في فيلم “رجم ثريّا – 2008” قصة امرأة لها أربعة أطفال لزوج يعمل مع الشرطة في مصلحة السجون، يريد الزوج التخلص منها بسبب رغبته في الزواج بشابة لها أربعة عشرعامًا ابنة رجل مهم ومن الطبقة الأعلى ماديًا واجتماعيًا، ومن شروطه (والد الزوجة الجديدة) ألا يكون الرجل متزوجًا حتى لا تُجمع ابنته بمثيلتها من طبقة أقل، وبالنسبة للزوج يريد إنهاء زيجته حتى لا تكون عبئًا ماديًا عليه أو يتطلب الأمر أي إنفاق طبقًا لأحكام الانفصال إن هو أراد الطلاق، فالحل في غياب ثريّا من الحياة!
فأضله تفكيره بالتعاون مع شيخ القرية في تدبير قضية زنا للزوجة لتطبيق الحد عليها وقتلها رجمًا ودفنها في خانة الفضيحة حياة وموتًا، بعد أن رفضت عرضًا أوليًا من شيخ القرية بالزواج منها بعد طلاقها من زوجها الأول، فاختارت الحق عن الاستكانة.
بتفاصيل يسردها الفيلم يستطيع الزوج بمساعدة شيخ القرية أن يفتعلوا الموقف بشجار بين الزوج وزوجته ثم صياح خارج المنزل، ثم الادعاء بأنها خانته مع جاره التي كانت تعمل في بيته بعد وفاة زوجته لتستطيع أن تكسب من النقود ما تدير به بيتها بعد توقف زوجها عن الإنفاق، وأقنعوا حاكم القرية بالأمر، وبدوره أمر بالتحري.
كل الأمور فيها لبس وشك وخوف بسبب عظمة الجزاء المتوقع، لكن حماس الجمهور والناس في تصديق الحكاية رغم عدم علمهم بأي تفاصيل، أو حتى سابق معرفة تدل على سوء سلوك السيدة المتزوجة هو ما دفع الأمور نحو تنفيذ الحكم تحت رغبة شعبية قبل كل شيء، {مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}.
فالغريب جدًا ماذا يجعل الناس تذهب وراء تصديق مثل هذا؟ وهل هذا غريب عليهم وحالة خاصة وكان المفترض أن يتعاطفوا مع الضحية على احتمال أن يأتي يوم يكونون مكانها؟
الإسلام لم يأت منتظرًا زلل الناس فيطبق عليهم الحدود ويعاقبهم، الإسلام جاء يفهم الإنسان نفسه، وإنه مشترك مع الكل في قاعدة كبيرة
إنها شراهة المجتمع في وجود عصاة والرغبة في إلحاق الأذى بهم
الحقيقة والواقع أن في الأمور الأخلاقية الحاسمة الحازمة يميل الناس لإلحاق الاتهام بأي شخصية موجودة في موضع شك، لرغبتهم الداخلية في وجود مجرم يحمل عنهم وزر هذه الأزمة الأخلاقية، كل واحد منهم في داخله رغبة أن يصنع فعلاً شبيهًا، أو حاول وفشل بسبب خوفه، لكنه لم يقدر على أن يتخلص من شعوره في هذا أو أن يتطهر منه، فيلجأ إلى الانتظار إلى أن يأتي حدث يثبت وجود جناة وعصاة غيره، لتلك المسألة التي طالما جاشت بصدره، لئلا يشعر أنه وحده، ووقتها تجده أعلى الناس صوتًا عن العدالة والقصاص والشرف.
لا مجال للحياد والموضوعية الحق والعدالة، يوجد مكان واسع فقط للحماس لتطبيق الشعار الذي قيل مرارًا وتحدث عنه الأفاضل أنه حماية الخلق من الرذيلة، حتى يتخلص من جزء من الذنب، بإظهار دعمه وتأييده للحد من هذا.
عكس رسالة الدين تمامًا وتدمير لجوهر التدين
الإسلام لم يأت منتظرًا زلل الناس فيطبق عليهم الحدود ويعاقبهم، الإسلام جاء يفهم الإنسان نفسه، وإنه مشترك مع الكل في قاعدة كبيرة، وواجب عليه الشعور بأخيه، في الأمر الحسن يساعده، وفي الأمر السيء يعذره ويلتمس له ألف عذر، من منطلق الرحمة، فعلى أقل تقدير إذا كان مكانه ماذا سيصنع وماذا سينتظر من الخلق أن يفعلوا تجاهه.
ما أريد قوله بكل وضوح إن العامل الفاصل الذي ساهم في قتل هذه النفس (ثريّا) بالظلم لم يكن الزوج والشيخ والحاكم فقط، إنما القوة الأكبر هي الناس التي لو وقفت مع الحق وطلبته لم يكن صاحب الزور أكمل دعواه، هم في ذلك قتلة ومعدومي الشرف وفي أحط المراتب على عكس ما يبدو ظاهر الأمر إنهم ساروا مع تطبيق أمر شرعي.
فقدان الجمع الشعور بقضايا الإنسان الواحد يُفقد ثقة الجميع أن يصدقه الجمع لو كان مظلومًا، فعند وقوع مشكلة يمشي مع الركب ويرفع صوته مع الذين هتفوا، إيمانًا بضعف موقفه خذلانًا من دعم أخوته في موطنه، وهذا هو المدخل الأكبر لتدابير الظلم من أول الحكومات الظالمة والفاشية، إلى العصابات التي تسيطر على مناطق بعينها، إلى الجرائم الفردية الشنيعة مثل تلك التي جسدها الفيلم، الكل يلعب على هذه “لا أحد سينصر الآخر”.
الأمر من الناس وإلى الناس يعود، ولذلك إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.
ولكن كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ.