اعتقد أن مفاوضات الاتفاق السياسي الليبي والتي استمرت لأكثر من أربعة عشر شهرا انطلاقا من غدامس ثم جنيف فالجزائر، لتحط رحالها بالصخيرات المغربية، ويتم التوقيع على الاتفاق مساء السابع عشر من ديسمبر 2015، من قبل الأطراف المتحاورة وبرعاية أممية، والذي عرف إعلاميا باسم الصخيرات الأكثر تعقيدا في تاريخ الدولة الليبية, الاتفاق الذي لم تتضمن نصوصه أي مدد زمنية سواء في ما يخص عمر الاتفاق أو المجلس الرئاسي، أو مجلسا الدولة والنواب، ولكنه خص الحكومة المنبثقة عنه بنص يحدد عمرها بعام واحد قابل للتمديد، ولعام آخر فقط، ويبدأ العد التنازلي لها بعد اعتمادها من قبل مجلس النواب ومنحها الثقة.
الاتفاق بيّن وبشكل مفصل أن نهاية عمر الاتفاق دستوريا تكون وفق أداء مهام، أو بإنجازات حدد بالاستفتاء على الدستور وإجراء انتخابات لاختيار جسم تشريعي ورئيس للسطلة التنفيذية، كي يسلم كل من المجلس الرئاسي والدولة والبرلمان السلطات للأجسام المنتخبة الجديدة, حدث خلل في تنفيذ نصوص الاتفاق بسبب مجلس النواب، فالحكومة لم تنل حتى يومنا هذا الثقة, فقد نجح عقيلة صالح في اختطاف إرادة المجلس وإفشاله، وبدعم من كتلة السيادة الوطنية، وبتنفيذ عصابة من البلطجية، يقودها ابن عمومته فرج العبيدي، والذي عرف إعلاميا بالحاج فرج بوعكوز، الطريف في الأمر أن بوعكوز أضحى أحد أهم رموز الوطنية في برقه وذي شأن، ويحل كضيف شرف لكل المحافل.
وعلى سبيل المثال تمت دعوته لحضور قرعة الدوري الليبي لكرة القدم في طبرق، وتصدر مشهد المسرحية الهزلية والاحتفال الكبير في البيضاء يوم إعلان نتائج تفويض حفتر لرئاسة البلاد. من المضحك المبكي أنه ألقى كلمة بالمناسبة أقر فيها مفاخرا أنه كان البطل الذي أفشل اعتماد الحكومة ولثلاث مرات, اثنتين منهما بقوة العكوز، وأخرى قام فيها بفصل الكهرباء عن قاعة مجلس النواب. أقر بنجاحاته وهو تغمره السعادة وسط تكبيرات جمهور مسرحية التفويض.
في هذه الأيام تعد الخطط وتوضع اللمسات الأخيرة لسيناريوهات مشابهة لبطولات الحاج فرج العبيدي بوعكوز الفوضوية, ومن المحزن أنها قد تجر البلاد لحروب طويلة لا تبقي ولا تذر، وقد تحرق البقية الباقية من ملامح الدولة الليبية, فالخطط كلها حددت 17 ديسمبر موعدا لنهاية عمر الاتفاق، كمبرر لتسويق مخططاتهم بغية الاستحواذ على السلطة والنفوذ والمال.
هذه المعركة قد تتسبب في تدمير كبير للمنشآت النفطية وقد يتوقف إنتاج وتصدير النفط لأشهر، وهو المصدر الوحيد للدولة الليبية
الأنباء تشير لأربع تحركات مختلفة المشارب، فالأول هو من قبل قائد عملية الكرامة خليفة حفتر، فالتسريبات بعد نتائج اجتماع حفتر مع قيادات قبيلة العواقير في بنغازي تفيد بأنه أبلغهم بأن اتفاق الصخيرات ينتهي يوم 17 ديسمبر، وكذلك جميع الأجسام السياسية المنبثقة عنه كمجلس النواب والأعلى للدولة وحكومة عبدالله الثني، والمجلس الرئاسي وحكومته، وأنه سوف يتدخل لحماية البلاد ولاستلام زمام الأمور وقيادة ليبيا، معتمدا في مخططه على مسرحية التفويض.
بعض الأخبار تشي بتكليفه الأسبوع الماضي لعلي القطراني (نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق) برئاسة الوزراء وبتشكيل حكومته، وبدأ القطراني في التواصل مع بعض الشخصيات من مدن الجنوب والغرب لتكليفهم بالوزارات حتى لا تكون الحكومة من أبناء مدن الشرق فقط، والأنباء تقول إن بعض من تواصل معهم القطراني قد قدموا اعتذارهم. والمخيف في هذه التحركات هو دعم النظام المصري والإماراتي. فهناك تسريبات تفيد بتدخل قوات من الجيش المصري لمساعدة حفتر في تنفيذ مشروعه وبدعم مالي كبير من محمد بن زايد.
بينما التحرك الثاني يقوده ما عرف برئيس المكتب السياسي لإقليم برقه وآمر حرس المنشآت النفطية للمنطقة الوسطى سابقا إبراهيم الجظران، بهدف العودة لبسط نفوذه على الموانئ النفطية التي كان مسيطرا عليها منذ أغسطس 2013، وحتى تم طرده منها من قبل قوات حليفه السابق حفتر.
للمعارك أبعاد ومآرب عدة، وعلى رأس قائمتها وأولوياتها الانتقام وإعادة الاعتبار لعدد من أبناء قبيلة المغاربة، بعد تعرض الكثير من أبناء قبيلة الجظران للتهجير والقتل والاعتقال وحرق وهدم وانتهاك حرمات بيوتهم. إضافة إلى استعادة النفوذ والسلطة وتعويض الخسائر المالية والعسكرية. هذه المعركة قد تتسبب في تدمير كبير للمنشآت النفطية وقد يتوقف إنتاج وتصدير النفط لأشهر، وهو المصدر الوحيد للدولة الليبية. والنتيجة انهيار ما تبقى من الاقتصاد الليبي الهش أساسا .
أما التحرك الثالث، فيحمل أجندة بقايا قيادات النظام السابق التي لم تنشق عن نظام القذافي، فمليشيات ما يسمي بالجبهة الشعبية لتحرير ليبيا تعيد ترتيب صفوفها من جديد بعد تدمير آمر المنطقة الغربية اللواء أسامة الجويلي وقوات داخلية الوفاق في طرابلس، لقوتها التي كانت تتمركز في سهل جفارة “ورشفانة” منذ أسابيع , هي الآن تعيد تنظيم صفوفها بالجنوب الليبي، وأخر أعمالها إيقاف عمل منظومة الحساونة بالنهر الصناعي، والذي تسبب في إيقاف تدفق المياه للمدن بالغر ب الليبي والعاصمة طرابلس, وبسبب تأخر رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بتكليف آمر للمنطقة الجنوبية ولأكثر من سنة ونصف، مما ساعد في تقوية شوكتهم بالجنوب.
إن حدث صدام عسكري بين قوات الوفاق وكتائب حفتر، لا قدر الله فستكون نتائجه مدمرة والخسائر كبيرة
أما التحرك الرابع يقوده رئيس حكومة الإنقاذ سابقا خليفة الغويل، بهدف العودة للسلطة من جديد، عودة مخططها سيكون عبر اجتياح العاصمة طرابلس عسكريا، وطرد حكومة السراج، وتعد هذه المحاولة الرابعة للغويل، وبنفس النهج والطريقة. فهل يستطيع هذه المرة إقناع قيادات البنيان المرصوص بالمشاركة ؟ فهذه القيادات تشعر بأن فائز السراج قد أقصاهم بعد انتصاراتهم الكبيرة بالقضاء على تنظيم الدولة الإرهابي في سرت، والذي دائما يما يفخر السراج بهذا النصر، لا سيما في المحافل الدولية والإقليمية.
تقع المسؤولية على عاتق رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني لإفشال هذه التحركات الراميو إلى إثارة الفوضى الشاملة في البلاد، ففي هذه الظروف وجب عليه التواصل مع قيادات البنيان المرصوص بشكل مباشر، وإقناعهم وتوضيح رؤيته لهم، وأن يقوم بتكليف آمر للمنطقة الجنوبية ودعمه بالمال والإمكانات المادية واللوجستية.
وأما كيفية تعامله مع مخطط حفتر، عليه التواصل مع الخارجية الأمريكية ليتم استدعائه كما في السابق من قبل سفيرهم في ليبيا، وإرسال رسالة ملزمة واضحة للنظام المصري والإماراتي لإيقاف هذا العبث. أما ما يخص تحركات الجظران، يجب على السراج تكليف وزير الدفاع العقيد المهدي البرغثي وآمر حرس المنشئات النفطية العميد إدريس بوخماده للتواصل مع الجظران وإلزامه بوقف تحركاته، فإن فشلوا ما عليهم إلا رصد تحركات قواته ومنعها من التحرك شرقا، واستخدامها في حماية الأراضي الواقعة تحت سيطرة رئاسي الوفاق.
فإن حدث صدام عسكري بين قوات الوفاق وكتائب حفتر، لا قدر الله فستكون نتائجه مدمرة والخسائر كبيرة، ولن تقف مصر السيسي عن دعم مشروع حفتر، إن هي أحست أنه قد ينتهي.
هذه التدخلات قد ينجم عنها تدخل عسكري جزائري وتصبح بلادنا ساحة لمعارك الجميع فيها خاسر, فقط عناصر تنظيم الدولة داعش هم المستفيد السعيد لهذه النتائج فهذا المناخ هوالأنسب لهم لإعادة تجميع الصفوف وزحف عناصره من جنوب الصحراء. ومن استطاع الهروب من العراق وسوريا، لتكون ليبيا بداية لمشروع جديد قريب من أوروبا.
المصدر: ليبيا الخبر