمومًا إلى المجتمعات الهشة مما يجعلهم يتحولون إلى متمردين يستعان بهم أكثر في الانقلابات والمؤامرات نظرًا لسهولة حركاتها وتسللها عبر الدول ويحصلون على أجر يفوق المجند في الجيوش الرسمية، فهم آلة حرب وقتل، معروف عنهم أنهم غير خاضعين لأي سلطة تفتيش أو رقابة ويتجاوزن قواعد الاشتباك التي يلتزم بها الجيوش النظامية.
تنتشر في العالم آلاف الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة وتتبعها مئات من الشركات الملحقة والمساعدة، ولعل أهمها وأكثرها شهرة: بلاك ووتر
خصخصة الحروب: الذراع العسكري للعولمة الأمنية
يشير مصطلح خصخصة الحروب إلى تخلي الدول عن تمويل الحرب ماديًا وتخفيض عدد العساكر واعتمادها على تنظيمات مسلحة غير نظامية يقودها ضباط سابقون في القوات الخاصة والاستخبارات، واختزال دور الدولة ومؤسساتها العامة وزيادة مساهمة القطاع الخاص.
فالوظيفة الأمنية للدولة هي وظيفة عامة تؤديها مؤسسة قطاع عام (وهي التي تقوم عادة بتوفير الخدمات الأمنية التقليدية) التي تأثرت هي الأخرى بالعولمة الأمنية لخصخصة القضايا الأمنية، ليشمل مجالات سيادية مثل الدفاع والأمن، فأصبحت الدول تعتمد على استراتيجيات التدخلات العسكرية والحروب بالوكالة التي تنفذها شركات عسكرية خاصة.
رغم الاختلاف الكبير في سياقات الدول المتقدمة والدول في المراحل الانتقالية والدول التي تمر بمراحل ما بعد النزاع والدول النامية، فهناك قاسم مشترك أن خصخصة الخدمات الأمنية تحدث عند عدم قدرة الدولة أو عدم رغبتها في القيام بهذا الدور.
مجالات عمل الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة
على الرغم من وجود تداخل بين وظائف كلا النوعين من الشركات (الأمنية والعسكرية)، خصوصًا فيما يتعلق بتوفير الحماية في دول تشهد حالة من عدم الاستقرار، تظل هناك تمايزات بينهما:
الشركات الأمنية الخاصة: تقدم الحماية الأمنية للأفراد والممتلكات والسفارات والدبلوماسيين وتحليل المخاطر واستشارات في إدرة الأزمات مثل الاختطاف، كما أنها تخدم مجموعة كبيرة من العملاء تشمل الحكومات والهيئات الدولية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات التجارية، وهذا يعني أن خدماتها ليست بالضرورة خدمات مسلحة، فعملياتها بطبيعتها تتسم بالدفاع وليس الهجوم، إلا أنها في بعض الأحيان تقوم بمهام قتالية هجومية خلافًا لما تدعيه بأن دورها دفاعي فقط.
خصخصة الحروب هي السياسة الجديدة لأباطرة الحرب نظرًا لتحالف تلك الشركات مع مجمعات صناعة الأسلحة والتي تستفيد من نشوء النزاعات المسلحة وتعاظم معدلات العنف
الشركات العسكرية الخاصة: تتخصص بالمهارات العسكرية وتقدم مجموعة من الخدمات العسكرية للعملاء، وتسعى للتأثير العسكري في الميدان وتشارك في العمليات القتالية وتوفير وصيانة الأسلحة والمعدات، ويمكن تصنيف الشركات العسكرية الخاصة إلى ثلاثة أنواع وهي: الشركات التي توفر أعمال الميدان العسكري وتركز على العمل التكتيكي، وشركات الاستشارة العسكرية والتدريب، والشركات التي تقوم بالإمداد والأعمال اللوجستية، وقد تضم أيضًا الجماعات المتمردة والمليشيات والفصائل المسلحة.
تنتشر في العالم آلاف الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة وتتبعها مئات من الشركات الملحقة والمساعدة، ولعل أهمها وأكثرها شهرة: بلاك ووتر Black Water وشركة داينكورب Dyncorp وشركة كونترول ريسك Control Risks Group وآ رمور غروب Global armor group وفالكون للخدمات الأمنية FALCON وشركة النظم الدفاعية البريطانية المحدودة DSL وشركة الموارد المهنية العسكرية MPRI جي فور إس .Group 4 Securicor
خصخصة الحروب هي السياسة الجديدة لأباطرة الحرب نظرًا لتحالف تلك الشركات مع مجمعات صناعة الأسلحة التي تستفيد من نشوء النزاعات المسلحة وتعاظم معدلات العنف، ولا شك أن استمرار نمو هذه الظاهرة سيعني اجتياح الخصخصة التي صادرت معظم وظائف الدولة الحديثة من الاقتصاد والتعليم ومؤسسات البنى التحتية وصولاً إلى حفظ الأمن الداخلي للدول، فتزايدت خصخصة الحرب بشكل ثابت إبان عملية إصلاح القطاع الأمني وإعادة الإعمار في مراحل ما بعد النزاع.