أعلن الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون، أن ولي عهد المملكة العربية السعودية، تعهد إليه بوقف تمويل منظمات تنشر الفكر الوهابي، في حال سلمت فرنسا للسعودية قائمةً بهذه المنظمات، هذه السعودية التي مولت على مدار عقود جماعات ومنظمات حول العالم كله لنشر الفكر الوهابي السلفي ليمثل امتدادًا لوهابية المملكة التي استمدت قوتها وسطوتها من تحالف مع سلطة آل سعود منذ بداياتها.
هذا التحالف الذي بدا كزواجٍ كاثوليكي بين مؤسسة الدين والسلطة، لا يفترقان أبدًا، ويسمى رأس الدولة خادمًا للحرمين الشريفين، لتزيد سلطته، متجاوزةً حدود سلطته السياسية، حاصلًا على شرفٍ ديني زائد، زاد على كل ذلك، وجود الحرمين الشريفين داخل حدود الدولة السعودية، مما أضفى أيضًا مزيدًا من القدسية على هذه الدولة وسلطتها وممثليها.
يُبايَع أي متولٍ للسلطة في السعودية، من خلال مفتي المملكة ويباركه ويقبل يده، ويكون بذلك حصل على تأييد القطاع الأبرز من السلطة الدينية المتمثلة في المؤسسات الوهابية التي يتحكم فيها آل الشيخ في المملكة.
منذ صعود نجم ولي العهد الحاليّ محمد بن سلمان إلى سلم السلطة كولي ولي العهد عام 2015، بدأ الرجل في تقديم نفسه كشخصية مجددة، بعد حالة الجمود الطويلة التي عانت منها المملكة النفطية
على مدار عقود، عملت السلطتان الدينية والسياسية في السعودية معًا، جنبًا إلى جنب لتثبيت سلطتهما في جذور المجتمع السعودي الذي تحول إلى ترسٍ في ماكينة السلفنة عن طريق النقاب والجلباب القصير واللحية الطويلة، حتى صارت هذه المظاهر جزءًا عاداتيًا من ثقافة المجتمع وليس عبوديًا.
فصارت كل هذه المظاهر ضمن العادات السعودية، لكنك لو ركبت طائرة من السعودية إلى أي دولةٍ كنت ستلحظ أن ركاب الطائرة من السيدات يرتدين الزي الأسود الفضفاض، لكن فور إقلاع الطائرة واستقرارها في الجو ستجد كل السيدات أيضًا خلعن ما يرتدين من ملابس وظهر الأحمر والأصفر، هذا سلوك مجموعة من البشر، خرجوا للتو من السجن ولا شيء غير ذلك، هذا السلوك وغيره يمثل نتيجة طبيعية للقمع الديني الذي وطد له تحالف السياسة والدين في السعودية، ليتم إحكام القبضة على المجتمع، وكله بالدين.
لا ركوب للسيارات ولا أهلية للمرأة في التنقل ولا أهلية للمرأة في استخراج أوراقها الثبوتية أو جوازات السفر أو حتى دخول الجامعة من دون إذن ولي الأمر، كلها إجرءات إدارية اتخذتها الدولة السعودية على مر عقود، دُعمت دائمًا من الهيئات الشرعية الوهابية ودور الفتوى وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى صار السعوديون يتندرون أن سلطة هذه الهيئات فاقت في سطوتها سلطة الأجهزة الشرطية والأمنية.
لكن منذ صعود نجم ولي العهد الحاليّ محمد بن سلمان إلى سلم السلطة كولي ولي العهد عام 2015، بدأ الرجل في تقديم نفسه كشخصية مجددة، بعد حالة الجمود الطويلة التي عانت منها المملكة النفطية، مؤكدًا انفتاحه على الآخر وقبوله بأنشطة ربما غير مسموح بها في المملكة كالموسيقى والأغاني والفن والسينما والمتاحف، بعد عقود عملت فيها آلة الدعاية الوهابية على تحريم كل ذلك، وأصدرت المملكة مئات الكتب عن حرمة الأغاني وحرمة قيادة السيارات، بل ونشرت هذا الفكر خارج حدود المملكة وصدرته إلى ما جاورها من البلدان العربية كمصر والسودان وسوريا والمغرب.
إننا ونحن نرى ما يقوم به ولي العهد الجديد من إجراءات تتسم بالانفتاح لنجد من الواجب أن نشير إلى استخدام الدين كأداة سهلة طيعة في يد الحكام، إذ إن نفس الهيئات الشرعية والدينية التي حرمت على الناس حياتهم، هي هي التي تفرح اليوم وتشيد بهذه الإنجازات وتصفها بحفظ المصالح ومنع المفاسد، استخدامٌ للدين في كل خطوة، حتى تلك الخطوات التي لا يستلزم معها استخدام الدين، لكن كيف سيمر الأمر على أناسٍ اعتادوا تطويع النصوص والأفكار لخدمة الحاكم؟
تجد نفس المؤسسات الدينية، تنقلب على كل ما روجت له، تصف السماح للمرأة بالقيادة بأنه جلب للمصلحة لما في ذلك من منع السائق الأجنبي، وتجدهم يسكتون عن حفلات الغناء التي سجلوا لتحريمها مئات شرائط الكاسيت
هذا التطويع، لم يكن مقتصرًا على قهر الناس اجتماعيًا وإنسانيًا، بل إن أساس توطئته حفظ مصالح الحاكم السياسية وقتل الحياة السياسية في البلاد وإسكات أي صوتٍ حُر، فخادم الحرمين الشريفين هو ولي الأمر تجب الطاعة له في كل الأوقات، وخادم الحرمين الشريفين هو مستحقٌ للطاعة حتى وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك.
ولم تكتف السعودية بقمع مواطنيها فقط، فصدرت لسان الحال هذا إلى مصر، فتجد السلفية المصرية تتعاون مع أجهزة الأمن وتؤيد الحاكم في فساده وتدعم انقلاباتٍ عسكرية وتسكت عن دماءٍ حرام أسيلت، وكل هذا طاعةً لولي الأمر.
فرضت السعودية باعتبارها واحدة من أهم النماذج الصارخة على تطويع الدين لصالح السلطة، على مواطنيها قمعًا اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا يغلفه نص ديني، فالرافض للحاكم تاركًا لدينه مفارقًا للجماعة، وفي ذلك فلتتنافس الديكتاتوريات العربية.
واليوم، تجد نفس المؤسسات الدينية، تنقلب على كل ما روجت له، تصف السماح للمرأة بالقيادة بأنه جلب للمصلحة لما في ذلك من منع السائق الأجنبي، وتجدهم يسكتون عن حفلات الغناء التي سجّلوا لتحريمها مئات شرائط الكاسيت، وتجدهم اليوم يصمتون تمامًا عن كل ما كانوا يحرمونه قبل سنواتٍ قليلة.
هذه التحركات لا تعكس إلا أن استخدام الدين في الحياة السياسية هو إجراء سلطوي لا مغزى من ورائه إلا حفظ الحاكم لمنصبه، فشعارات الحكم بما أنزل الله حطمها ابن سلمان في شهور قليلة، وحطم معها أسطورة الدولة الدينية التي أكلت رؤوس الناس ولفتت انتباههم عن قضاياهم الأهم، الحرية والكرامة.