في هذه الأيام من كل سنة، تتزين الجزائر لتكون عاصمة لما يُعرف باسم الأفلام الملتزمة التي تلتقي ضمن مهرجانها الدولي للسينما للتنافس معنويًا فيما بينها، ذلك أن جوائز المهرجان رمزية وغير مالية، والمشاركة فيه ما هو إلا للتضامن مع عدد من قضايا الإنسانية.
“جون زيغلر: تفاؤل الإرادة” في الافتتاح
إشارة افتتاح مهرجان الجزائر الدولي للسينما والذي يعرف أيضا بـ”أيام الفيلم الملتزم” في نسخته الـ8، مساء أمس الجمعة، نال شرفها الفيلم الوثائقي “جون زيغلر: تفاؤل الإرادة” للمخرج السويسري نيكولا فاديموف.
وتحتضن قاعة الموقار في الجزائر العاصمة المهرجان في دورته الـ8 التي تنعقد من الأول إلى الـ8 من شهر ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، بحضور وجوه سينمائية جزائرية وعربية وأجنبية، تحت إشراف وزارة الثقافة الجزائرية، ويسلط الوثائقي “جون زيغلر: تفاؤل الإرادة” الضوء على مسيرة السياسي والمناهض للعولمة والظلم والرأسمالية السويسري جون زيغلر، من خلال عرض قصته مع تشي جيفارا الثوري الكوبي الأرجنتيني المولد (1928-1967).
كتب جون زيغلر العديد من الكتب التي بمجملها تتحدث عن دول العالم الثالث والظلم الذي تلقاه
ويعتبر عالم الاجتماع السويسري جون زيغلر (1934) – الذي شغل بعد اعتزاله التدريس العديد من المناصب العليا في منظمة الأمم المتحدة ويشغل الآن منصب نائب عضو اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الأممية – شخصية سويسرية معروفة بكفاحها من أجل عالم أكثر عدالة وانتقاد النظام الرأسمالي، وبدفاعها عن قضايا العالم الثالث على رأسها الفلسطينية التي ساندها منذ مدة، ورفضه لما يسميه “العنهجية الإسرائيلية”.
كتب جون زيغلر العديد من الكتب التي بمجملها تتحدث عن دول العالم الثالث والظلم الذي تلقاه، خاصة الغذاء وما يتم إلقاؤه في حاويات القمامة في بعض الدول في حين أن ما يجده أفراد الشعب في بعض الدول يقل كمية عما يتم إلقاؤه في دول أخرى، وقد أثارت كتبه شهية النقاد في أوروبا ودول العالم المختلفة.
عالم الاجتماع السويسري جون زيغلر
ويعتبر زيغلر صديقًا عزيزًا للجزائر وبوتفليقة، ذلك أنه يقول في كتاب للكاتب والصحفي التونسي رياض الصيداوي تحت عنوان “جون زيغلر يتحدث إلى العرب”: “ذات صباح وفي شارع سانت أورش في بداية الثمانينيات، إذ كان الطقس باردًا، دخل مكتبي بوتفليقة مرتديًا معطفًا أزرق متواضعًا وقال لي: “أريد أن أنجز أطروحة دكتوراه معك” تناقشنا في هذا الموضوع واقترحت عليه أن يعتمد في رسالته على تجربته السياسية والدبلوماسية، كما اقترحت عليه أن يكون موضوعها إنشاء اتحاد المغرب العربي”، ويضيف جون زيغلر “منذ أول لقاء معه وجدته رجلًا متواضعًا، يحاسب نفسه بشدة قبل أن يطلب من الآخرين، ويتميز باستقلالية كبيرة في تفكيره وتحليله للأشياء”.
استعراض للقضايا الإنسانية
منذ تنظيم دورته الأولى في شهر ديسمبر/كانون الأول سنة 2009، دأب مهرجان الجزائر الدولي للسينما على دعم القضايا الإنسانية، بهدف جعل الفن السابع منبرًا لإدانة الانتهاكات والخروق للحريات الشخصية والقضايا العادلة في العالم، مما جعله يسمى أيضًا بـ”أيام الفيلم الملتزم” الذي يعني سينما جيدة ونوعية تستعرض القضايا الإنسانية ومعاناة البشرية وآلامها عبر العالم.
عرفت الجزائر السينما منذ الاستعمار الفرنسي، حيث كان الأخوان (لوميير) أول من وثقا للعالم جمال الجزائر وهي تحت وطأة الاستعمار
وفي كلمته بالافتتاح قال وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي “المهرجان يفرض نفسه عامًا بعد عام في الساحة الفنية الجزائرية والعالمية، وسعيد أن يكون مهرجان في بلادنا يعنى بالقضايا الإنسانية وقضايا التحرر“ وأضاف “المهرجان عودنا منذ طبعته الأولى بوقوفه عرفانًا بالجميل لأسماء جزائرية وعربية وأجنبية تركت بصمة خالدة في مسيرتها النضالية والتاريخية”.
وعرفت الجزائر السينما منذ الاستعمار الفرنسي، حيث كان الأخوان (لوميير) أول من وثقا للعالم جمال الجزائر وهي تحت وطأة الاستعمار، وكان لمناظرها الخلابة دورًا في استقطاب العديد من المخرجين المشهورين في الأفلام الصامتة ومنهم جاك فيدر وفيلمه “الأتلنتيد” وكذلك جان رنوار مع فيلمه “البلد”، وخرج أول فيلم وثائقي سنة 1954 من إخراج رونيه فوتي بعنوان “الجزائر تحترق”.
18 فيلمًا يتنافسون على جوائز المهرجان الرمزية
يشارك في المهرجان الدولي للسينما بالجزائر 26 فيلمًا، تنقسم إلى فيلمين خارج المنافسة في افتتاح وختام المهرجان، و18 فيلمًا نصفها وثائقي ونصفها الآخر روائي، أما الأعمال الـ6 المتبقية فستكون أفلامًا قصيرة يتم عرضها على حصتين، وتمثل الأفلام المشاركة في الدورة 12 بلدًا من إفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا، ويمنح المهرجان جائزة كبرى في فئة الأفلام الطويلة والوثائقية، إضافة إلى جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة الجمهور، وكلها جوائز رمزية.
من بين الأفلام الجزائرية المبرمج عرضها في هذه الدورة الفيلم الروائي “في انتظار السنونوات” للمخرج كريم موساوي الفائز بالجائزة الكبرى لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي لسنة 2017، والفيلم الروائي “لم نكن أبطالًا” لنصر الدين قنيفي الذي يرصد حياة معتقلين جزائريين في معتقل إبان حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي (1954 ـ 1962).
والوثائقي “شعرك المنسدل يخفي حرب 7 سنوات” وهو إنتاج مشترك جزائري فرنسي من إخراج فاطمة سيساني، ينقل نظرة 3 نساء ناضلن إلى جانب “جبهة التحرير الوطني” خلال حرب الجزائر، خبرن العيش في الخفاء والسجن والتعذيب ومستشفى للأمراض العقلية، ويدلين بشهادتهن في خريف العمر بعد عقود من الصمت، كما نجد الوثائقي الفلسطيني “أوف فرايم، الثورة حتى النصر” لمخرجه مهند يعقوبي، ويتطرق الوثائقي للأرشيف الفلسطيني.
قاعة العرض
ومن الأفلام المشاركة في هذه الدورة أيضًا فيلم “سماء حمراء” و”عدنا من بعيد” من فرنسا و”غابة نيولو” من بوركينا فاسو و”الكتيبة” من روسيا و”الأم كولونيل” من الكونغو الديمقراطية و”كان يا ما كان فندق كامبريدج” من البرازيل و”كوبا الحرة” من كوبا، ومن الأفلام القصيرة المشاركة فيلم “وأمطرت” و”ستولن كاميرا” من السويد و”صيف حار” من فلسطين.
وبرمج منظمو الدورة الـ8 للمهرجان بالتوازي مع العروض 6 أفلام قصيرة في فئة جديدة كانت في الماضي خاصة بالأفلام الطويلة، بهدف منح فرصة المشاهدة لهذه الأعمال الأولى لمخرجين شباب، ويتم اختيار الأفلام المتنافسة في المهرجان على أسس 3 هي: أولًا الجودة الفنية، ثانيًا أن يدافع الفيلم عن قيم وقضايا إنسانية، وثالثًا التوزيع العادل بين البلدان والقارات بحيث نضمن مشاركة كل القارات الـ5 في هذا المهرجان، حسب تصريح سابق للمدير الفني للمهرجان أحمد بجاوي.