يدفع الفقر والبطالة الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة، وخصوصًا المعاقين، للعمل في مهن شاقة لتأمين المعيشة لعوائلهم في شمالي سوريا.
وأظهرت نتائج دراسة أعدّتها وحدة تنسيق الدعم، أن 52% من الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن سنتين في الشمال السوري يعانون من إعاقات (أو صعوبات في أداء المهام اليومية) قد تصل إلى مرحلة الإعاقة، وكذلك 63% من الأشخاص في شمال حلب، و59% في منطقة عفرين.
وبحسب وحدة تنسيق الدعم يليهم 58% من الأفراد في إدلب، بينما تصل النسبة إلى 21% من الأفراد الذين يعانون من الإعاقة في منطقتَي رأس العين وتل أبيض، أما في شمال شرقي سوريا فنسبة 48% من الأفراد يعانون من الإعاقة.
ولفت التقرير إلى أن 30% من الإناث لديهم إعاقات أو نوع من الصعوبات، وأن 18% من الأشخاص يعانون من صعوبات في المشي أو التسلق، و17% من الأشخاص يعانون من صعوبات في الرؤية حتى عندما يستخدمون النظارات.
كذلك أشار التقرير إلى أن 82% من الأشخاص ذوي الإعاقة عاطلون عن العمل، و12% من الأشخاص يواجهون صعوبات في الاعتناء بأنفسهم، كالاستحمام أو ارتداء الملابس.
ارتفاع حدّ الفقر
وقال فريق “منسقو استجابة سوريا” إن مؤشرات الحدود الاقتصادية في مناطق شمال غربي سوريا وصلت إلى مستويات جديدة هي الأعلى منذ سنوات.
وأوضح الفريق في تقرير أن حدّ الفقر المعترف به ارتفع إلى 9 آلاف و314 ليرة تركية، وحدّ الفقر المدقع ارتفع إلى 6 آلاف و981 ليرة تركية، على اعتبار أن العملة المتداولة هي الليرة التركية.
وأضاف أن هذا الوضع جعل المنطقة تعيش انهيارًا اقتصاديًّا مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، وزيادة ملحوظة في معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمدنيين.
ذوو إعاقة لكن ذوو همة وعزيمة أيضًا
عبد الله الدربي، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، يعيش في منطقة بابسقا شمال إدلب بالقرب من الحدود التركية، حيث تعرّض لطلقة نارية وهو صغير، ما أدّى إلى شلل في يده ورجله.
يعمل الدربي في بيع المحروقات حيث يتوجّب عليه حمل قوارير ضخمة لتعبئة المازوت والبنزين، وجلبها إلى المحل من أجل بيعها، لكن في الوقت ذاته لا يمكنه الجلوس في المنزل، لأنه يعيل عائلته المكونة من 9 أشخاص من دخل المحل.
ويقول الدربي في حديث لـ”نون بوست” إنه يعاني كثيرًا خصوصًا في فصل الشتاء، لأنه لا يملك مدفأة داخل محله التجاري لعدم قدرته المادية، كذلك بات يعاني من آلام في يده بسبب الحمل الثقيل وعدم وجود من يساعده في عمله.
وأشار تقرير وحدة تنسيق الدعم إلى وجود أشخاص ذوي إعاقة يؤثر بشكل كبير على أولويات الاحتياجات للأُسر في جميع أنحاء شمالي سوريا.
وتُظهر الأُسر التي تحوي أفرادًا من ذوي الإعاقة احتياجًا واضحًا للقسائم النقدية، حيث تشكّل 20% من متطلباتها الأساسية.
وأرجع التقرير هذه الحاجة المتزايدة إلى النفقات الإضافية المرتبطة برعاية أفراد الأسرة ذوي الإعاقة، بما في ذلك تكاليف الرعاية الصحية والأدوية والنقل.
“عمل مرهق لكن أفضل من سؤال الناس”
تعرّض تيسير عبيد لبتر رجله اليسرى إثر قصف سابق لقوات النظام السوري على قريته بريف إدلب، لكن بعد شفائه وجد عائلته لا تملك قوت يومها، لذلك قرر العودة للعمل في مهنة البناء.
ويقول تيسير في حديث لـ”نون بوست” إنه يستيقظ في السابعة صباحًا من أجل العمل في مهنة اللياسة متعكّزًا على عصا يحملها معه، مؤكدًا أن العمل مرهق للغاية، لكن يبقى أفضل من الحاجة إلى الناس حسب قوله.
ويضيف أن المعاقين بحاجة إلى برامج تأهيل من قبل المنظمات الإنسانية وفتح مشاريع صغيرة تكفل لهم مدخولًا جيدًا وتراعي وضعهم الصحي، لأن الكثير منهم يرفض التسول.
وبحسب تقرير وحدة تنسيق الدعم، فإنه يتم تخصيص 12% من أولويات احتياجاتهم لوقود التدفئة ووسائلها، حيث يتعرض الأفراد ذوو الإعاقة، لا سيما أولئك الذين يعيشون في مخيمات النازحين، لخطر متزايد للإصابة بالأمراض المرتبطة بالطقس البارد.
تميم العمري يعاني من تشوُّه خلقي في يده اليمنى، ويعاني كثيرًا من عمله في مهنة البناء، حيث يعمل تحت يد نجّار في البيوت لمدة تتجاوز 12 ساعة، مقابل أجر يومي لا يتجاوز 100 ليرة تركية (أي 3 دولارات).
ويقول العمري في حديث لـ”نون بوست” إن الإعاقة لم تكن حاجزًا أمامه من أجل العمل، لكن الشيء المؤسف -حسب قوله- هو تدنّي الأجور حيث لا تكفي لسدّ رُبع احتياجات أي عائلة.
جدير بالذكر أن فريق الاستجابة أرجع زيادة معدلات الفقر والجوع إلى تخفيض كمية المساعدات الإنسانية الواردة عبر الحدود، في حين أدّت زيادة سعر الصرف إلى ارتفاع أسعار أغلب السلع بنسب تتراوح بين 14% و66%.